حوار مع (مدير المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان) محمّد بن المختار الشنقيطي
23 شوال 1425

<font color="#800000"> حاوره: يحي أبوزكريا </font> </br> </br> دخلت موريتانيا في المدّة الأخيرة دائرة الضوء وباتت محلّ اهتمام واسع من قبل الإعلام العربي والإسلامي بسبب إقدامها على إقامة علاقات رسمية رفيعة المستوى مع الكيان الصهيوني، وهي العلاقات التي رفضتها كل القوى السياسية الوطنيّة والإسلامية في موريتانيا، وقد تسببّ هذه العلاقات في قيام محاولة انقلابيّة فاشلة كادت تطيح بنظام معاويّة ولد طايع لولا تدخّل قوات أجنبية في ربع الساعة الأخيرة لتنقذ نظام الرئيس معاوية ولد طايع الذي عزل موريتانيا بشكل كامل عن محيطها العربي والإسلامي.<BR><BR>ولمعرفة تفاصيل الواقع الموريتاني، وسبب المحاولة الانقلابية الأخيرة ومستقبل موريتانيا السياسي.. كان لنا لقاء مع الكاتب والباحث الموريتاني محمد بن المختار الشنقيطي (رئيس تحرير جريدة الفقه السياسي الإلكترونية)، والذي يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، وله العديد من الكتب والبحوث المنشورة عن موريتانيا.<BR><BR>ومن كتبه المنشورة: (الحركة الإسلامية في السودان مدخل إلى فكرها الإستراتيجي والتنظيمي)، وللإشارة فإنّ الباحث الموريتاني محمد بن مختار الشنقيطي (المتخصص في الشؤون الموريتانية) يتولى إدارة المركز الإسلامي في مدينة لباك في تكساس الأمريكية. <BR><BR><font color="#FF0000">من هو محمد بن المختار الشنقيطي؟ </font><BR>أخوكم محمد بن المختار الشنقيطي، من مواليد عام 1967م في موريتانيا، حصل على إجازة في حفظ القرآن الكريم عام 1982م، وصحب عدداً من المشائخ الموريتانيين، فأخذ عنهم طرفاً من العلوم الشرعية واللغة العربية، ثم حصل على شهادة متريز (الإجازة) في الفقه والأصول عام 1989م، ثم شهادة متريز (الإجازة) في الترجمة (عربية – فرنسية – إنكليزية) عام 1994م. <BR><BR>مدرس سابق للتفسير والنحو بجامعة الإيمان باليمن، ومدير المركز الإسلامي في لباك (تكساس – الولايات المتحدة) في الوقت الحاضر. هذا إلى رئاسته للمرصد الموريتاني لحقوق الإنسان.<BR><BR>من مؤلفاته (الحركة الإسلامية في السودان: مدخل إلى فكرها الاستراتيجي والتنظيمي)، و(الشرعية السياسية في الإسلام بين الوحي والتاريخ)، وديوان شعري بعنوان (الفجر الصادق)، إضافة إلى عدد من المقالات المنثورة في بعض المجلات والمواقع العربية.<BR><BR><font color="#FF0000">ما تركيبة المؤسسة العسكرية في موريتانيا؟</font><BR>أنا – للأسف - لست خبيراً عسكرياً، وكل ما أعرفه عن تركيبة الجيش الموريتاني هو المأزق الثقافي الذي يعيشه الجيش، حيث ينتمي قادته الكبار – وعلى رأسهم الرئيس الحالي – إلى الجيل الفرانكوفوني القديم الذي خدم في الجيش الاستعماري الفرنسي، بينما ينتمي أغلب الضباط الصغار والجنود إلى جيل ما بعد الاستقلال، وهم في جلهم من حملة الثقافة العربية، وهذا الانشطار في الذات والهوية سبب من أسباب المحاولة الانقلابية الأخيرة، حسب ما يتراءى لي من بعيد.<BR><BR><font color="#FF0000">ما أسباب التطبيع السياسي الموريتاني مع الكيان الصهيوني؟</font><BR>ليست هناك أسباب يمكن استساغتها بالمنطق السياسي أو الاستراتيجي، فموريتانيا ليست من دول المواجهة العربية، ولا حتى من دول "الشرق الأوسط"، والتفسير الوحيد هو تلون القيادة الموريتانية وانتهازيتها، وابتكاراتها الغريبة في مجال سياسة البقاء.<BR><BR>فقد كان الرئيس الموريتاني يعتمد اعتماداً كلياً في استمرار حكمه على فرنسا التي ساندت انقلابه العسكري عام 1984م، لكن اضطهاده للزنوج الموريتانيين أثار مشكلات بينه وبين فرنسا، انتهت باعتقال بعض المقربين منه، وتهديدهم بالمحاكمة في فرنسا بدعم وتحرك من منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان، وقد أثار ذلك سخط الرئيس الموريتاني وهلعه في ذات الوقت، فقرر الخروج من تحت العباءة الفرنسية.