المسلمون في إيطاليا بين حقوق المواطنة والأحقاد الموروثة
19 شوال 1428

يزداد الاهتمام بالإسلام والمسلمين في إيطاليا على مختلف الأصعدة الأكاديمية الموجهة والسياسية والثقافية و الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بأشكال مختلفة، وأحيانا متناقضة .إذ إن الموقف من الإسلام والمسلمين متعدد الجوانب والقراءات ، إذ نجد اليسار أقل حدة في طرح القضايا المتعلقة بالإسلام والمسلمين ، بل أكثر تسامحاً من الكنيسة واليمين المتطرف ،وهو بالتالي يختلف عن اليسار في بلادنا الذي يتقمص دور اليمين المتطرف في الغرب ،في علاقته بدين الأمة ومصالحها الاستراتيجية ومقوماتها الحضارية المميزة .<BR>ويترواح عدد المسلمين الإيطاليين بين مليون ومليون ونصف المليون نسمة بينهم نحو مئة ألف من أصل إيطالي اعتنقوا الإسلام في السنوات الماضية ، كما توجد أعداد كبيرة من المهاجرين المسلمين ممن قدموا للعمل ولم يحصلوا بعد على الجنسية الإيطالية، ففي التقرير الإحصائي السنوي عن الهجرة في إيطاليا والذي تعده منظمة كاريتاس-ميغرانتس. يشار إلى أن عدد المهاجرين قد تجاوز 4 ملايين سنة 2007 م، ويتوقع أن يزيد عددهم خلال العام الجاري بـ 300.000 وحدة، مما يعني أنه لو استمرت الوتيرة على هذا المستوى، فإن العدد الإجمالي للمهاجرين سيتضاعف خلال عشر سنوات، فتصبح عندئذ إيطاليا الدولة الأوروبية الثانية من حيث عدد المهاجرين على أراضيها بعد ألمانيا. وتأتي رومانيا في المرتبة الأولى، حيث بلغ عدد مواطنيها 40 ألف نسمة، أتى معظمهم لطلب العمل. ثم ألبانيا، فالولايات المتحدة، ثم المغرب، فالصين، ثم أوكرانيا، ثم الهند، الفلبين،ثم صربيا . <BR><font color="#0000FF">اهتمام أكاديمي بالإسلام : </font> الاهتمام بالإسلام في الغرب خرج من أوكار أجهزة الاستخبارات ومراكز الاستشراق والكنائس وكواليس وأروقة وزراة الخارجية ليكون محل اهتمام واسع على الصعد الأكاديمية والإعلامية ولم تكن إيطاليا بعيدة عن هذا الجو العام الذي ميز السنوات الأخيرة في الغرب . فباستمرار تعقد الندوات التي تطرح موضوع الإسلام والمسلمين للعرض والتحليل وفق وجهات نظر أصحابها ،ومن ذلك الندوات التي يقيمها ،المعهد الإيطالي لإفريقيا والشرق ، بروما ، والذي يحاول مع مجامع غربية أخرى إعطاء صور متعددة للإسلام سواء على مستوى الفهم أو حتى لمستوى الإقليمي فالإسلام عندهم إسلامات حتى قيل الإسلام السعودي والإسلام المصري والتونسي والإسلام المغربي وهكذا أو الإسلام الأصولي والإسلام الصوفي و التقليدي ،ومثال على ذلك الندوة التي عقدت مؤخرا بعنوان "الإسلام في إفريقيا المعاصرة: الإشكاليات، الآفاق ومسارات التحديث". في التقديم تحدثت المشرفة على اللقاء أدريانا بيغا، أستاذة علوم الاتصال بجامعة روما الأولى لاسبينتسا، عن "الإسلام الإفريقي" كتخصص ناشئ في إيطاليا ما زال يخطو خطواته الأولى، وعن أمل الندوة في دعم هذا المسار. وكانت المحاضرة الأولى لبيانكاماريا سكارتشا آمورتي، الأستاذة بكلية العلوم الإنسانية في لاسبينتسا، التي ركزت على مسائل منهجية تتعلق بالنظر إلى الإسلام بطريقة "تعميمية ككتلة متجانسة، كما كان في الماضي يجري الحديث عن الأيديولوجية الماركسية". وأكدت على "أهمية اعتبار السياق في التحليل، إن كان سياقا حضريا أو ريفيا أو رعويا، وهل هو إسلام تقليدي أو أصولي أو صوفي". ثم تناولت سؤال "هل الإسلام عامل تحديث أم لا؟"