د. النجار: الإعجاز العلمي في القرآن تحد للبشرية جمعاء
3 جمادى الثانية 1425

بيروت - مكتب اللواء للإعلام<BR><BR> إن القرآن الكريم كما أنه كتاب هداية وإرشاد في مجال العقيدة والتشريع والأخلاق والمعاملة، فإن فيه من وجوه الهداية أيضاً الهداية القرآنية في الآفاق والأنفس، ولكن البعض يتحفز لقضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بإثارة عدد من المخاوف والأسئلة، فيقولون مثلاً: إن تفسير القرآن على ضوء النظريات العلمية الحديثة يجعله عرضة لتأويلات متغيرة تلقي بظلالها على القرآن نفسه.. يسألون مثلاً: أليس القرآن كتاب هداية في المقام الأول والأخير، فلماذا تقحم هذه الأمور في تفسير آياته؟! و ما فائدة ذلك في عالم اليوم؟ ثم ما هي الضوابط التي لا بد منها في هذا الطريق؟! وما الفرق بين الإعجاز العلمي والتفسير العلمي؟! كما أن هذه المخاوف والاعتراضات قد تقف اتهاماً أمام كل من يخوض في قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم .<BR><BR>لذلك وللإجابة عن كل هذه الأسئلة، كان لقاؤنا مع العالم المصري د. زغلول النجار، الذي شاع اسمه وانتشر صيته في المحافل العالمية، خاصة في مجال الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، كما له دراسات وأبحاث ومؤلفات كثيرة في هذا المضمار كلها تحفل بالآيات الكونية التي تزيد القارئ إيماناً وتقىً. مراسلنا حمل هذه الأسئلة، والتقى د. النجار خلال زيارته الأخيرة إلى لبنان وعاد بهذا الحوار:<BR><font color="#FF0000"> * بداية ماالفرق بين التفسير العلمي للقرآن الكريم وبين الإعجاز العلمي في القرآن الكريم؟ </font><BR>- لا شك أن الفرق كبير جداً بين هذين المصطلحين، فالتفسير هو محاولة بشرية لحسن الفهم، لذلك نجد فيها الحرص على تقديم الحقائق العلمية لتفسير دلائل الآية القرآنية، وبما أن العلم لم يصل إلى الحقيقة في كل أمر من الأمور فنحن نضطر أحياناً إلى توظيف النظرية السائدة في التفسير؛ لأن التفسير يبقى في نهاية الأمر محاولة إنسانية لفهم الآية، وإن أصاب المفسر فله أجران وإن أخطأ فله أجر.<BR><BR>أما الإعجاز العلمي في القرآن الكريم فهو موقف تحد.. يتحدى الناس جميعاً، مسلمين وغير مسلمين، بأن كتاباً أنزل على نبي أمي وفي أمة أمية ومنذ ألف وأربعمائة سنة، وبأنه يحوي من حقائق الكون ما لم يستطع العلم المكتسب أن يصل إلى فهم شيء منه إلا منذ عشرات قليلة من السنين. <BR><font color="#FF0000"> * ولكن هل يستخدم كل جديد علمي دون ضوابط؟! </font><BR>- أبداً.. فإن هذا الموقف المتحدي لا يمكن أن يوظف فيه الإنسان شيئاً ضعيفاً؛ لأن المتحدي لا بد أن يكون واقفاً على أرض صلبة فلا يجوز لنا في الإعجاز أن نوظف الفروض والنظريات أبداً؛ لأنها أمور قابلة للتغيير، وإذا تحدثت بأمر قابل للتغيير ثم تغير فستسقط الحجة من أيدينا، ويصبح الوضع ضعيفاً، وتنقلب القضية ضدنا، لذلك نحن نحرص دائماً في مسائل الإعجاز العلمي على ألا نوظف إلا الأمور القطعية الثابتة التي ثبتت حقيقتها و لن تتغير، إلا في حالة واحدة، وهي: حالة الآيات التي تتحدث عن الخلق بأبعاده الثلاثة: خلق الكون، وخلق الحياة، وخلق الإنسان؛ لأن هذه القضايا غيبية غيباً كاملاً، والعلم التجريبي أوالمكتسب لا يصل للأمور الغيبية، وهو بحكم تكوينه لا يعترف إلا بالملموس المدرك المحسوس، لكن