جديد القضية الفلسطينية في حوار مع «المقرئ الإدريسي»
23 ذو القعدة 1425

<font color="#800000">أجرى الحوار (للمسلم): عبدالرحمن الأشعري </font> </br> </br>المفكر الإسلامي الدكتور "المقرئ الإدريسي أبو زيد (عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، والنائب البرلماني عن الهيئة نفسها، وأستاذ اللسانيات في جامعة الحسن الثاني المغربية) له مواقف مشهودة كأحد البرلمانيين الإسلاميين بالمغرب، وهو أحد أبرز المهتمين بالشأن الفلسطيني في المغرب.. موقع "المسلم" التقاه وأجرى معه هذا الحوار: </br> </br><font color="#FF0000">رحل (الرئيس الفلسطيني) ياسر عرفات إلى دار البقاء، ومع رحيله تكون القضية الفلسطينية قد دخلت مرحلة جديدة، تغيب عنها رموز فلسطينية كبيرة، فإلى جانب غياب (الرئيس الفلسطيني) ياسر عرفات، رحل من قبل الشيخ المجاهد الشهيد "أحمد ياسين" والشهيد الدكتور "عبدالعزيز الرنتيسي"، انطلاقاً من هذه المعطيات، ما هي القراءات الأولى لهذه المرحلة الجديدة؟ </font><BR>بسم الله الرحمن الرحيم، تمر القضية الفلسطينية عموما بمنعطف صعب، لعله أخطر وأعقد مرحلة من مراحل التفاعلات السلبية للتآمر على أرض فلسطين والإجهاز على الشعب والقضية والرمز الذي هو المسجد الأقصى وبيت المقدس، وبغض النظر عن الأشخاص الذين يرحلون أو يعتقلون أو يغتالون، فإن الاستكبار الأمريكي المفرط في استعمال القوة واللجوء إلى الضغط والإذلال للعالم العربي الرسمي والشعبي ثم التحالف المطلق مع القوة الصهيونية الذي لم يبق معه أي هامش ولو ضئيل من الفرق بين الموقف "الإسرائيلي" والأمريكي يقرع جرس إنذار ويعطي إشارة حمراء عن طبيعة المرحلة.<BR><BR> تتكامل المعطيات بالنقطة التي أشرت إليها في سؤالك وهي قضية رحيل الرموز سواء الرموز الإسلامية الجهادية كالشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي، أو الرموز الوطنية السياسية كالرئيس ياسر عرفات، ولـ"إسرائيل" دور ظاهر في رحيل هؤلاء كعملية الاغتيال المكشوفة للقيادات الإسلامية، أو دور ملتبس شك الكثيرون في وجوده، وكتبت أقلام وازنة مثل "منير شفيق" و"ياسر الزعاترة" من أهل الميدان أن وراء رحيل الرئيس ياسر عرفات عملية تسميم، مما يدل على أن المشهد يتكامل بيد "إسرائيلية" مباشرة وبمباركة أمريكية.<BR><BR>ومعنى هذا أن الذين يرتبون للمرحلة القادمة يسعون إلى توفير جو مريح لتمرير مشروع تسليم أرض فلسطين والهيمنة على بيت المقدس، وفق "أجندة" أمريكية واضحة تتعلق بالرغبة في توفير شروط مواتية لما يزعمونه المرحلة القادمة، والتي يفسرونها دينياً ويعتقدونها إيمانياً، وهي مرحلة نزول المسيح وبداية الألفية السعيدة. <BR><BR>وهذا يرتبط بعقيدة "البيوريتانيين" وهم اليمين المسيحي المتطرف والمتصهين الذي وصل مع "جورج بوش" إلى ذروة الإعلان الصريح والوقح عن سيطرته على الإدارة الأمريكية ورغبته في السيطرة على العالم، وفي هذا الإطار لا مجال - في نظر هؤلاء الصقور كما يسمونهم- لأي دور عربي أو فلسطيني يوازن أو يخفف من حدة الطموحات والأطماع الصهيونية لبناء دولة يهودية خالصة وتخليص أرض فلسطين من سكانها الأصليين _كما يزعمون_ والانطلاق إلى تأسيس "إسرائيل" الكبرى بفتح علاقات مع الدول العربية لا يكون نهائياً قوام النظر إلى مدى فاعليتها أو امتدادها هو وضع الشعب الفلسطيني أو رعاية حقوقه.