، وذكرت أنه لا يمكن الإجابة بنعم أو لا عن هذه الأسئلة المعقدة، لأن الإسلام نفسه كان "عامل تقدم وتطور في قرونه الأولى، ليصبح في ظروف أخرى ونتيجة لعوامل كثيرة متداخلة مقاوما للتحديث بمعناه الغربي المعولم".وهنا خلط فضيع بين الإسلام والقراءات الاجتهادية والتقليدية وغير العلمية . المحاضرة الثانية كانت لفيديريكو كريستي، من كلية العلوم السياسية بجامعة كتانيا بصقلية، بعنوان "استراتيجيات الإسلام السياسي في المغرب المعاصر"، حيث قدم عرضا تاريخيا مختصرا للأحداث الهامة في تطور مسار الحركات الإسلامية، من هزيمة سنة 1967 م ، إلى الثورة الإيرانية 1979 م، إلى اغتيال السادات 1981 م، مبينا دور "فشل نموذج التحديث التسلطي من فوق"، و"استخدام الدولة للعنف ضد الحركات الإسلامية لكسب شرعية مأزومة"، وركز فيما بعد على التجربة التونسية. المحاضرة الثالثة كانت لماورو بوتارو، من المدرسة العليا للدراسات الاجتماعية بباريس، الذي تحدث عن "قراءات سياسية ورمزية للإسلام: الملكية في المغرب المعاصر"، مركزا على تناقضات النظام السياسي المغربي، المتمثلة في نظره في "لقب أمير المؤمنين" الذي يعطي للملك "قدسية" و"صلاحيات دستورية عليا كحل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ في أي وقت، مما "يسحب البساط من تحت الديمقراطية الناشئة". وكمثال آخر لجنة المصالحة الوطنية التي يتحدث فيها ضحايا التعذيب عن معاناتهم في سجون النظام أثناء حكم الملك الراحل الحسن الثاني. والنقد الأساسي لهذه اللجنة حسب بوتارو هو أنها خالية من "الحقيقة والعدالة"، فهي مجرد "تنفيس"، حيث يمنع المتحدثون من تسمية جلاديهم ومن مقاضاتهم. وغالبا ما تصدر أحكام شاطحة تحت لافتة الأكاديمية حول ما يصفونه بالإسلام الأصولي والصوفية و الإسلام التقليدي بزعمهم على طريقة الغرب في تقسيم المسلمين وجعلهم طرائق قددا .<BR><font color="#0000FF">الأوضاع الاجتماعية : </font> لا يخف المسلمون في ايطاليا انزعاجهم من سياسات التضييق التي يتعرضون لها ، سوء في مجال العمل والسكن وغيره ، وقد عبروا عن ذلك في المظاهرات الكثيرة التي يتم تنظيمها في ايطاليا احتجاجا على قانون الهجرة المعروف باسم ، بوسي / فيني .حيث يتوافد المهاجرون عند تنظيم هذه المظاهرات من المدن الإيطالية المختلفة مثل نابولي ، وبولونيا ،وصقلية ،وريميني وغيرها من المدن والبلدات إلى العاصمة الإيطالية روما . وتقدرت أعداد المهاجرين الذين يشاركون في تلك المظاهرات بعشرات الآلاف . و يشكل قانون الهجرة المشكلة الأولى للمهاجرين في ايطاليا و يعقد أوضاعهم الاجتماعية . ويقول المهاجرون إنهم " ننتظر مدة 6 أشهر للحصول على إذن بالاقامة لمدة 6 أشهر أخرى ، هذا وضع لا يطاق " وقال تونسي يدعى مصباح الحمزاوي "هناك من لا يجد فرصة عمل لأنه مسلم "وقال "طلبات الإقامة تظل عدة أشهر لدى المصالح المختصة ". واشتكى الكثيرون مما وصفوه " بسوء المعاملة والصعاب والتمييز ضدهم " .