المالكي ومنع الخطباء من الدعاء للمقاومة
3 ذو القعدة 1428

قبل غزو الولايات المتحدة للعراق قامت دنيا الديمقراطية في أمريكا وأغلب دول العالم ولم تقعد، وكلها تنادي بتحرير شعب العراق من ظلم النظام الحاكم وضرورة تحقيق الديمقراطية للشعب العراقي وعلى كافة الأصعدة المشروعة وغير المشروعة.<BR>وكان ما كان واحتلت الولايات المتحدة العراق، ودمرت وهجرت واعتقلت، وخربت العراق بعدما كانت كل أسس الدولة الحديثة متوفرة فيه؛ وأنا لا أريد أن أتحدث عن ويلات الحرب على العراق بل أريد أن أتحدث عما أصدرته حكومة المالكي قبل أيام من قانون يقضي بسجن - يصل إلى خمس سنوات - للخطباء الذين يدعون في خطبهم للمقاومة بالنصر ويحرضون ضد الاحتلال.<BR><BR>ونقلت مصادر صحفية محلية في العاصمة بغداد عن الشيخ أنور عبد الكريم قوله إن حكومة المالكي أقرت هذا القانون استنادا إلى ما تسميه قانون الطوارئ وحذرت الأئمة والخطباء من الدعاء لمن تسميهم الإرهابيين بالنصر أو التحريض على القوات على حد زعمها.<BR><BR>وأوضح عبد الكريم أن هذا القرار سيؤدي إلى نزول أعداد أخرى من الخطباء عن منابرهم لكون الخطيب سيكون كلامه بلا فائدة إن هو لم يختم حديثه من على المنبر بدعاء شامل للمقاومة ويحرض الناس على مقاومة الاحتلال.<BR> يذكر أن عدداً كبيراً من الأئمة والخطباء كانوا وقوداً مسعراً لعمليات التصفية الطائفية التي قادتها العصابات المليشاوية المدفوعة من بعض الأحزاب الدينية المشتركة في العملية السياسية الحالية والتي باركها المحتل وعملاؤه لإسكات الصوت الصادح بالحق والرافض للمحتل ومشاريعه على أرضنا السليبة.<BR>نعم تحت مسمى قانون مكافحة الإرهاب سيتم اعتقال كل الذين ينادون بالحق في عراق الحرية والديمقراطية!!<BR>ومنذ أن دخلت قوات الاحتلال الأمريكية إلى ارض العراق وهي ترفع عقيرتها وتنادي بمسميات مقتها كل الشرفاء في العراق ( الديمقراطية – عراق حر – النموذج العراقي للديمقراطية في الشرق الأوسط –الشفافية ووو-- ) وغيرها العشرات من الشعارات الرنانة التي تملأ بعض القنوات والصحف العراقية المأجورة والتي تفيد بعض الإحصائيات غير الرسمية إلى تجاوز أعدادها الـ250 جريدة صدرت بعد الاحتلال ومن مشارب مختلفة لكنها جميعها – إلا بعض الجرائد التي تعد على أصابع اليد الواحدة التي تذكر حقيقة الأوضاع الجارية في العراق بلا رتوش ونفاق – سائرة في درب الحكومة ومدعومة منها.<BR><BR>والمواطن العراقي مواطن واعٍ ومثقف حتى أولئك الذين لا يقرؤون ولا يكتبون في العراق هم يمتلكون وعيا سياسيا ووطنيا بشكل ملحوظ لكل من يعرف العراقيين.<BR>فلا يمكن أن نجعل من العراق الجديد مجرد أقوال يرددها السيد المالكي وحكومته وبعض أعضاء مجلس النواب العراقي لتكون هي البلسم للجراحات العميقة التي يعاني منها الجسد العراقي!!