الجديد الذي يحمله العائدون لحكم الصومال
24 ربيع الأول 1429
أمير سعيد

من الأحراش جاءوا ثانية ليسددوا ضربات موجعة للولايات المتحدة الأمريكية عبر وسطائها في الصومال، وليعيدوا مشهداً تابعه المهتمون بالصومال قبل عامين، حينما كانت قوات المحاكم الإسلامية تجد السير باتجاه العاصمة مقديشو لتخليصها من عصابات السلب والنهب المتمترسة بمكافحة "الإرهاب"؛ فالصورة هي الصورة: قوات الاحتلال الإثيوبية التي سيطرت على كل المنشآت الحيوية في الصومال وتحرس قصر من يُسمى بالرئيس الصومالي عبد الله يوسف، غزت الصومال بحجة تخليصه من "الإرهابيين"؛ فانتشر تابعوها يفرضون إتاواتهم على السكان أينما حلوا، وضاع الأمن وانتشرت السرقات والقتل وخضعت المدن الصومالية لأنظمة حظر التجول من بعد صلاة المغرب وبثت الحواجز في كل طريق، ومارست سلطات الاحتلال والميليشيات التابعة لعبد الله يوسف عمليات الخطف بغرض الحصول على المال شأنها كشأن عصابات الإجرام غير السياسي في العالم، يقول الصحفي الصومالي عمر ورسمة إن "السجن في الصومال هذه الأيام أصبح مكسبا ماديا مهما, وتجارة رابحة, لمليشيات الحكومة الانتقالية وضباط جيش الاحتلال الإثيوبي, فليس على أهالي السجين إلا أن يتجهوا إلى المعتقل مصطحبين معهم بعض الدولارات, ويتم تسليم المختطف إليهم وإن كان قياديا في المقاومة, أو كان حتى مطالبا في القوائم الأمريكية المشؤومة"!!
وأول من أمس قصفت قوات الاحتلال الإثيوبي سوق بكارو في العاصمة مقديشو وقتلت أكثر من عشرة أشخاص مدنيين، ردا على نيران القوات الإسلامية التي قصفت القصر الرئاسي بقذائف المورتر فيما كان يتلقى ما يُسمى بالرئيس الصومالي أوامره من وزير الخارجية الإثيوبي بشأن التعاطي مع مطالب المعارضة التي باتت تهدد حياة يوسف شخصياً بعدما أرغمت كثير من قطاعات الجيش الإثيوبي في الصومال على الانسحاب.
باختصار: تقصف القوات الإسلامية القصر الرئاسي فيعمل المحتلون النار في سوق تجاري وينهبون تجاره.. هذا وغيره من الممارسات الشائنة لجيش الاحتلال الإثيوبي وأتباعه قد حشدت الشعب الصومالي خلف قيادته الحقيقية المقاومة للاحتلال حتى غدت حركات المقاومة تحوي شباباً لم يكونوا في يوم من الأيام ضمن الحركة الإسلامية ـ ويصنفون في الصومال على أنهم شباب المقاهي والسينمات ـ التي أفرزت قوى المقاومة الإسلامية الصومالية، وهي بدورها تتألف من قوتين رئيسيتين، هي: جماعة الشباب المجاهدين، ولا يعرف على وجه الدقة مدى قربها من قوات المحاكم الإسلامية ، ويرأسها الشيخ مختار روبو أبو منصور، وتحالف تحرير الصومال، ويرأسه الشيخ شريف شيخ أحمد والشيخ حسن طاهر أويس.
هذا علاوة على الجهود الفردية المقاومة من الشباب الصومالي التي يهزها مشاهد الاعتداء على أبناء دينها ووطنها وأهلها من قبل عدو تاريخ كإثيوبيا.
لا جديد فيما تقدم تقريباً.. الجديد يكمن تحديداً في وعي قوات المقاومة الصومالية الآن لجدوى ما تفعله؛ فالمقاومة الصومالية تحاول الآن أن تكون على مقربة أكثر من الشعب الصومالي وتسعى لتجييشه معها ضمن رؤية تدرك يقينا أنها ستفلح في معركتها حين تطبقها داخلياً.
