هل يعزز ارتفاعُ أسعار النفط البحثَ عن الطاقة البديلة؟
15 محرم 1429

يوفر الارتفاع الذي يشهده العالم في سعر النفط _للاتجاه الأمريكي الساعي نحو الطاقة البديلة_ بيئةً مناسبة, وتُطرح في هذا السياق أسئلة عن مقدار جدية تلك المساعي, وعن حظوظها من النجاح. وهي على أقل تقدير لا تخلو من دلالات على هواجس يخشاها راسمو السياسة الأمريكان, كما لا تنفك عن مؤشرات مهمة للأمة الإسلامية, وهي المحتضنة لأكبر احتياطي نفطي في العالم. <BR>دفع الارتفاع الكبير الذي وصل إليه سعر برميل النفط؛ حتى صار يتذبذب حول مئة دولار إلى ارتفاع نغمة الأصوات المنادية بتوفير مصادر بديلة للطاقة مثل الطاقة النووية والكهربائية والغاز الطبيعي ومادة الإيثانول التي تستخدم وقودا للسيارات التي تستهلك بدورها النسبة العظمى من الوقود. ويتم الحصول على الإيثانول حتى الساعة من عبّاد الشمس وقصب السكر، وتتحدث تقارير عن كون التكنولوجيا الحيوية (البيوتكنولوجي) تمنح الإنسان الآن فرصة إنتاج الإيثانول من كل شيء طبيعي تقريباً؛ بدءاً بالخشب والعشب البري وانتهاء بمخلّفات الطبيعة.<BR>وقد نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية الصادرة في 4 يناير 2008 تحليلا بعنوان "النفط: القدرة على إحداث الصدمة" يقول فيه كاتبه داني فورتسون، إن تجاوز سعر برميل النفط لحاجز الـ 100 دولار للمرة الأولى في وقت لاحق هذا الأسبوع يُعتبر الإشارة الأوضح على أن عصر النفط الرخيص قد ولَّى إلى غير رجعة. ويذكر فيه أن بعض الخبراء يعتقدون أن أسعار النفط ستستمر في الارتفاع لتصل خلال ثلاث إلى خمس سنوات إلى مئة وخمسين دولارا للبرميل.<BR><font color="#0000FF"> أسباب الارتفاع: </font><BR>تضاربت الآراء حول طبيعية ما يحدث لأسعار النفط, فمِنْ تصريحات تنفي أن يكون الارتفاع ناجما عن نقص العرض, كما كان صرح بذلك مسؤولون إيرانيون وفينزوليون وقطريون, وعزوا الارتفاع إلى المشكلات السياسية التي تعطل الإنتاج, وإلى المضاربات الكبيرة بين الشركات العالمية سعياً إلى المزيد من الأرباح. وتكررت هذه الآراء قبل أيام على لسان أكثر من مسؤول في منظمة" أوبك" قالوا إن المنظمة عاجزة عن التدخل لضبط الأسعار وإعادتها إلى مستويات معقولة في وقت تتأثر الأسواق فيه بالمضاربات وبالتوترات الجيو - سياسية في باكستان ونيجيريا. <BR>إلى أقوال تعزو الارتفاع إلى زيادة الطلب عليه بسبب التوسع الاقتصادي الذي تشهده دول صناعية صاعدة مثل الصين والهند؛ فقد زادت التوقعات المتفائلة بالنمو الاقتصادي الجيد في الصين والهند من إقبال صناديق الاستثمار على شراء عقود النفط الآجلة تحسبا لتجاوز الطلب العالمي للعرض. بالإضافة لانخفاض المخزون الأمريكي من النفط الخام, ونقصان الاحتياطي منه في دول أخرى منتجة. وأسباب مناخية مؤقتة تمثلت في موجة البرد الشديدة التي ضربت شمال غرب أوروبا، مما زاد من توقعات ارتفاع الطلب على زيت التدفئة.