الله _تعالى_ الذي يقول: "ما أَشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداً"، هو الذي يقول أيضاً: " لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون"، والآيات التي تحض الناس على النظر في الخلق كثيرة جداً، إذن معنى هذا الكلام أنه على الرغم من غيبية عملية الخلق والإفناء والبعث غيبة كاملة عن إدراك الإنس والجن إلا أن الله _تعالى_ رحمة منه أبقى لنا في صخور الأرض وفي السماء قدراً من الشواهد الحسية التي يمكن أن تعين الإنسان إذا وظفها توظيفاً صحيحاً؛ لأن يصل إلى تصور ما عن عملية الخلق، ولكن هذا التصور لا يمكن أن يكون صحيحاً بعيداً عن الهداية الربانية.<BR><BR><font color="#FF0000"> * ما المقصود تماماً من كلامكم؟ </font><BR>- أقصد أنه لا بد أن يكون توظيف هذه الشواهد الحسية في إطار أن هناك خالقاً هو الذي أبدع هذا الخلق.. أما كيف؟! فهذه الشواهد تعينني على فهم ذلك، لذلك نقول دائماً: إن الناس لو خرجوا عن هذا الإطار فسوف يدورون في فراغ و ظلام لا يصلون معه إلى شيء، وهذا هو الحاصل مع معظم علماء الغرب الذين لا يؤمنون بالخالق _تعالى_ ولا بالخلق، فهم مثلاً يدورون حول نظرية التطور العضوي منذ أكثر من قرنين و لم يصلوا إلى شيء أبداً.. والسبب أنهم ينطلقون من مبدأ أنه ليس هناك خالق لهذا الكون. أما إن اتخذنا من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة مرتكزاً نستهدي به فسنصل _بإذن الله تعالى_ إلى العلم النافع، وهنا نكون قد انتصرنا للعلم بالقرآن وليس للقرآن بالعلم، فتعينني آية كريمة أو حديث شريف على الارتقاء بإحدى النظريات إلى مقام الحقيقة، لا لأن العلم الكسبي وصل بها إلى هذا المقام، و لكن لمجرد وجود هذه الإشارة لها في كتاب الله _تعالى_ أو في سنة النبي _عليه الصلاة والسلام_.<BR><BR><font color="#FF0000"> * كيف يمكن لنا أن نستفيد من الإعجاز العلمي في مجال الدعوة إلى الإسلام؟ خاصة الدعوة الموجهة إلى الغرب الذي لا يعترف إلا بالأمور المادية المحسوسة؟! </font><BR>- أذكر في إحدى رحلاتي إلى أمريكا التقيت بعالم جيولوجي أحترمه كثيراً لمكانته العلمية المرموقة، و أثناء اللقاء فوجئت به يخاطبني قائلاً: "ربي أخطأ" _تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً_، ففجعت لذلك وسألته ماذا يعني، فإذا به يخرج من جيبه دولاراً و يقول لي: "هذا ربي؟!"، فسقط في نظري تماماً.<BR><BR>وأنا أقول هذه الحادثة لأبين على أن من أخطر الأمور الحاصلة في الغرب الآن هو اهتزاز مدلول الألوهية والنبوة اهتزازاً شديداً، فهم ما عادوا يؤمنون بالقضايا الغيبية أبداً، فإذا حدثت أحدهم عن الجنة أو النار أو الحساب أو الحياة الأخرى أو الصراط سوف يضحك ويستهزئ ، والسبب أن هذه القيم والمعاني قد اهترأت عندهم اهتراءً شديداً، ولكن نحن نؤمن إيماناً تاماً بأن الفطرة التي فطر الله _تعالى_ الناس جميعاً عليها موجودة، ولكن اعترها الصدأ و كستها الشوائب وتراكمت عليها مجموعة من المفاهيم الفاسدة، لذلك نسأل ما الذي يستطيع أن يحرك أناساً مثل هؤلاء؟!.. الجواب: الإعجاز العلمي؛ لأن العالم الغربي الآن لا يقبل إلا الخطاب العلمي، فأنا حين أقول لهم: إن هناك كتاباً أنزل من 1400 سنة على نبي أمي وفي أمة أمية ويحوي هذه الحقيقة الكونية التي وصل إليها علماؤكم منذ سنوات قليلة، فسوف يهتزون لمقولتنا ويدرسونها ويؤمنون بها.