<BR><BR>وهو ما يراد تتويجه فيما سمي "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، الذي يهدف من جهة إلى التطبيع الكامل للعلاقات العربية والإسلامية مع الكيان الصهيوني على خلفية المصالح الضيقة التي لا تأخذ بعين الاعتبار نهائياً حقوق الفلسطينيين ولا مصيرهم ولا أرضهم ولا عائديهم ولا مقدساتهم ولا عاصمتهم، ومن جهة أخرى تسعى إلى تأبيد الهيمنة الأمريكية و"الإسرائيلية" على المنطقة، بل وتحويلها بالكامل إلى تابع لرائد يقودها هو الكيان الصهيوني محلياً؛ أمريكا دولياً، بالمقابل تتضاعف فرص وإمكانات، بل وأحياناً إشارات المقاومة والرفض والصمود لا لدى الأنظمة فحسب وإنما لدى الشعوب والنخب من الجهة الأخرى ، وكأن المنطقة دخلت في حالة استسلام لولا الاستثناء المتمثل في المقاومة العراقية وما تيسر من المقاومة الفلسطينية التي تزداد الأوضاع شراسة ضدها بفعل الجدار العازل وسياسات "شارون" الهيمنية وزيادة التصلب في الجهاز العسكري والإداري الذي يسيطر عليه اليمين "الإسرائيلي" المتطرف.<BR><BR><font color="#FF0000">أشرتم -أستاذ أبو زيد- على أن الرئيس ياسر عرفات قتل مسموماً، وأكد ذلك أيضاً مسؤولون فلسطينيون أبرزهم خالد مشعل (رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس)، وفي هذا الإطار قال محللون سياسيون ومتتبعون للشأن الفلسطيني على أن ياسر عرفات صفي سياسياً قبل أن يصفى جسدياً.. ما رأيكم؟ </font><BR>الزعيم ياسر عرفات ساهم بنفسه في تحديد المصير المؤلم لنضاله التاريخي عندما قبل بـ"غزة - أريحا" ودخل مغامرة غير مأمونة العواقب مع أطراف يعرفها جيداً ويعرف قدرتها على التنصل من عهودها المعسولة والانقلاب مئة وثمانين درجة على أخلاقيات التفاوض السياسي.<BR><BR>ومنذ ذلك الوقت بدأت محنته عندما أريد له أن يصبح جلاد شعبه، وأن يصبح جزار الحركة الإسلامية المقاومة ومجهض الانتفاضة، وإذ أراد الرجل أن يوازن ما بين دوره التاريخي كزعيم يمكنه من تحصيل بعض المكاسب ولو جزئية لقضيته الأولى فلسطين، وبين إرضاء الإملاءات والرغبات الصهيونية الأمريكية في تحجيم دور الشعب الفلسطيني والحركة الإسلامية، دون أن يتخلى عن الثوابت الكبرى التي هي بالنسبة إليه وبالنسبة لباقي الأمة القدس والمسجد الأقصى وجزء من الأرض و العائدون، فإنه آنذاك بدأ مشروع تصفيته المعنوية، والتي انتهت بتصفيته المادية عندما حوصر في مقره بـ"رام الله"، ومنع من التنقل وأهين وهو رئيس دولة اعترف به من قبل أكثر من مئة دولة، أي أن الدول التي اعترفت به أكثر من الدول التي اعترفت بـ"إسرائيل" نفسها طيلة مدة وجودها طوال نصف قرن، وبلغ الأمر أنه كان أحياناً يمنع حتى من الماء النظيف وأحياناً يحرم من الأدوية، وأصبح عاجزاً حتى أن يتواصل مع أسرته الصغيرة، فكيف أن يتواصل مع العالم، وفي نهاية المطاف عندما صمد وأطال الله في عمره وقاوم المرض والضغوط ، فإن الأمر انتهى هذه النهاية الغامضة التي لا أدل على أن هناك شيئاً ما وراءها من كون أن الملف الطبي لحد الآن لم يسمح لا بنشره ولا بنشر ملخص نتائجه ولا بتداولها على الملأ، ووقع التستر وراء القوانين المدعاة أنها قوانين طبية وأخلاقية فرنسية محضة.