<BR><font color="#0000FF">دوافع بحث أمريكا عن طاقة بديلة: </font><BR>تستهلك أمريكا ربع الإنتاج العالمي من النفط؛ لذلك هي في طليعة الدول المتضررة من هذا الارتفاع؛ ويدفعها ذلك إلى الانشغال بهاجس النفط بأسعار (معقولة), بعيدا عما يعتبرونه ابتزازا أو استغلالا, ولم يكن الرئيس الحالي أول المندفعين بتلك المخاوف، حين تحدث عن إدمان بلاده للنفط, وعندما وعد باستعمال تكنولوجيات جديدة «لاستبدال أكثر من 75 في المئة من الواردات النفطية من الشرق الأوسط بحلول عام 2025. فقد دفعت التقلبات في أسعار النفط والمشكلات المحتملة في تأمين إمدادات كافية للنفط الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون لإطلاق الدعوة عام 1973، ل 'استقلال الطاقة'، وتبنى الرؤساء الذين أتوا بعده مواقف مماثلة...<BR> <BR>فالرئيس الحالي بوش في طموحه لوقف اعتماد أميركا على نفط الشرق الأوسط يردّد الرغبات المعلنة لقادة الحزبين السياسيين الأميركيين الأهمّ للسنوات الـ 30 الأخيرة. وتبدو هذه الدعوة ملحة إذا علمنا أن التوقعات تشير إلى ارتفاع كميات النفط الأمريكية المستوردة من منطقة الخليج, إلى حوالي 5 ملايين برميل في اليوم, بحلول عام 2025. <BR><BR>وكان "منتدى أمن الطاقة" وهي هيئة دولية تعنى بشؤون الطاقة حذرت في شهر 11/ 2003 من تصاعد الخطورة على مصادر النفط، وطالبت باتخاذ تدابير عاجلة لخفض اعتماد العالم كلياً على نفط الخليج، وإيجاد مصادر طاقة بديلة متجددة. <BR>وفي كتاب "إدمان على النفط أميركا ولهاثها وراء أمن الطاقة" يتكلم مؤلفه: الباحث البريطاني إيان راتدلج عن النفط وصعود الحركات الإسلامية وصعود النزعة الإسلامية في العالم العربي والإسلامي بشكل عام. وهناك بحوث أوروبية أخرى تتناول بروز قوة الإسلام أو الحركات الإسلامية وتأثيراتها المتوقعة على النفط. <BR>ولم تعد "التبعية النفطية" تُعالج بوصفها خطرا بيئيا فقط، أو مصدرا لاستنزاف الاقتصاد الأمريكي، ولكنها أضحت أيضا مسألة أمن قومي، إذ يرى كثير من المتخصصين في دراسات الأمن القومي الأمريكي أن هناك علاقة سلبية بين "التبعية النفطية" والأمن القومي الأمريكي، ويحذر هؤلاء من خطورة حجم التدفقات المالية الأمريكية إلى دول الخليج، استنادا إلى اعتبارات الأمن القومي الأمريكي.<BR>وتصور تقارير أمريكية صحفية التحول إلى مزيد من الطاقة البديلة بصورة الأمر المتصاعد القريب المنال, ومن ذلك تقرير في موقع "" cnn بتاريخ: 13/12/07 جاء فيه " كيف يمكننا الانتصار في معركتنا اليومية على الوقود؟ الإيثانول هو الجواب عن أسئلة الطاقة اليوم؛ فهو نظيف ورخيص وملائم لسيارات اليوم...<BR>صدّق أو لا تصدق، عملاق صناعة السيارات[جنرال موتورز GM ] سيعلن صداقته للبيئة وسيتولى الترويج لمادة الإيثانول، فما الذي يجعل جنرال موتورز تختار بطولة رياضية لإطلاق حملتها؟ وما المغزى من ذلك؟ المغزى بسيط في شكله وعميق في جوهره، إذ تعتقد الشركة أنها بصدد تقديم الجواب عن سؤال رياضي هو: كيف نفوز في مباراتنا مع الوقود؟ وتتوقع بعض الدول أن يتم إحلال وقود الإيثانول محل الوقود العادي في القريب العاجل بنسبة كبيرة، فيما تتوقع السلطات الأمريكية أن ينتزع الإيثانول ثلث مستهلكي الوقود العادي بحلول عام 2030." <BR>وبالإضافة إلىذلك يدور الحديث عن سياسات اقتصادية, وتطويرات تقنية تجعل من السيارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية أكثر تقبلا؛ من أجل الخروج من التبعية النفطية الأمريكية للعالم الخارجي وعلى رأسه الدول العربية؛ ولهذا اقترح تقرير لمعهد بروكيجز مجموعة من السياسات ومن ضمنها تطبيق سياسة نقدية ومالية مشجعة للتحول إلى السيارات الكهربائية، ويقترح التقرير تقديم عدد من الحوافز المالية والضريبية لأول مليون مشتر من السيارات الكهربائية، جنبا إلى جنب مع رفع الضرائب على استهلاك البنزين وإعادة استخدام الدخل الناتج عن هذه الضرائب كامتيازات ضريبية لمستخدمي السيارات الكهربائية. ورغم التأثيرات السلبية المتوقعة لزيادة الضرائب على البنزين إلا أن التقرير- على حد قوله- يشير إلى أن استطلاعات الرأي في هذا المجال تؤكد استعداد المواطن الأمريكي لتقبل هذه الزيادات إذا ما كان الهدف منها هو الخروج من حالة التبعية النفطية.<BR><BR><font color="#0000FF">أبعاد هذا السعي ودلالاته : </font><BR>المعروف أن الأمريكيين تاريخياً كانوا أكثر ميلاً للعزلة على المستوى الدولي، ولكن القرن العشرين وخاصة في الفترة التالية للحرب العالمية الثانية شهد تدخلاً واندماجاً أمريكياً متزايداً في النظام العالمي وقضاياه، ومع ذلك ما زال مبدأ العزلة مؤثراً على عقلية صانع القرار السياسي الأمريكي وتفكيره في الفترة الحالية, يتعزز ذلك كلما اصطدمت أمريكا بمشاكل دولية تهدد استقرارهم الاقتصادي, أو الاجتماعي. <BR><BR>الأمر الذي يتوقعه كيسنجر في كتابه : "هل تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسة خارجية؟" إذ يقول:" إن علاقات الولايات المتحدة العامة آخذه بالتوتر في كل مكان نظراً لسياسات الهيمنة الواضحة التي تنتهجها, وأن هذا التوتر بالعلاقات (مع أوروبا والصين والشرق الأوسط وغيره) من المحتمل والمرشح أن يقود الولايات المتحدة إلى عُزله دولية في نهاية المطاف."<BR><BR>وتعكس مقولة بوش حول «إدمان النفط» ؛ وتركيزه الصريح على الحدّ من الاستيراد من الشرق الأوسط إقرارا ضمنيا بأنّ مخزونات النفط لا يمكن تأمينها عسكرياً. وهو اعتراف غير صريح بتراجع ثقة أمريكا في استمرار هيمنتها على المنطقة؛ لأسباب ومؤشرات ملموسة. <BR><BR><BR><font color="#0000FF">عقبات أمام التخلص من التبعية النفطية: </font><BR>ويعترف الساعون إلى تخفيف "التبعية النفطية" بأنها مسألة شديدة التعقيد والصعوبة، لأسباب كثيرة منها الحالة الراهنة باعتمادها المكثف على النفط الذي يمثل نحو 97% من مصادر الطاقة للسيارات والمركبات في الولايات المتحدة، وطبيعة النفط ذاته كمصدر كثيف الطاقة، سهل النقل. وصعوبة تحول الاستثمارات والمستثمرين إلى الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة، سواء في مجال إنتاج وتطوير تلك المصادر, أو إنتاج سيارات تتوافق مع مصادر الطاقة البديلة. بالإضافة إلى سؤال كبير حول مدى قدرة الميزانية الفيدرالية على تمويل اقتراحات تبني الطاقة البديلة، في ظروف العجز الكبير الذي تعانيه في الوقت الحالي.<BR>ومهما يكن لهذا التوجه من حظوظ النجاح والواقعية؛ فإنه لا يخلو من دلالات ومؤشرات تهم المسلمين, وتنبههم بالمقابل إلى ضرورة الخروج من الحالة الاستهلاكية إلى حالة النمو الاقتصادي الحقيقي؛ ببنية صناعية وتقنية لا يوجد إذا توجهت الإرادة السياسية نحوها مانع من تحقيقها. <BR><BR><br>