بوصلة الإسلاميين تائهة في انتخابات باكستان
27 ذو الحجه 1428

التحالف الديني الباكستاني أو مجلس العمل الموحد مكون من ستة أحزاب دينية اثنان منها كبيران والأربعة الأخرى أحدها شيعي بين خمسة من أحزاب السنة وهي صغيرة تدور في فلك واحد من الحزبين الكبيرين.<BR>حزب الجماعة الإسلامية الذي أسسه أبو الأعلى المودودي يترأسه قاضي حسين أحمد الذي يتميز بمواقفه النارية التي تجذب له غضب أتباعه – في بعض الأحيان - قبل أن تستحوذ على غضب المحيطين به في المسرح السياسي الداخلي بباكستان وهو من أشد المناوئين للرئيس مشرف.<BR> الحزب القوي الآخر هو حزب جمعية علماء الإسلام ويترأسه المولوي فضل الرحمن الذي يخفي ما يعرفه الجميع، وهو عداؤه التاريخي لحزب الجماعة الإسلامية واختلاف مواقفه بالكامل معها، وكذلك رغبته في التحالف مع الأحزاب العلمانية ولا يمانع من عقد الترتيبات الانتخابية مع حزب الشعب الذي كانت تترأسه بينظير بوتو على الرغم من تصريحه وتصريح غيره من علماء الدين في باكستان بعدم أحقية المرأة بتولي الحكم أو الولاية ناهيك عن الإمامة.<BR> الحزبان اختلفا في الأسابيع الماضية على الملأ ما أدى إلى انقسام مجلس العمل الموحد وانهياره؛ فقد حرص فضل الرحمن على المشاركة بالانتخابات القادمة وهو موقف مناقض لموقف قاضي حسين أحمد الذي يصر على مطالبة الجميع من غيره من الأحزاب بمقاطعة الانتخابات بحجة أنها تعقد في ظل أحكام الطوارئ المرفوضة، والتي تقول قيادات الجماعة بأن إقدام مشرف على إلغائها بتاريخ 15 ديسمبر لا يعدو كونه ذرا للرماد في العيون، وأن قوانين الطوارئ ستظل سارية المفعول وأن القضاة الذين عزلهم مشرف لن يعودوا إلى مناصبهم بل إن قاضي حسين أحمد قد صرح للصحفيين بأن نتيجة الانتخابات معدة سلفا وأن مشرف ضمن فوز من يؤيدونه في الانتخابات لذا فإنه لا حاجة لخوضها.<BR>حجة خصمه المولوي فضل الرحمن تقوم على أن الأمور يجب العمل على تيسيرها لا تصعيبها وأنه يجب دائما اتباع الخيار الأسهل وغير المخالف، وهذا يعني المشاركة بالانتخابات لا مقاطعتها لأن المستفيد الوحيد من مقاطعتها هو الرئيس مشرف.<BR> الأحزاب الستة المكونة للتحالف الديني كان مقررا لها أن تجتمع خلال الشهر الماضي ولكن قاضي حسين أحمد بصفته رئيس المجلس قال إن تحالف الأحزاب الدينية لم يعد موجودا ولم يبقَ منه غير الاسم؛ ولهذا فإنه لا حاجة لعقد اجتماع لقياداته، فما كان من المولوي فضل الرحمن إلا أن دعا لعقد هذا الاجتماع بصفته السكرتير العام للمجلس، وقال إن الجماعة الإسلامية حرة في المشاركة فيه أو لا.<BR> هذه الأحزاب تجمعت على كراهية أمريكا في عام 2001م وتمكنت من نسيان خلافاتها التي لا تنتهي وكونت التحالف الذي تمكن في انتخابات 2002م من الفوز بأغلبية في الإقليم الشمالي الغربي الحدودي ذي الأغلبية البشتونية، وتشكيل تحالف حكومي بإقليم آخر، والفوز بعدد من المقاعد بالبرلمان الوطني مكن المجلس من قيادة المعارضة البرلمانية ضد الحكومة إلا أنه في هذه الانتخابات القادمة لا يتوقع له أن يحقق شيئا ملموسا، وهو متخبط ومنقسم على ذاته.<BR> حزب الجماعة الإسلامية قام بسحب أوراق مرشحيه للانتخابات والذين بلغ عددهم 127 مرشحا، وجاء ذلك بناء على توجيهات قاضي حسين أحمد، وتبعهم في ذلك أتباع لاعب الكريكيت السابق عمران خان الذي فضل أيضا عدم المشاركة ولكن حزبه صغير ولا يحقق عادة فرقا مهما من نسبة المقاعد التي يحصل عليها.<BR> مشتاق أحمد نائب أمير الجماعة الإسلامية في الإقليم الشمالي الغربي الحدودي الذي عاصمته بيشاور صرح قائلا "أصدر قاضي حسين أحمد أمير الجماعة الإسلامية أمرا لمرشحي الجماعة في أنحاء باكستان بأن يسحبوا أوراق ترشيحهم في تمام الساعة العاشرة من صباح يوم الأحد 15 ديسمبر وقد فعلوا".