الإسلاميون في البرلمانات.. "فاعلية" أم "ديكورية"؟
18 محرم 1429

"إصرار التيارات الإسلامية في العالم العربي على المشاركة في الحياة البرلمانية، رغم علمهم بمحدودية قدرتهم على التغيير، يرجع إلى رغبتهم في الظهور بمظهر الفاعل السياسي الذي يقبل بقواعد اللعبة الديمقراطية، وأيضا للبحث عن "شرعية سياسية"، من خلال إحراج الأنظمة الحاكمة أمام الرأي العام العالمي، فضلا عن السعي إلى توسيع القاعدة الجماهيرية بتقديم خدمات للقواعد الناخبة".<BR>تلك النتيجة مثلت نصف ما انتهت إليه ورشة العمل التي نظمتها مؤسسة "عالم واحد لتنمية ورعاية المجتمع المدني"، بالتعاون مع منظمة "كونراد ادنهاور" الألمانية، الاثنين 14/1/2008م، تحت عنوان: (مستقبل التيارات الإسلامية في برلمانات الوطن العربي)، وشارك فيها نخبة رفيعة المستوى من الخبراء المتخصصين في دراسة الحركات الإسلامية، فضلا عن عدد من البرلمانيين والناشطين السياسيين المصريين.<BR>وكان على رأس المشاركين: الدكتور عمرو حمزاوي الباحث بمعهد كارنيجي بالولايات المتحدة الأمريكية، والمفكر والوزير المصري الأسبق الدكتور احمد كمال أبو المجد نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، كما شارك فيها من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور احمد ثابت الأستاذ بقسم العلوم السياسية، والكاتب الصحفي محمد صلاح رئيس مكتب جريدة الحياة بالقاهرة، إضافة إلى الدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين في البرلمان المصري.<BR>كما شارك في أعمال الورشة من مركز الدراسات السياسية والإستراتجية بمؤسسة الأهرام كل من: السيد يسن المستشار بالمركز، والدكتور وحيد عبد المجيد نائب مدير المركز، والدكتور اسأمه الغزالي حرب رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية، ونائب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، والدكتور عمرو الشوبكي أحد أبرز الخبراء المختصين في دراسة الحركات الإسلامية.<BR>أما النصف الثاني من النتيجة التي انتهى إليها الخبراء المشاركون في الورشة فهي أن التقييم المحايد لأداء الإسلاميين في البرلمانات العربية يكشف عن وجود مشكلتين أساسيتين تعوقان الأداء الأمثل لهذه التيارات ألا وهما: "السياق السلطوي" الذي تضطرها إليه الأنظمة الحاكمة والذي يفرض عليها أن تكون مشاركتها مجرد "ديكور"، فضلا عن فشلها في إيجاد حل نهائي وواضح لشكل علاقتها بالآخر، سواء كان هذا الآخر هو النظام أم القوى السياسية التي تختلف معها فكريا.<BR>وأوضح المشاركون في الورشة أن مستقبل الحركات الإسلامية في البرلمانات العربية مرتبط بشكل أساسي بشكل الممارسة السياسية، ففي حالات مثل: المغرب والجزائر والكويت استقرت مشاركتها السياسية، ولا تعرف هذه الدول الجدلية التي يتعرض لها الإخوان في مصر على سبيل المثال، مؤكدين على عدم صوابية البحث عن المسار التطوري ومستقبل الحركات الإسلامية في معزل عن الواقع السياسي الذي يتسم بالاحتكار.<BR><BR><font color="#0000FF">القمع يخدم الإخوان!! </font><BR>فمن جهته؛ أوضح الغزالي حرب أن المناخ الاستبدادي الذي ساد العالم العربي أسهم في صنع كثير من التيارات الإسلامية وجعلها أقوى نسبيا، فعلى الرغم اتسام الفترة من 1922 إلى 1952 في مصر بالليبرالية، إلا أنه لم يكن للإخوان وعلى مدى 30 عاما، نائبا واحدا في البرلمان، بينما في ظل القمع الموجود الآن يمتلك الإخوان خمس مقاعد البرلمان!!