<BR><BR><font color="#FF0000">في هذا السياق وانطلاقاً من جوابكم، ماذا تعني لكم وفاة الرئيس ياسر عرفات؟ </font><BR>تعني نهاية محزنة لكل من قبل التعامل مع العدو من موقع ضعف، وراهن على حلم التوافق السياسي في زمن اختلال الموازين حتى ولو كان عرفات البطل الأسطوري، فالبراغماتيكية وأحياناً الماكيافيلية تفقد الضعاف مركز القوة الوحيد الذي عندهم وهو مبدئيتهم وثوريتهم وتصلبهم تجاه الثوابت، وهو درس لجميع من اختاروا طريق المفاوضات العمل من خلال طاولات الحوار لبيان أن لا حوار بين الضعيف والقوي، إلا إذا توافرت الحدود الدنيا من التوازن.<BR> <BR>وهذا لم يعد ممكناً منذ نهاية العالم القديم المسمى بالنظام الدولي القديم، منذ نهاية الحرب الباردة، بحيث لم يعد أي قوة دولية بحجم الاتحاد السوفيتي يمكنها أن تدعم أو أن توازن الضغط المتطرف والمنفلت للقوة الأمريكية، وفي هذا الإطار لابد لنا من المقارنة بين نهايتين، بين نهاية عرفات وبين نهاية رجل مثل أحمد ياسين، صحيح أن عرفات انتهى إلى حد ما صامداً وشريفاً وأبى أن ينطلق إلى مزيد من التفريط في الثوابت الكبرى، ورسم لنفسه خطاً أحمر ولو أنه كان خطاً واطئا، لكنه ثبت عنده ولم يجرجر إلى ما دونه، خصوصاً عند محطة خطيرة هي محطة "كامب ديفيد الثانية" التي حاول فيها كل من "باراك" و"كلينتون" الضغط عليه في أمريكا، ولكنه صمد وعاد بطلاً استعاد بعض شعبيته في الاستقبال التاريخي الذي أجري له في "غزة" وفي "الضفة الغربية"، ولكن نهاية رجل مثل "أحمد ياسين" كانت نهاية شامخة، نهاية واضحة، نهاية ليس فيها من اللون الرمادي شيء، نهاية شهيد حقاً ضرب بصاروخ وتشتت أشلاؤه عائداً وهو المشلول الشيخ الفاني من صلاة الفجر، رفض أن يجرجر في منطق الاستدراج المفاوضاتي الخادع وبقي ثابتاً عند السقف الأعلى للخطوط الحمراء، وليس عند السقف الأدنى وانتهى إلى ما انتهى إليه. نرجو لكليهما عند الله _عز وجل_ مقاماً محموداً، ونرجو أن تكون نهاية كليهما درساً لمن يريد أن ينتهي إحدى النهايتين القصوى أو الدنيا، ولكننا نرجو ألا تنتهي أية قيادة فلسطينية إلى ما دون ذلك، أن تنتهي نهاية خيانة أو تفريط أو تواطؤ ضد مصالح الشعب الفلسطيني والأمة ومقدساتها، مما يمكن أن يدخل بسهولة المغامر بهذه المعاملة في خانة الخيانة التاريخية التي تلعنها الأمة، وتلعن صاحبها إلى يوم الدين.<BR><BR><font color="#FF0000">في رأيكم لماذا فشلت كل المفاوضات التي أجراها الرئيس ياسر عرفات مع المسؤولين "الإسرائيليين" فآخر شركائه في عملية السلام "إيهود باراك" وصفه بـ "زعيم الإرهاب"؟ </font><BR>كان المناضل ياسر عرفات رجل مناورة من الطراز الأكبر، وكان يتقن اللعب على كثير من الحبال، وكان يمارس السياسة بالماكيافيلية المعروفة دولياً، وكان يتعامل بهذا مع المقربين إليه ومع محيطه ومع خصومه ومنافسيه ومع أعدائه من الصهاينة ومع الفرقاء جميعاً، ولكن أي شخص مهما كان إبداعه وذكاؤه وخبرته وتمرسه وشجاعته بل وأسطوريته، لا يمكنه وحده بدون أن يكون وراءه أمة قوية متماسكة وأن يكون أيضاً هو متسلحاً برؤية عقدية واضحة، أن يمضي إلى ما لا نهاية في اللعب على الحبال وفي المناورة.