التجربة النووية الإيرانية الأولى.. التوقيت وردود الأفعال
8 ربيع الثاني 1429
أمير سعيد

[email protected]

سيصحو العالم ذات صباح على خبر مفاجئ: إيران تجري تجربتها النووية الأولى في صحراء إيران الكبرى، وستعرب الدول الغربية عن قلقها وتكشف العربية عن ذعرها، وستكتفي الدول الغربية حينئذ بفرض عقوبات مؤقتة تنتهي كما انتهت العقوبات على كل من الهند وباكستان إثر تفجيراتهما النووية، وستبدأ دولنا العربية في مساعيها الاسترضائية للجارة الخليجية "الشقيقة"، وستلوم المنظومة الإعلامية العالمية الولايات المتحدة لإخفاقها في توقع ذلك التفجير بعد فترة ليست طويلة من صك البراءة الأمريكي عبر مجموعة أجهزة الاستخبارات الأمريكية الذي مُنح لإيران قبل شهور من تهمة الطموحات العسكرية للبرنامج النووي الإيراني.
سيُدان الرئيس السابق جورج بوش سياسياً حينئذ لأنه منح إيران فرصة كبيرة لتطوير برنامجها النووي قبل وأثناء وعقب حربه للعراق وخلال فترة الاحتلال التي ما زالت مستمرة، وصمته على التمادي الإيراني في تطوير برنامجها في الوقت الذي كان يعمل فيه على استرضائها لمساعدته في الخروج من أزمة بلاده المستفحلة في العراق.
الأفدح سيكون في نظر ناقديه أنه قد أهدى إيران هديته الأخيرة حين أعلن مؤخراً أنه لا ينوي مهاجمة إيران قبل مغادرته البيت الأبيض، ورد بالتأكيد قائلاً: "هذا صحيح" على سؤال طرح عليه يستفسر عن صحة الأنباء القائلة بأنه لم يكن يملك أي مشروع عسكري ضد إيران، أجاب بوش: "هذا صحيح".
وعندما فجّر (الرئيس الإيراني) محمود أحمدي نجاد مفاجأة بدء تركيب بلاده ستة آلاف جهاز طرد مركزي متطور في منشأة "ناتنز" تحت سطح الأرض؛ كانت ردود الأفعال الأمريكية الرسمية ـ بخلاف التعامل مع العراق تماماً ـ مشككة في كلام الرئيس الإيراني، ونستطيع أن نحكي إجماعاً مريباً عن ذلك؛ فلقد صرح الناطق باسم البيت الأبيض جوردن جوندرو بأنه لا يستطيع تأكيد دقة المعلومات التي أعلنت أن إيران تستعد لنصب ستة آلاف جهاز طرد مركزي جديد، ومن جهته؛ فإن السفير الأمريكي لدى وكالة الطاقة الذرية جيرجوري شولت قال : "يجب معالجة هذه التصريحات بقدر من الشك"، و"بأدب جم" قالت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس إنها لا تستطيع التحقق "بطريقة أو بأخرى" مما قاله الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد هذا الأسبوع عن تحقيق تقدم في برنامج طهران النووي، وزادت في تحفظها الهادئ على البرنامج قائلة: "سيكون من الأفضل لو حصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة على وصول أكبر إلى برامج إيران النووية للتحقق مما يحدث".. وقد تكون هذه الأفضلية محض تمني أمريكي أو صمت مبرر لدى الساسة الأمريكيين في إدارة مغادرة، لكنها ليست على ذات القدر من التفهم من المراقبين حينما تقف الأجهزة الأمنية عاجزة عن تأكيد أو نفي وجود هذه الأجهزة الجديدة التي هي بالطبع أكبر حجماً من نوع ملابس الرئيس العراقي الراحل صدام حسين التي كانت الولايات المتحدة تفاخر بقدرتها على معرفتها في عهد بوش الأول.
والأمر لا يقتصر على الإدارة الأمريكية وتوابعها داخل الإطار الرسمي الأمريكي؛ فالتصريح الذي أدلى به المتحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية تعليقاً على الإعلان الإيراني من أن هذا الموقف "يثبت أن إيران لم تبذل جهودا لاستعادة الثقة الدولية بنواياها"، لا يخرج عن السياق الأمريكي، ومثله وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الذي أبدى مرونة أعلى حين قال: "لسنا متفقين مع الأميركيين هذه المرة أيضاً؛ فنحن نحاول التحاور وكذلك دول أخرى"!!
