جوانتنامو: ستة أعوام من القهر والطغيان!!
29 محرم 1429

تظاهر عشرات الآلاف في العديد من العواصم العالمية في الذكرى السادسة لإنشاء معسكر الاعتقال في جوانتنامو للمطالبة بإغلاقه استجابة لنداء منظمة العفو الدولية, والتي جمعت توقيعات أكثر من 1,200 برلماني من مختلف أنحاء العالم للمطالبة بالأمر ذاته.<BR>ما يزال هناك حوالي 275 معتقلا في معسكر جوانتنامو، بعدما نقل منه حوالي 500 معتقل بشكل تدريجي إلى بلدان أخرى. المنظمات المعنية بحقوق الإنسان حملت بشدة على المعتقل نظرا لظروف الاعتقال القاسية ولحرمان السجناء فيه من حقوقهم الأساسية القانونية والإنسانية. <BR>الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام لمعتقلين ينقلون إلى جوانتنامو في أيامه الأولى, وقد كبلت أيديهم وأرجلهم وأغمضت أعينهم ووضعت على آذانهم عوازل صوتية, كانت صادمة وصاعقة وأثارت قلق المعنيين بحقوق الإنسان. المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة وقتها ماري روبنسن شددت بأن احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي تصبح أكثر إلحاحا في الأوقات الحرجة وغير الآمنة, مشيرة إلى أن معتقلي جوانتنامو يعدون أسرى حرب وتنطبق عليهم بنود معاهدة جنيف الثالثة. فيما خاطبت صحيفة "ميرور" البريطانية رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت توني بلير قائلة له أي جحيم تفعله باسمنا؟ وزير الدفاع الأمريكي آنذاك, رامسفيلد أطلق تسمية مستحدثة على أولئك الأسرى بأنهم "مقاتلون غير شرعيين" للتهرب من المسؤوليات القانونية والإنسانية والتي تفرضها معاهدة جنيف. وللتذكير فإن رامسفيلد كان من أشد المنتقدين والمعترضين حين بث التلفزيون العراقي صور لجنود أمريكيين أسرتهم القوات العراقية في بداية الغزو الأمريكي للعراق وهم يحتسون الشاي. <BR>يحظى معسكر جوانتنامو باهتمام إعلامي من وقت لآخر, حين يتم إضافة موقوفين جدد إليه, أو ينقل أو يفرج عن معتقلين قدامى منه, أو تقع أحداث لافته كحالات انتحار مزعومة أو إضرابات عن الطعام فيه. غير أن المعتقل أخذ حيزا واسعا من المتابعة الإعلامية في مايو 2005 عندما نشرت مجلة "نيوزويك" تقريرا عن تدنيس جنود أمريكيين القرآن فيه, مما أدى لردود فعل غاضبة ضد أمريكا في العالمين العربي والإسلامي . كان أبرزها في أفغانستان – البلد الذي "حررته" القوات الأمريكية من طالبان- حيث اندلعت مظاهرات صاخبة تحتج وتندد بالحدث, فسقط العديد من المحتجين ألأفغان صرعى برصاص القوات الأفغانية والأمريكية, وتوسعت دائرة الاحتجاجات لتصل إلى كابول وجامعتها، حيث تحرك مئات الطلاب ليحرقوا الأعلام الأمريكية ويرددوا الشعارات المناهضة للأمريكيين. <BR>في الصيف الماضي أعلن الجيش الأميركي، أن السعودي عبد الرحمن العمري، المعتقل في قاعدة جوانتنامو، توفي في السجن في عملية "انتحار على الأرجح"، هي الرابعة التي يشهدها هذا المعتقل. وقد حمل مركز الحقوق الدستورية الحكومة الأميركية مسؤولية وفاة السعودي, وقال ويلز ديكسون، كبير محامي المركز، في بيان له إن "حكومة الولايات المتحدة مسؤولة عن موت الرجل ويجب محاسبتها". وأضاف: " العسكريون أبقوا السجناء في عزلة باستمرار، ويواصلون رفض السماح بإجراء عمليات تقييم مستقلة لأوضاعهم النفسية". وأكد المركز أن الحكومة الأميركية قدمت معلومات محدودة جدا إلى أسر ومحامي المعتقلين المتوفين، وتحدت محاولة للمحافظة على