تحويل غضب المسلمين من الإساءات إلى طاقة فعالة
29 ربيع الأول 1429
عبد الباقي خليفة

لا شك أن العدوان على الإسلام في الغرب باستهداف مقدساته ،وفي الشرق باستهداف الملتزمين به ،يتم على وتيرة واحدة ،ويصدر من مشكاة واحدة ،ويهدف إلى غاية واحدة ،وهي أن يكون الإسلام أثرا بعد عين .والنتيجة هي " والله متم نوره ولو كره الكافرون " .
محاضرة لبابا الفاتيكان يردد فيها مزاعم قديمة بأن الإسلام لم يأت بجديد ، وأنه انتشر بالسيف ، رغم أن الجديد الذي جاء به الإسلام ، كثير وعظيم بدءا بتجديد التوحيد الخالص الذي شابه الشرك على يد النصرانية واليهودية وانتهاءً بتمجيد العقل وجعله مناط التكليف وأداة البحث والنظر في آيات الله النصية والكونية ، مرورا بأخلاق الحرب التي لم يعرف لها العالم قديما وحديثا نظيرا، إلى جانب حرية الاعتقاد التي أرساها الإسلام ولم تستطع أي ديانة أخرى أن تحقق واحدا في المائة منها وذلك في القديم والحديث.
وقد كان خطاب بابا الفاتيكان الذي أخذ شكل (محاضرة) تدشينا لمسلسل جديد للحرب الظالمة على الإسلام، أعقبته الرسوم المسيئة في الدنمارك، والتي أعيد نشرها، ثم تكريم سلمان سلمان رشدي على يد ملكة بريطانيا، ثم تعميد المرتد صاحب سوابق التجسس لصالح الكيان الصهيوني والذي يقيم في ايطاليا منذ 35 سنة، ثم الفيلم الهولندي وتخرصاته حول القرآن، ثم المسرحية الألمانية المقتبسة من رواية المرتد سلمان رشدي، ثم العدوان على أمهات المؤمنين كل ذلك حلقات في مسلسل العدوان ضد الإسلام ومقدساته في أوربا، ولا يزال المسلسل مستمرا، والأوروبيون يقيسون درجة فعل المسلمين من خلال زيارات مسؤوليهم للبلاد العربية والإسلامية ، وكل تصريحاتهم لا تساوي شيئا ما لم يأخذوا على أيدي سفائهم.

ردود أفعال في حاجة إلى فعل :
ردود الفعل الإسلامية انقسمت بين الخطابة والكتابة وتسجيل المواقف وتعديد الاقتراحات لكنها لم تتحول إلى برامج لاسيما الجهات المعنية مباشرة مثل الهيئات التي تشكلت للدفاع عن الإسلام في مختلف البلاد العربية والإسلامية وأوربا.
ومن ذلك ما أعلنته المنظمات الإسلامية في أوربا، من تشكيل "جبهة أوروبية "تجمع المسلمين وغير المسلمين ضد الإسلاموفوبيا. ولوقف حملات التحريض ونشر الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، مما يذكر بالأجواء التي رافقت حملة الإبادة النازية ضد اليهود إبان الحرب العالمية الثانية ، على حد قول رئيس المنظمات الإسلامية في أوربا شكيب مخلوف .
ورغم أن الفيلم يحاول أن يعطي انطباعا بأن العمليات التي حدثت في مدريد ولندن وغيرها لها علاقة بآيات القرآن الكريم بإخراجها من سياقها الشرعي، وهو ما يدل على جهل ذلك المتعصب الذي يقف وراء العمل، والإنسان عدو ما جهل ، أو يتنزل في سياق الحملات المغرضة التي تجحد فضل الإسلام على سائر الأديان والثقافات.
ونحن هنا أمام جحود، ومحاولة لركوب موجة العداء للإسلام والتقرب من الصهيونية، وكما قال رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوربا شكيب مخلوف " ليس المسلمون من اضطهدوا اليهود وذبحوهم في أوروبا وإنما اليمين المتطرف في ألمانيا وأوروبا بشكل عام، بل إننا نستطيع القول إنه ليست هناك حضارة تعاملت بتسامح مع اليهود مثل الحضارة الإسلامية، حيث عاش اليهود أربعة عشر قرنا في ديارنا بأمان، ولما أخرجهم واضطهدهم أجداد هذا البرلماني الهولندي من الأندلس لم يلجأ اليهود إلى أي مكان إلا بلاد الإسلام، لأنهم كانوا يعلمون أن في بلاد المسلمين يمكنهم أن يعيشوا في سلام "وقال " تقنيا نحن في الحقيقة لسنا أمام فيلم، ولكننا أمام عملية جمع للصور ولبعض النصوص المقطوعة من سياقها والتي ترتبط بسياقات معينة، وتوظيفها بطريقة خبيثة لإشاعة معنى أن القرآن هو دين العنف والدماء و المجازر" فهو " يتعلق بإغفال كامل لسياقات نزولها وشروط تطبيقها، فالبرلماني يقدم هذه الآيات على كونها دعوة لقتل كل كافر، وهذا غير صحيح، لأننا عندما نعود إلى تاريخ الرسول نجده كان يجاور الكافر " وخطورة الفيلم لا تكمن في قوة حججه فهي متهافتة ولا تقف على أرض صلبة ولا تقوى على مقاومة التفنيد لكن " الأكيد أن الفيلم عندما يشاهده العوام سيقوي نزعة التخوف من الإسلام عندهم وينشر الإسلاموفوبيا.
