استراتيجية الاندفاع ’عرض جانبي‘: الانسحاب الكامل هو النجاح الحقيقي !!
24 ذو الحجه 1428

جوناثان ستيل* <BR><BR>لعل الخبر الأكثر إثارة للسرور في هذه الأيام التي تواكب أعياد الميلاد هو ذاك الذي حمله تقرير الاستخبارات الأميركية الرائع الذي يقوض محاولات بوش شن الحرب على إيران بعد أن كشف هذا التقرير عن عدم وجود أي برنامج نووي عسكري لديها، أما أسوأ هذه الأخبار فهي تلك التي تتعلق بالسياسة الأميركية في العراق و لعل أهمها تلك التي تتحدث عن إعلان أميركا قبول الحكومة العراقية إقامة قواعد عسكرية هناك بشكل يؤبد الاحتلال و هذا ما يؤكد ما ذهب إليه عدد كبير من المحللين الذين جزموا بأن ذلك كان نية الجمهوريين منذ البداية.<BR>الأكثر إثارة للقلق هنا هو رد فعل الحزب الديمقراطي علاوة على أجهزة الإعلام الأميركية فالأمر لم يؤد إلى خروج عناوين صحفية بارزة و لم يثر تعليقات جدية بالرغم من أن هذا هو عكس رغبة أكثر الأميركيين حيث أن استطلاعا للرأي أجراه مركز ’بيو‘ قبل أسبوعين من الآن، أظهر أن 54 بالمئة هناك يريدون عودة القوات الأميركية من العراق "بأسرع ما ممكن".<BR>لقد تطرق المرشحون الديمقراطيون للرئاسة بالكاد إلى الموضوع فتلك الخطابات الحماسية التي كانت تصر على ضرورة الإسراع في رسم جدول لانسحاب مبكر من العراق و التي طالما رددها الديمقراطيون في الربيع الماضي أسابيع قليلة بعد فوزهم في انتخابات الكونغرس بغرفتيه: النواب والشيوخ، لم يعد لها كبير صدى في الوقت الحالي.<BR>من هنا و مهما تحقق القوات الإضافية تحت "الاندفاع" في العراق، فمن الواضح أن الأهم يقع في واشنطن حيث أن الديمقراطيين في تراجع في حين أن إستراتيجية بوش لتطويق الاحتلال في العراق ما تزال بعيدة عن تحقيق المطلوب و سوف يسلم الفوضى لوريثه في البيت الأبيض.<BR>في المقالة الأخيرة على صفحات مجلة "الشئون الخارجية"، تعهدت هيلاري كلينتون بأنها ستبقي القوات الأميركية في العراق بشكل غير محدد حتى تتمكن هذه الأخيرة من استكمال تدريب و تجهيز القوات العراقية بالإضافة إلى استمرار الاعتماد على ’الوحدات الخاصة‘ لمواصلة حماية المدربين و مواجهة القاعدة فضلا على أنها ستترك قوات أخرى في المناطق الكردية الشمالية أيضا أما منافسها، باراك أوباما فلقد أخبر النيويورك تايمز خلال الشهر الماضي أنه سيحتاج إلى 16 شهرا بعد وصوله إلى المكتب البيضاوي، حتى يتمكن من سحب كل القوات المقاتلة من العراق ويبقي مع ذلك، قوات مخصصة في قواعد محددة لأجل "مكافحة الإرهاب" لأجل غير محدود علاوة على أنه يرى أن هذه القوات يفضل أن تكون خارج العراق. <BR>و مع أن هذا التصور الأخير أفضل مما تطرحه السيدة كلينتون إلا أنه لا أحد من المرشحين راغب في الانسحاب الفوري للقوات الأميركية كما كانت عليه الحال في 1973 في فيتنام حينما وافقت واشنطن على إنهاء تدخلها الكارثي هناك.<BR>انخفاض حدة الخطاب الديمقراطي هذه يبدو جليا أنها أتت بعد تناقص عدد وفيات الجنود الأميركان حيث أن ما يسمى بمجالس "صحوة" العراق من بعض الزعماء العشائريين السنة الذين صاروا يأخذون السلاح و المال من الأميركيين لأجل محاربة القاعدة في العراق قد خفض الضغط على الجنود الأميركيين و هنالك أيضا ما تحدث عنه الجنرال ديفيد بتريوس في شهادته أمام الكونجرس خلال شهر سبتمبر الماضي حينما قال أن المقاومة قد كُسرت خصوصا و أن الحكومة العراقية تقول الآن أن آلاف اللاجئين هم بصدد العودة إلى منازلهم كدليل على المنعطف الكبير الذي يسجله الملف الأمني هناك.<BR>و لكن في مقابل هذا، لا شيء من هذه المؤشرات قوي فأرقام اللاجئين العائدين متنازع حولها لأن الحكومة العراقية تعد كل المغادرين إلى خارج الحدود لاجئين، ولو كانوا مسافرين في زيارات قصيرة علاوة على أن بعض هؤلاء اللاجئين في سورية يعودون إلى بلادهم يأسا من العمل أو بسبب انتهاء صلاحية التأشيرة و ليس إيمانا منهم بتحسن الوضع الأمني.