<BR><BR>وكان من المفترض أن يدرك الرئيس الموريتاني أن "أحصن قلعة يبنيها الأمير هي تلك يبنيها في قلوب شعبه" _كما يقول ماكيافيلي_، فيراجع مسيرته، ويتصالح مع شعبه، لكنه لم يفعل ذلك، بل اتجه إلى البحث عن حماة جدد، وفكر أن الأمريكيين الذين ينافسون فرنسا في المنطقة هم الحامي المفضل، وأن إسرائيل هي البوابة الأمريكية. <BR><BR>لكن المحاولة الانقلابية الأخيرة في موريتانيا برهنت على أن سياسة الاحتماء هذه تجلب من المخاطر أكثر مما تدفع، فليس هناك من حام لمن تنكر لشعبه وأمته، وطعن قضاياهم من الخلف، وجرح مشاعرهم بمد اليد إلى يد شارون الملطخة بالدماء، ولا مأمن له إلا أن يرجع عن غيه، ويتصالح مع بني وطنه. <BR><BR><font color="#FF0000">ما أسباب الانقلاب الأخير في موريتانيا؟ </font><BR>إن السبب الأول للمحاولة الانقلابية الأخيرة هو العلاقات المشينة مع إسرائيل، إذ من المعروف أن قائد الانقلاب العقيد صالح ولد حننا كان قد اعترض علناً على هذه العلاقات يوم كان يعمل في قيادة أركان الجيش الموريتاني، وتم تسريحه من الجيش عقوبة له على ذلك، وليس من ريب أن العقيد صالح باعتراضه على تلك العلاقات قد هز أوتار القلوب في موريتانيا، وهذا ما يفسر السهولة التي استطاع بها اكتساب عدد وافر من الضباط إلى صفه، والتحرك بهم في محاولة الإطاحة بحكومة التطبيع.<BR><BR>وقد توجد أسباب قديمة غير مباشرة مهدت النفوس لقبول فكرة الانقلاب داخل الجيش الموريتاني، منها حالة الإفقار والفساد والنهب السائدة، ومنها الاجتراء على اعتقال الأبرياء من خيرة أبناء البلد من علماء وكتاب وسياسيين معارضين...إلخ <BR> <BR><font color="#FF0000">ما خارطة الحركة الإسلامية في موريتانيا؟</font><BR>لقد نعمت موريتانيا بما نعمت به كل الدول الإسلامية من ظلال الصحوة، ومن تنامِي الحس والالتزام الإسلامي في الحياة الخاصة والعامة، لكن الحركة الإسلامية – بالمدلول السياسي – لم تظهر إلى الوجود في موريتانيا إلا نهاية السبعينات.<BR><BR>وقد تأسست هذه الحركة على أيدي طلاب موريتانيين درسوا في الخارج، ثم بدأت تأخذ مداها وتتسع في التسعينات، حتى أصبحت أقوى الحركات السياسية في موريتانيا وأوفرها عدداً وأحسنها تنظيماً وتأطيراً.<BR><BR>وقد لقيت الحركة الإسلامية في موريتانيا قمعاً وتضييقاً من طرف القيادة الموريتانية الحالية، لكن ذلك زادها – بحمد الله – صلابة عود، ورسوخاً في المجتمع، وتسيطر الحركة اليوم على أغلب اتحادات الطلاب، وعلى بعض النقابات المهنية، ولها حضورها القوي في الأحزاب السياسية المعارضة، إضافة إلى عملها التعليمي والخيري في المجتمع.<BR> <BR><font color="#FF0000">وماذا عن القوى الاستئصالية داخل النظام وفي المجتمع المدني؟</font><BR>يميل المجتمع الموريتاني في عمومه إلى التدين والبساطة، وهو لم يتلوث كثيراً بالثقافة الدخيلة كما حدث في مجتمعات إسلامية أخرى مكث فيها الاستعمار مدة مديدة، فبداوة الموريتانيين وبساطتهم حمتهم من ذلك.<BR><BR>ولذلك فإن أغلب قطاعات المجتمع تتعاطف مع الحركة الإسلامية، وما يظهر من سوء ظن بالمشروع الإسلامي أغلبه راجع إلى جهل لا إلى عداوة مقصودة، كما أن التيارات القومية العربية في موريتانيا تميل إلى التدين، وليست بينها وبين الحركة الإسلامية مفاصلة أو مجانبة فكرية كبيرة. <BR><BR>فالخطر الأكبر على المشروع الإسلامي في موريتانيا هو استمرار الاستبداد والقهر السياسي الذي يحول بين الناس وبين اختيار الحياة الإسلامية، ويمكن أن ينضاف إلى ذلك تيار الفرانكوفونية الذي يمسك بزمام الإدارة ويسيطر على جهاز الدولة إلى حد بعيد، ثم تيار اليسار الذي يظل هامشياً على أية حال.<BR> <BR><font color="#FF0000">كيف ترى المستقبل السياسي لموريتانيا؟</font><BR>تعيش موريتانيا اليوم على مفترق طريق، وهي تعاني أزمة ثقة عميقة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، إضافة إلى أزمتها الاقتصادية والاجتماعية المزمنة.