<BR><BR>بدأ الصهاينة المتطرفون مع وصول اليمين المتعصب منذ "نتانياهو" مروراً بـ "باراك" وانتهاء بـ"شارون" إلى التضييق الكامل لهذه الهوامش، ووجد عرفات نفسه يناور على خلفية إمكان وجود فجوة ما بين الموقفين الأمريكي و"الإسرائيلي"، ويناور مراهناً على حد أدنى من التماسك العربي، ومن الصمود في الموقف الرسمي العربي، لكن هذه المستمسكات كلها انهارت في يديه، وانتهى أسيراً في مقره برام الله عاجزاً عن أن يصرف أي موقف، إلا تصريف موقف الرفض المبدئي فيما يتعلق بالخطوط الحمراء الدنيا والثوابت الكبرى المقدسة التي قال عنها وهو يساوم عليها في "كامب ديفيد الثانية" هناك في الولايات المتحدة الأمريكية "إن الشعب سيشنقني إذا فرطت فيها" قالها باللهجة الشامية المحببة: "دول حيشنقوني" إشارة إلى شعبه وإلى أمته، أما لماذا فشلت كل هذه المفاوضات؟ فلأن الأمريكان و"الإسرائيليين" أساساً لجؤوا إلى هذه المفاوضات ومارسوها وهم ينوون إفشالها، وما كان هناك عندهم من غاية في سلام ولا في حل مشكل ولا في إنهاء صراع ولو بإعطاء الفلسطينيين الحد الأدنى من حقوقهم أو بناء كيان قزم.<BR><BR>كان الغرض هو تكسير الانتفاضة الأولى التي طالت ست سنوات وإخراج "إسرائيل" من عزلتها، ونقل مهام الاحتلال إلى فلسطينيين، بحيث يصبح كما قيل: احتلالاً نظيفاً مدفوع الأجر، ورفع مسؤولية الاحتلال التي تلزم بها القوانين في العالم كله ومنها اتفاقية "جنيف" عن كاهل العدو، وإلصاقها بسلطة وطنية مشلولة وعاجزة، مهمتها ليس أن تحمي الشعب الفلسطيني ولكن أن ترفع الحرج عن الاحتلال الصهيوني، وكان دائماً هذا ديدن العدو الصهيوني، ففي سنة 1978م وقعت "إسرائيل" مع "السادات" اتفاقية سلام لم تكن الغاية منها هي السلام، وإنما كانت الغاية منها التفرغ لغزو لبنان، أمنت "إسرائيل" بموجب هذه الاتفاقية حدودها الجنوبية، وانطلقت إلى حدودها الشمالية لكي تقوم بعملية غزو لبنان واحتلاله لمدة 22 سنة، بجيش قوامه 165ألف جندي ما كان له أن يتجرأ على مغادرة الكيان الصهيوني الغاصب في اتجاه أقصى الشمال دون أن يكون الجنوب قد أمن عبر اتفاقية خادعة، وكان على عرفات - سامحه الله وغفر له-، أن يفقه الدرس الذي تكشفه حادثة "كامب ديفيد" سنة 1978م، وهو أن "إسرائيل" لا توقع السلام إلا من أجل الحرب، لكي لا يكرر التجربة بعد ذلك بسنوات في "غزة - أريحا" والتي أخذت مساراً مسدوداً في نفق مظلم؛ لأنها كانت مساراً انفرادياً فاجأ العالم كله بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، والدول العربية التي أحبطت وخاب أملها ونفض كثير منها يده من القضية الفلسطينية، وبدأ يناور في حدود مصلحته الضيقة وحاجته الخاصة.<BR><BR><font color="#FF0000">مباشرة بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات تم تكليف "روحي فتوح" ليكون رئيساً للسلطة الفلسطينية حسب القانون الذي يقضي بتولي رئيس المجلس التشريعي مهام الرئاسة لمدة ستين يوماً، تتم بعدها إجراء انتخابات للحصول على رئيس جديد للسلطة الفلسطينية، من تتوقعون فوزه بهذا المنصب؟ </font><BR>واضح أن الفائز الوحيد وبأصوات فارقة سيكون مرشح منظمة "فتح"، الجسم الوازن في منظمة التحرير الفلسطينية، والمتنفذ بزعامة عرفات التاريخية وبرصيد هذه المنظمة الجهادي، والذي استعاد بعض عافيته مع تنظيم كتائب شهداء الأقصى التي قامت بعمليات استشهادية في الآونة الأخيرة، وساهمت بإنهاض الانتفاضة الثانية بقيادة مروان البرغوثي وإخوانه _أطلق الله سراحه_ واضح أن الجهات الدولية توافق على مرشح "فتح" "أبومازن محمود عباس" ذو التوجهات السلمية المهادنة منذ زمن طويل، ومهندس "أوسلو" التي أوصلت الفلسطينيين إلى نفق مسدود، وواضح جداً أن بقية المرشحين ليس لهم أدنى حظ في أن ينافسوا هذا الرجل، سواء أكانت الانتخابات حرة ديمقراطية أم كانت الانتخابات موجهة. احتمال أن يفوز غيره، وارد لو أن الحركة الإسلامية دخلت على الخط ورشحت مرشحاً لها، ولكن الحاصل أن كلاً من "حماس" و"الجهاد"، أعلنت جميعها أنها لن تشارك ولن تدعم أي مرشح من المرشحين وأنها ستبقى خارج اللعبة، وهذا يعطي كافة الحظوظ لمرشح "فتح" ومرشح السلطة الوطنية الفلسطينية في نفس الوقت محمود عباس أبو مازن (رئيس الوزراء السابق للسلطة الوطنية الفلسطينية).<BR> <BR><font color="#FF0000">ولكن.. رغم الاتفاق على مرشح واحد، هناك خلافات وصفت بالحادة تعصف بحركة فتح وخاصة ما بين اللجنة المركزية للحركة والتي تمثل الجيل القديم، وما بين اللجنة الحركية العليا لفتح بزعامة (أمين سرها) مروان البرغوثي (المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي)، الذي ترشح بصفة مستقلة وبدعم من قبل مجموعة من أعضاء وكوادر "فتح" ليكون المنافس القوي لمحمود عباس، ويشهد لهذا الصراع أيضاً ما حدث في "خيمة العزاء"، ما هي في رأيكم خلفيات هذا الصراع؟ </font><BR>الخلفيات واضحة وصريحة ومعلن عنها عند الغاضبين والثوار من داخل فتح رغم أن المساحات الإعلامية التي تتاح لهم على جميع الأصعدة ضيقة جداً. هؤلاء يمثلون قواعد فتح من الوطنيين الفلسطينيين المناضلين المتشبعين بتاريخ "فتح" وخطها ونضالها، وهم أناس شرفاء لم يقبلوا مهادنة العدو ولم يسقطوا في مستنقع الفساد والاختلاس، وهؤلاء بقدر حبهم لعرفات فهم غاضبون وساخطون عليه، خصوصاً في الآونة الأخيرة لتعاملاته الأمنية الغامضة مع أطراف دولية، ولاختياره لأشخاص فاسدين في الملفات الأمنية والمالية، وهؤلاء طبعاً وإن كانوا يحتفظون بالحد الأدنى من الاحترام لعرفات (فجعلهم لا يثورون في وجهه إلا قليلاً)، فهم الآن يملكون كامل الجرأة وكل الغضب في نفس الوقت للثورة في وجه رموز بقيت الآن تدير دواليب السلطة الفلسطينية من بعد عرفات، جلها ليس حسن السمعة في مجال لا المعاملات المالية ولا التشابكات الأمنية الغامضة مع العدو الصهيوني.