رئيس حمس الجزائرية: "الإنقاذ" ثورت السياسة..لكن تجربتها ثرية.. مشاركتنا إيجابية
7 جمادى الأول 1427

أجرت الحوار: ياسمينة صالح<BR>لا يختلف اثنان أن حركة مجتمع السلم الإسلامية الجزائرية (حمس) استطاعت أن تكسب الرهان السياسي الذي بدأته قبل سنوات في ظروف كانت فيها الجزائر تعيش حربا أهلية دامية، و لعل أكبر رهان حالي هو احتلالها للعديد من المقاليد الوزارية و داخل قبلة البرلمان، كواحدة من الأحزاب الإسلامية الحاضرة في الساحة السياسية الجزائرية الراهنة. حركة مجتمع السلم التي واجهت العديد من الانتقادات بسبب تحالفها مع السلطة تؤكد اليوم عبر خطابها السياسي أن ما كان يعاب عليها هو نفسه الذي فعله الجميع اليوم، بمن فيهم قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ، أي العودة إلى المصالحة و وضع أولويات البلاد قبل كل شيء لقطع الطريق أمام أولئك الذين يريدون التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر. في حوارنا الحصري مع فضيلة الشيخ أبو جرة سلطاني (رئيس حركة مجتمع السلم الإسلامية الجزائرية) نحاول التقرب أكثر من الأوضاع داخل الجزائر لنفهم المشروع الإصلاحي الديني لحمس الجزائرية.<BR><font color="#0000ff"> * عاشت الجزائر في الأسابيع الماضية حركة سياسية نشطة، كان أبرزها داخليا، إطلاق سراح دفعة من السجناء تحت سقف المصالحة الوطنية، هل لديكم، شيخنا الفاضل، أن تحدثوننا عن موقفكم من قانون المصالحة الجزائرية، و هل تعتبرون المصالحة الوطنية التي طرحت، حلا وحيدا للأزمة التي عاشتها الجزائر منذ سنوات؟ </font><BR>* المصالحة الوطنية حلقة ثالثة في سلسلة حلقات بدأت سنة 1995 بمبادرة "قانون الرحمة" الذي فتح الباب للحوار مع المسلحين وانتهى بإعلان "هدنة" من طرف الجيش الإسلامي للإنقاذ.. ثم توالت المبادرات السياسية والحزبية و الجمعوية إلى غاية سنة 1999 حيث تقدم السيد (رئيس الجمهورية) عبد العزيز بوتفليقة بمبادرة جريئة سماها "الوئام المدني" عرضت فكرتها على استفتاء شعبي عام وتحولت إلى قانون جاء بخير كثير، و انتهى سريان مفعوله يوم 13 فبراير 2000، ثم بعد ذلك بأربع سنوات فتح السيد الرئيس باباً أوسع سماه: ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، مر عبر استفتاء شعبي وحصل على تأشيرة حطمت رقماً قياسياً، فهم منه الجميع رسالة واضحة مفادها أن الشعب يريد السلم، و يريد طي صفحة الصراع نهائيا، و التفرغ إلى إعادة بناء الدولة وتنمية اقتصادها، ونشر سياستها الخارجيــة، و التكفل بالملفات العالقة الناجمة عن المأساة الوطنية. هذا معناه: أننا نخطو – بالمصالحة الوطنية – الخطوات الأخيرة نحو الاستقرار التام، وأن هذه الخطوة، كما أنها لم تكن الأولى، فإنها لن تكون وحدها الكافية لاستيعاب كل تناقضات ما بعد استتباب الأمن ونشر السلم في كل ربوع الجزائر، فهناك جهود أخرى إضافية لابد من اعتمادها كجرعات مكملة لهذه الجرعة العالية التركيز المسماة ميثاق الســــــلم و المصالحة الوطنية.