<BR><BR>ويشير اتجاه الأحداث في مرحلة ما بعد المحاولة الانقلابية إلى ثلاثة سيناريوهات ممكنة:<BR><BR>أولها: أن تستفيد القيادة الموريتانية من درس المحاولة الانقلابية، فتراجع سياساتها الداخلية، وعلائقها الخارجية، على طريق الرجوع إلى الذات، والمصالحة الشاملة مع شعبها.<BR><BR>وثانيها: أن تزداد القيادة الموريتانية ارتماء في أحضان إسرائيل، طمعاً في الحماية الأمريكية، وتكشف عن المخبوء في هذا المجال، مما ينذر بانفجار الوضع بشكل أعنف مما وقع مؤخراً.<BR><BR>وثالثها: أن يفهم بعض المحيطين بالرئيس الموريتاني مستوى الإفلاس الذي وصل إليه حكمه، فيقررون التخلص منه، تجنباً لدفع ثمن سياساته، ثم يبدؤون بداية جديدة مغايرة لنهجه في الأسلوب على الأقل.<BR><BR>هذه السيناريوهات الثلاثة واردة، وآخرها هو الأقوى احتمالاً من الناحية العملية، وغيرها ممكن، ولله الأمر من قبل ومن بعد. <BR><BR><font color="#FF0000">هل استوعب نظام معاوية ولد طايع رسالة المحاولة الانقلابية؟</font><BR>لا شيء يدل على ذلك حتى الآن، فإرجاع السجناء من العلماء والأئمة إلى السجن بعد فشل المحاولة الانقلابية بادرة غير مشجعة، لكننا نتمسك بالأمل في المستقبل..<BR><BR><font color="#FF0000">ما طبيعة الصراع بين العروبة والإسلام من جهة والفرانكفونية من جهة أخرى؟</font><BR>من طبيعة الإنسان الموريتاني الاعتزاز بانتمائه الإسلامي والعربي، على الرغم من أن ثلث السكان غير عرب، بل هم زنوج ناطقون بلغات أفريقية، وبالرغم من أن بعض العرب الموريتانيين متعربون، وليسوا عرباً في الأصل، لكن كل ذلك لم يؤثر على مشاعر الفخر والاعتزاز بعروبة "البيان" الذي يغني عن "البينات" كما قال أحد شعرائهم:<BR><DIV align=center> <TABLE width=450 align=center border=0 cellPadding=0 cellSpacing=0> <TBODY><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA">إنا بني حسن دلت فصاحتنا</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>أنا إلى العرب العرباء ننتسبُ</SPAN> </TD> </TR><TR> <TD width=45% valign=bottom align=left> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>إن لم تقم بينات أننا عربٌ</SPAN> </TD><SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"><td width=10%> </td></span> <TD width=45%> <SPAN dir=rtl lang=AR-SA style="FONT-FAMILY: 'Times New Roman'; FONT-SIZE:18; mso-ansi-font-size:18; mso-fareast-font-family: 'Times New Roman'; mso-ansi-language: EN-US; mso-fareast-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-SA"></br>ففي الـلسـان بيان أنـنا عربُ</SPAN> </TD> </TR></TBODY> </TABLE> </DIV><BR>وتبقى رابطة العقيدة هي خط الدفاع الأخير، والقوة الحقيقية التي تحمي لُحمة المجتمع من التمزق، فلا يجمع بين الموريتاني العربي وغير العربي سوى الإسلام، ولولا أخوة الإسلام لكانت العواصف السياسية والأزمات الاجتماعية قد عصفت بالبلد منذ أمد بعيد.<BR><BR>لكن هذا الانتماء الإسلامي وذاك الاعتزاز العربي يشوش عليه وجود أقلية فرانكوفونية ارتضعت لبان الاستعمار الفرنسي، وآمنت به ولياً ونصيراً، فالصراع بين عامة الشعب وبين هذه الأقلية من أعظم الظواهر رسوخاً وعمقاً في المجتمع الموريتاني، وقد انهزمت الفرانكوفونية في موريتانيا فكرياً وثقافياً، لكن فلولها لا تزال تمسك بمقاليد الأمور ومفاصل الإدارة، وذلك تحد لا يزال يتعين على الشعب الموريتاني التعاطي معه. <BR><BR><font color="#FF0000">وكيف ترى مستقبل المشروع الإسلامي الذي تؤمنون به في موريتانيا؟</font><BR>كل الدلائل تبشر بالخير بالنسبة للمشروع الإسلامي في موريتانيا، فهو يستند إلى تدين عميق في المجتمع، وإلى أن الإسلام هو القاسم المشترك الذي يجمع الموريتانيين بعربهم وعجمهم، كما أن العلمانية ظاهرة سطحية لا جذور لها في موريتانيا، ثم إن حملة المشروع الإسلامي يستمدون من مدد الله الذي لا ينفد، ويثقون في وعده الذي لا يتخلف، وهم إلى تمكين في القريب العاجل _بإذن الله_.<BR><br>