بيد أن هناك أمورا غير متوقعة قد تنتج، وهي أن الغربيين سيسارعون إلى المكتبات لشراء القرآن، وقضية الرسوم الدنماركية الأخيرة أثبتت أن عمليات اعتناق الإسلام قد نمت بعد نشر هذه الرسوم، أي أن هناك رد فعل معاكس لما يردده أمثال هؤلاء " ويقوم صاحب " الفيلم "بجمع الآيات التي تتحدث عن المعارك والجهاد ويخرجها من سياقها التاريخي الذي نزلت فيه ويلصقها بأعمال مدانة من غالبية المسلمين على غرار تفجيرات مدريد ولندن وأعمال أخرى في العراق وفلسطين من أجل إثبات أن القرآن كتاب يحض على العنف .
وقال الدكتور محمد موفق الغلاييني عضو مجلس أمناء اتحاد الأئمة بأمريكا الشمالية: "إن مضمون فيلم فتنة لا يطابق الواقع والتاريخ، خاصة فيما يتعلق بكراهية اليهود والحض على قتلهم " وتابع "لو كان الإسلام أمر بقتل اليهود والنصارى لما بقي أحد منهم في بلاد المسلمين على مر التاريخ، فأينما ذهبنا في بلاد الشام وإفريقيا وفي إسبانيا إبان الحكم الإسلامي لوجدنا اليهود والنصارى عاشوا بجوار المسلمين في سلام وأمان " كما أن "هناك حادثة تاريخية فريدة لا يمكن إنكارها تؤكد كذب ادعاءات الفيلم، وهي أنه عندما اضطهد اليهود على يد القوات المتعصبين بإسبانيا نزحوا إلى تركيا، حيث رحب بهم الخليفة العثماني، ومكنهم من العيش بسلام في أنحاء الدولة العثمانية " وقال الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة: "إن ما نسبه الفيلم للقرآن من أنه يحض على قتل اليهود، يناقض ما أرساه الرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر إلى المدينة المنورة، حيث وضع دستورا أمن فيه اليهود على دينهم وأنفسهم وأعراضهم " و"استند إليه الفيلم من عمليات لفدائيين فلسطينيين داخل "إسرائيل"، هو محاولة خلط متعمد بين حق المقاومة المشروعة للمحتلين، وهو حال الفلسطينيين مع "الإسرائيليين"، وبين العنف الذي يدعيه، مع أن القانون الدولي يفرق بينهما " .
ودعا محمود الدبعي رئيس اتحاد الجمعيات الإسلامية بالسويد مسلمي هولندا إلى "الضغط نحو سحب الثقة من فيلدرز وبقية نواب حزبه في البرلمان؛ بسبب الفيلم المسيء للشعب الهولندي قبل أن يكون مسيئا للمسلمين

الموقف الأوروبي في منتصف الطريق :
الاتحاد الاوروبي من جهته حاول أن يبدو محايدا في قضية لا تقبل الحياد ، إذ أن الفيلم كان منحازا ولم يعرض وجهة نظر الإسلامية حول ما جاء في ( الفيلم ) " نشدد على مبدأ حرية التعبير في أوروبا غير أن هذا يجب أن يتم في إطار اللوائح القانونية والقضائية، كي نضمن أن تلك الحرية لا تستخدم من أجل الإساءة للأديان والأعراق " ووصف المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان الفيلم بأنه "مقيت" وقال في بيان: "إنه ببساطة مجرد دعاية سياسية لخدمة المتطرفين " كما عرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن قلقه من أن الفيلم قد يتسبب في تفاقم الوضع الأمني للقوات الأجنبية في أفغانستان ومن بينها 1650 جنديا هولنديا بعد تهديدات وجهتها حركة طالبان باستهدافه . لذلك سلمت الحكومة الهولندية الاثنين 24-3-2008 م عن طريق سفيرها في مصر رسالة رسمية إلى الأزهر الشريف تتبرأ فيها من محتوى الفيلم، وجاء بالرسالة أن "رأي فيلدرز لا يمثل رأي الحكومة الهولندية في هذا الموضوع، وأن فهمه وإدراكه للإسلام لا يمثل منظور أو سياسة الحكومة الهولندية بأي شكل من الأشكال كما رفض رئيس وزراء هولندا الفيلم .
