ببيغوفيتش.. الأثر بعد سنوات الرحيل
16 شوال 1428

" رجل دخل التاريخ من أبوابه الواسعة، وتربع على عرش القلوب بين الشرق الغرب " <BR>" لكي نفهم العالم فهما صحيحاً، لا بد أن نعرف المصادر الحقيقية للأفكار التي تحكم هذا العالم،وأن نعرف معانيها " علي عزت بيغوفيتش. <BR>في أفراح الروح يسجل سيد قطب رحمه الله كلمة جديرة بالتمعن ومعناها من يعيش للقضايا الكبرى أي لأمته يعيش كبيرا ويموت كبيرا، ومن يعيش لنفسه يعيش صغيرا ويموت صغيرا، أو هكذا قال صاحب الظلال . وقبل قطب قال الخليفة الرابع علي ابن أبي طالب رضي الله عنه "الناس موتى وأهل العلم أحياء "وفي أي الذكر الحكيم " يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات " .وعندما نتحدث عن رجالات الأمة من أمثال الرئيس البوسني الراحل المفكر والمجاهد علي عزت بيغوفيتش ( 1925 / 2003 م ) رحمه الله تترآى لنا كل تلك المعاني القدسية في مقام الرفعة الوارد في الكتاب الحكيم، ومنها الحياة بعد الموت بين الناس التي عناها الإمام علي رضي الله عنه، وذلك الحجم الذي قصده سيد قطب رحمه الله، فعلي عزت رحمه الله عاش كبيرا ومات كبيرا و سيظل كبيرا في نظر شعبه وأمته والإنسانية من بعده . <BR><font color="#0000FF">أبواب التاريخ : </font><BR> يدخل العظماء إلى التاريخ من باب ما يبدعون فيه، أما علي عزت فقد دخله من أبوابه جميعا، مفكرا، وسياسيا، ومجاهدا، وزاهدا . يكال المديح لمن هم في السلطة، وقل أن يمدح من خرج من السلطة إلا إذا كان ذلك من دواعي التكسب بمختلف أصنافه، ولكن المديح يكال لعلي عزت بعد رحيله دون أي معيار خارج إطار الاعتراف بجهود الرجل وتقدير خدماته وتضحياته من أجل مبادئه .<BR> وفي هذه الأيام تمر أربع سنوات على رحيله في 19 أكتوبر 2003 م .والتي اكتسبت صبغة خاصة، تمثلت في عقد مؤتمر دولي في اسطنبول حول علي عزت بيغوفيتش رحمه الله، كما شهد مركب زاترا بكوشوفو في سرييفو، لقاء أكاديميا وسياسيا وشعبيا كبيرا في هذه المناسبة التي تساهم في تعريف الأجيال البوسنية خصوصا والإسلامية عموما بجهاد علي عزت رحمه الله .<BR>وكان من أبرز الحضور نجله المهندس باكر علي عزت بيجوفيتش، والرئيس حارث سيلاجيتش، ونائب رئيس العلماء عصمت صباهيتش، ورئيس حزب العمل الذي أسسه عزت بيغوفيتش، سليمان تيهيتش، وعدد كبير من الوزراء والأكاديميين والسفراء والشباب وغيرهم . وقد تم عرض فيلمين وثائقيين عن حياة علي عزت بيغوفيتش من الميلاد وحتى رحيله رحمه الله .حيث كانت حياته مليئة بمحطات النضال والتضحيات .وكما قال ذات مرة، لم يكن يفكر في أن يصبح سياسيا، وإنما أراد أن يكرس حياته لقضية التعليم والثقافة في الأمة الإسلامية، ولكن تطورات الأوضاع في يوغسلافيا السابقة وتداعياتها جعلته يدخل معترك السياسة .<BR>ويجدر بنا هنا أن نسجل ما قاله حارث سيلاجيتش الذي كان ضمن شهود الملحمة التي قادها علي عزت رحمه الله في هذه المناسبة " نهاية 1980 وبداية 1990 من القرن الماضي كانت واحدة من أصعب الحقب التي مرت بها البوسنة في تاريخها، ففي هذه الحقبة تم وضع مخطط الإبادة، وإقامة معسكرات الاعتقال، والإزالة العرقية، وتدمير المدن " وتابع " في هذه المدة كان علي عزت بيغوفيتش، يدرك أن معركة البقاء يجب أن يدفع ثمنها، لأن العدو يستهدف الوجود البيولوجي للمسلمين في البوسنة والبوسنة كدولة ذات سيادة بحدود دولية على مدى يزيد عن الألف عام " وأكد سيلاجيتش على أنه منذ الوهلة الأولى " كان هناك إدراك بأن العدوان سيستهدف المدنيين، وأن المعركة لن تكون متكافئة وباهظة الثمن " .