البراهين المتعلقة بالوفاة. وأثار مسؤولون أميركيون حينها استياء شديدا في العالم، بوصفهم "انتحار" هؤلاء، بـ"العمل الحربي غير المتوازن"، وبـ"عملية علاقات عامة". <BR>كما أعربت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية عن بالغ استيائها وأسفها لوفاة العمري، وطالبت بالتحقيق في الرواية الأميركية. وقال بيان الجمعية: "بصرف النظر عن صحة ادعاء السلطات الأميركية عن انتحار المعتقل، تتحمل هذه السلطات المسؤولية الكاملة" عن وفاة المعتقل السعودي ومن قبله سعوديين آخرين، وأشار البيان إلى "حدوث وفيات في نفس المعتقل بنفس الطريقة". واعتبرت الجمعية، أنه كان يجب بكل الأحوال على إدارة المعتقل "أخذ الاحتياطات اللازمة لمنع مثل هذه الحالات"، كما طالبت بتحقيق مستقل ومحايد حول ظروف وفاة المعتقل. <BR>كما شكك محامي معتقلي جوانتنامو السعوديين كاتب الشمري برواية السلطات الأميركية، مشيرا إلى أن تشريح جثتي المعتقلين السعوديين مانع العتيبي وياسر الزهراني، اللذين أعلن عن انتحارهما من قبل في المعتقل، أظهر أن حنجرتيهما كانتا منزوعتين، مما يناقض الرواية الأميركية حول شنق هؤلاء نفسيهما. وأشار إلى أن اللجنة الطبية السعودية التي قامت بالتشريح، وجهت أسئلة للسلطات الأميركية في المعتقل حول ظروف وفاة المعتقلين السابقين، ولم تتلق منها رداً. <BR>آخر ما ورد من جوانتنامو من أخبار كان في نهاية العام الماضي, حيث أعلن الجيش الأمريكي وفاة المعتقل الأفغاني عبد الرزاق (69 عامًا)، والذي كان يتلقى علاجًا كيماويًا لسرطان القولون والمستقيم. عبد الرزاق اعتقل في أفغانستان في يناير عام 2003م، وكان "جهاديًا ملتزمًا" حسب مصدر عسكري أمريكي. القتيل الأفغاني، يربو على السبعين، وقد اعتقل من حوالي خمس سنين، أي أنه كان في منتصف الستينات، فما الذي يمكن للمرء أن يتصوره من قدرة رجل في هذا العمر على الفعل، خصوصا الجانب القتالي منه؟<BR>في غالبية دول العالم الدكتاتورية منها والديمقراطية، يُطلق سراح السجين، حتى ولو كان مجرما جنائيا أو قاتلا محترفا، إذا ثبت أنه يعاني من مرض عضال، وأن أيامه أصبحت معدودة. فلماذا لم تطلق السلطات الأمريكية سراح الأسير الأفغاني العجوز والمريض، ليقضي نحبه في بلاده وبين أهله؟ وأي خطر سيشكله رجل يصارع الموت على أمريكا وأمنها، خصوصا وأن الرجل مثل كثيرين، لم يحاكم، ولم تحترم حقوقه الأساسية الإنسانية والقانونية؟ <BR>السلطات الأمريكية صمت آذانها عن الانتقادات الدولية لمعتقلها سيء الصيت والسمعة في جوانتنامو, واحتجزت العشرات من المتهمين دون أن توجه لكثير منهم تهما أو تعرضهم لمحاكمات عادلة بالمقاييس الدولية. بل إنها عمدت إلى إطلاق سراح العديد منهم ممن لا ناقة لهم بالأحداث ولا جمل, بعد احتجاز طويل دون أن تعتذر منهم أو تقدم لهم تعويضات عن سنوات عمرهم التي اغتصبتها منهم, أو المكابدة والمعاناة التي جرعتهم إياها. <BR>سيبقى جوانتنامو شاهدا حيا على أننا نعيش في عالم يحكمه قانون القوة وجبروتها, وعلى معايير مزدوجة ونفاق صارخ لمن ينتهك حقوق الأمم والأفراد ثم ينصب نفسه حكما على العالم في مجال الحريات والحقوق, ودليل إدانة لإدارة أمريكية أدعت أنها تحارب الإرهاب بأساليب إرهابية, وزعمت أن أمن الأمريكيين يمر عبر تدمير إنسانية شعوب أخرى, وأن حقوق الإنسان وكرامته تصوغها طائرات ب 52 وصواريخ توما هوك من أشلاء الأطفال والعجائز والنساء.<BR><br>