<BR><font color="#0000ff"> * العديد من الأصوات الحزبية ارتفعت في الآونة الأخيرة معتبرة أن ميثاق الســلم و المصالحة قد هضم حقوق بعض الجزائريين، و طوي ملف المفقودين من دون الرد على الأسئلة المهمة التي يطرحها ذووهم. ما موقفكم من ذلك؟ </font><BR>* الأحزاب التي تتحدثين عنها، و الأصوات المعارضة للمصالحة(و هي قليلة جدا) لم تقدم بديلاً، واكتفت بالمطالبة بالكشف عن الوجه الدموي للأزمة ومخلفاتها، نحن في حركة مجتمع السلم قلنا: إن الجراح مازالت مفتوحة، والجزائر بحاجة إلى فترة نقاهة سياسية للملمة جراحها ومواساة منكوبيها، وليس الآن وقت الحساب، و التاريخ سوف يسجل كل ما حدث و يرويه للأجيال، فذاكرة التاريخ قوية، أما الواقع الحالي فشيء آخر. والحمد لله، عندما صدرت الأمريات و المراسيم التنفيذية لميثاق السلم وجدنا أن العلاج جاء شاملاً ولم يستثن أحداً من ضحايا المأساة الوطنية، كما أنه لم يفرق بين ضحية وضحية، بما في ذلك العائلات التي ابتليت بضلوع أحد أبنائها في المأساة الوطنية، وهذه الإجراءات، لما دخلت حيز التنفيذ، لقيت ارتياحاً واسعاً لدى كل الجزائريين في الداخل ولدى جاليتنا في الخارج بمن في ذلك المتضررين من المأساة وتداعياتها، لقد كنا نقول للناس: فوضوا بعض أموركم لله _تعالى_، وأحيلوا بعض الملفات إلى يوم القيامة، وانتظروا الأجر و الثواب منه وحده _سبحانه وتعالى_، واستخلصوا حقوقكم بالمرحلية والتدرج، فإن ما ذهب فجأة بالجملة يمكن استرجاعه بالتقسيط المريح، بما في ذلك الحقوق السياسية لكل الذين استثناهم القانون من جرائم التفجيرات في الأماكن العمومية، وبالقتل الجماعي، والاغتصاب... و هي الجرائم الثلاث التي تقرر عدم التسامح مع مرتكبيها إذا ثبت ذلك في حقهم، و مع ذلك أرض الله واسعة و رحمته وسعت كل شيء.<BR><font color="#0000ff"> * كيف تقيمون العمل السياسي للأحزاب الإسلامية الجزائرية في غياب الجبهة الإسلامية للإنقاذ؟ </font><BR>* الجبهة الإسلامية للإنقاذ "ثورت " الساحة السياسية بدل أن تحركها، وأنا الآن لست في وضعية تؤهلني لتقييم أدائها السياسي، ولكن من الإنصاف القول إنها تجربة ثرية و هي جديرة بالدراسة والاستفادة منها كتيار شعبي كاسح، ونحن نحمد الله _تعالى_ أن التيار الإسلامي لم يضع بيضه كله في سلة واحدة، وظل يناضل –بغير تخطيط و لا اتفاق- بثلاثة رؤوس، فكلما سقط رأس لم يحدث الإحباط المنتظر ولا حتى خيبات الأمل القاتلة لمشروع ظل يمنى الناس بالبديل الأفضل أو باستكمال النقائص و تطهير المجتمـــع و أخلقته، وظل التيار الإسلامي – على ضعفه وقلة تجربته – يسجل حضوره الفاعل والمؤثر على مجمل الساحة السياسية. نحن في حركة مجتمع السلم اخترنا، منذ الوهلة الأولى، المشاركة، ونادينا بالحوار وطرحنا جملة مبادرات مصالحة وطنية بين سنوات 1991 – 2004، و الحمد لله صار خطاب الوسطيـة و الاعتدال هو الخطاب الإسلامي العالمي اليوم، وأدرك الجميع أن مستويات فهم الإسلام ليست واحدة، بل هي متباينة من طرف المغالبة إلى طرف المطالبة، ومن نقيض " علم الفضائل" إلى نقيض "علم المسائل" وبينهما مقامات المرحلية والتدرج في مفهوم نظرية البطء الفعال التي بدأناها سنة 1994 بندوة الوفاق الوطني وبلغنا الآن مرحلتها الرابعة المسماة "التحالف الرئاسي".