<BR><BR>ولكن هذا الصراع كله لن يؤثر في رأيي على حظوظ أبي مازن في أن يكون رئيس السلطة الفلسطينية المقبل، إلا إذا تجمع هؤلاء الغاضبون كلهم في محور واحد ونظموا أنفسهم بشكل منسق تمام التنسيق، ولم تتدخل جهات الأمن ولا العدو الصهيوني في حركتهم، واختاروا دعم مرشح واحد اتفقوا عليه ضمن المرشحين المنافسين لأبي مازن، لكن احتمال وقوع ذلك ضئيل نظراً لاستحالة توافر تلك الشروط التي ذكرناها، فما أحسب الغاضبين سيتفقون على مرشح واحد، أو سيقومون بتنسيق عملهم في خطة واحدة، أو أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية ستقف مكتوفة الأيدي أمامهم، أو أن "إسرائيل" ستفسح لهم طريقاً مفروشاً بالورود للوصول إلى ما يرغبون فيه.<BR><BR><font color="#FF0000">في مقابل هذا الاهتمام الكبير الذي تبديه بعض الفصائل الفلسطينية، وخاصة حركة فتح تجاه انتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية المقرر إجراؤها في التاسع من يناير المقبل، أعلنت "حماس" و"الجهاد الإسلامي" رفضهما المشاركة في هذه الانتخابات، إلى أي حد ينسجم هذا الموقف مع مقتضيات المرحلة الجديدة؟ </font><BR>أبانت الحركة الإسلامية المجاهدة في أرض فلسطين منذ الانتفاضة الأولى عن وعي نوعي وعن حس نادر وعن قدرة فريدة على المزاوجة ما بين النفس الثوري وما بين الواقعية السياسية، وفي هذا الإطار بقدر ما قوت الحركة الإسلامية ساعدها في وجه العدو وصعدت من عملياتها الجهادية ضده، فإنه بالمقابل رفعت شعار " لقد حرمنا الدم الفلسطيني " وسعت إلى تجنب الاقتتال الداخلي الذي خطط له العدو الصهيوني عندما أقدم على مغامرة "أوسلو"، ورفضت أن تنجر إلى كل مستنقعات الدم التي أريد لها أن تنجر إليها، وفي هذا الإطار فإن اختيارها في الأخير عدم المشاركة هو عين الوفاء لهذا الخط وتمثل هذا الوعي، ذلك أن منافسة أي مرشح من حماس أو مرشح مدعوم من قبل حماس والجهاد، لمرشح فتح، سيخلق أبواباً من الاحتكاك والتصادم والصراع.<BR><BR>وفي حالة ما إذا كان الحلم الانتخابي وردياً وتخيلنا جميعاً ما لا يمكن وقوعه وهو أن تترك السلطة الوطنية وأجهزتها الأمنية و"إسرائيل" وأجهزتها القمعية الانتخابات حرة نزيهة، ويفوز ممثل أو مرشح الحركة الإسلامية، فأية آفاق أمامه باعتباره رئيساً للسلطة الفلسطينية، لكي يواجه عبر ممارسة المفاوضات أو الضغوط السياسية التي لا يملك الحد الأدنى من إمكاناتها الوضع الجديد؟ وفي أي أفق يمكنه أن يسعى بالملف الفلسطيني على مستوى الدهاليز السياسية؟<BR><BR>الحركة الإسلامية المجاهدة في فلسطين اختارت طريق الجهاد والمقاومة نظراً لما رجح عندها ورجحه الواقع من استحالة أي طريق آخر من طرق معالجة القضية الفلسطينية كطريق العمل السياسي أو الإدارة المحلية أو المفاوضات، خصوصاً مع هذا الانسداد العام في الأفق العربي الرسمي والأمريكي المتسلط والصهيوني المتغطرس، ولهذا أفضل شيء ألا تدعم أي مرشح ولا تتحمل مسؤولية التنازلات التي سيضطر إليها لاحقاً عندما يتسلم المسؤولية، أو الإحباط العام الذي سيقع فيه أو يحمل مسؤوليته في نفس الوقت، وهذا فخ أعتقد أن الحركة الإسلامية أذكى من أن تقع فيه، ولهذا فهي تريد أن تبقي باب المقاومة مفتوحاً إلى أن يأذن الله بإحداث نوع من التوازن في العلاقات وفي القوى.<BR> <BR><font color="#FF0000">إذن واضح أن "أبا مازن محمود عباس" سيكون على رأس السلطة الوطنية الفلسطينية بعد أن فسحت له المجال الفصائل الإسلامية الفلسطينية من جهة، وعبدت له الطريق جهات دولية معروفة، في ظل هذه القيادة الجديدة. كيف ترون مستقبل القضية الفلسطينية؟ </font><BR>مستقبل القضية الفلسطينية في المرحلة القريبة المقبلة، بغض النظر عن كل هذه التحولات والمعطيات الجديدة مستقبل مظلم، المنعطف كما قلت في الجواب على السؤال الأول، منعطف خطير ولعله أخطر المنعطفات، الفلسطينيون تركوا ليموتوا وحدهم وتخلى عنهم العالم كله، وانتقلت أمريكا من دور الوسيط الخادع إلى دور الحليف السافر، وبالتالي من الصعب أن نؤمل شيئاً من وراء إدارة دفة الحكم الذاتي أو ممارسة قيادة السلطة الوطنية لا من قبل أبي مازن ولا من قبل غيره، وفي أحسن الأحوال، وإذا ما أحسن الظن بأبي مازن ووجد نفسه في موقعه الجديد ملزماً بالوفاء لخط عرفات والثبات على الثوابث الأخيرة التي ثبت عليها ياسر عرفات، فإنه سيلقى نفس مصير عرفات، سيحاصر وهو الآن ابن السبعين في مقر القيادة بـ"رام الله" أو أي مكان آخر وسيمنع من الحركة وسيهمش وسيتحول إلى الغول الإعلامي الذي يمارس من خلاله فعل شيطنة الاختيار الفلسطيني والتشنيع عليه تماماً كما فعل بعرفات عندما أصبح شخصاً غير مرغوب فيه، وأصبحت "إسرائيل" تتجرأ على التصريح بأنها ستغتاله، وأمريكا تتوقح في القول بأنه ليس شريكاً جاداً وفاعلاً للسلام، وفي هذا الإطار أتصور بأنه لن يراهن الشعب الفلسطيني ولا الرأي العام العربي والإسلامي و لا الدولي على خلف ثالث، وستتوقف هذه المهزلة أو هذا المسلسل العدمي العبثي مسلسل "أوسلو"، وستنهار السلطة الفلسطينية وستفتح أبواب القضية الفلسطينية من جديد على احتمالات أخرى غير احتمال نفق أوسلو وما جاوره.<BR><BR><font color="#FF0000">يلاحظ أيضاً أن هناك دعماً كبيراً يلقاه مرشح "فتح" محمود عباس من قبل جهات دولية نافذة على رأسها أمريكا و "إسرائيل"، ويحظى كذلك بدعم الأنظمة العربية حتى قبل الانتخابات، ويوصف بأنه الشخصية المطلوبة دولياً، لماذا هذا الاهتمام؟ </font><BR>طبيعي أن يكون عند أبي مازن حالة من القبول العامة؛ لأنه مهندس "أوسلو" وهو من أقنع عرفات وأغراه بالذهاب في هذا النفق المسدود، وقد صرح بذلك بكل وضوح في مذكرته الضخمة "مذكرات السلام"، الرجل منذ حوالي عقدين من الزمن أصبح يتكلم لغة أخرى غير لغة مدة النضال الشبابي، عندما كان في "موسكو" يكتب رسالته للدكتوراة عن طبيعة الشخصية الصهيونية أو عندما كان يناضل في صفوف "فتح": لغة جديدة قوامها مصطلحات الواقعية والبعد عن المزايدة والعدمية ومن أجل هذا عندما أرغم عرفات من قبل "إسرائيل" وأمريكا والأوروبيين على أن يتراجع قليلاً عن بعض سلطاته، وأن يعين رئيساً للوزراء يكون هو المفاوض، ويكون هو المسؤول عن الجانب الأمني والمالي، وجزء من الجانب الدبلوماسي، فاختار عرفات لتطمين قوى المواجهة ضده وللتخذيل عن نفسه، أبا مازن كوجه مسوق دولياً لدى أمريكا و"إسرائيل".