مسار جديد للمسألة العلوية في تركيا
4 صفر 1429

اتخذت المسألة العلوية في تركيا بالآونة الأخيرة منحى جديد بعدما أعلنت الحكومة التركية أنها تسعى لتحسين أوضاع العلويين في البلاد فيما تصاعد خطاب الأقلية العلوية بحدة معلنة على أنه حان الوقت لوضع نهاية لهذه المشكلة.وتعتبر المسألة العلوية مشكلة مفتوحة جديدة تضاف إلى مشكلات كثيرة تقع في صلب هوية تركيا وإذا كان النظام العلماني فشل في إرساء علمانية حقيقية فإن حزب العدالة والتنمية الذي يحاول إرساء ديمقراطية حقيقية وتقديم نموذج على أن التجربة التركية في ظل الإسلاميين حقيقية وليست لفظية في الاعتراف بالآخر يريد إيجاد حل لهذه المشكلة.التقارير الواردة من هنا تفيد أن العلويين اليوم يسعون لتجاوز المطالب الشكلية السابقة التي كانت تختصر في فقط الاعتراف بهم كأقلية مسلمة والاعتراف بحقهم في أن يتمثلوا في رئاسة الشئون الدينية أسوة بالسنة أو السماح لهم بإنشاء مجلس ديني خاصة بهم حيث هناك توجه جامح وكاسح في أوساط العلويين إن لم يعترف بهم كأكبر الأقليات المسلمة بعد السنة في تركيا وإشراكهم في صناعة القرار فإنهم سوف يتوجهون لرفع رسالة إلى المفوضية الأوربية لتشكيل كيان خاص بهم أو العمل بسياسة المحاصصة على غرار ما يجري في العراق في أن يكون لهم مناصب وزارية عليا وسيادية ووزراء ونواب في البرلمان كانت في السابق تحتكرها الأحزاب اليسارية ووفقا لحجمهم السكاني.نعم هناك بعض التحسن في ممارسة الطقوس الدينية والأداء المذهبي إلا ذلك لم يكن بالشكل الذي يضمن لهم حقوقهم بالتساوي مع بقية المذاهب وخاصة السنة فقد وصل الكاتب العلوي المشهور"رها جامور أوغلو" إلى قبة البرلمان التركي كنائب عن حزب العدالة والتنمية وكممثل للعلويين الأتراك في البرلمان.وبعد مشاركة رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان في الأول من محرم في إفطار للعلويين في أنقرة ( إردوغان أول رئيس وزراء تركي يشارك في مثل هذه الإفطارات) بدرت إشارات إلى عزم الحكومة التركية إلى دعوة كافة الجمعيات والأوقاف العلوية في تركيا إلى اجتماع موسع لبحث تفاصيل المشروع الانفتاحي المنتظر الذي أعلنت عنه حكومة حزب العدالة والتنمية مؤخرا ووجد أصدءا كبيرة في البلاد.ومن المنتظر أن يشرف على تنظيم الاجتماع النائبين العلويين في الحكومة إبراهيم يغيت وريها شامورلو أوغلو.وكان (رئيس الوزراء) رجب طيب إردوغان قد قال في تصريح صحفي (يجب ألا نبقى بعيدين عن مطالب الجمعيات العلوية) وهي التصريحات التي دفعت بالعلويين في تركيا إلى التحرك السريع للحصول على حقوق أكبر في البلاد.وذكرت صحيفة "حرييت" كبرى الصحف التركية أن إبراهيم يغيت وريها شامورلو أوغلو بدءاً بتحضير تقرير يتضمن اقتراحات عملية للبدء بمشروع الانفتاح العلوي في تركيا أملا بحل كل المشاكل العلوية خلال عامين. وقالت الصحيفة أنه سيتم دعوة كل الجمعيات والأوقاف العلوية في تركيا إلى اجتماع لاستشارتها والاستماع إلى أرائها حول التقرير قبل إعطائه الشكل النهائي. كما سيعقد النائب ريها شامورلو أوغلو مؤتمرا صحفيا في الأيام القادمة يتعلق بهذا الموضوع. وذكرت الصحيفة أن المعالم الأولية للتقرير بدأت تظهر شيئا فشيئا حيث سيتم تشكيل مؤسسة في الدولة لتمثيل العلويين تحت اسم "المديرية العامة لشئون العلويين" على أن تكون تابعة إما لرئاسة الوزراء أو لرئاسة الجمهورية.وقالت الصحيفة أن المعلومات الأولية تفيد بأن ثلاثة ألاف موظف سوف يعملون في هذه المديرية وربما يزيد عن ذلك بينما ستخصص الدولة ميزانية ما بين 2 إلى 3 مليون ليرة تركية (أي حوالي المليوني دولار). كما ذكرت الجريدة أن التقرير يقترح إقامة معاهد خاصة للمحافظين العلويين يتم فيها تدريس "علم الاجتماع في الدين العلوي" و"تاريخ الدين العلوي" و"الخبراء العلويين" وتدرس في بنيته أيضا العلوم الأكاديمية والبحث في الدين العلوي. وطبقا للجريدة، فإن أهم خطوة في هذا المشروع الانفتاحي هو السماح بتأسيس "ديار علوية" ضخمة في كبرى المدن التركية مثل اسطنبول أنقرة وأزمير بينما تتكفل المديرية العلوية في الدولة بمصاريف إنشاء هذا الديار بالمقابل سوف يطلب من البلديات تسهيل مسألة شراء الأراضي على العلويين.