<BR> كما أن العشرات من المحامين الذين رشحوا أنفسهم للانتخابات من مواقع أحزاب المعارضة قد قرروا سحب ترشيحاتهم ضد ما وصفوه بتحركات الرئيس مشرف غير الدستورية والتي تمثلت في عزله للقضاة وتعيينه لآخرين ممن يؤيدونه ولإعلانه أحكام الطوارئ.<BR>جمعية علماء الإسلام – مجموعة سميع الحق – يرأسها المولوي سميع الحق الذي يجانبه التوفيق عادة في اختياراته السياسية، وهي مجموعة انشقت عن جماعة المولوي فضل الرحمن ولها خصومات كثيرة مع قريناتها، قررت هي الأخرى مقاطعة الانتخابات، وصرح سميع الحق في مؤتمر صحفي "قررنا مقاطعة الانتخابات لأننا نؤمن أنه في غياب القضاء المستقل ومفوضية الانتخابات المستقلة لا يمكن أن تكون الانتخابات حرة أو نزيهة". كما أنه اتهم جميع الأحزاب الأخرى باتباع الأجندة العلمانية للرئيس مشرف، وخص بالذكر حزب الشعب وحزب الرابطة الإسلامية (نواز شريف) وحزب الرابطة الحاكم وعرج على مكونات تحالف الأحزاب الدينية الذي يعتبر حزبه واحدا منها، وأشار إلى أن انقسام مجلس العمل الموحد حول مقاطعة الانتخابات من عدم ذلك، وتراجع نواز شريف عن مواقفه التي كانت متصلبة بشأن رفض المشاركة فيها قد أكد حقيقة أن القوى الدولية لها تأثير قوى ولديها نفوذ لا يمكن تجاهله لدى الأحزاب الباكستانية، وقال إن الانتخابات تعقد وفق التوجيهات الأمريكية خصوصا وأن رايس صرحت بأن بلادها ترغب في أن تقوم القوى "المعتدلة" بتنظيم صفوفها لمواجهة المتطرفين.<BR>مجلس العمل الموحد الذي ركب موجة العداء لأمريكا عندما هاجمت أفغانستان للإطاحة بنظام حكومة طالبان تمكن قبل خمسة أعوام من الفوز بالانتخابات – بالأقاليم على الأقل وبنسبة مقاعد لا بأس بها بالبرلمان الوطني – ولكنه الآن مصاب بالفرقة والانقسام.<BR> ونظرا للظروف التي رافقت ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب فإن التحالف الديني لم يكن قادرا على استغلال وجوده على رأس السلطة بأحد أقاليم باكستان الأربعة وأخفق في تقديم برامجه على الوجه المناسب وزادت الخلافات بين مكوناته في استحكام هذا الإخفاق ما جعله والانتخابات على الأبواب في وضع لا يحسد عليه.<BR> يضاف لهذه الأسباب أن سيطرة الرئيس مشرف على الإعلام جعلته قادرا على شق صفوف المعارضة بعامة، واستمالة المولوي فضل الرحمن بخاصة ولم يقربه منه ومن حزب الشعب وحسب بل أبعده كثيرا عن مكونات مجلس العمل الأخرى.<BR> وربما كان حزب المولوي فضل الرحمن الأكبر بين الأحزاب الإسلامية في باكستان ولكن حزب الجماعة الإسلامية هو الأكثر تنظيما وانضباطا ومواقفهما متضاربة حيث يقول فضل الرحمن إن ترك المجال مفتوحا لمشرف وحده سيجعله قادرا على ملء البرلمان بأتباعه، في حين يقول قاضي حسين أحمد إن المشاركة بالانتخابات تضفي الشرعية على بقاء مشرف بالسلطة بعدما اقترفه من فرض للطوارئ.<BR>ومن المتوقع أن يؤدي الانقسام الحاصل في صفوف الإسلاميين إلى حصول حزب رئيس الوزراء السابق نواز شريف على حصة كبيرة من أصوات الإسلاميين الذين ستقاطع أحزابهم الانتخابات لأنه لم يتطرق في تصريحاته الانتخابية إلى القول مثلما كانت الراحلة بينظير بوتو قد قالته بأنه سيهاجم ما تصفه هي بالتطرف الإسلامي، إلا أن<font color="#ff0000"> الكلمة الفصل بالسياسة الداخلية الباكستانية لا تزال للعسكر أي للرئيس مشرف الذي يساعده الجيش وتساعده الأجهزة الاستخباراتية في العمل على تحديد الفائزين وصفاتهم وانتماءاتهم ونسب كل فئة منهم بالانتخابات القادمة ليخرج إلى حيز الوجود برلمان فيه أغلبية بسيطة وضعيفة تستمع لما يقوله مشرف بعد أن تلتقط أذناه ما يمليه عليه زواره من الولايات المتحدة الأمريكية والذين يمضون في باكستان أكثر ما يمضونه خلف مكاتبهم بإدارة الرئيس بوش. </font><BR><br>