رئيس "المستقبل الإسلامي" التركية: تركيا مسلمة حتى لو انضمت إلى حلف الناتو!
10 ذو الحجه 1426

أجرت الحوار: ياسمينة صالح<BR> <BR>يعد خالد أزاد من المفكرين المسلمين الأتراك الأكثر قناعة بالدور الذي تلعبه الحضارة الإسلامية في نهضة الترك، و في ترقية الروح الفكرية الإسلامية عموماً. يعده البعض أب الفكر الإسلامي الحداثي، و هو المصطلح الذي أطلقته عليه الصحف التركية لوصف مواقفه القوية من صراعات كثيرة. التقينا به في هذا الحوار الحصري لنقدم من خلاله الوجه الآخر من تركيا التي تريد أن تصبح عضو في الاتحاد الأوروبي، برغم معارضة العديد من الدول الأوروبية مثل فرنسا.<BR><font color="#0000ff">• أريد أن أسألكم في البداية عن المكان الذي تقف فيه تركيا اليوم بين صراعين كبيرين، بين من يريدونها أوروبية و من يريدونها إسلامية؟ </font><BR>• تركيا دولة إسلامية حتى لو دخلت إلى حلف الناتو! هذا هو الشعار الذي رفعه الملايين من الأتراك في مسيرات كثيرة خرجوا فيها عفوياً للتعبير عن رأيهم و عن قناعاتهم أيضا بخصوص موضوع ظل يدور بين العديد من الأطراف السياسية و ظلت تتداوله العديد من وسائل الإعلام و ظلت تساومنا فيه العديد من الدول الأوروبية أولها فرنسا. لقد أثبتت التجارب الانتخابية الكثيرة أن الميل الشعبي إلى الإسلام ليس ميلا آنيا و لا محصورا على الأحزاب الدينية، بل عن مطلب شعبي أيضا، باعتبار أن الأغلبية التركية مسلمة، و باعتبار أن الوضع الاقتصادي و السياسي التركي جعل الناس يعترفون أن الحل الديني لم يعد مستحيلا إن توفرت كل الشروط لإقامة مشروعا قائما على أساس أخلاقي أولا و قبل كل شيء. <BR><font color="#0000ff">• ماذا تقصدون بالمشروع الديني؟ هل تقصدون تحديدا دولة إسلامية؟</font><BR>• أنا لا أنظر إلى مصطلح الدولة الإسلامية من المنظور الذي تسعى وسائل الإعلام الغربية إلى افتعاله. نحن نعي جيدا أن الإسلام دين لا يتغير، و لا يمكننا الاختلاف في هذه النقطة، و لكن يجب القول إن استدراج الآخرين إلى الإسلام لن يكون إلا إن كنا في مستوى تطلعات هؤلاء، و لهذا قلت لك: إن الإسلام في تركيا ليس ديكورا، بل هو حياة عامة يتعايش معها الأتراك جميعا، و نسعى إلى تطويرها لأن تكون حياة قائمة على التطلع إلى المستقبل من دون نسيان فضل الماضي علينا. أريد أن أقول أن الحل الإسلامي في تركيا على أحقيته يبقى حلاً يخيف العديد من الأطراف العلمانية الداخلية، و منها الجيش الذي كما تعلمون يرفض التعامل مع فكرة الإسلام في تركيا، و بالتالي يريد استئصال الأطروحة الدينية من الجذور من خلال جملة من القوانين القاسية و التي تتلخص فيما يلي:<BR>1. نبذ التاريخ الإسلامي من خلال تشجيع الثقافة الغربية و إدماج الشباب التركي في ما يسمى بخلية " التطلع إلى الغرب" و التي صارت مدعومة من قبل جهات غربية و أمريكية بالخصوص لأجل فتح أمام الشباب منافذ العبور إلى الغرب ليس على أساس تبادلي، بل على أساس تغريبي حد الانحلال و الفسق الشديد..<BR>2. تواطؤ العديد من الشخصيات السياسية في جعل الإسلام "غولا رهيبا" و هو ما جعل اللجوء إلى حرمان الأطفال من التعلم الديني في المدارس الحكومية، و جعل النساء أمام خطر السفور المطلق، بعد أن صار الحجاب "قضية سياسية" داخل البرلمان التركي، و في مؤسسات تركية رسمية أخرى.