<BR>حينما تحدثت مع بعض العوائل العراقية في محطة للحافلات الواقعة على أطراف دمشق خلال الأسبوع الماضي، وجدت أن هؤلاء هم فقط من الشيعة و لقد قال لي أحد السُنة أن هؤلاء: "يخشون العودة لأن الحافلات مجهزة من قبل الحكومة العراقية و يقودها شيعة و الشرطة العراقية سوف تدقق في هوياتهم عند الحدود" و هذا الكلام يؤكد استمرار و تجذّر الشكوك الطائفية حيث أن السنة يعتبرون الشرطة، التي تتشكل أساسا من الشيعة، لا تختلف كثيرا عن المليشيات الشيعية و فرق الموت و بالتالي فلا شيء سيمنع من أن هؤلاء قد يتصرفوا بشكل أسوأ من أولئك فيختطفون العائدين أو يذبحونهم في الطريق.<BR>ثم إن هذه المخاوف السنية من المليشيات الشيعية يفسرها أيضا قيام حركات الصحوة إذ و برغم من أن زعماء هؤلاء يتسلحون من الأميركيين و يأخذون المال منهم على فرض مواجهة القاعدة، إلا أنهم أيضا يحرسون مناطقهم من هجمات الشيعة بمعنى أن الأميركيين يساعدون بشكل مؤقت في تخفيف العنف و لكن تكتيكاتهم قد تساعد في تعزيز و بناء مليشيات سنية للهجوم مستقبلا على الشيعة.<BR>إن الأميركيين بهذا المعنى يبحثون مرة أخرى عن حل عسكري لمشكلة هي في جوهرها سياسية إذ من دون مصالحة و في غياب حوار حقيقي بين السنة و الشيعة –من الواضح أنه لا حكومة المالكي و لا الجنرال بتريوس راغبين في فعله- فإن القضايا الرئيسة سوف تبقى عالقة.<BR>في مقابل ذلك، فإن المقاومة العراقية ليست بليدة أيضا إذ في حين دعا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، إلى وقف إطلاق النار بشكل أحادي الجانب حينما كان يجري تطبيق الاندفاع، تقوم المقاومة السنية تقريبا بالشيء ذاته من دون الإعلان رسميا عن ذلك مثلما علمت من لسان ناطق كبير باسم المقاومة في دمشق حيث أعلمني أن المجموعات الوطنية خفضت كثيرا حجم عملياتها في غرب بغداد و أجزاء من محافظة الأنبار لأجل إعادة تنظيم و تجميع قواتها.<BR>و قبل أسابيع قليلة، تحدثت مع أحد الزعماء الروحيين للتمرد السني و هو الشيخ حارث الضاري زعيم جمعية علماء المسلمين الذي يعيش الآن في المنفى بالعاصمة الأردنية عمان، حيث جادل أن حركات الصحوة لا تمثل غير نسب قليلة من الزعماء العشائريين السنة لأن: "الوضع في الأنبار سيء جدا و الكثيرون هناك باتوا فقراء جدا بسبب انعدام العمل مما جعل البعض منهم مستعدا لفعل أي شيء حيث أنهم مستعدون لحساب من يدفع سواء مع القاعدة أومع الجيش الأميركي. أنا لا أنكر أن الهجمات ضد الأميركيين في الأنبار تراجعت و لكنها قد تتصاعد أيضا في الشهور القادمة وبالتالي فإن الأميركيين يبنون آمالهم على معطيات قليلة".<BR>هذه الملاحظات تأتي متوافقة مع استطلاع للرأي أجري في منصف شهر أغسطس/آب الماضي لحساب كل من تلفزيون البي بي سي وشبكة أخبار أي بي سي حيث أظهر أن الأنبار ما تزال المعقل الأقوى للتوجه العام المعادي للأميركيين في العراق و الذي ينتقد هجمات القاعدة ضد المدنيين أيضا و لقد قال كل السكان هناك أنهم يدعمون الهجمات ضد الأميركيين حتى أن 70 بالمائة منهم يريدونهم أن يغادروا فورا و هذا رقم أعلى من نتيجة استطلاع آخر أجري في شهر آذار/مارس الأخير قبل البدء في إستراتيجية الاندفاع.<BR>يوما ما، سوف يحضر قادة المقاومة إلى المفاوضات فهم يمثلون طرفا شرعيا من المعادلة العراقية المعقدة و بالتالي فإن المصالحة التي تحاول استثناء أناس ضحوا بالكثير كفاحا ضد الاحتلال الأجنبي، لن يكتب لها النجاح –كما حدث حين انتهت حرب فيتنام- و لا بد من أن توضح واشنطن موقفها بوضوح و بأنها سوف تخرج بشكل كامل و لن تترك وراءها قواعد عسكرية أو بعض القوات. حينها فقط سوف يحضر هؤلاء إلى طاولة المفاوضات و يشاركون فيها بجدية لأجل التخطيط في غرفة مباحثات لا وجود للفيل فيها !<BR><BR>• صحفي و مراسل صحيفة الغارديان اللندنية في الثلاثين سنة الأخيرة من أميركا إلى البوسنة ثم أفغانستان و يشغل حاليا و منذ سبتمبر 2001، منصب مراسل خاص من الشرق الأوسط حيث يتابع واقع الحرب في أفغانستان، العراق إلى جانب الصراع العربي الصهيوني.<BR>يمكن قراءة النص الأصلي على الرابط:<BR>http://www.guardian.co.uk/commentisfree/story/0,,2223702,00.html<BR><br>