<BR>الدستور العراقي يقول إن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، ثم يأتي القرار الذي اتخذه المالكي بحق الأئمة والخطباء – وهم بالتأكيد من مكون واحد معروف لا نريد أن نذكره ابتعادا عن الطائفية المقيتة – فما هو واجب العلماء إن لم يقولوا للباطل أنت باطل وللحق أنت حق وللمحتل أنت مجرم سفاح وللمليشيات أنت محور فرق الموت في العراق ولصولاغ أنت من اخترع الدريل في المعتقلات العراقية في الأيام الذهبية للديمقراطية العراقية إبان حكمك لوزارة الداخلية، ومن يقول للساسة في شمال العراق كفاكم قتلا واعتقالا للشرفاء من شعبنا الكردي ومن يقول للمالكي أنت من مكنت إيران من اللعب في البيت العراقي ومن يقول لـ"المحررين" الذين جاءوا مع الاحتلال على دباباته في عهدكم الزاهر عرف العراق المخدرات والأوبئة وعرفنا الجثث – التي تسمونها مجهولة الهوية – والحق إنكم تعرفون من هؤلاء المغدورين ومن غدر بهم؟!<BR><BR>إن المغزى من وراء هذا القرار هو ليس تكميم الأفواه بل هو القضاء على الطرف الآخر الذي يعارض سياستكم التي لم يبقى بها أي طعم للوطنية والموضوعية.<BR>ومنذ احتلال العراق في 9/4/2003 - وحتى سبتمبر 2005 - قتل 107 من أئمة وخطباء المساجد بينما اعتقل 163 منهم، وجرت 663 مداهمة للمساجد، وهو ما اضطر مئات الأئمة والخطباء إلى التخفي أو الاختباء خوفًا من استهدافهم، وذلك على خلفية دعواتهم لمقاومة الاحتلال من فوق منابر المساجد.<BR>وبعد أحداث سامراء في فبراير 2006 أطلقت الحكومة للميليشيات العنان للعبث بأرواح الأبرياء وقتل العشرات من المصلين والأبرياء وحرقت المساجد وكأن التتار دخلوا لثالث مرة إلى بغداد بعد دخولهم الثاني سنة 2003 . <BR>ومن ضمن الذين لحقهم الظلم في العراق رجال الإعلام من الصحفيين الذين يريدون نقل حقيقة ما يجري في العرق ومن أشكال الانتهاكات التي تعرض له الصحفيون بالعراق ما حدث في إبريل الماضي في مدينة الديوانية عندما منعتهم قوة مشتركة من تغطية أحداث عنف اندلعت في المدينة واستخدمت ضدهم السلاح وأطلقت عليهم الرصاص بشكل عشوائي واحتجزت بعض الصحفيين هناك، وكانت تحاول حينها منعهم من التغطية الإخبارية واستقاء المعلومات من موقع الحدث مباشرة، ولازال هناك بعض أولئك الصحفيين معتقلين .<BR>و أشارت بعض الإحصائيات إلى إن 64 من الصحافيين ومعاونين إعلاميين قتلوا خلال العام الماضي 2006 فيما وصل عدد القتلى منهم منذ بداية الحرب على العراق إلى 139 صحافيا وإعلاميا أي أكثر من ضعف عدد الصحافيين الذين قتلوا خلال 20 عاما استمرت فيها الحرب في فيتنام التي سجلت مقتل 63 صحافيا بين عامي 1955 و 1975.<BR>أكدت لجنة حماية الصحافيين في أميركا إن العراق هو الأكثر قتلا للصحافيين وإنه قتل في العراق منذ مارس عام 2003 حين اندلعت الحرب في العراق حوالي 80% من الصحافيين والإعلاميين المساعدين الذين لقوا حتفهم أثناء أدائهم مهامهم حول العالم. <BR><BR>وذكرت لجنة أمريكية إن "ما لا يقل عن 76 صحافيا و 42 إعلاميا قتلوا في العراق منذ مارس 2003 ليكون بذلك الصراع الأكثر قتلاً للإعلاميين في التاريخ الحديث." وشهدت الفترة الأخيرة تسارعا في وتيرة استهداف الصحافيين العراقيين بعد تعرض عدد كبير منهم للاعتقال والضرب والخطف ومسلسل القتل لا أحد يعرف متى يتوقف.