<BR>3. الاعتماد على الإعلام العلماني المتطرف في تناول المسألة الإسلامية في الترك، بحيث أن الإعلام التركي وسيلة استطاعت أن تحتلها شخصيات سياسية معروفها بمواقفها المعادية للإسلام و التي تسعى إلى جعل المسلمين محل شبهة، ليس داخل تركيا فقط بل و في الخارج أيضا، و لعلكم تتذكرون الصورة التي عمد التلفزيون التركي على نقلها عن المرأة التي كان يضربها رجلا ملتحيا في الشارع، و كانت الصورة ـ رغم رفضنا لفكرتها و لإلصاقها بكل الرجال المسلمين ـ توضح التعاطي الإعلامي للمسألة الدينية بأنها سببا في العنف و التطرف و الإرهاب! قد يقول قائل أن المسألة عامة في بلاد المسلمين، و أن التعاطي الإعلامي مع الإسلام هو نفسه في العديد من الدول منها العربية أيضا، و لكن في حالتنا الأمر يبدو مختلفا لأننا لا نريد أن نقع في فخ العلمانيين المتطرفين و الفاسدين، و دعيني أقول لك: إنني أقصد بعبارة العلمانيين المتطرفين الفاسدين من يغالون في تماديهم إلى الإساءة إلى الإسلام لأجل مكاسب مادية و لأجل إرضاء الأمريكيين و اليهود على حساب أكثر من نصف سكان هذه البلاد ، نريد أن نقول أننا مسلمين و شرفاء و قادرين على الإبداع و على العمل لأجل مستقبل أمتنا من غير أن يكون ثمة صراع غير حضاري يُراد من خلاله تصفيتنا و تهميشنا و رمينا إلى الخلف بتهمة الإرهاب! <BR><font color="#0000ff">• ثمة صراع حقيقي داخل تركيا يشعله من يصفون أنفسهم باللبراليين الجدد لأجل هيكلة السياسية الداخلية في البلاد، كيف تنظرون إلى هذه الإشكالية؟</font><BR>• الليبراليون الجدد تدعمهم في الحقيقة المؤسسة العسكرية التي ترفض السماح للمجتمع التركي بممارسة عقائده خارج الوصاية العسكرية التي تريد إدماج المجتمع التركي في المجتمع الأوروبي على حساب وجدانية المجتمع التركي المعروف. هؤلاء يسعون إلى إفراغ المجتمع عن قيمه. ربما في تركيا، يمكن القول أن الأقلية هي التي تحكم الأغلبية، فالأقلية المسيحية تريد اليوم تسويق الدولة الأوروبية داخل المؤسسات المدنية في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع التركي مشاكل كبيرة من الصعب أن تـُنجح الاندماج في الاتحاد الأوروبي، وفق المعايير المطروحة أوروبيا على الأقل.. هنالك أيضا مسألة الدين التي لم تطرح في الحقيقة بصورتها الحقيقية و التي تعي الدول الأوروبية مثلا أنها تشكل الركيزة الكبيرة للأتراك، للأغلبية التركية المسلمة على الأقل. نحن ندرك جيدا أن الفرصة التركية للدخول إلى الاتحاد الأوروبي سوف تعمل إلى مسح مقومات البلد و تسعى إلى تغريب الشباب المسلم لأجل دمجه بالقوة في الوضع الأوروبي المفلس على الصعيد الاجتماعي.. لا يمكننا النظر إلى البيت الأوروبي من منظور المكاسب الضيقة، لأن المطلوب من تركيا اليوم هو أن تدفع ضريبة الدخول إلى البيت الأوروبي، أي ضريبة الطاعة العمياء للغرب، بكل ما تعنيه الطاعة محاولة الجبناء إلى تصفية الإسلام.<BR><font color="#0000ff">• مع ذلك فهناك حركات سياسية في تركيا تريد الاندماج الأوروبي، و تعتبره حلا للمشاكل التركية الراهنة.. </font><BR>• لا أنكر أنها موجودة، لكنها غير مؤثرة.. جريدة " الزمن" التركية التي تعد من الأكثر الجرائد علمانية قامت بسبر آراء جاء فيه أن 51% من المشاركين في سبر الرأي يعتبرون الاتحاد الأوروبي ـ رغم بهرجته و إغراءاته التي ترسمها وسائل الإعلام ـ لا يشكل حلما تركيا حقيقيا، و أن الشعب التركي البسيط و المحافظ يعتبر نفسه مسلما و يشعر بالقرف من المساومات الغربية التي تفرض عليه كي يتنحى عن قوميته و عقيدته. هذا الكلام نشرته جريدة تعد من أكثر الجرائد التركية علمانية و مناهضة للإسلام السياسي، و مع ذلك جاء رأي القراء عفويا و صريحا بأن المقومات التي يتمسك بها الأتراك هي تلك التي نعنيها حين نقول أنها أغلبية مسلمة تحكمها أقلية مسيحية.. <BR><font color="#0000ff">• قبل مدة، تمت المصادقة على قانون يمنع ارتداء الحجاب في المؤسسات الرسمية، و قد تم طرد سيدة برلمانية حين دخلت البرلمان مرتدية الحجاب.. هل بدأت الحرب الرسمية المباشرة؟