وقال مهاجر مغربي يدعى محمد آيت حسين " كفانا سوء معاملة ، وكأننا آلات تستخدم ثم ترمى جانبا " . وفي 4 أكتوبر 2007 م دعا المفوض الأوروبي فرنكو فرتيني ووزير خارجية إيطاليا سابقا إلى "اعتبار الجاليات الإسلامية بمثابة حليف وثيق لنا فهي القادرة على إفهام أعضاءها بأن التوجهات المتشددة ما هي إلا محض انحراف" وأضاف "أحلم وآمل أن يكون بناء إسلام أوروبي ممكناً خلال السنوات العشر أو العشرين القادمة وأن تتم بلورة نموذج اندماج أوروبي مكلل بالنجاح" وقال الصحفي غولو اعتبر أن "الاندماج لابد أن يمر عبر توسيع مبدأ المواطنة وفي نفس الوقت تهميش العناصر العنيفة على الجانب الآخر" وهو ما يدعو إليه المسلمون في إيطاليا وأوربا عموما ، ولا يلقون الكثير من الآذن الصاغية . من جهته قل نجيب ساويرس صاحب مؤسسة ويند للاتصالات الهاتفية أن "حل إشكاليات سوء الفهم بين عالمي الغرب والإسلام يمر بالضرورة عبر التعاون فضلاً عن دور التواصل الهام بين الثقافتين والذي يلعبه المسيحيون العرب " لكن لمسيحيين العرب يلعبون دورا سيئا للغاية ومحرضا على المسلمين في أوربا وغير أوربا ، وهم من حلفاء اليمين المتطرف والنازيون الجدد في الغرب . وفي نفس السياق أبدى عبد الله رضوان مدير المركز الإسلامي في روما رغبته في إيجاد م وصفه بالنموذج الإيطالي في التعايش خاصة بعد فشل النموذجين الفرنسي والبريطاني على الرغم من تقاليدهما طويلة الامد في مجال استيعاب الهجرة، وحث رضوان في مداخلته المسلمين على "الانفتاح على العالم وعدم التقوقع في أحياء مغلقة " بيد أن التقوقع ولرفض يأتي من الطرف لمقبل كما يقول الكثيرون .. <BR>وفي يوم الأحد 28 أكتوبر نظمت جمعية "دومكاتو" للدفاع عن حقوق المهاجرين مظاهرة احتجاجاً على سياسة حكومة رئيس الوزراء رومانو برودي في هذا المجال وقالت الجمعية في بيان لها يوم 23 أكتوبر أنه "على الرغم من تسلم رومانو برودي مقاليد الحكم منذ نيف وعام فإن وضع المهاجرين لم يطرأ عليه أي تغيير" وأضافت "يكفي أن نستعرض حالة المليون ونصف مهاجر غير شرعي الذين لا يزالون بانتظار إسباغ الشرعية على إقاماتهم"وشكت الجمعية في بيانها من أن "مشروع قانون الحكومة حول الهجرة لا يزال يربط بين الإقامة وعقد العمل مما يبقي العامل تحت ربقة رب العمل وأسير أهوائه " فضلاً عن "تأخير في تسليم الإقامات الجديدة وصل في بعض الحالات إلى أكثر من عامين بينما يستغرق تجديد الإقامة لأكثر من تسعة أشهر" وناشدت الجمعية "كافة المواطنين والتيارات السياسية والقوى الاجتماعية ووسائل الإعلام أن تهب للمشاركة في المظاهرة المستمرة التي انطلقت من ساحة لاريبوبليكا المركزية" في العاصمة روما . <BR><font color="#0000FF">التضييق الثقافي : </font> الاعتراض على بناء المساجد ،والتحرش الإعلامي وغيره ، بالحجاب الإسلامي ،والتشكيك والدعوة لإغلاق المدارس الإسلامية،من أبرز مظاهر التضييق الثقافي على المسلمين في إيطاليا إلى حد الابتزاز ما جرى في 22 أغسطس الماضي حيث أعلنت " قيادة المطافئ " في العاصمة الإيطالية روما أنها قامت بالحجز على ورشة بناء المسجد الذي كانت الجالية البنغالية تهم بافتتاحه في حي اسكويلينو التاريخي بالمدين. وحسب مصادر المطافئ فقد تم وقف العمل في أعمال البناء بالمسجد الجديد نظراً لوجود "مخالفات عمرانية" و"نقص في التراخيص اللازمة "حسب زعم المصدر ،وتكليف المطافئ وليس الجهات المختصة بهذ العمل المشين يحمل دلالات كثيرة تعبر جميعه عن الكراهية ورفض التعايش والتسامح