وعلى صعيد الانعكاسات نشر " الفيلم " تراجع مستوى التأييد لحزب الحرية بعدما بث جيرت فيلدرز اليميني المتطرف الذي يرأسه فيلمه المعادي للقرآن والذي أثار انتقادا واسع النطاق في كل أنحاء العالم .وأظهر الاستطلاع الذي أجرته وكالة "سينوفات" الهولندية أن الحزب لن يحصل سوى على 10 مقاعد بالبرلمان الذي يضم 150 نائبا ما إذا أجريت الانتخابات اليوم مقابل 12 مقعدا رشح لنيلها في الاستطلاع الذي جرى الأسبوع الماضي، يشار إلى أن حزب الحرية يشغل حاليا 7 مقاعد في البرلمان الهولندي .
وبينما كان العالم يتحدث عن الإساءة الهولندية الجديدة ، وفي عملية تشتيت للانتباه و" كثرة الضباء على حراش " جرى عرض مسرحي مأخوذ عن رواية سلمان رشدي "آيات شيطانية" في بوتسدام قرب برلين بألمانيا . وقالت
نورهان سويكان المتحدثة باسم المجلس المركزي للمسلمين في المانيا "إن المسلمين يؤمنون بحرية الصحافة وحرية الرأي لكننا منزعجون من تزايد الاستفزازات والإهانات ضدنا حديثا. لا أريد حظر (المسرحية) لكن يمكنك توقع احتجاجات من المسلمين، ليس من المتوقع أن يتسامحوا مع كل شيء " .

المقترحات والمبادرات :
الخطة الأوروبية تهدف كما أعلن عنها إلى تشتيت جهود المسلمين إلى درجة تخيلوا فيها استسلام المسلمين وعدم قدرتهم على الاحتجاج وإصابتهم بالبلادة . ولذلك فإن ردود الأفعال الحقيقية هي التي تأخذ شكل المؤسسات ، وترد على الاعتداء بمثله ،دون تجريح أو كراهية بل من منطلق حب الخير للنصارى وتبصيرهم بالحقيقة التي يجهلونها ويرفضونها تكبرا وجحودا . وسنسرد الآن جملة من المقترحات والمبادرات الفعالة لرد العدوان .
1 ) طباعة ونشر القرآن الكريم باللغة الهولندية و الدنماركية والألمانية إلى جانب اللغات الأوروبية الأخرى مع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومطويات تضم ردود على ما يتخرص به الذين لا يعقلون .
2 ) استخدام نفس الأسلوب الذي يعمد إليه أعداء الإسلام والمسلمين، وهو الأفلام القصيرة وغيرها . لكن على نحو شرعي. ويمكن إعداد أفلام عن مجازر الفلسطينيين وما تقوله التوراة المحرفة . كذلك الموقف من الإبادة التي يحرمها الإسلام حتى فيما يتعلق بالحيوانات " لو لم تكن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها " مقابل دعوة التوراة لقتل الأمم صغارا وكبار ذكورا وإناثا . إضافة لأفلام قصيرة تتحدث بالصوت والصورة والأرقام عن ألم المسلمين في البوسنة وكوسوفا والشيشان وكشمير وجنوب الفلبين وبورما وتاياند وغيرها. وما جرى لهم في الهند وإثيوبيا وغيرها. ( يمكن أن نتعاون مع أي جهة تريد نصوصا مكتوبة)
يمكن أيضا التطرق للمساواة بين بني البشر في الإسلام ، واعتبار اليهود أنفسهم شعب الله المختار كقومية قبل أن تكون ديانة.
3 ) إنشاء جامعة إسلامية لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام، بحيث تنشر روائع هذا الدين في أبحاث علمية
4 ) إحياء كل مبادئ الإسلام وجعلها واقعا، وإنشاء ألعاب إلكترونية ترسخ سيرة السابقين من المسلمين ورجاله الأفذاذ.