</font><BR>• الحرب بدأت قبل سنوات.. ربما تذكرون أنه قبل عدة سنوات تم التعرض بالضرب على سيدة دخلت إلى البرلمان ترتدي الحجاب، و قد كانت عضو في البرلمان.. كان ضربها سابقة خطيرة لم تتناولها وسائل الإعلام إلا من جانب غير بريء مما جعل القضية تأخذ شكل تصفية شخصية بين طرفين سياسيين، ولكننا في تلك الفترة قلنا أن الحرب على المسلمات سيكون حربا موجهة إلى الأسرة التركية أيضا، باعتبار أن الاعتداء على المرأة المسلمة هو الاعتداء المباشر على الأسرة أيضا.. و قد صاغت جهات كثيرة فكرة الإرهاب السياسي المرتبط بالتطرف الديني، و ألصقته مرة أخرى بالإسلام ، معتبرة أن العنف في العراق سببه المسلمين، و أن العنف في الأراضي الفلسطينية سببه الفلسطينيين الذين يقومون بعمليات انتحارية ضد المدنيين اليهود.. هذا التسويق الحقير للأفكار العلمانية الراديكالية هو الذي شجع في النهاية المؤسسة العسكرية كي تقف موقفا ظاهرا إزاء الممارسات السياسية، بحيث أن الحركات العلمانية تحظى بالدعم بينما الجمعيات الإسلامية الخيرية أو الثقافية تتعرض لمضايقات، و يتم إلقاء القبض على موظفيها أو مسئوليها بشكل مستمر للتحقيق معهم و فتح لهم ملفات لدى جهات أمنية.. هذا شيء بدأنا فعلا نلمسه في السنوات الخمس الأخيرة بالخصوص، و اليوم أمام البيت الأوروبي، يبدو هؤلاء مستعدين إلى رمي الشعب في البحر لأجل دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، و حتى لو حدث هذا فإننا نعتقد أن ولاء السلطة التركية سيكون عبارة عن مزيد من القمع ضد الجمعيات و الأحزاب الإسلامية لإثبات الطاعة للغرب، لأن إرضاء الغرب و إقناعه بأوروبية تركيا يجب أن يكون على حساب المسلمين، و هذا ما تبحث عنه الولايات الأمريكية التي تساند تركيا في الدخول إلى الاتحاد الأوروبي كما يعلم الجميع. <BR><font color="#0000ff">• نعود إلى حركتكم الإسلامية و موقعها السياسي في البلاد.. و كيف تحاولون الوقوف ضد المشروع التغريبي في تركيا؟</font><BR>• تأسست حركتنا في نهاية الستينات، بالضبط سنة 1969 الميلادية، كنا مجموعة من الطلبة الجامعيين، نحمد الله أننا استطعنا أن نؤسس طوال تلك السنوات الماضية حركة تعتمد على الفكر الصريح و الطرح الناضج. لدينا تواجد جيد في الوسط الطلابي و الشعبي التركي.. قمنا سنة 1989 بإصدار صحيفة تحمل نفس اسم الحركة و لكن السلطات قامت بإغلاق الصحيفة بحجة أننا لم ندفع تكاليف الطبع و هي حجة واهية و لا أساس لها من الصحة، و مع أننا كسبنا قضيتنا في المحكمة و عادت الصحيفة إلى الصدور قبل أن يتم إصدار قرار جديد عام 1994 بإغلاقها و منعها من الصدور بأمر عسكري بحجة جديدة أن عددها الأخير (قبل الإيقاف) تناول شخصيات عسكرية بالقذف، و لم يكن الأمر سوى أسلوبا لمنعنا من الكلام.. نحن برغم كل المضايقات نحمل قضية إنسانة و أخلاقية مهمة، و هي الدفاع عن ثوابتنا و مقوماتنا الإسلامية. لدينا آلاف من الأنصار من الشباب في العديد من المناطق التركية، و لدينا مكاتبنا أيضا في عدد من المناطق، و نحاول بالإضافة إلى عملنا السياسي أن نكون أصحاب خير أيضا، فقد استطعنا أن نؤسس جمعية خيرية لمساعدة و مساندة الفقراء قدر المستطاع.. صحيح أن عملنا لم يعد حرا كما الأول و أننا نتعرض إلى مضايقات كبيرة و يومية، لكننا متمسكين بحقنا في الحضور، و لدينا اليوم أنصارنا الذين يمدوننا بالقوة و الثقة.. هنالك العديد من الجمعيات الإسلامية في تركيا، و هي تعمل مثلنا على الدفاع عن ثوابت الأمة.. و نعرف أنه من الصعب أن تنجح القوى التغريبية على قتل قناعات الأتراك لأنهم مسلمون، و ينتمون إلى هذه الأمة العظيمة. نحن نعيش على الأرض التركية و نعرف ذلك أكثر من أي شخص آخر، و حتى الاسئصاليين يعرفون ذلك.. فلا خوف على دين يؤمن به 78% من الأتراك و يزداد التمسك به يوما يعد يوم.<BR><BR><BR><br>