<BR><font color="#0000ff"> * بالمناسبة، أنتم ضمن أحزاب الائتلاف الرئاسي التي زكت بشكل كبير سياسة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، بتأييدكم لترشيحه لعهدة ثانية، ووقوفكم إلى جانبه، كيف تقيمون المرحلة السياسية التي قادها عبد العزيز بوتفليقة جزائريا اليوم بعد سنوات من تقلده الحكم؟ </font><BR>* لقد سبق أن قدمنا تقييمنا لهذه المرحلة مرتين: مرة عند نهاية عهدته الأولى 1999 – 2004 ومرة ثانية بمناسبة مرور سنتين على عهدته الثانية، ويمكن إجمالاً أن نسجل اليوم، بكل فخر واعتزاز، أن الست (06) سنوات التي قضاها عبد العزيز بوتفليقة على رأس سدة الحكم في الجزائر تعد الأفضل في تاريخ الديموقراطية الناشئة في الجزائــر، و ربما على مستوى العالم العربي، فقد تم خلالها إنجاز نسبة عالية مما وعد به الشعب خلال حملته الانتخابية الأولى والثانية،وأعني بذلك المحاور الثلاثة التي تبنَاها ضمن سياسة استمرارية وتكامل خلال 10 سنوات لعهدتين 1999-2009، وهي: <BR>• إطفاء نار الفتنة وتنفيذ مشروع المصالحة الوطنية و السلم.<BR>• تحريك الاقتصاد الوطني وبلوغ سقف تنمية مقبول.<BR>• تبييض وجه الجزائر في الخارج والعودة بالدبلوماسية الجزائر بقوة إلى المحافل الدولية لتلعب أدوارها الرائدة.<BR>شهادة للتاريخ أسجل بصوت عال أن الرجل قد صدق وعده ونجحت مساعيه، ولم يتأخر من ذلك إلا ملفان حساسان في نظر حركة مجتمع السلم وهما: <BR>• ملف الجبهة الاجتماعية الذي ما يزال يحدث توترات كثيرة.<BR>• وملف الهوية والانتماء بسبب طغيان الفساد وانتشار الآفات الاجتماعية، و هيمنة جماعات المصالح..<BR>وهو ما يعني: أن الاستقرار السياسي النسبي والنمو الاقتصادي المسجل مازالا يتسمان بالهشاشة، وأن الغفلة عن مطالب الجبهة الاجتماعية و تعزيز عناصر الهوية من شأنهما أن يحدثا شرخاً في منظومة الإصلاحات بعد عام 2009 إذا ظهر على مسرح الأحداث من ينادي بالقطيعة مع الماضي بحجة العصرنة تحت ضغط العولمة.<BR><font color="#0000ff"> *: تعرضتم في التسعينات للعديد من التهم من قبل خصومكم من التيارات الإسلامية بكونكم تقفون إلى جانب السلطة، على عكس التيارات الأخرى التي وقفت ضد السلطة عموما، و أعني بذلك الجبهة الإسلامية للإنقاذ تحديدا، أريد أن أسألكم فضيلة الشيخ هل تعتبرون أن موقفكم(كحركة سياسية) من البداية كان صائبا، باعتبار أن العديد من الشخصيات الإسلامية المعارضة دخلت هي الأخرى اليوم في سياق المصالحة بشكـــل أو بآخر؟ </font><BR>* الشطر الأخير من سؤالك هو الجواب العملي الذي يصلح راداً واقعياً على من كان يتهمنا به خصومنا بأننا ساندنا السلطة، لقد كنا خائفين على الدولة من الانهيار، وكنا خائفين من احتمالات التدخل الخارجي، وفهمنا أن "اللعبة الديمقراطية " قد تصل بنا إلى الاستنجاد بالخارج فآثرنا الوقوف مع " دولتنا" على ما فيها من عيوب وسلبيات (فبعض الشر أهون من بعض) وحاولنا إصلاحها، أو المساهمة في إصلاحها، من الداخل بدل المساهمة في إسقاطها في أجواء كانت كثيرة الغيوم، و الرهان عــــلى " جمهورية ثانية " لم تكن معالمها قد تبلورت بعد. لقد كنا نتعامل مع الواقع من موقع المضطر "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه" واليوم و لله الحمد سكتت تلك الأصوات المنتقدة لما أدركت أن وسطيتنا واعتدالنا هما صمام الأمان لجميع أبناء الجزائر، نعم صمام أمان ليس فقط للدولة الجزائرية، وإنما للشعب والحركات السياسية كذلك، فقليل من الحريات في ظل ديمقراطية ناقصة خير من الفوضى، و الصبر على سلطان ظالم أفضل من غزو جائر.. والأمثلة كثيرة!؟.<BR><font color="#0000ff"> * ثمة من يقول في أن الجزائر اليوم ثلاثة تيارات فاعلة سياسيا و هي التيار القومي بحنكته التاريخية المتمثل في جبهة التحرير الوطني، و التيار الديموقراطي(العلماني)المتمثل في التجمع الوطني الديموقراطي، و التيار الإسلامي الإصلاحي و المعروف بوسطيته و المتمثل في حركة مجتمع السلم، بينما تبقى بقية الأحزاب متشرذمة لا تعكس في النهاية سوى فكرها القبلي الضيق.. هل تؤيدون هذه المقولة،و كيف تقيمون الحركة السياسية بكل أطيافها في الداخل و تعاملها مع المطالب الشعبية الكثيرة؟ </font><BR>* في الظاهر يبدو هكذا، و التحليل الذي تفضلت به يعكس صورة ظاهرية مقبولة إلى حدَ ما، فبالفعل التقسيم الثلاثي صحيح من حيث الشكل الظاهر، فهناك ثلاثة تيارات تتجاذب الغطاء السياسي في الجزائر و كل تيار يحاول تمديد هذا الغطاء و توسيعه و نشره جماهيريا و ليغطي المربع الذي يتحرك فيه، وهي كما ذكرت بشكل تقريبي: (وطني، علماني، وإسلامي) لكن هناك تيارات أخرى لها وزنها وحضورها في الساحة السياسية كونها تتوفر على بعض مخزونات القوة الخفية أو الظاهرة كالمال والإعلام والإدارة والعلاقات بالمحيط الخارجي فيما يعرف باللوبيات وجماعات الضغط والمصالح. مطلبنا الوحيد كان ولا يزال متمثلنا في أمرين جوهريين هما:<BR>• المزيد من الديمقراطية والحريات ليتم الفرز الحقيقي داخل الصناديق الشفافة.<BR>• الاتفاق على الكليات و التمسك بثوابت الأمة ومبادئها وتعزيز عناصر هويتنا الإسلامية.<BR>والبقية تفاصيل وديكورات خطاب تتداخل فيها مصالح الخارج بتوجهات الداخل، كما تتقاطع فيها أطياف الألوان السياسية بضغوطات المحيط الإقليمي و الدولي.<BR><font color="#0000ff"> * أصدرتم قبل فترة بيانا مناهضا لموقف فرنسا إزاء الاحتلال، الذي ارتأى البرلمان الفرنسي تمجيده، نريد أن نعرف فضيلة الشيخ إلى أين وصلت مسألة التعريب في الجزائر في ظل كل التيارات التغريبية الرافضة للتعريب. و ما موقفكم من مطالبة بعض الشخصيات و الجمعيات النسائية مراجعة و تغيير شامل في قانون الأسرة الجزائري و الطروحات التي أرادوا صياغتها؟ </font><BR>* هناك ملفات عالقة في الجزائر نطلق عليها عادة " مخلفات الاستعمار " منها، على سبيل المثال ملف التعريب، وملف الهوية، واللغة الفرنسية، و الأقدام السوداء، وقانون الأحوال الشخصية، و الجنسية المزدوجة، والمصالح المتشابكة، و التاريخ... إلخ، وهناك من يعتقد هنا في الجزائر، أن هذه القضايا هي " غنائم حرب " يدافعون عنها ويريدون ترسيخها بعد مرور 50 سنة على الثورة. للأسف بعض هؤلاء المدافعين عن مسمى غنائم حرب، و مع أن عددهم قليل، لكنهم نافذون و يملكون من الوسائل والعلاقات العنكبوتية ما يؤهلهم لحماية كثير من هذه الغنائم أو تعطيل بعض المشاريع الوطنية، لذلك وجدنا قانون التعريب يتم تجميده بعد صدوره في أقل من ثلاث سنوات، كما نلاحظ الهجوم الكاسح الذي تشنه بعض الدوائر الموصوفة ضد شخصية السيد بوتفليقة لمجرد أنه فتح الحديث عن حماية عناصر الهوية الوطنية (الإسلام، اللغة، التاريخ) وذكر أن هوية الجيل الصاعد صارت مهددة في ما أسماه " إبادة الهوية"!؟ و مع أنه لم يوجه التهمة إلى أية جهة، لكن الجهات الموصوفة فهمت الرسالة و ثورت التوابع و الزوابع لتضليل الشعب.. الشعب الجزائري مدرك تماماً لخلفيات الصراع وأبعاده، وهو، بحمد الله _تعالى_، شديد التمسك بدينه وعروبته وانتمائه الحضاري، والذين يروجون لأطروحات " مشروع مجتمع" بديل يدركون تماماً أنهم يرسمون على الماء، وأنهم لا يمثلون إلا نخب المحافل السرية التي يدافعون عن مشاريعها المشبوهة، و المعركة محسومة لصالح إرادة الشعب مهما طالت مدتها وتنوعت وسائل الدفاع والهجوم فيها، ويدخل في هذا السياق كل ما جاء في سؤالك حول قانون الأسرة، وقانون التعريب، وقانون جزائر، ومعاهدة الصداقة الجزائرية الفرنسية.. وسواها. في حركة مجتمع بالسلم نؤكد دائماً على العلاقات المتوازنة بين الشعوب، و ندعو إلى تعزيز العلاقات المبنية على احترام الآخر وتقدير مشاعره وتاريخه ولغته ودينه، و عدم استفزاز الآخر بل فتح قنوات الحوار معه بما يحقق تبادل مشترك للمصالح على قدم المساواة، ومن منطلق السيادة الكاملة للشعوب والدول.<BR><font color="#0000ff"> * يعيش العالم الإسلامي موجة من التقهقر الرهيب، يرى البعض أن أهم أسبابها فشل الأنظمة في مواكبة المتغيرات القائمة و في الاستجابة لمطالب شعوبها، بالإضافة إلى تراجع الدور الإصلاحي الفاعل في المجتمعات العربية الإسلامية، هل تؤيدون هذه الفرضية؟ </font><BR>* أؤيدها كمنطلق وأتبناها بغير شرح ولا ضرب الأمثلة حول صحتها وسلامتها، فلسان الحال في عالمنا العربي والإسلامي، أبلغ من لسان المقال، ولكنَي أضيف على العاملين المذكورين في السؤال (فشل الأنظمة وتراجع الدور الإصلاحي) عاملين آخرين هما: <BR>• ضغط القوى الخارجية وهيمنتها على أقواتنا وأرزاقنا في مسار العولمة وسياسة الكيل بمكيالين التي افتضح أمرها في فلسطين والعراق والسودان وسوريا ولبنان وإيران وأفغانستان.. و القائمة طويلة.