و التعدد الثقافي . كما أن الأمر لا يتعلق بتراخيص بل بموقف متعصب ورخيص من الإسلام ، فقد حثت المسؤولتان في الإدارة ،كوتسانسا دي ريفيرا ، وانتونيلا سامبروني عمدة روما على أن يبادر إلى سحب الترخيص للجالية البنغالية التي تهم بافتتاح أول مسجد لها في العاصمة . ويجدر بالذكر أن المسجد البنغالي الذي يقع إلى جانب كنيسة سان فيتو كان من المقرر أن يفتتح صباح يوم الجمعة 7 سبتمبر 2007 م وذلك في قلب ساحة فيتوريو الشهيرة بالتواجد المكثف للمهاجرين حيث تشرف على المسجد الجديد، الذي يقع ، جمعية بنغالية اسمها "حلف الفضول " الخيرية التي كانت قد تأسست يوم 29 مايو الماضي،بهدف مساعدة المهاجرين الموجودين في ساحة فيتوريو، خاصة فيما يتعلق بالجوانب الدينية . وفي 11 سبتمبر الماضي استنكر عضو مجلس الشيوخ الإيطالي روبرتو كالديرولي موافقة بلدية بولونيا (شمالي إيطاليا) على فتح مسجد جديد، قائلا إنه سيقوم "شخصيا وفورا بجولة بصحبة خنزيره في المكان الذي سيبنى فيه المسجد، مثلما حدث في وقت سابق في مدينة لودي، حيث لم يتحقق مشروع المسجد لأن المكان صار نجسا وغير صالح للغرض بسبب مرور خنزيري " وأضاف نائب رئيس حزب ( رابطة الشمال)، من أقصى اليمين، "ونظرا لوجود خنازير كثيرة في جهتنا، فيمكننا تنظيم (يوم الخنزير) ومسابقات ومعارض للخنازير التي تقوم بأجمل الفسحات في الأماكن التي ينوي فيها أي شخص بناء مركزا للعبادة ( يعني مسجدا ) وفي نفس السياق أكد زعيم (حزب اليمين) الإيطالي فراتشيسكو ستروراتشي، " سنتظاهر في بولونيا حتى نقول لا للمسجد، وحتى نستعجل إصدار معايير قانونية تجبر الأئمة على الوعظ بالإيطالية " وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر عن كالديرولي مواقف استفزازية معادية للإسلام والمسلمين ، فقد سبق له في خضم عدوان الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم أن خرج في التلفزيون الإيطالي لابسا قميصا عليه بعض تلك الرسوم.وهي أيضا ليست المرة الأولى التي يرفع فيها (حزب اليمين) راية معارضة المساجد، فلا يزال يقود حملة متواصلة لمنع تدشين مسجد جديد في روما تشرف عليه جمعية بنغالية . <BR><font color="#0000FF">مواقف متسامحة ولكن : </font> لم تخل الساحة الإيطالية من بعض الأصوات العاقلة والمقدرة لأهمية العلاقات الإنسانية وحقوق الإنسان مثل وزير الداخلية الإيطالي الحالي جوليانو أماتو فقد أشر في 21 يوليو الماضي وأثناء مداخلته في الندوة التي نظمتها وزارة الداخلية والسفارة الهولندية في روما، بعنوان "الإسلام والاندماج، مبادرات وخبرات في إيطاليا وهولندا"، إن أصوله الصقلية تجعله يتفهم المشاكل الناجمة عن الهجرة، فمن ناحية هناك ما أسماه تهكّمًا بـ"تقليد صقلي-باكستاني" يتميز بالنزعة الذكورية، وهو ما يبرزه الفيلم السينمائي الشهير "الطلاق على الطريقة الإيطالية". ومن ناحية ثانية، عانى الصقليون بصفة خاصة من الحكم المسبق الذي عمّ الإيطاليين جميعا بأنهم ينتمون إلى عصابات المافيا، مما أدت ببعضهم إلى تغيير أسمائهم إلى أسماء أميركية لكي يندمجوا في المجتمع.