<BR>وقال الغزالي إن هذه التجربة يمكن تعميمها على باقي الدول العربية التي تحكمها أنظمة مستبدة، وبالتالي ففي هذه الدول التي من بينها مصر عندما يسقط النظام الاستبدادي يكون البديل الوحيد هو التيار الإسلامي، مثلما حدث في إيران، ومن ثم فان الحديث عن مستقبل التيارات الإسلامية مرتبط بالتطور السياسي، فعندما حدث نوع من الانفراج المحدود في مصر استطاع الإخوان الوصول إلى البرلمان.<BR>وانتهى الغزالي إلى القول بأن وصول هذه التيارات إلى البرلمان سوف يؤثر على آليات العمل داخل هذه الحركات، لان طبيعة العمل السري تختلف تماما عن العمل المعلن، وفى المؤسسات الرسمية، كما سيؤدى إلى إحداث نوع من إسقاط الغموض الذي كان يحيط بهذه التيارات أمام الرأي العام، ملخصا كل ما قاله في أن "مشكلة العالم العربي والإسلامي ليس صعود أو عدم صعود التيارات الإسلامية وإنما الأنظمة الاستبدادية". على حد قوله.<BR><BR><font color="#0000FF">4600 أداة رقابية !! </font><BR>ومن جهته؛ أشار ثابت إلى أن النظام المصري عندما سمح بهامش حرية كانت هناك نتائج انتخابية في الجولة الأولى أفضل، وسجلت هزيمة كبيرة للحزب الحاكم الذي لم ينجح له سوى 39 نائبا فقط وكانت تجربة جيدة لاستيعاب التيارات السياسية الأخرى، إلا ان المرحلتين الثانية والثالثة سجلت تراجعا كبيرا حيث شهدت تزويرا فاضحا للانتخابات وقال: إن الحكومة اعترفت بأنه لولا التدخل في المرحلتين الثانية والثالثة لفاز الإخوان بأكبر عدد ممكن.<BR>وقال ثابت: إن كتلة الإخوان في البرلمان نجحت في استخدام اكبر عدد ممكن من الأدوات الرقابية واعتمدت في ذلك على عدد من الخبراء والباحثين في مدهم بالمعلومات، مشيراً إلى تنوع تخصصات نواب الإخوان ما بين أساتذة جامعات وحملة مؤهلات عليا وعمال قد اثري ذلك نوعية القضايا التي طرحوها في البرلمان.<BR>واختتم ثابت بالقول بأن نواب الإخوان استخدموا أكثر من 4600 أداة رقابية حرصوا فيها على القضايا الشعبية ومعاناة الجماهير من خبز وطاقة وبنزين وأنفلونزا الطيور، كما انشغلوا بالدين العام والقضية الفلسطينية واتخذوا مواقف ساخنة مع المستقلين في رفض التعديلات الدستورية واعتصموا بالمجلس اعتراضا على هذه التعديلات.<BR><BR><font color="#0000FF">مشروعيه قانونية أم واقعية؟</font><BR>ومن جهته، أشار عبد المجيد إلى أن معظم التيارات الإسلامية في العالم العربي والتي شاركت في العملية الانتخابية في ظل تعددية مقيدة قد اكتسبت مشروعيه قانونية والجزء الآخر اكتسب مشروعية واقعية، مثلما هو الحال في مصر، مشيرا إلى ان الحالة المصرية من بين 5 حالات أجرى عليهم دراسته وهي "الأردن واليمن والجزائر والمغرب ومصر" استبعد فيها الإخوان من المشاركة الرسمية.<BR>ويؤيد صلاح ما ذهب إليه عبد المجيد، ويضيف أن "هناك عملية حصار وتعتيم إعلامي يتعرض له نواب الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين في البرلمان المصري، وان الإعلام الحكومي يتعامل مع نواب الإخوان بمنطق اقتناص الأخطاء أو افتعالها، وهو ما يتنافى تماما مع المعايير المهنية.<BR>واستدرك صلاح قائلا: "غير أن التقنية الحديثة وقدرة الإخوان على استخدام المواقع الالكترونية خاصة بعد غلق صحيفة الإخوان "آفاق عربية" كسرت هذا الحصار"، معتبرا أنهم "نجحوا عبر المواقع الالكترونية في أن يفرضوا أنفسهم على الوسائل الإعلامية الأخرى، وأنهم وإن كانوا قد فشلوا في طرح أفكارهم الحقيقية على مستوى القواعد الجماهيرية عبر وسائل الإعلام، فإنهم قد نجحوا في أن تظل أخبار وفعاليات الجماعة مطروحة إعلاميا.