<BR>• تشتت جهود العاملين في الحقل الإسلامي، وتباين وجهات نظرهم إلى درجة أن أصبحت بعض المؤسسات الرسمية والشعبية حجة على الإسلام وعبئاً عليه بعدما كان يفترض أن تكون حجة له ورافداً من روافد مناهجه الكبرى في النهضة بالأمة وتحقيق وحدتها وتهيئة الأجواء لإقلاعها الحضاري المرتقب، بعيداً عن الضغط الخارجـــي و العمالة الداخلية، وبمنأى عن أوهام خارطة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا، فالتغيير من الخارج قد أثبتت التجربة فشله ولا بد من إحداث تغيير شامل ينبع من إرادة الشعوب وأشواق الأمة الإسلامية في الفكاك و الانعتاق و التقدم ضمن إطار هويتــــها و مرجعياتها الكبرى، بعيدا عن ضغط العولمة و إملاءات الإصلاحات الخارجية.<BR><font color="#0000ff"> * تبدو أمريكا اليوم ماضية في ما تسميه بأجندة التغيير الجذري في المنظومة الفكرية و التعليمية العربية الإسلامية، ما موقفكم من هذه الأجندة الأمريكية؟ </font><BR>* قلت لك إن التغيير إرادة ذاتية وليس ضغطاً خارجياً، ومهما وضعت أمريكا أو الإتحاد الأوروبي أو سواهما من " الأجندات " فستذهب كلها جفاء و لن يمكث إلا ما تمليه "أجندة" الداخل لأنه نابع من قناعات الشعوب و صادر عن هويتها و معبر عن تطلعاتها.<BR><font color="#0000ff"> * طيب.. تعلمون أن إدارة البيت الأبيض أطلقت بعد أحداث سبتمبر(أيلول)2001 ما تسميه بمشروع التغيير، قد صدر على شكل لوائح للعديد من الدول الإسلامية بضرورة تغيير في منظومتها العربية و في الكتاب المدرسي، بعض الدول العربية ذهبت إلى درجة إلغاء بعض المواد الإسلامية من الكتاب المدرسي بسبب الضغوط الأمريكية، ما موقفكم فضيلة الشيخ من هذه الإشكالية التي مست الجزائر أيضا بحذف مادة الشريعة الإسلامية من امتحانات الثانوية العامة(البكالوريا)؟ </font><BR>* هذا أمر مؤسف حقا، فباسم الإصلاحات تمرر المشاريع المشبوهة و باسم العصرنة تمسح هوية الأمة، و للأسف فإن السياسة المعتمدة اليوم- تحت عنوان تجفيف المنابع- لا تستهدف تجفيف منابع الإرهاب كما يزعمون، فالإرهاب لا يعترف بهــم أصلاً، و ليست له منابع في منظومتنا التربوية، و ليس موجوداً لا في مناهجهم المدرسيــة و لا في منظوماتهم الفكرية ولا في مخططاتهم الإعلامية، فللإرهاب "مؤسساته" الخاصة به، و ليس بحاجة إلى "توجيهات" أمريكا لأنه لا يسمعها و لا يعمل بها، أما سياستها القائمة على فكرة تجفيف المنابع- لاسيما منظوماتنا التربوية في العالم الإسلامي كله- فسوف تغذي إمدادات الإرهاب، و تمد تيارات العنف بحجج جديدة عندما تكتشف الأجيال الصاعدة أن "التدخل الأجنبي" لم يكتف ببسط نفوذه على السلطة و المال و النفط.. في كثير من أقطار العالم، بل تجاوز حدوده إلى محاولة وضع اليد على عقيدتنا و فكرنا و مقرراتنا المدرسية. إن كل ممنوع مرغوب، وسوف تكتشف الجهات الساهرة على تنفيذ خطة تجفيف المنابع إن" منابع أخرى" قد تفجرت في نقاط كثيرة من العالم، و سوف تكون مياهها غزيرة و جارفة بحيث تقع خارج السيطرة الداخلية و التهديدات الخارجية معا.<BR><font color="#0000ff"> * انفجرت قبل أشهر قضية الإساءة الدنيئة لسيدنا و حبيبنا محمد _صلى الله عليه وسلم_، قادتها العديد من التيارات الغربية المتطرفة بحجة"حرية التعبير" هل ترون في قضية الإساءة للرسول _صلى الله عليه و سلم_ و للمسلمين صورة صريحة لصراع حضاري تفجر بشكل علني مع بداية القرن الواحد و العشرين؟ </font><BR>* الإساءة إلى الأنبياء و المرسلين_عليهم السلام_ ليست أمراً جديد، بل هي منهاج تاريخي سجله القرآن الكريم بشكل دقيق، و دعا إلى الصبر إلى مثل هذه الإساءات "كما صبر أولو العزم من الرسل" فهو أسلوب قديم، و لكن الجديد فيه هو تنوع الوسائل و سعة الانتشار و الإصرار على"المعصية" برفض الاعتذار.على كل حال،إذا ضرب الحق و الباطل، فالباطل هو الخاسر، و إذا قذف على الباطل بالحق فالباطل هو الخاسر" و البادئ أظلم"، و سوف لن تنقص الإساءة للرسول(صلى الله عليه و سلم) من شأنه شيئا، بل لقد زادته رفعة و ذكرا، حتى إن العالم الإسلامي كله قد توحدت مشاعره بهذه الحادثة، و إذا أرادوا الحرب على الإسلام بفرض الصدام الحضاري فإن الحق دامــغ و الباطل مدموغ.((و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون))<BR><font color="#0000ff"> * بعض الصحف العربية (في مصر، الأردن، الجزائر، اليمن) أعادت نشر نفس الرسومات المسيئة للرسول _صلى الله عليه و سلم_ بدعوى الحق في المعرفة، هل تعتقدون أن الصراع الأهم قائم في النظام العربي الإسلامي بكل ما تعنيه هذه الكلمة من واقع فكـري و سياسي و اجتماعي.. و ما موقفكم من الحرب المسعورة ضد الثوابت الإسلامية و ربطها بالتخلف و الإرهاب؟ </font><BR>* الشيخ أبو جرة: الحق في المعرفة له ضوابط، و الأصح أن نقول" الحق في التقليد" و إلا لماذا لا تعيد هذه الصحف نشر دخول علماء كبار في الإسلام، و توبة فنانات و فنانين، ووصول الآذان إلى "غوانتانامو" و القطب المتجمد الشمالي؟ أما ربط التخلف بالثوابت فجوابه يتمثل في الإحالة على أنظمة"كفرت" بالثوابت و شطبت من قواميسها كلمات المبادئ و الأخلاق و الحلال و الحرام.. ثم نجدها اليوم أكثر تخلفا و فقرا.إن أبرز أسباب تخلفنا-في نظري- هي هذه" الخشب المسندة" الذين يحسبون كل صيحة عليهم؟ و حاشا دينا قائما على "اقرأ" أن يكون سبب في التخلف.<BR><font color="#0000ff"> * قبل فترة، اكتسحت حماس الفلسطينية صناديق الاقتراع في الانتخابات التشريعية، و قبل ذلك فاز الإخوان المسلمون بمقاعد مهمة في الانتخابات البرلمانية المصرية، و يحقق الإخوان المسلمون في الأردن تقدما ملحوظا أيضا، كيف تقيمون هذه العودة إلى الإسلام السياسي، برغم رفض الأمريكيين و- معظم المتطرفين السياسيين في الغرب خصوصا- الاعتراف بشرعية تلك الاستحقاقات الشعبية التي حققها المسلمون ديمقراطيا، ما هي شيخنا الفاضل قراءتكم لكل هذا؟ </font><BR>* أنا لا أعرف إلا إسلاما واحدا هو دين الله _تعالى_:" إن الدين عند الله الإسلام" بشموليته وواقعيته و توازنه و ربانيته..فيه سياسة واقتصاد، كما أن فيه علومــــا و اجتماعا:" ما فرطنا في الكتاب من شيء" أما هذه التسميات، إذا أطلقت، فيراد بها تغليب جانب على جوانب أخرى، ففي الجزائر مثلا خلال ثورة التحرير المباركة 54-1962 احتجنا إلى إبراز جانب القوة و الجهاد في الإسلام، و بعد الاستقلال برز الجانب الاجتماعي في الإسلام..