الجزائر تعاني الأمرين..!
12 ذو الحجه 1428

بشكل مفاجئ قررت أكبر مؤسسة للحليب أن توقف صناعتها قبل يومين من عيد الأضحى و كان السبب حسب مديرها العام " عجز الدولة عن تنفيذ وعودها فيما يخص دعم المؤسسة" مع أن المؤسسة تنتمي إلى القطاع الخاص و لم يحدث أن طالبت مؤسسة تابعة للقطاع الخاص من الدولة أن " تدعمها" باعتبار أن الدولة نفسها هي التي " باعت" 50% من المؤسسات التي كانت تابعة للقطاع العام إلى القطاع الخاص أو لما يسمى ضمنيا بقطاع رجال الأعمال المستقلين آليا عن دعم الدولة.. لكن الصدمة التي واجهها المواطن أن مؤسسة الحليب قررت أن تحرم ملايين من الجزائريين من المادة الأولى التي لا يمكن الاستغناء عنها على الرغم من الزيادة التي عرفتها هذه المادة في السنة الماضية و كانت تباع أحيانا في بعض الأسواق بضعف ثمنها الحقيقي مما يضطر المواطن البسيط إلى الاستغناء عن أشياء أخرى لشراء الحليب لأطفاله. عجز الدولة وصل اليوم إلى قمة الشعور بالحنق لدى الجزائريين كما كتبت صحيفة الخبر اليومية التي قالت في عددها الأخير أن على الجزائريين أن يموتوا بالتفجيرات و من يبقى حيا عليه أن يموت جوعا بعد أن أظهرت الإحصائيات المختلفة أن نصف الشعب الجزائري يوجد تحت الخط الأحمر من الفقر و أن نسبة كبيرة تقتات من المزابل قبالة تصريحات بأن الخزينة الجزائرية تجاوزت الـ100 مليار دولار، و هو الرقم الذي جعل صحف فرنسية و كندية تقول إن الجزائر تستطيع أن تكون "دولة خليجية مرفهة" لولا النخبة الحاكمة "، و هي نخبة من اللصوص" الذين يحكمون اليوم كل الخيوط في البلاد..!<BR><font color="#0000FF"> العيد حلم مقتول! </font> <BR>صدمة الحليب في الجزائر لم تكن اقل من صدمة العيد الذي اعترف أكثر من 58% من الجزائريين في سبر آراء أنهم لن يحتفلوا بعيد الأضحى لأن ظروفهم المادية لا تسمح و لأن العيد " صار ملك الأغنياء". نزلنا إلى الشارع و حاورنا بعض المواطنين الذين التقيناهم في منطقة باب الوادي و هي من أعرق المناطق الجزائرية المحاذية لمنطقة القصبة التاريخية و الأكثر اكتظاظا بالسكان. أغلب الذين طرحنا عليهم السؤال " ما هي تحضيرات العيد" بدوا متشنجين و بعضهم كان في حالة من الحذر. السيدة " أم عزوز" في الستين من العمر قالت لنا بصوت لا يخلو من مرح الجزائريين" العيد يا بنتي لم يعد حقا لنا. مثلنا ينتظر الساعة التي يموت فيها لا أكثر." سألتها عما غير العيد في الجزائر فقالت بصوت اختفى عنه المرح " اسألي الرئيس و الحكام. لديهم الإجابة أما الفقراء أمثالنا فقد أسقطنا العيد من حساباتنا..! " منصور شاب في الثلاثين من العمر، بائع خمارات نسائية قال لنا: " أشك أن يحتفي الفقراء بالعيد هذا العام. ثمن الخروف تجاوز الثلاثين ألف دينار. من يقدر على شراء خروف العيد بهذا السعر و أغلب الجزائريين إما فقراء و إما عاطلين عن العمل؟" فيروز شابة في العشرين قالت لي حين سألتها السؤال نفسه : " أنا شخصيا أشعر بالقرف من هذا البلد. لم يعد هنالك حياة فيه. كل شيء يشجع على الموت. خسارة و الله!" لم نكتفي بالمارة فقط، بل ذهبنا إلى بعض محلات الجزارة التي يوجه المواطن إصبعه متهما إياها بأنها " متاجر لصوص". عمي العربي ( يلقبه الجميع بهذا الاسم ) يملك جزارة في المنطقة، سألناه عن سعر اللحم فقال مبتسما : 750 دينار للكيلو! سألته " هل يستطيع مواطن بسيط أن يشتري اللحم بهذا السعر؟" قال بنفس الابتسامة: " لا أحد يجبره على أكل اللحم. اللحم لمن يدفع ثمنه! هذه قاعدة قديمة! من الصعب أن تجد اللحم بأقل من 700 دينار جزائري للكيلو. بمعنى أن عدد كبير من الجزائريين الذين لن يشتروا خروف العيد لن يتسنى لهم شراء لحما في هذه المناسبة أيضا. " اللحم للرئيس وحكومته و ليس لنا!" قالها لنا " فضيل" و هو شاب بلحية خفيفة. أضاف " صدقيني أنني أشتري العظام بحجة أنني سأعطيها لكلبي، لآخذها معي إلى البيت، كي تعطي للطعام نكهة. أنا آخذ العظام التي يعطيها لي الجزار بدل أن يرميها في المزبلة. لست الوحيد عموما، يمكنك أن تسألي كل جزاري المنطقة عن عدد المواطنين الذين يطلبون منه ترك العظام جانبا لأجلهم. كل واحد يدعي أن له كلب في البيت بينما العظام تذهب إلى الطبخ لتعطيه نكهة...!<BR>من واقع يومي يبدو الوضع في الجزائر آيلا إلى الكارثة. كل شيء يبدو متراجعا إلى الخلف، بينما عادت أعمال العنف بشكل غريب لتنشر الرعب بين أوساط الجزائريين الذين يتساءلون لماذا لا تنفجر السيارات المفخخة في مناطق النخبة الحاكمة؟ و لماذا لم تطلق رصاصة واحدة نحو النخبة المفسدة التي ما تزال تتبجح اليوم بكونها " تحدت الحرب" و ظلت " سالمة" لأنها " تعتقد ظلالا وبهتانا أنها لن تموت"! لكنها تتناسى دائما أن الله لا يموت، وأنه يمهل و لا يهمل..<BR>ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<BR>* كاتبة جزائرية.<BR><br>