<BR><BR>وأذكر أني خلال رحلتي الأخيرة إلى بريطانيا طلب مني أن ألقي محاضرة في جامعة لندن، وهي معقل من معاقل الاستشراق، فتحدثت عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، ولا أستطيع أن أقول لكم مدى الوقع الطيب الذي وجدته عند الحاضرين، إذن هذا الأمر وإمكانية تقبلهم للدعوة الإسلامية يبين لنا أن الأصل في البشرية هو الخير وأن الشر طارئ، ومن هنا قال النبي _عليه الصلاة والسلام_: "تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربداً كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه"•<BR><BR>ولقد ترك هؤلاء الناس حتى انحطوا انحطاطاً شديداً، ووصلوا في بعض الأحيان إلى ما دون الحيوانية، فهم يبيحون الزنا، ويتفاخرون به، ويقننون الشذوذ، ويدمرون أسرهم بأيديهم! لذلك نجد أن هؤلاء بعلمائهم ومخترعيهم يعترفون أن من مهازل التقدم العلمي المذهل الذي حققه إنسان هذا العصر أن صاحبه في تدهور أخلاقي وديني وسلوكي رهيب، مما يشكل خطراً كبيراً على البشرية جمعاء؛ لأن الإنسان الذي لا يخاف الله ولا يؤمن بالآخرة ويعد أن الدنيا هي كل شيء يتحول إلى وحش كاسر لن يتورع عن استخدام أي سلاح أو قوة يمتلكها من أجل تحقيق أهدافه ولو كانت على حساب أرواح ملايين الناس، والدليل ما نراه على أرض العراق وفلسطين وغيرهما من البلاد، لذلك يقول موريس بوكاي، وهو عالم غربي كبير منَّ الله _تعالى_ عليه بالإسلام: إن الحضارة الوحيدة التي جمعت في معادلة واحدة بين الدنيا والآخرة هي الحضارة الإسلامية، ويقول: إنه لا بد للغرب أن يشارك في اجتماعات ومؤتمرات العلماء المسلمين ليتعلم منهم كيفية التوفيق بين التقدم العلمي والانحسار الأخلاقي والديني الذي يسود العالم الغربي اليوم.<BR><BR>إذن.. لم يصل المسلمون إلى ما وصلوا إليه الآن إلا بسبب تقصيرهم في فهم الدين وإبلاغه للناس باللغة التي يفهمها أهل هذا العصر، ولا شك أن لغة العصر اليوم هي لغة العلم، لذلك أقول: إن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة من أنسب الوسائل الدعوية في زمننا هذا، خاصة أن غلاة النصارى واليهود قد أحكموا علينا الطوق من جميع النواحي و لا سبيل لخروجنا من هذا إلا بدعوة إسلامية صحيحة تقوم على العلم والإيمان.<BR><BR><font color="#FF0000"> * ما كلمتكم الأخيرة التي توجهونها للمسلمين؟ </font><BR>- كلمتي الأخيرة للمسلمين جميعاً أن يفهموا فضل الإسلام على سائر الأديان، وأن يفهموا فضل القرآن على باقي الكتب، ليس من قبيل العلوية الكاذبة التي يعاني منها غيرهم، ولكن من باب الإحساس بفضل هذا الدين الخاتم الذي بعث الله _تعالى_ به إلى خاتم الأنبياء _صلى الله عليه وسلم_ وتكفل بحفظه باللغة التي نزل بها، فالذي يريد أن يعرف طريق هداية الله للبشر عليه أن يقرأ القرآن الكريم، والذي يريد أن يعرف النموذج الأمثل للحياة على هذه الأرض فليقرأ سيرة حياة النبي الكريم _عليه الصلاة والسلام_.<BR>أقول للمسلمين: لقد خلق الله _تعالى_ الإنسان على فطرة سوية، ومهما اعتراها من شوائب وتلوث تبقى الفطرية الأصلية موجودة، فإن استطعنا أن نصل إليها في قلوب الآخرين وتنقيتها مما اعتراها بالأسلوب الذي يفهمه أهل هذا العصر سنستطيع حينئذ أن نعيد مجد هذه الأمة العظيمة من جديد، وما ذلك على الله بعزيز.<BR><br>