الخ هل معنى هذا: أن هناك إسلاما اجتماعيا و آخر جهاديا و ثالث روحيا و رابع صوفيا و خامس تقدمـيا و سادس رجعيا؟ هناك مستويات فهم، و هناك"واجب وقت"،واعتقد أن واجب القرن الواحد و العشرين هو الإصلاح السياسي الذي يقابله إبراز الجانب السياسي في الإسلام من باب المعاملة بالمثل، أو المشاكلة، فالمعركة ليست ذات وجه واحد،لذلك احتاجت مجابهتها إلى استخدام أكثر من وجه للإسلام لتتكافأ الأشباه و النظائر. أما الانتصارات الجزئية في فلسطين و مصر و الأردن و الجزائر.. فهي ثمار طبيعــــية لأشواق الشعوب للنموذج الإسلامي المرتقب و الحياة الإسلامية في ظل العدالة الاجتماعية، و هي نتائج أولية تعكس حقيقة ما تفكر به شعوبنا الإسلامية، إنما ثمرات لحرية الاختيار إذا نزعت حواجز التزوير و "البلطجة" بين التيارات الإسلامية و شعوبها، سواء كانت هذه التزكيات باسم تجربة ما لم تتم تجربتهم بعد، أو كانت بعنوان معاقبة السلطة بالإسلاميين إلى سدة الحكم، ففي كل الحالات يعترف الجميع بأن التيار الإسلامي قوة احتياط لا يستهان بـها، و دعك من سياسة التطفيف التي ترحب بالديمقراطية إذا فاز بها العلمانيون و تقيم الدنيا و لا تقعدها إذا جاءت بالإسلاميين إلى سدة الحكم، فتلك صارت لعبة مكشوفة يتندر بها أطفال المدارس، و يتحدث عنها أبو غريب و غوانتانامو؟<BR><font color="#0000ff"> * يتكلم البعض عن احتمال عودة جديدة للجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى العمل السياسي بعد دخول هذه الأخيرة تحت سقف المصالحة الوطنية، هل تشجعون رجوعا سياسيا للجبهة الإسلامية للإنقاذ فضيلة الشيخ، و بالخصوص و أن موقفكم الداعم لإطلاق سراح قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ كان صريحا و شجاعا.. </font><BR>*قلت لك، في جواب سابق، إن المرحلة الراهنة في الجزائر، بحاجة إلى فترة نقاهة سياسية تتعافى فيها النفوس و تلتئم الجراح و تتهيأ الأجواء التشريعية و القانونيــــة و النفسية لاستيعاب الجميع. إن موقفنا، الذي أعلناه، يتمثل في ضرورة فك الارتباط بين ثلاثة مستويات: مستوى الذين كانوا مناضلين سابقين في الجبهة الإسلامية، فلما حلت قانونيا عادوا إلى بيوتهم، هؤلاء حقوقهم محفوظة، و صنف ثان شاركوا في المأساة الوطنية و لكنهم لم يسرفوا على أنفسهم فاستغرقتهم قوانين ميثاق السلم و المصالحة الوطنية كونهم لم يتسببوا في مجازر جماعية، و لم يفجروا قنابل في الأماكن العمومية، و لم يغتصبوا، هؤلاء وضعهم معلوم،فالمنع من ممارسة النشاط السياسي مشروط-حسب الأمرية الرئاسية- برفض الإقرار بمسؤولية المعني على ما حدث. أما الذين لم يستثنهم القانون فهم بحاجة إلى معالجة استثنائية قد تُسقط عنهم تهمهم بعفو شامــــل أو بحالات خصوصية، أو بالتقادم، و في كل الحالات ليس النشاط الحزبي وحده هو الطريق إلى الإصلاح و إعادة الترتيب الأوضاع، فهناك فضاءات أخرى كثيرة و متنوعة يمكن أن تؤدي إلى نفس الأهداف إذا صدقت النيات و صحت العزائم، و الله الموافق.<BR><br>