<BR><BR>ولكن أبا مازن عجز عن أن يحل معادلة التنافس من خلال مقعده ما بين عرفات الممسك بالخيوط وما بين "إسرائيل" المصرة على التسليم بكل شيء، هذا هو السبب الواضح لاختيار أبي مازن والتفاؤل به والتطبيل له، ولكن معروف عن البراغماتيكية الانتهازية الماكيافيلية الإعلامية الغربية، أنها ممكن أن تقلب ظهر المجن لأي واحد في أية لحظة حتى ولو قدم من التنازلات ما لم يقدم سلفه، عندما يقف عند نقطة يتوقف فيها عن تقديم مزيد من التنازلات، ولهذا أتوقع سريعاً أن يتم تسريع مسلسل التنازلات مع أبي مازن بنفس الطريقة الذي سرع مع عرفات، وينزل سقف المفاوضات، وسقف الصمود العربي الرسمي والشعبي والفلسطيني أيضا باستثناء الحركة الإسلامية، وعند نقطة معينة تستحيل على رجل له ماضي وله رصيد، وله رؤية مهما كان اختلافه عن عرفات في درجة الصلابة أو الديناميكية، أتوقع أن يقول لا.<BR><BR>وهناك ستبدأ شيطنته ويبدأ الحديث عنه، كعدو للسلام واتهامه بـ"الإرهابي". الخوف إذن من استمرار هذا المسلسل، مسلسل "أوسلو" وما نتج عنه من سلطة وطنية فلسطينية عاجزة ومسؤولة في نفس الوقت دولياً عن مصير الشعب الفلسطيني، وتتحمل كل وزر الاحتلال. الخوف هو أن يستمر هذا المسلسل، في تجاه أن تصبح الأجهزة الأمنية أكثر تنمرا، وبالتالي تقوم بالإثخان في الشعب الفلسطيني وفي حركته الإسلامية المجاهدة أمنياً تشريداً وتقتيلاً واعتقالاً، حتى يرضى "السيد" الصهيوني، ثم لا يرضى بعد ذلك "السيد" الصهيوني لا بمزيد من الدماء يعجز الحاكم أن يستمر في الإيغال فيها، وآنذاك يتم التخلص منه على طريقة عرفات، أو طريقة "أحمد ياسين".<BR><BR>ويبدأ مسلسل جديد مع طريق جديد، وإني أرى الآن رأي العين بعد سنوات كيف يمكن أن يصبح _لا قدر الله_ "أبو مازن" - إذا ما صمد- في مكان عرفات(!!)، وأن يصبح رجل مثل "محمد دحلان" في مكان "أبي مازن" اليوم مسوقاً وموضوع إشهار وتزيين ومكياج حتى يحل بعده مرة أخرى باسم تشبيب القيادة، باسم إزالة الصقور القديمة، باسم تجديد دماء السلطة الوطنية الفلسطينية، ويراد لدحلان أن يصبح جلاد شعبه، فإما أن ينساق إلى ما يراد له ويفتح حربا أهلية فلسطينية، وإما أن يصمد ويصفى آنذاك بنفس الطريقة إياها تصفية مادية أو معنوية أو كليهما.<BR><BR><font color="#FF0000">كلمة أخيرة.. ما الحل؟ </font><BR>كلمة أخيرة واضحة وصريحة، إن مآل مسلسل التفاوض مع العدو الصهيوني الذي ليس له أدنى رغبة في السلام، وليست عنده أدنى مصداقية في وعوده واتفاقياته منذ "كامب ديفيد" 1978م مع السادات إلى "غزة أريحا" مع عرفات، الناظر إلى هذا المسلسل يتبين له ويقتنع بمدى عبثيته ومدى مسلسل الخديعة الذي يجر له بقية الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية، ويقتنع بأن الطريق الوحيد هو طريق المقاومة والصمود والجهاد في داخل فلسطين وطريق الدعم وحصار العدو الصهيوني، والتراجع عن التطبيع ومقاطعة البضائع لإسرائيلية" والأمريكية، والدعم اللامشروط للشعب الفلسطيني حتى تستطيع الأمة رسمياً وشعبياً، وأيضاً حتى تستطيع نخب هذه الأمة، أن تقوم بدورها التاريخي الذي ستسأل عنه يوم القيامة، دور إحداث ولو حد أدنى من التوازن في ميزان القوة المختل اختلالاَ فظيعاَ، بما يمكن الشعب الفلسطيني من الاستمرار في الصمود، والاستمرار في المطالبة بالحد الأدنى من حقوقه المعروفة، وهي السيادة والمعابر والحدود والقدس واللاجئون، والله المستعان..<BR><br>