<BR><font color="#ff0000"> مطالب الأقلية العلوية في تركيا،،،</font><BR><BR>تمثيلهم في رئاسة الشؤون الدينية-أعلى هيئة دينية في تركيا-والتي تقتصر على المسلمين السنة،أو إقامة مجلس مذهبي خاص بهم وهذا ما تعارضه الدولة،مساهمة الدولة في تمويل إنشاء "بيوت الجمع" وهي مراكز العبادة لدى العلويين،إلغاء درس الدين الإجباري في المدارس والذي يقتصر على إعطاء المذهب الحنفي، أو إضافة التعليم العلوي إلى منهاج المادة التعليمية.هذا ولم يحصل العلويون من النظام العلماني الذي ساندوه طوال ثمانين عاما على أي مطلب وعندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 واجه العلويون وضعا جديدا ولكن في الوقت نفسه كان الأمل يزداد لديهم ليس لـ "كرم" حزب العدالة والتنمية بل لأن عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كانت تتضمن شروطا أوروبية بمنح الأقليات المسلمة حقوقهم والمعني هنا تحديدا الأقلية العلوية.وهكذا وجد حزب العدالة والتنمية وهو يحث السير على طريق الاتحاد الأوروبي في مواجهة تحديات من نوع جديد مثل الحقوق الكردية والحقوق العلوية والحقوق المسيحية وما إلى ذلك.ويقدر العلويون في تركيا بثلث السكان ويتوزعون على ثلاثة أعراق العرب والأكراد ثم الأتراك.وقد كان العلويون يقترعون عادة للأحزاب العلمانية اليسارية التي لا يوجد في صفوفها محافظون أو إسلاميون ولكن منذ أن بدأ العلويون بالمطالبة إما بالتمثل في رئاسة الشئون الدينية القائمة أو بإنشاء مجلس خاص بهم وهم يواجهون بالرفض من كل الأحزاب ومن بينها الأحزاب العلمانية اليسارية .. وهو الأمر الذي دفعهم خلافا للسابق إلى عدم التصويت لصالح الأحزاب العلمانية اليسارية.<BR><font color="#ff0000"> رحلة العلويين في تركيا،،</font><BR><BR>رغم التحسن الكبير الذي طرأ على وضع المجتمع العلوي في تركيا استمر العلويون في حذرهم من السلطة واستمروا بعيدين عن الوظائف العليا وعاطلين عن العمـل خاصة أن معظمهم كان يقطن بعيدا عن الغرب التركي والمدن الكبرى مثـل اسطنبول وأنقرة وكان مدى انفتاح الدولة على الإسلاميين أو عدم انفتاحها مقياسا لتقدم العلاقة أو تراجعها بينها وبين العلويين. وعادت مخاوف العلويين إلى الظهور في الفترات التي كانت تشهد ميلا إسلاميا لدى الحكومات التركية مع "السياسة الإسلاميـة" التي اتبعها رئيس حكومات الخمسينات عدنان مندريس وحكومات الائتلاف التي شارك فيها حزب السلامة الوطني الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان في السبعينات وكذلك البعد الإسلامي من سياسات رئيس الحكومة فرئيس الجمهورية تورغوت أوزال في الثمانينات ومطلع التسعينات وقد مارس النظام التركي عموما من جهـة تشددا علمانيا حيال الحركات الإسلاميـة فيما كان النظام نفسه يتحرك من جهة ثانية، بـ "ذهنية إسلامية سنية" حيال العلويين بحيث كان يشعر هؤلاء بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية.ويعتبر انقلاب 12 أيلول 1980 محطة سوداء في تاريخ العلويين إذ أقر النظام العسكري الجديد في سياق تعزيز الاتجاهات الإسلامية السنية إدخال تدريس الدين مادة إلزاميـة في جميع المدارس مع تضمينها في دستور العام 1982 الذي ما زال معمولا بـه حتى الآن كما شجع هذا النظام تشييد الجوامع في القرى والمناطق العلوية وقد أصابت ممارسات إنقلابيي 1980 بأذى بالغ أحزاب اليسار العلماني وانعكس ذلك على العلويين الذين كانوا يشكلون القاعدة الأساسية والعريضة لهذه الأحزاب.<BR><font color="#ff0000"> وأخيرا,,, </font><BR><BR>تحتل المشكلة العلوية مكانا بارزا في لائحة القضايا المصيرية التي تشغل بال تركيا إضافة إلى المسألة الكردية والنزاع العلماني-الإسلامي والمشكلات الاقتصادية والإقليمية ويرى الخبراء السياسيين أنه على ضوء المسار الذي ستتخذه المسألة العلوية، يتوقف جانب كبير من صورة الدولة والمجتمع والكيان وبالتالي مستقبل تركيا.<BR><BR><BR><BR><br>