واستدرك الوزير أن صقلية أيضا هي مجمع ثقافات وحضارات، عربية وإسبانية ونرماندية، وهو ما يتجلى في أسماء الناس. وأكد الوزير أن "وثيقة قيم المواطنة والاندماج"، التي أقرتها مؤخرا وزارته، تسعى لترسيخ المبادئ الأساسية، باعتبار المهاجرين "أشخاصا وليس مجرد كتل إنسانية"، وأن مقولة "نحن والآخرون" لا معنى لها ما دمنا كلنا بشر متساوون. وأشار الوزير إلى أن "كلمة "إسلام هي كلمة مفردة ولكنها تحتوي على تعددية لا توجد في الديانة الكاثوليكية". وأضاف "نحن غيورون جدا عن هويتنا، ولكن الهوية ليس حكرا على البيض الآريين، فللمهاجرين أيضا هوية ومن حقهم الحفاظ عليها". ولكن باسم الهوية والحرية لا يمكن قبول كل شيء، فهناك حقوق " تتجاوز الانتماءات والتوجهات الدينية والقومية والجنسية "، فلا يمكن قبول التمييز باسم أي شعار، كما لا يمكن قبول اضطهاد المرأة باسم سلطة الذكر. وأكد الوزير أماتو أنه من الضروري أن "لا تتحول الاختلافات الثقافية إلى خلافات بين الأديان"، وأن "إله المسيحيين وإله المسلمين إنما هو إله واحد، وهو لا يمكنه أن يقبل بالظلم والعنف". وقال مخاطبا المهاجر "لا نطلب منك أن تغير دينك ولكن أن تتحرر من أنانيتك المفرطة". وأضاف الوزير "إننا فخورون بعدم منع الحجاب (غطاء الرأس)، أما غطاء الوجه فهو ممنوع لأنه، كما جاء في الوثيقة، يمس بكرامة الإنسان".حسب زعمه . وختم أماتو بقوله إن الوثيقة "ما هي إلا مقدمة لعمل كبير، لا يمكن للوزارة أن تقوم به بمفردها" .و تناولت الوزيرة الهولندية المكلفة بشؤون الاندماج إيللا فوغيلار "ضرورة التخلي عن الصور النمطية والأحكام المسبقة ضد الإسلام في الوسائل الإعلامية، وخاصة الربط الخطير بين الإسلام والإرهاب". وشددت على "ضرورة القبول بالإسلام في المجتمع كبقية الأديان الأخرى كالكاثوليكية واليهودية". بالإضافة إلى "الاعتراف بوجود التعددية داخل الإسلام، فهناك دائما قراءات وتأويلات مختلفة للنصوص". وأشارت الوزيرة إلى صعوبة تمرير الأخبار الإيجابية على عكس الأخبار السلبية التي تملأ الصحف. وروت فوغيلار تجربتها الشخصية مع وسائل الإعلام، حيث استضيفت في برنامج تلفزيوني في اليوم الأول لتعيينها، وسئلت عن موضوع البرقع (غطاء الوجه)، فأجابت أنه من الصعب قانونيا منع البرقع في جميع الحالات، فخرجت الصحافة في اليوم الموالي لتقول إن الوزيرة تقبل بالبرقع. وختمت بقولها إن على الدولة أن تشجع الحوار وتفعّله على جميع المستويات وبمختلف الوسائل الممكنة، خاصة بالنسبة لجيل الشباب. ومن بين الذين تحدثوا في الندوة النائب في البرلمان الإيطالي وعضو اللجنة العلمية التي حررت الوثيقة خالد فؤاد علام، والكاتب والباحث الاجتماعي الهولندي والإيراني الأصل شروين نيقوي. وأسامة الصغير عضو اللجنة الاستشارية الشبابية للتعددية الدينية والثقافية، وهي اللجنة التي شكلتها وزارتا الداخلية وتكافؤ الفرص الإيطاليتين. ومن المتحدثين أيضا أسماء العرايشي، هولندية مغربية الأصل، مديرة برنامج تلفزيوني هولندي اسمه "بنات حلال"، وهو أول برنامج تلفزيوني من نوعه على الصعيد الأوروبي يعده مسلمون، فهم "وليسوا مجرد ضيوف" كما قالت العرايشي، يتناول البرنامج مشاكل الشباب والعلاقات مع المجتمع الهولندي والاندماج، ويبث في بلجيكا أيضا. كما تحدث يونس توفيق الكاتب العراقي الأصل والأستاذ الجامعي من تورينو، نعيمة طاهر كاتبة وحقوقية هولندية (باكستانية الأصل) معنية بحقوق الإنسان، ونصيرة بن علي مراسلة صحيفة (الوطن) الجزائرية