كل ما تقدم أعلاه يشي بأن ردود الأفعال الغربية ستكون خجولة أو مصطنعة الغضب عندما يحين موعد إجراء أول تجربة نووية إيرانية ـ مثلما أتوقع ـ وعندها سيكون من اليسير على الدول الغربية تقبل إيران عضواً جديداً في النادي النووي بعد إعطاء ضمانات صارمة بعدم مهاجمة "إسرائيل" أو القوات الأمريكية المنتشرة في العراق وبعض دول الخليج؛ فالمعطيات الأولية تؤكد أن الغرب سيتحلى بصمته أو بتعليقات محدودة الأثر أو ذات أثر إعلامي وسياسي واقتصادي محدود، ولعل من اللافت مثلاً في هذا التوقيت أن يشدد وزير الطاقة الذرية الروسي السابق ومدير معهد الاستقرار الاستراتيجي في موسكو فيكتور ميخايلوف على أن امتلاك إيران لستة آلاف جهاز طرد مركزي، يمكنها من تصنيع سلاح نووي، ويعزز أقواله دراسات نووية غربية تتكهن بقرب حصول إيران على سلاح نووي استناداً في بعضها إلى معلومات أكدها دبلوماسيون في فينا تفيد بأن إيران تسعى وبشكل تدريجي إلى استبدال أجهزة الطرد المركزيB1 الموجودة حالياً في محطاتها النووية بأخرى طورتها من تصميم B2 والذي حصلت عليه من السوق السوداء في الغرب على نحو مريب أيضاً ويتلاقى مع معطيات تحدثت في السابق عن أجهزة غربية عديدة مستخدمة في المحطات النووية الإيرانية في مرحلة ما بعد الخوميني وحتى الآن، وهذا التطور يصير الأجهزة أقدر على تخصيب اليورانيوم بسرعة تفوق سرعة أجهزة الطرد المركزي القديمة مثلين أو ثلاثة أمثال.. كل ذلك من دون أن يثير حفيظة قادة الغرب السياسيين.
وإذا صار السيناريو هكذا كما هو متوقع؛ فستنجلي الأزمة عن تفاهم مسبق يسمح بقدر معين من حجم الردع النووي الإيراني لا يهدد المصالح الغربية بشكل قوي لأن الأخيرة تملك أضعاف مضاعفة من الرؤوس النووية وقوة الردع المقابلة التي تتضاءل أمامها القوة الإيرانية الناشئة، أيضاً، سيظل التفوق النووي الصهيوني غالب، والخاصرة الرخوة في المنطقة هي الحوض العربي الممتد من الخليج إلى المحيط الذي سيناله من فيح التفجير النووي الأول بعضاً من لهيب تهديداته المبطنة أو غير المبطنة.
وكعادتهم، سيضع بعض الساسة العرب خياراتهم بين استرضاء إيران ومنحها كثيراً من مطالبها التوسعية الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية، والارتماء أكثر في حضن الولايات المتحدة من دون أن ينتبهوا إلى أنهم يملكون أيضاً أسلحة فاعلة لا أزرار لها في الحقائب النووية إن هم أحسنوا الالتفات إليها؛ فمما ينبغي أن يدركه عقلاء الساسة العرب أن "إسرائيل" قد سبقت إيران بمراحل في برنامجها النووي ـ الذي رعته أيضاً فرنسا ـ لكنها لم يكن بمقدورها أبداً ـ ولن تفعل ـ أن تستعمله في سائر حروبها وإزاء المقاومة الفلسطينية مهما اشتد تأثيرها على "الداخل الإسرائيلي"، وأن مظنة استخدام إيران لسلاحها النووي المرتقب سيبقى محدوداً جداً، ما دام هناك نوع من توازن القوى، وجملة من الأسباب الأخرى التي لا تسمح لإيران بحرق هذه الورقة.. إنما في الواقع يأمل التذكير بهذا السيناريو المحتمل فقط إلى البحث في الأوراق المندرسة والغائبة والتائهة التي يجهل بعض الساسة العرب كيفية استخدامها حتى بعد أن تقرع آذانهم أنباء التجربة الأولى، ويتدثرون كعادتهم بالرعب والفزع وتوقيع العقود المجحفة.