5) إضافة إلى نشر القيمة الإعجازية للقرآن، وتحليل الأبحاث التي تهاجم الإسلام والرد عليها
6 ) من المهم إنتاج أفلام تبين حقيقة ديننا بجميع اللغات الأوروبية وتوزيعها بالملايين على الأوروبيين ، حتى نعرفهم بحقيقة الإسلام ضد أمثال هؤلاء الحاقدين على الإسلام والمسلمين من أمثال البرلماني الهولندي
7 ) إنتاج أفلام عن الفظائع التي ارتكبها الغربيون أثناء احتلالهم بلاد المسلمين ،وآخرها العراق أو غيرها من الأوطان سواء في آسيا وأفريقيا وأميركا واستراليا وأوربا . ولما لا ما تعرضت له المدن الألمانية والبريطانية وغيرها من دمار أثناء الحرب العالمية الثانية .
8 ) المقارنة بين مساجد المسلمين التي تضم كل بني البشر من الأعراق والقوميات والكنائس المقسمة بين سود وبيض في أميركا .وربما نجعلهم أكثر إنسانية بتذكريهم بذلك ونحقق فضلاً إسلاميا جديدا عليهم .
9 ) أمر في غاية الأهمية وهو اعتماد منهج لدراسة النصرانية دراسة نقدية بناء على الإنجيل نفسه وما قاله الباحثون الغربيون حول الأمر لمواجهة العدوان بما في ذلك التنصير الذي يستخدم أساليب رخيصة في رد المسلمين عن دينهم ومن بينها قلب الحقائق و الكذب ووصل ذلك لفبركة أفلام تنال من عرض علماء الأمة .
10 ) بعث قناة فضائية إسلامية بلغة أي دولة يتم فيها العدوان على الإسلام ومقدساته ، وليكن ذلك من الأهداف بعيدة المدى . والطلب من لمسلمين الأنفاق على نصرة الإسلام وهو أفضل من التظاهر في الشارع والدعوة لموت أعداء الإسلام وعوضا عن ذلك ندعو لهم بالحياة في ظل الإسلام .
وتلك مجرد خواطر ومقترحات تحتمل الخطأ والصواب لكن حسبها أنها محاولة يمكن البناء عليها أو ابتكار أشياء أخرى.

مبادرات عملية :
وهناك حملة إسلامية هولندية سعودية مشتركة مشكورة تحت شعار "نصرة القرآن الكريم من الانفعال إلى الفعل" لمواجهة الأكاذيب التي وردت في الفيلم الهولندي
وستوزع كتب الشيخ أحمد ديدات من خلال المساجد ومراكز تجمعات الهولنديين، وذلك بمعاونة عمدة أمستردام يوب كوهين، والذي رحب بالمبادرة، وأكد على دعمه ومساندته لها من أجل مجتمع التعايش السلمي بين كافة الأديان بهولندا . و سبب اختيار كتب الشيخ ديدات لترجمتها للهولندية وتوزيعها لمواجهة أكاذيب فيلم "الفتنة" الذي يصف القرآن الكريم بالفاشية، هو أن "الشيخ ديدات معروف، وله رحلة طويلة وصولات وجولات في الدفاع عن الدعوة والإسلام، والتصدي لخصوم الإسلام بالحجة والبرهان، وسلاح المناظرة " وسيتم من خلال الحملة، توزيع 50 ألف نسخة مجانا من كتاب الشيخ أحمد ديدات "المسيح عليه السلام في الإسلام والقرآن" الذي قامت دار"البينة" للنشر والتوزيع والبرمجيات لصاحبها عصام المدير بطباعة ترجمتها مجانا باللغة الهولندية، وسيتم خلال الحملة أيضا توزيع أعداد أخرى مترجمة من كتب الشيخ أحمد ديدات، قام بترجمتها الهولندي المسلم الداعية عبد الجبار فاندي فين الذي اعتنق الإسلام منذ 16 عاما .
كما أن الحملة بصدد طباعة ترجمات أخرى لكتب الشيخ ديدات وتوزيع أعداد منها مجانا في هولندا، وعلى رأسها " محمد صلى الله عليه وسلم.. الخليفة الطبيعي للمسيح عليه السلام"، و"الإله الذي لم يكن" ردا على تأليه الكنيسة للمسيح، وكتاب "هل الكتاب المقدس كلام الله" ردا على حركات التنصير ودعايته. وذلك بمساعدة عدد من المنظمات والمؤسسات الإسلامية بهولندا، منها: المركز الثقافي الإسلامي، والمركز الإسلامي الدولي الهولندي للدعوة، ومؤسسة "مسجد التوحيد" بالعاصمة أمستردام، و برعاية منظمة أصدقاء "بيت ديدات للدعوة" ومقرها جنوب إفريقيا، والتي يمثلها الداعية ديدات .