.. ولماذا لا تعقد القمة بطهران؟!
20 ربيع الأول 1429
أمير سعيد

الأجواء ذاتها تقريباً التي رافقت القمة العربية في القاهرة في 9ـ10/8/1990 عندما غزا العراق الكويت، الجميع حينها تحدث عن انقسام خلفته إرادة الهيمنة العسكرية العراقية على دولة الكويت الشقيق الأصغر له، والآن يعالج العرب حالة مماثلة من الانقسام، والسبب الظاهر ذاته تقريباً، نفوذ دولة تملك إمكانات أمنية على دولة أخرى أصغر مجاورة بما ينقص الأخيرة من سيادتها واستقلالية قرارها.
الفارق ما بين الحالين هو ذاك الفرق بين العسكري والسياسي، واللذين يفرزان أحياناً نفس النتيجة، وهي سيطرة دولة على أخرى بشكل كامل أو غير كامل، مباشر أو غير مباشر.
ولن نعكف على الحالة اللبنانية جاهدين الآن لنقربها اعتسافاً من الحالة الكويتية، لكننا في أقل تقدير سنسمح لأنفسنا أن نرصد الحالة العربية دائمة الانقسام والتشظي، ثم لن نكون جائرين لإلقاء تبعة هذا البلاء العربي المسمى بالوحدة العربية تفاؤلاً على عاتق دمشق ونظامها؛ فقبل أن تكون دمشق حاضرة بأوراق ألعابها الاستراتيجية في لبنان وفلسطين لم تكن هناك وحدة أو لم تكن هناك منظومة عمل تسمح بإيجاد قواسم مشتركة وحد أدنى من الأهداف وآليات التنفيذ والإرادة القومية أو غير القومية لتحقيقها من قبل أن تتحدث دمشق عن "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة".
ببساطة لن نبكي اليوم على قمة دمشق لأننا أبداً ما بكينا أية قمة سابقة، ولن نبكي لاحقة؛ فنحن نعرف المسلّمة الحسابية البدهية التي تنص على أن مجموع الأصفار لا يساوي إلا صفراً، ونفهم أن الانقسام واقع من قبل في تناول القضية الفلسطينية وفي حرب اليمن وفي سبتمبر "الأسود" وكامب ديفيد وو.. والقائمة متخمة بمحطات الفرقة، لا بل يمكن اعتبار حالات التوحد الظاهرية استثناءً طارئاً والمسلّمة الأخرى تنص كذلك على أن الاستثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها.
والحاصل أن أحداً لم يكن يعول على هذه القمة ولا ما قبلها، غير أن هذه لاشك قمة مميزة؛ فحيث يردد كثيرون في القمم السابقة أنها "قمة أمريكية بامتياز"، يبصر آخرون النار الفارسية مضطرمة حواليّ مقر القمة على جانبي الحدود بين العراق (أحد الامتدادات الإيرانية اليوم) ولبنان (أبعد نقطة بارزة في قوس إيران الإمبراطوري)؛ فلا يبقى من أمل على عروبة قمة حائرة يوماً إلى الغرب الأمريكي أو الشرق الإيراني.
وحينما قام صدام حسين بغزو العراق؛ فإن أحداً من خصومه لم يدعِ أنه فعلها لحساب آخرين، بل لحساب بلده العربي الذي كان يؤمن بفكرة البعث العربي على ضلالها الأيديولوجي والسياسي، ولم يكن ليجيرها لمصلحة بلد خارج المنظومة العربية وإن قطف ثمار الغزو من بعدها الأمريكيون لحماقة فكرة غزو الكويت ذاتها من النظام العراقي السابق، غير أن ورقة الشلل السياسي والحكومي والانفلات الأمني في لبنان تمسك بها الآن كلا من إيران وسوريا.. والأخيرة بدرجة أقل.
اليد الإيرانية صارت واضحة الآن في التأثير على الوضع العربي بأكثر من أي وقت مضى، وحيث تظل أبواق محور إيران تتهم كل من خاصمه بالولاء للولايات المتحدة؛ فإنها تبقى عاجزة عن إدانة من يرفضها هي والولايات المتحدة من العرب جملة واحدة ويضعهما معاً في سلة عدائية واحدة، بل ويراهما في كثير من الأحيان وجهان لعملة واحدة، هي عملة الاحتلال ورهن إرادات الشعوب العربية وحكوماتها لأيهما، وتذويب الهوية العربية ـ فضلاً عن الإسلامية ـ في بحور الهيمنة الخارجية الطاووسية التي ما تفتأ تحول كل مناسبة إلى صالحها وتستنزف رصيد المقاومة والنضال للشعوب في معارك وهمية وجانبية.
لقد أوقعانا كلاهما بين مطرقة الولايات المتحدة وسندان إيران؛ فالقمة باتت محصورة في رغبة تغليب المسألة اللبنانية، أو الفلسطينية عليها، وليس ذلك لتنوع بناء صحي، بل لأن دمشق لا تريد إلا أن تكون اليد المؤثرة الوحيدة في لبنان فيما يريد أشقاؤها أن يختار اللبنانيون رئيسهم بأنفسهم، وأن يكون لبنان وطناً لكل اللبنانيين.
غزة وأحداثها بسبب رغبة الحكومة السورية في تغييب مسألة الرئاسة اللبنانية عن القمة، والنجاح في تمريرها، ستكون عنوان القمة الحالية، وموضوعها الرئيسي، لا رغبة في رفع الحصار عنها ودعمها حقيقياً، وإنما لكي لا تكون بيروت قضية القمة الأثيرة في غياب رئس لبنان لأول مرة عن القمم العربية، ولربما شهدنا بعض التصعيد المبرمج على الصعيد الفلسطيني لتسخين الأجواء تزامناً مع القمة من قبل أطراف متحالفة مع طهران ودمشق في فلسطين ووثيقة الصلة بها من غير القوى التمثيلية الحقيقية للشعب الفلسطيني، ولربما لمسنا استمراراً لتهدئة واعية من "حزب الله" اللبناني مع الموالاة بغية الخروج من دائرة الضوء قبل القمة.. قد نرى ذلك للتمترس خلف الميراث الفلسطيني للنجاة من استحقاقات الرئاسة اللبنانية.
ولقد كنا نتمنى أن يقف العرب يوماً دعماً لفلسطين، لا أن يقتات البعض من دمها، ويقايض عليه آخرون، لكن لا مكان للأماني في قمتنا القادمة، إنما لمؤقت تفجير يبدأ تشغيله من الجلسة الافتتاحية للقمة إلى انتهاء ما تبقى من حظوظ التلاقي العربي.
استخفافاً، كان يسأل البعض لم لا تعقد القمة العربية في واشنطن؟! وهم محقون في ذلك، لكن ألا يحق لنا في الجهة الأخرى من الخارطة أن نسأل ولماذا لا تعقد في طهران؟! فإذا وقفت طهران فعلياً خلف كواليس هذه القمة، وأملت أجندتها الاستحواذية على راعيتها، وقادت محور "الصمود والتصدي"؛ فلماذا لا يجلس نجاد ساعتئذ على منصة الرئيس ليعلم البعث العربي الصامد ووحكومته القطرية معاني العروبة وهجاء لغة الضاد؟!