في ايطاليا . <BR>وزير الداخلية الإيطالي جوليانو أماتو أدان في مناسبات عديدة الحملة ضد بناء المساجد، وقال في مقالة بمجلة " ريسيت " الإيطالية أن "الحوار هو الترياق ضد الكره والتطرف، إنه أداة تساعدنا على قبول الاختلاف بين الثقافات، والتقارب بين الغرب والإسلام". وكتب أماتو "أشعر بالمرارة من التعليقات والدعوات التي وردت من معظم اليمين ومن مستشاريه الثقافيين والتي تقول ينبغي منع المساجد" وأكد الوزير "هناك المعتدل والمتحاور في كلا الطرفين، تماما كوجود المتعصب والانفصالي، وأنا على ثقة أن الإجابة الأكثر تفاؤلا تمتلك أساسا". واختتم أماتو" يقلقني الزعم بندرة هذه المسؤولية وهذا الوعي، واللذان غالبا ما تطغي عليهما الدعوة إلى الحرب ضد الإرهاب، والتي قد تعمل بتعميم الإدانة على تقوية تأثير الإرهاب وزيادة أتباعه " . وقبل ذلك وفي 14 سبتمبر و خلال مائدة حوارية أقيمت ضمن فعاليات احتفالات التي أقامها حزب " اتحاد الديمقراطيين المسيحيين وديمقراطيي الوسط "، "نحتاج إلى وثيقة تفاهم مع المسلمين، حتى تكون لنا مع منظماتهم الدينية نفس العلاقات الواضحة والشفافة كالتي لدينا مع الأديان الأخرى، بدءا من الكنيسة الكاثوليكية". وحذر الوزير في حديثه من الوقوع في "خطأ التعميم بمعاملة المسلمين مثلما عومل الإيطاليون في بعض البلدان كأنهم كلهم منتمون إلى عصابات المافيا، فالمسلمون ليسوا كلهم إرهابيون". وأوضح " يوجد هذا الاحتمال بين المسلمين، وهي مهمتي أن أكتشف المسلم الإرهابي، ولكن مسؤوليتكم أن لا تشكوا في أي مسلم لمجرد كونه مختلفا عنكم " وبخصوص مشكلة اختيار الأئمة في إيطاليا، قال أماتو "لست راض على أن يأتي من يشاء إلى هذا البلد وينصب نفسه إماما، ولا أدري من هو، ولا من أين أتى، ولا أي تأهيل لديه، ولا من أرسله، ولا حتى ماذا يقول". وأكد الوزير أنه "حتى يمكن الخروج من هذه الوضعية، فلا حل سوى وثيقة التفاهم... فالمسلمون بقوا ربما الوحيدين الذين تنظم أوضاعهم في إيطاليا وفقا لقانون العبادات الصادر في الثلاثينات"، "وحسب ذلك القانون، الديانة التي لا يتبنى القائمون عليها أي فعل تترتب عنه آثار قانونية في البلد، يمكنهم أن يبقوا في منطقة محايدة حيث لا أملك أية سلطة عليهم، وهم لا يطلبون شيئا من الدولة " . وكان وزير الداخلية الإيطالي جوليانو أماتو قد قدم وثيقة قيم المواطنة والاندماج، يوم 26 أكتوبر في المركز الثقافي الإسلامي في إيطاليا، جامع روما الكبير، بحضور اللجنة التي أشرفت على كتابة الوثيقة المعتمدة من قبل وزارة الداخلية، بالإضافة إلى القائمين على المركز. وتقع هذه المبادرة ضمن سلسلة من اللقاءات للتعريف بهذه الوثيقة التي تعنى بالقيم الأساسية المستوحاة من الدستور والقانون الإيطاليين، مشروحة بلغة معاصرة ومفهومة للمهاجرين قصد إدماجهم في النسيج الاجتماعي والثقافي للبلاد. وقد جرت ترجمة هذه الوثيقة إلى عدة لغات من بينها اللغة العربية، وهي متوفرة على موقع الوزارة.