<BR>ويؤيدهما فيما ذهبا إليه، الكتاتني، ويضيف أن وصول الإخوان إلى البرلمان ب88 مقعدا كسر احتكار الحزب الوطني "الحاكم" للسلطة، معتبرا أنهم "نجحوا في إحداث نقلة نوعية لطبيعة عمل البرلماني من مجرد نائب خدمي يبحث عن تأشيرة وزير إلى نائب يمارس الدور الرقابي والتشريعي".<BR>واستطرد الكتاتني قائلا: إننا نواجه لائحة متعسفة وأغلبية برلمانية "الحزب الوطني" تعطل عملنا النيابي، مشيرا إلى أن "كتلة الإخوان تتحايل على هذا الحصار المفروض عليها بان لديها 300 مقر خدمي في جميع دوائر نواب الإخوان تسعى من خلالها إلى التواصل مع الجماهير وتناقش معهم مختلف القضايا والمشكلات".<BR><BR><font color="#0000FF">دوافع مختلفة</font><BR>ومن ناحيته؛ تحدث حمزاوي عن مستقبل التيارات الإسلامية في الوطن العربي، فأوضح أن واقع الحركات الإسلامية لابد أن يدرس بشكل أعمق، خاصة وأننا إزاء لاعب واحد في الحياة السياسية هو النظام الحاكم.<BR>وأجاب حمزاوي على السؤال الذي طرحه حول أسباب مشاركة التيارات الإسلامية في البرلمانات رغم علمهم بأن قدرتهم على التغيير محدودة، فقال: هناك أربعة دوافع تختلف من دولة إلى أخرى؛ أولها أن المشاركة في الحياة السياسية احد أدوات مواجهة قمع النظام، وثانيها: محاولة الظهور بمظهر الفاعل السياسي، وثالثها: السعي لتحقيق المصالح، وأخيرا: خدمة القواعد الناخبة لتوسيع القاعدة الجماهيرية.<BR>وقال حمزاوي: إن مستقبل الحركات الإسلامية في البرلمانات مرتبط بشكل أساسي بشكل الممارسة السياسية؛ ففي حالات المغرب والجزائر والكويت قد استقرت مشاركتها السياسية ولا تعرف هذه الدول الجدلية التي يتعرض لها الإخوان في مصر، مشيرا إلى ضرورة ألا نبحث عن المسار التطوري ومستقبل الحركات الإسلامية في معزل عن الواقع السياسي الذي يتسم بالاحتكار، فعندما نتخلص من السلطوية تزداد مشاركة الحركات الإسلامية.<BR><BR><font color="#0000FF">قابلية للانفتاح والاندماج</font><BR>ويتفق مع حمزاوي في رؤيته، الشوبكي ويؤكد أن تغير البيئة السياسية الداخلية وتغير طبيعة الواقع السياسي تجعلان الحركات الإسلامية قابلة للانفتاح والتغير والاندماج في العملية السياسية؛ مشيرا الى أن الإخوان عندما بدؤوا الاندماج في العملية السياسية اهتموا بقضايا مثل المواطنة وحقوق الإنسان والمشاركة السياسية.<BR>وقال الشوبكي: رغم أن الحركات الإسلامية لم تنجح في تغيير النظم في اتجاه الديمقراطية الكاملة إلا أن هذا لا يعنى عدم وجود إمكانية لإحداث هذا التحول؛ مؤكدا أن مشاركة الحركات الإسلامية في العملية السياسية خطوة صحيحة في اتجاه إصلاح النظم الموجودة ودفعها نحو التحول للإيمان بالديمقراطية والتعددية.<BR>وأضاف أن الحالة المصرية لازالت تعانى من تعثر؛ وارجع السبب في ذلك إلى طبيعة النظام السياسي الذي يجهض التطور الديمقراطي، غير أنه حمل الإخوان أيضا جزء من المسئولية، وقال إن بعض أفكار الإخوان خاصة فيما يتعلق بالمرأة والأقباط والمواطنة تحتاج إلى مراجعة.<BR>وكشف الشوبكي عن أن الإشكالية التي تواجه الإخوان هي الدمج أو الخلط بين ما هو دعوي وسياسي، ودعا إلى الفصل بين ما هو دعوي يتحرك في المجال الأخلاقي وبين ما هو سياسي يتحرك مستهدفا الوصول الى السلطة، غير أنه عاد وقال: إنه ليس هناك مؤشر على حل هذه الإشكالية، فالنظام المصري لن يسمح للإخوان بجماعة دعوية كما أنه لن يوافق لهم على حزب سياسي.<BR>واختتم الشوبكي بالحديث عن التجربة التركية، فأوضح أنها نجحت في تغيير النظام والوصول للسلطة وسدة الحكم، بعدما تبنت المعايير الأوروبية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.<BR><br>