<BR><BR>لقد سخرت الحكومة الميليشيات التابعة لها والميليشيات الأخرى للعبث بأرواح أصحاب الصوت والكلمة الصادقة في العراق وذكر تقرير معهد الحريات الصحفية السنوي لعام 2007 فقد جاء ترتيب العراق بالمرتبة 157 في سلم الحريات الصحفية العالمية وهو في المرتبة قبل الأخيرة عربياً ضمن سلم الدول العالمية المؤلف من 168 دولة . حيث قتل بالعراق بشكل عام (61) صحفياً ومعاوناً إعلاميا واختطف (23) قتل اغلبهم ومازال في عداد المفقودين منهم (6) واستهدف عشرات آخرين نجوا من عمليات اغتيال منظمة، وتعرض (24) صحفياً لاعتداءات مختلفة منها أحكام بالإعدام من قبل محاكم تابعة لجماعات مسلحة، فيما قام مسلحون بتدمير أكثر من مؤسسة إعلامية بالكامل - ومنها على سبيل المثال لا الحصر مؤسسة الرائد الإعلامية- وبالتالي فالعراق هو أخطر مكان في العالم يمكن أن يعمل به الصحفيون.<BR>وبعد كل جريمة مروعة تطل علينا الحكومة بوعود لا أساس لها من الصحة بملاحقة المجرمين الذين يقتلون الأبرياء – ومنها استهداف الصحفيين في البلاد - وبعدها تتغاضى حكومة المالكي عن كشف التحقيقات عن عشرات الاعتداءات التي تعرضت لها المؤسسات الإعلامية العراقية من قبل أناس يرتدون زي أجهزتها الأمنية وفي وضح النهار طوال السنوات السابقة؛ ومنها حادثة اقتحام قناة (الشعبية) التي قتل فيها أحد عشر شخصا من العاملين فيها.<BR>وسجل مرصد الحريات الصحفية في نفس الفترة المذكورة (60) انتهاكاً مورس ضد صحفيين ومؤسسات إعلامية من قبل السلطات المحلية، وشكل منع الصحفيين من تغطية الأحداث ومحاكمات واعتقالات وحالات ضرب تعرضوا لها الخطر الثاني، حيث إن هذه الانتهاكات شملت(42) حالة اعتقال تعرض لها مراسلون عند تغطيتهم للأحداث ميدانيا، إضافة إلى التصرف الرقابي والتحقيقات الجنائية التي تم من خلالها التضييق على الحريات الصحفية، وواجه الصحفيون العراقيون محاكمات جنائية بقضايا النشر ووجهت لهم تهم تشهير، حيث تعرض (18) صحفياً لمحاكمات وحبس بسبب دعاوى قضائية رفعت ضدهم من قبل مسئولين محليين وأمنيين.<BR>القنوات الفضائية هي الأخرى لم تنج من التكتيم حيث أغلقت ثلاثة منها ومنها مكتب قناة (الشرقية ) في بغداد حيث أغلق منذ بداية العام الماضي 2006 وقبله مكتب قناة الجزيرة وكذلك الحال مع تلفزيون (صلاح الدين ) الذي تعرض للإغلاق أكثر من مرة.<BR>إذاً هي حملة منظمة تقودها حكومة المالكي على كل القوى الوطنية الرافضة لواقع الحال المرير في البلاد وكأن المالكي يقول من لم يوافقني على ما اعمل واعبث وأدمر فهو إرهابي ضد الديمقراطية والتطور في العراق.<BR>ونحن بدورنا نعرض الحقائق كما هي، وهذه بعض الأرقام التي تذكر حقيقة الديمقراطية التي يتبجح بها المالكي مع الكثير من أعضاء حكومته، وهل تستطيع هذه الحكومة أن تجيب على حقائق هذه الأرقام التي ذكرتها منظمات دولية على الواقع المرير للحرية الفكرية والصحفية في العراق؟؟<BR>أظن إنها ستقول إنها مستعدة لتفنيد كل هذه المزاعم وأن الظلاميين كما يحب أن يسميهم المالكي لا يريدون للعراق أن يكون بمصاف الدول الديمقراطية في العالم اليوم، وإنهم سوف يشكلون لجنة للنظر بهذه القضايا ثم يكون مصيرها مصير ما سبقها من لجان وتحقيقات ولا يرشح منها من بعد شيئاً!!<BR><BR>ــــــــــــــــ<BR>* كاتب عراقي.<BR><br>