4 ربيع الأول 1429

السؤال

أشعر بالسعادة بعبادتي وإن كانت قليلة.. لا اذهب إلى المسجد للجماعة حتى لا أعجب بعملي؛ لأنني أعجب بعملي ولو قليل.. أحياناً أقارن نفسي بغيري من غير الملتزمين وأفتخر بعملي بيني وبين نفسي فقط.
أخاف من كل هذا حتى إنني أبعد عن الالتزام ولو قليلاً.
ماذا أفعل ... مع أنني أحقر من نفسي دائماً وأشعر بأنني من العاصين!!

أجاب عنها:
إبراهيم الأزرق

الجواب

الأخ الكريم:
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن"(1)، فالمؤمن يسعد ويَسُرُّه ما يَسَّره الله له من الطاعة كما يسعد ويفرع إذا قدر الله له مغنماً أو رزقاً دنيوياً، بل فرح المؤمن بالطاعة واستياؤه من المعصية علامة على صحة الإيمان.

وفرق بين هذا السرور المشروع وبين العُجب الذي هو الزَّهو والكبر، فإن هذا يدعو إلى غمط الناس حقهم، والتعالي عليهم، ورؤية المرء نفسه فوقَهُم وقد صح عند مسلم عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "إن الله أوحَى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد"(2).

والله تعالى الذي أمر بالطاعات هو الذي حرم الكبر والعُجب فلا يستقيم أن يخالف العبد أمر الله فيترك الطاعة حتى لا يقع في ما حرمه من الكبر والعُجب، فالفرار من منهي عنه لا يكون بالوقوع في منهي عنه آخر، بل الواجب أن يستسلم المسلم لأمر الله فيؤدي الأمر ما استطاع، ويترك ما نهى الله عنه ويجاهد نفسه في هذا.
وإلا فترك الأمر لن ينجيه فليس هو بأخف جرماً من الوقوع في بعض النهي، وطريق النجاة والسلامة الاستقامة على فعل المأمور وترك المحظور.

ولعل مما يعينك – أخي الكريم – على ترك العُجب لعملِك وازدراء المقصرين في الطاعة أمور، منها:
• أن القبول علمه عند الله وقد قال سبحانه: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة: من الآية27)، والمتقي هو الذي يجعل بينه وبين عذاب الله وقاية بفعل الأمر وترك النهي فعلام الفخر والمرء لا يدري ما حظه من طاعته؟
• ومنها أن تحسن الظن بإخوانك وإن وقعوا في بعض التقصير فعل لهم من الأعمال الأخرى ما لا تعلم يرفع الله بها درجاتهم ويعلي بها منازلهم، فقد يقوم بقلب أحد هؤلاء الذين تفخر عليهم وترى نفسك خيراً منهم بطاعتك قد يقوم بقلبه المتواضع والإقرار بالذنب وطلب الصفح ما يتجاوز الله به عنه ويحسن له به الخاتمة فيكتب له الاستقامة.
• ومنها أن تنظر إلى من هم دونك في الطاعة لتستشعر نعمة الله عليك الذي هداك لهذا ووفقك لصلاة الجماعة دون كثير من الناس مع أن لهم أفهاماً وعقولاً وعلوماً لكن الله اختصك أنت بتلبية ندائه دون هؤلاء وهذا يوجب لك الاشتغال بحمد الله وشكره على توفيقه واتباع الحسنة بأختها.
• ومنها أن تعلم أن تقصيرك وتركك أمر الله يلحقك بمن تفخر عليهم ويوقعك في بعض طريق التقصير الذي وقعوا فيه وقد يكون لهم من العذر ما ليس لك فتكون شراً منهم.
• ومنها أن تعلم أن ترك العمل لا يعالج داء الفخر والكبر، ولو تأملت أحوال كثير من المفترين والمتكبرين وجدتهم من المقصرين في كثير من الطاعات، ورأس هؤلاء إبليس ترك العمل وانحل عن الطاعة فهل فارقه الكبر؟ بل قال: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (الأعراف: من الآية12).
• ومنها أن تصحب الفضلاء والصالحين أهل العلم والعبادة والعمل لتنظر كيف يعملون، وترى كيف هم بعد ذلك من عذاب ربهم مشفقون، يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى الله راجعون، وصحبة أمثال هؤلاء تعرف المرء بقدره، وتعرفه بتقصيره في جنب ربه، يتطلع إلى مزيد من الترقي في سلم العبودية.
• ومنها أن تتدبر آي القرآن العظيم، وتنظر في أحوال الكمّل من عباد الله الذين دأبوا على العبادة، وشمروا عن ساق الجد واجتهدوا، ثم هم يستغفرون ويدعون للمقصرين والمذنبين (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) (غافر:7)، (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) (الشورى: من الآية5)، وهذا الخليل إبراهيم عليه السلام يدعو فيقول: (وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (إبراهيم: من الآية36).

فهذه جملة أمور لعلها تعينك في دفع ما تجده في نفسك من عجب وفخر بالعمل.
ومعالجة أدواء النفوس تحتاج إلى وقت ومجاهدة واستعانة بالله وانطراح بين يديه والجأ بالدعاء والإلحاح فبهذا تذكو النفوس ويستقيم أمرها.
وإلى ذلك الحين عليك أخي الكريم بالتزام العبادة والمبادرة إلى الطاعة وإن وجدت في نفسك ما وجدت، فإن ترك العمل خطر عظيم قد يفوق ما تركته لأجله فقد قرر بعض المحققين من أهل العلم أن جنس فعل المأمور أحب إلى الله من ترك المحظور، وتأمل كيف أمر إبليس بالسجود فامتنع فكان أمره إلى بوار، وكيف وقع الأبوان في النهي فتاب الله عليهما، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أحب الأعمال إلى الله الصلاة على وقتها" والحديث في الصحيحين.

فافعل الطاعة وجاهد نفسك على ترك العجب والفخر على الخلق إلى أن يتم لك ذلك وسوف يكون، فإن الله تعالى قال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت: من الآية69).
ولا تقنط من رحمة الله أو تزدري نفسك وإن كنت من العاصين لكن لا تُعجب بعملك أو تفخر به على غيرك، وتذكر أن الله تعالى هو الذي وفقك للطاعة فله المنّة والفضل أن هداك، وأنه سبحانه عظيم شأنه كثيرة مننه ولو تدبرتها لم تملك أن تقول: سبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك كما ينبغي فتجاوز عن تقصيرنا واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.

_______________
(1) رواها بن حبان في صحيحه (6728) والحاكم في المستدرك (387) وغيرهما، قال الترمذي حسن صحيح.
(2) مسلم (2865).