<BR>إنها مواقف متسامحة بدون شك لكن آثارها أقل بكثير إن وجدت من تلك المواقف المتشنجة لليمين المتطرف ، التي تمنع المساجد وتؤسس لحرب صليبية ضد الإسلام والمسلمين . <BR><font color="#0000FF">ردود فعل اسلامية : </font> لم تبق الجهات الإسلامية مكتوفة الأيدي ففي 21 سبتمبر الماضي أصدر رئيس الجمعية الإسلامية في إقليم ليغوريا زهور أحمد زركار، بيانا ردا على الحملة المناهضة لفتح مسجد جديد في جنوة،وجاء في البيان "إن مسلمي ليغوريا على استعداد تام لأي عملية مراقبة للمبالغ الأزمة لشراء في الماضي ثم إعادة الهيكلة الحالية لمسجد جنوة " . وأضاف "المسلمون الجنويون أعربوا دائما عن استعدادهم لأي توضيح، وعن احترامهم الكامل للشرعية والقوانين الإيطالية، مع التأكيد على أن الأموال المجموعة عبر سنوات طويلة متأتية من المؤمنين الذين يتواجدون بأعداد كبيرة في منطقة جنوة، وأن المساجد تضمن حرية العبادة والتقدم الثقافي كما تشكل أماكن للقاء والحوار مع الإيطاليين، فمن الخطورة بمكان منع تحقيق المشروع على الرغم من مراعاته التامة للقوانين الإيطالية "وقد أعرب زركار، وهو من أصل هندي، عن خيبة أمله الكبيرة لمعارضة بناء المسجد، قائلا "في كل البلدان المتحضرة، تجري رعاية وحماية حقوق الأقليات، بحيث لا تلغى من جراء تهديدات بإجراء استفتاء أو سبر آراء تعسفي، فما فائدة إذن احترام القوانين؟". هذا ويصر المعارضون لمشروع المسجد على إجراء استفتاء لسكان المنطقة لمعرفة رأيهم قبولا أو رفضا للمسجد . ومرة أخرى أعلن زعيم حزب اليمين فرانشيسكو ستوراتشي، "غدا سنكون في عاصمة ليغوريا (جنوة) حتى نمثل احتجاج المواطنين الذين يرون حقهم في الأمن وفي المعاملة بالمثل عرضة للخطر". وقد اتهم ستوراتشي اليسار، وخاصة عمدة جنوة، بـ"أسلمة" التراب الوطني، وبأن برنامجهم السياسي تحول من مكافحة الفقر إلى بناء المساجد، على حسب قوله<BR>وفي 21 سبتمبر أيضا أعلنت المستشارة لدى محافظة نابولي (جنوبي إيطاليا) لشؤون السلام وسياسات الهجرة، إيزادورا دايمو، لصحيفة (إل ماتينو) اليومية الصادرة بنابولي، نيتها اقتراح بناء مسجد كبير بالمدينة يفوق في حجمه المسجد المتواجد حاليا في بياتسا ديل ميركاتو (ساحة السوق). وأعربت المساعدة عن نيتها في غضون أيام مقابلة ممثلي الجمعيات الإسلامية في نابولي لمناقشة الاقتراح. وأضافت دايمو، وهي من حزب إعادة التأسيس الشيوعي، أن الفكرة قد حظيت بترحيب كل من المستشار البلدي للشؤون الاجتماعية جوليو ريتشو، وياسين جنتيلي إمام مسجد بياتسا ديل ميركاتو، وأيضا نائب رئيس الجالية اليهودية النابوليتانية فابريتسيو غاليكي. هذا وعلما أن التجار المحاذين لمسجد بياتسا ديل ميركاتو قد اشتكوا منذ أشهر من أن المصلين يحتلون بسجاداتهم الأرصفة والشوارع القريبة من المسجد نظرا لضيق مساحته.ويأتي هذا الاقتراح ضمن سياق مشحون بالجدل حول فتح مساجد جديدة في إيطاليا، وفي ظل حملة تشنها بعض الأحزاب اليمينية ضد مشروع مسجد في بولونيا وآخر للجالية البنغالية في روما . وفي 26 سبتمبر دعا رئيس حاخامات روما ريكاردو دي سيني، في مقابلة معه نشرت في صحيفة (لاستامبا)، مسلمي إيطاليا إلى "إتباع النموذج اليهودي في الاندماج"، قائلا "الأمر يحتاج إلى شيء من الوقت، عندما يتكلم أبناء المهاجرين المسلمين اللغة الإيطالية وليس العربية، سيطلبون أن يتكلم الوعاظ في المساجد بالإيطالية أيضا". وأضاف "يمكنني أن أقترح نموذجا صالحا وهو: الحفاظ على الهوية الخاصة، مع الانغماس التام في المجتمع المحيط، أعرف أن هذا ممكن ولو مقابل تضحيات من جميع الأطراف". واعتبر دي سيني أنه "من الصواب