اقتضاء الانتصار لمخالفة الكفار
17 ربيع الأول 1429

حملة شعواء تشن على أفضل البشر وخاتم الرسل، أرادوا بتشويه صورته أن يهدموا صرح الفضيلة ليقيموا على أنقاضه بنيان الرذيلة، أرادوا للبشرية أن تغرق في الظلام الدامس بعد أن يطفوا نور الله -الذي بعث به محمداً صلى الله عليه وسلم- بأفواههم ورسوماتهم المستهزئة الكاذبة، وصدق الله تعالى القائل: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[التوبة: 33]، وقال سبحانه: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[الصف: 8].
ولكن أليس أجل النور الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو ما بعثه الله تعالى به من الهدى والعلم؟ وهل بناؤه العتيق وصرحه المتين غير سنته الشريفة، وهل من معول أمضى في هدمه من معول البدعة، وهل رياح أطفأ لسراجه من رياح المحدثات؟
إن الانتصار للنبي المختار يأخذ أشكالاً متنوعة وفي مقدمتها الانتصار لسنته، وإن خذلان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ أشكالاً عديدة ومن جملتها الابتداع في دينه، قال النبي صلى الله عليه وسلم محذراً: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"(1)، فحذر من البدع عليه الصلاة والسلام لأنه يعرف خطرها على الأمة، ويعرف ثقلها في ميزان الأعداء، حذر منها لأنها تطمس السنة وتقوض بنيانها وتهدم أركانها، فما أحدث الناس بدعة إلا أماتوا سنة، وما أحيوا ضلالة إلا فارقهم من الحق نصيب.
هذه المعادلة البسيطة والمفهومة لكل من فتح الله بصيرته ووقاه شر التعصب المقيت والتقليد الأعمى يجدر بنا التذكير بها في هذه الأيام خاصة، فمع ذكرى ميلاد الحبيب عليه الصلاة والسلام -على قول من قال إنه ولد في اليوم الذي يحتفل به الناس من ربيع الأول(2)- والتي تجيء في هذا العام وسط اعتداءات جديدة عليه صلى الله عليه وسلم يجدر بالمسلم أن يحذر من أن يكون ثقلا في ميزان أعدائه بتلكم البدع التي يحدثونها في ميلاده وهي من هدي أعدائه لا من هديه ومن سنة خصومه لا من سنته، فعندهم كان بدؤها وعنهم كان أخذها.
ما أجمل أن تغضب الأمة لنبينها ولكن الأجمل أن تقف مع نفسها لترى الجمال في هديه فتتبعه، وحق للأمة أن تغضب وتثور على من نال منه صلى الله عليه وسلم ولكن من الحق أن تثور على من هجر سنته وبدل طريقته، وما أعظم الأمة يوم قاطعت من شتمه وهزأ به وحري بها كذلك أن تقاطع من يحدث في دينه ويبدل في شرائعه.
كيف ننتصر للنبي صلى الله عليه وسلم بانتهاج نهج من شتمه، فإن الاحتفال بالميلاد النبوي بدعة تستمد جذورها من النصارى الضالين الذين يحتفلون بميلاد عيسى عليه السلام ويشهد العالم كله أشكالاً من اللهو والمجون في كل عام عندما تحل ذكرى ميلاد عيسى عليه السلام بزعمهم، فحسن الشيطان هذه البدعة النكراء لبعض المسلمين وحضهم عليها فاتبعوا سنة من سبوا الحبيب عليه الصلاة والسلام وشتموه وهزءوا به لتقع المفارقة العجيبة بين الانتصار منهم لنبينا صلى الله عليه وسلم ومتابعتهم في بدعهم التي تهدم سنته بأفعالنا، وليصدق الواقع ما تنبأ به عليه الصلاة والسلام من أن أمته ستتبع اليهود والنصارى حذو القذة بالقذة، تتبعهم فيما لا يختلف عاقلان على بطلانه كما لا يختلفان في أن الدخول في جحر الضب الخرب ضرب من الخبل ومرحلة من الجنون ليس ثمة ما بعدها، وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن"(3).
فالله الله في نصرة نبيكم باتباع سنته، وحذاري من سلوك طريقة سلكها أعداؤه الذين حذرنا من التشبه بهم، كما حذرنا من التعبد بغير ما شرع، فما هكذا تكون النصرة.

________________
(1) أبو داود، 3/610، (4607)، وصححه الألباني.
(2) وفيه خلاف، فبعضهم عده في غير شهر ربيع، وبعضهم جعله في الثامن منه، وبعضهم لعشر ليال من شهر ربيع الأول، وإليه ذهب الواقدي، وذهب أبومعشر الكندي إلى أنه ولد لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول، بل قد رجح الأستاذ محمد زاهد الكوثري –وهو أحد الناصرين لبدعة المولد النبوي وإليه يرجع كثير ممن ينصرها- أن مولده كان في التاسع من ربيع، وقال هو المتعين دراية! فتأمل!!
(3) رواه البخاري، 6/2669، (6889)، ومسلم، 4/2054، (2669).