الحركة الشعبية تحتل "قلب" السودان النفطي
26 ربيع الأول 1429
وليد الطيب

بدون إشعار الخرطوم بقرار الحركة الشعبية لتحرير السودان (المتمردة سابقاً)، أقدم القائد العسكري إدورد لينو في 26 مارس المنصرم على اقتحام مدينة أبيي المتنازع عليها سياسيا وجغرافياً بين الشمال والجنوب، مستخدماً آليات عسكرية متقدمة من دبابات ومدافع الدوشكا وغيرها من الدروع العسكرية وآلاف الجنود، وقام لينو بلا مبالاة بعقد ندوة قرب رئاسة القوات المسلحة السودانية بالمدينة.
ليضع في عنق الزجاجة الحكومة السودانية الراهنة، حكومة الوحدة الوطنية التي تكونت عقب توقيع الحكومة السودانية ممثلة في المؤتمر الوطني والحركة الشعبية التي تمردت على السلطة المركزية في السودان منذ مايو 1983م، ولتصبح العلاقة بين الشمال والجنوب أمام تحدٍ جديد تُمتحن فيه الدولة أمام خيارات محدودة، تتراوح بين تجاوز برتكول أبيي الذي أُنجز ضمن اتفاقية السلام 2005م، والرضا بالواقع السياسي القائم في منطقة أبيي، وهو تجاوز لاتفاقية السلام وبذا يصبح سابقة قانونية وتاريخية في تجاوز الاتفاقية وخرقها، والخيار الثاني هو التمسك بالبرتكول وانسحاب الحركة الشعبية جنوباً إلى داخل الحدود الجنوبية، ملغية بذلك تكوين وحدة أبيي الإدارية الذي أعلنه القائد إدوارد لينو، والخيار المر هو العود للحرب، وإرغام جنود الحركة الشعبية على جرجرة أقدامهم إلى الجنوب عنوة واقتداراً.

أبيي " كويت" السودان أم كشميره؟

تعد أبيي من أغني المناطق السودانية بالنفط، ويصفها البعض بـ"كويت السودان" ولكنها بسبب وضعها الشاذ بين الشمال والجنوب اعتبرها البعض "كشمير" القادمة، بين الشمال المسلم والجنوب.
وتعود مشكلة أبيي إلى قرارٍ قديمٍ أصدرته الحكومة الاستعمارية في السودان في العام 1902م؛ بضم تسعة مشيخيات للدينكا إلى مديرية جنوب كردفان، المديرية الشمالية المتاخمة إلى جنوب السودان، وظلت قبائل الدينكا "الزنجية" والمسيرية "العربية" ظلتا تعيشان في سلام ووئام تام، حتى في اللحظات الحالكة في علاقات الشمال والجنوب، وفي طاولة والمفاوضات بين الحركة والحكومة بمدينة نيفاشا الكينية؛ طُرحت قضية أبيي، وكانت مواقف الوفدين على طرفي نقيض بين ضام لها للجنوب كليا وبين من يعدها منطقة شمالية صرفة، وبعد طول تداول وبوساطة أمريكية اتفق الطرفان على أن هناك منطقة محدودة من الأرض هي أراضي جنوبية وتحدد بواسطة مفوضية خاصة مكونة من الطرفين بالإضافة لخبراء أجانب ويرأس هذه المفوضية السفير الأمريكي السابق بالخرطوم، وبدون الرجوع لبقية أعضاء المفوضية المشتركة قدم الخبراء الأجانب تقريراً يقضي بإلحاق كل منطقة أبيي الغنية بالنفط بجنوب السودان نهائياً ويجري عليها ما يجري على جنوب السودان وحدة وانفصالاً بعد استفتاء 2011م، وقد قبلت الحركة الشعبية التقرير كقرار نهائي وواجب التنفيذ.
ورفضت التقرير كل القوى السياسية الشمالية كحزب المؤتمر الوطني الحاكم وحزب الأمة المعارض وكل الجماعات الإسلامية السودانية، بالإضافة لقبيلة المسيرية العربية صاحب الأرض والدار، وبدأت تداعيات تقرير الخبراء الملغوم، في صورة حرب بين المسيرية والدينكا بالمنطقة والمسيرية وجنود الحركة الشعبية، وتوجت تلك التداعيات باقتحام إدوارد لينو وجنود الحركة الشعبية لأبيي يوم 26 مارس 2008م.
من جانبه قال المؤتمر الوطني في بيان أصدره "تابع المؤتمر الوطني ما حدث يوم 26 مارس الجاري بمدينة أبيي من إعلان أحادي لتشكيل إدارة لأبيي بواسطة الحركة الشعبية لتحرير السودان وما صاحب ذلك الإعلان من نشر كثيف لقوات الحركة الشعبية شمال مدينة أبيي كما تابع محاولات تلك الإدارة لبسط سلطتها كأمر واقع وفرض نفوذها علي المؤسسات القومية والمحلية الكائنة بالمنطقة إن المؤتمر الوطني إذ يرفض هذا التصرف المنفرد، فإنه يوضح الآتي :
1- يعد هذا التصرف افتئاتاً علي رئاسة الجمهورية التي تملك وحدها دون غيرها سلطة تشكيل إدارة لأبيي بموجب اتفاقية السلام الشامل والدستور القومي الانتقالي
2 - يمثل هذا التصرف خرقاً صارخاً لاتفاقية السلام الشامل وخروجاً عن روح الشراكة ومؤسساتها
3- كان الشريكان قد اتفقا عند تجاوزهما الأزمة الأخيرة علي أن تتولي مؤسسة الرئاسة ملف أبيي ، ولقد ظلت هذه القضية موضع تداول مستمر لدي رئاسة الجمهورية في كل اجتماعاتها التي عقدت منذ ذلك الحين وكما عقد فريق العمل الذي كلفته الرئاسة العديد من الجلسات وأحدث تقدماً ملحوظا في مسعاه لبلورة رؤية مشتركة
4- يؤثر هذا التصرف الأحادي علي لأوضاع الأمنية المتوترة أصلاً في المنطقة بسبب قيام الجيش الشعبي بنشر قواته في مناطق التماس بالمخالفة لبروتوكول الترتيبات الأمنية"
ومن جانبه أيضاً يقترح المؤتمر الوطني الحوار حلاً للمشكلة إذ
" أنه لا سبيل لتجاوز الاستعصاء الراهن حول ابيي إلا بالتفاوض والحوار – وقبل ذلك القيام بالترتيبات الآتية -:
أولاً: الإنهاء الفورى للإدارة التي أعلنت مؤخراً وسحبها من مدينة أبيي.
ثانياً : إعادة قوات الجيش الشعبي التي نشرت حول المدينة إلى مواقعها السابقة تحت رقابة اللجنة العسكرية المشتركة.
ثالثا : التوقف عن أي خطوات انفرادية تهدد استقرار المنطقة وتؤدي إلى إفساد أجواء السلام والحوار الوطني المسؤول"
أما الحركة الشعبية التي أقدمت على هذه الخطوة الجريئة فقد اختارت الصمت وكأن الأمر لا يعنيها، فالحركة الشعبية قريرة العين بدعم الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية التي كانت في آن واحد: الخصيم والوسيط والحكم في قضايا السودان وأزماته، مما يشير بوضوح إلى أن أبيي ستكون "كشمير" القادمة التي ستشغل السودان عن البناء والتنمية عقب استفتاء الجنوب في 2011م.