أن ترعى الدولة قانونيا الأقليات الدينية"، مذكرا بالاتفاقات حول عطلة السبت التي تضمنها وثيقة التفاهم مع اليهود والدولة، واستدرك قائلا "لكنني أعتقد أن المسلمين لن يستطيعوا إجراء تفاهم مماثل، خاصة لأنه لا يوجد تمثيل إسلامي موحد ، على حد زعمه . <BR><font color="#0000FF">المسلمون ضحايا الإرهاب : </font> وفي المقابل دعا أغوستينو جنتيلي إمام أحد المساجد في نابولي إلى " تكريم القرآن والاقتداء بوصاياه " وأكد على ضرورة الوقوف في وجه من يسيئون للإسلام والمسلمين " علينا بمحاربتهم وعلينا أن نجد أرضية اتفاق نقف عليها جميعا وأن نتصل بالسلطات لنتخذ خطوات ملموسة فلا يكفي أن يقف الإمام على المنبر يوم الجمعة للتنديد بالإرهاب " وتابع " علينا بالتحرك وإيجاد الحلول لوضع حد لظواهر الإرهاب هذه " وأغوستو جنتيلي ويدعى يسين الإيطالي مسلم درس في السعودية لسنوات طويلة وتخرج من جامعاتها الإسلامية وهو مضرب المثل في الاعتدال والتسامح في ايطاليا"ليس هناك إيطاليين يقودون بقية المسلمين ،ونفتقد لثقة المهاجرين ، فالإسلام في ايطاليا يأخذ منحيين هنالك منحى راديكالي وآخر متسامح ولا يمكن غض الطرف عن ذلك إلا في حالة واحدة وجود نية للاستئصال " ولا يوجد في نابولي سوى مسجدين أما المسجد الثالث فقد تم إغلاقه ، و كان الصوماليون قد اغلقوا مكنا تخذوه مسجدا في نابولي لعدم وجود التمويل الكافي لنفقات المسجد كدفع الإيجار وفواتير الكهرباء والغاز وغيرها . ويرى يسين أن " للانتصار على استراتيجية الكراهية للإسلام والمسلمين لا بد من اتخاذ توصية واحدة هي حذار من الخوف " . <BR>كما دعا حمزة بيكاردو الناطق السابق لاتحاد المنظمات الإسلامية في ايطاليا "كافة الأخوة وخاصة المسؤولين في المراكز الإسلامية الإيطالية كي يتزودوا بنظم الدفاع السلبي وبأجهزة المراقبة عبر الفيديو ونظم مكافحة الحرائق والاقتحام" وذلك لمواجهة تصاعد موجة الهجمات التي تعرضت لها المساجد في الآونة الأخيرة وخاصة شمال البلاد واعتبر بيكاردو القيادي في اتحاد المنظمات الإسلامية في ايطاليا المعروف اختصاراً بـ(أوكوي) في بيان بثه موقع إسلام اونلاين الإيطالي أن "وجودنا كمسلمين يتسم بالشرعية والسلم" مردفاً "وهانحن نصبر على مالا قدرة لأي طائفة على احتماله سواء على مستوى التفرقة أو على مستوى الإهانة للقيم الذاتية" وطالب بيكاردو الدولة الإيطالية بمؤسساتها كي تهب لـ"غوثنا وتفعيل كافة الوسائل لحمايتنا" خاصة مع ارتفاع حدة الاعتداءات "التي انتقلت من هجمات بالزجاجات الحارقة فجراً إلى هجمات في العاشرة مساء حين يصل عدد المجتمعين في المسجد المائة تقريباً". وختم المسؤول في المنظمة الإسلامية حديثه بالقول "لن ينجحوا في استفزازنا وسنظل على ثقتنا المطلقة بقوانين الدولة ومؤسساتها" ويجدر بالذكر أن اعتداء بالقنابل الحارقة هو الثالث منذ بداية الشهر الجاري كان قد استهدف ليلة أول أمس مسجد مدينة بريشا (شمال غرب) حيث ألقيت قنبلتان حارقتان عقب صلاة العشاء لم تسفرا عن خسائر مادية أو بشرية . وهكذا يكون المسلمون بين يدعو لتمكينهم من حقوق المواطنة دون جدوى وبين الممارسات القروسطية التي تعيد أوربا إلى القرون الوسطى ، قرون الظلام وبيع صكوك الغفران وحرق المخالفين . <BR><BR>* كاتب عربي مقيم في البلقان<BR><br>