إن أكبر معوقات انطلاقة المقاومة الصومالية في الاتجاه الصحيح كان في طبيعة الشعب الصومالي ذاته بما تحمله من تعصب قبلي وجهوي سهل كثيراً على أعدائه استغلال الثغرات القبلية والعرقية ـ كما في دارفور مثلاً ـ من أجل إيجاد موطئ قدم لهم فيها، ولعل ما قد غدا من الوضوح بمكان لكل مراقب للشأن الصومالي اليوم أن مسألة القبلية وإن ظلت باقية ناخرة في جسد هذا الشعب الطيب، إلا أنها تضاءلت كثيراً مع توحد الصوماليين خلف المقاومة ضد غازٍ تاريخي لا يحمل له الصوماليون إلا كل سوء ظن.
من هنا كان ينفذ الغزاة كما الطغاة الذين تعاقبوا على حكم الصومال، وإلى هنا تحرك القادمون من الأحراش الذين لجؤوا إليها في أعقاب الغزو الإثيوبي في ديسمبر 2006 لسد تلك الثغرات في البناء الاجتماعي الصومالي، وتلك أبرز النقاط تحديداً فيما يحمله المشروع الصومالي المقاوم اليوم.
الجديد تالياً أنهم يجابهون اليوم أعداء قد فشلوا في "صوملة" الصومال، واضطروا إلى "تدويله" وتلك منحة تلقتها المقاومة الصومالية التي لم تعد تلقى عنتاً في التسويق لمشروعها وحشد الطاقات له لأنه أصبح بالفعل المشروع الشعبي أو الإسلامي أو القومي، ليسمه من شاء ما شاء، لكنه في النهاية مشروع يجمع الشعب حوله برغم كون المحاكم الإسلامية في حكمها القصير تمكنت من حشد كثير من الشرائح والقطاعات الاجتماعية لصفها لكنها بالتأكيد لم تحصد إجماعاً كالذي تكاد تحصل عليه المقاومة الصومالية اليوم.
أيضاً لا يمكن استقبال الأنباء التي وردت أواخر شهر مارس تفيد بأن المقاومة الإسلامية الصومالية قد تمكنت من فتح بلدة جوهر، وهي أهم بلدة بعد أربعة أخرى فتحتها المقاومة بعد فرار الحاميات الإثيوبية منها خلال الشهور القليلة الماضية، وكانت مقرا للحكومة المؤقتة عام 2005، وتبعد مسافة 90 كيلو متراً فقط عن العاصمة مقديشو.
قلة فقط من الإثيوبيين كانت تقف حائلاً أمام سيطرة المقاومة على جوهر، وهو ما يعكس مدى التراجع العسكري الذي أدى لانسحاب قطاعات مهمة كانت غزت الصومال من قبل تحت وقع ضربات المقاومة الموجعة.
ليست المسألة العسكرية في الحقيقة معبراً مستقلاً وقوياً عن أن ثمة جديد واضح في المشهد الصومالي يمهد له المقاومون، غير أنه مؤشر مفهوم في ظل معطيات دولية وإقليمية بارزة؛ فالرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش قد ورط خليفته بل كلينتون بالتدخل في الصومال عبر عملية "إعادة الأمل" في العام 1992 ما اضطر الأخير إلى الانسحاب في العام التالي بعد سحل 18 جندياً أمريكياً في شوارع مقديشو، بيد أن بوش الابن محال أن يفعل الشيء ذاته حتى بعد ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية، ولديه استحقاقات أخرى أكبر فداحة من الهزيمة التي يلقاها اليوم حلفاؤه الإثيوبيين الذي يشنون الغزو وتبعاته بالوكالة عن الولايات المتحدة؛ فملفات العراق وأفغانستان ودارفور وغيرهم أولى كثيراً من تجرع سم الهزيمة مجدداً في الصومال، والقبول بمرارة وجود إسلاميين في سدة الحكم في الصومال ـ برغم المرارة التي بات يشعر بها الأمريكيون من نظام الحكومة التركية التي يرأسها رجب طيب إردوغان ذات الجذور الإسلامية الذي بدأ يفرض أجندته الخاصة على الساحة الدولية والإقليمية ـ قد يكون أهون الشرور في ظل معطيات دولية سياسية واقتصادية لا تسير في صالح الأمريكيين، وهو يدركه المقاومون الصوماليون الآن، وما أضحى مشروعهم يقرأ مفرداته، وبالتالي؛ فإنهم الآن قد يكونوا أكثر قدرة على استخدام السياسي إلى جوار العسكري بغية الوصول إلى ترضية مقبولة في محيط القرن الإفريقي.