ولم يكن أمام علي عزت خيار آخر أمام الفاشية الصربية، فالبديل الوحيد هو الاستسلام للإبادة وهذا م لم يكن يرضاه علي عزت المسلم المتشبع بقيم العزة المستمدة من لقرآن الكريم "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " وعندما جاءه ( الوسطاء الدوليون ) ليخبروه بأن الصرب يحصرون سراييفو وعليه النظر في الموضوع قال لهم " إنهم يريدون منا الاستسلام " وكان ردهم " ليس لك خيار " فقال " سنقاوم حتى آخر رجل وآخر رصاصة " ولم يقبل علي عزت الخروج من سراييفو مع مقاتليه لقيموا في بلد آخر يبعد عنه آلاف الأميال كما فعل البعض في تاريخنا الحديث . أو وقع معاهدة خزي وعار مع العدو وهو يحتل مساحات شاسعة من أرضه . كان علي عزت يقاتل الفاشية سياسيا وفكريا بشعارات الغرب الراسخة في تعاليم الإسلام "الحرية وحقوق الإنسان " وكان يقوي مقاتليه ضد الفاشية الصربية بجرعة إضافية هي القتال والاستشهاد في سبيل لله . ولم يكن علي عزت رحمه الله ينشد الحرية والحقوق للمسلمين فقط، بل للجميع صربا وكرواتا، على أساس المواطنة، لكن الطرف المقابل لم يكن ينظر للمسلمين كمواطنين، بل كعقبة في وجه تحقيق مشاريعه الفاشية الشيفونية وهي إقامة صربيا الكبرى وكرواتيا الكبرى على جماجم المسلمين . وما فعله علي عزت جعله يدخل التاريخ من أوسع أبوابه .<BR><font color="#0000FF">متحف بتراث ومقتنيات بيجوفيتش : </font><BR> بعد أربع سنوات من وفاته رحمه الله تم افتتاح متحف يجمع تراثه مقتنياته، صوره، وخطبته المسجلة والمكتوبة، ونشطاته السياسية والثقافية وإسهاماته الكثيرة في المجالين، لاسيما تلك لتي سطرها بنفسه في كتبه المختلفة المترجمة لتسع لغات عالمية من بينها العربية . كما يضم المتحف ملابسه المدنية والعسكرية التي ارتداها أثناء العدوان، وجملة من مقولاته الراسخة كتلك التي قالها لجمع من العرب، وكان كاتب هذه السطور من بينهم " على المسلمين أن يستخدموا في نشاطاتهم شيئين الساعة والرزنامة " في إشارة لعامل الزمن ودوره الحاسم في معالجة الأمور، كبيرها وصغيرها . وفي إشارة إلى محاولات البعض تشويه التاريخ ولاسيما تاريخ البوسنة الحديث . كان شعار الفعاليات المقامة في هذا الوقت " كتابة التاريخ بأمانة " فلطالما تم تشويه التاريخ الإسلامي وحركات الجهاد والتحرر في العالم . <BR>وقد وصفه حارث سيلاجيتش بأنه "رجل شجاع استطاع اتخاذ القرارات الحاسمة في وقت كانت الخيارات فيه صعبة وقاسية وكان فيه عدد قليل من المجتمع الدولي في صف البوسنة " وتابع " كان يدرك أهمية المقاتلين لذلك كانوا في مقدمة أولوياته " . وقال إنه " كان يتمتع برباطة جأش، وروح هادئة في أصعب الأوقات وأكثرها قتامة "وتلك صفات القائد المؤمن على مر التاريخ . وكان الراحل رحمه الله قد تم إطلاق اسمه على عدد من الأماكن، في كل سنة حيث يتم تنفيذ جملة من الفعاليات الدينية والثقافية والادارية حيث أطلق اسم علي عزت بيجوفيتش على عدد من الأماكن والساحات العامة، وأقيمت في دور المسرح والثقافة مناقشات مستفيظة للدور السياسي والثقافي الذي أداه الراحل على مدى يزيد عن نصف قرن من الزمان، ويتم استعراض ما قاله السياسيون والمفكرون من مختلف أنحاء العالم عن علي عزت بيجوفيتش في حياته وبعد وفاته . <BR><font color="#0000FF">مؤتمر دولي : </font><BR> وفي الذكرى الرابعة لوفاة علي عزت بيغوفيتش رحمه الله، عقد في اسطنبول مؤتمر دولي تحت عنوان "الذكرى الرابعة لرحيل علي عزت بيغوفيتش "وقد حضر المؤتمر الذي عقد يوم 20 أكتوبر 2007 م عدد كبير من الأكاديميين والسياسيين والإعلاميين والكتاب والشباب الإسلامي ومحبي علي عزت بيغوفيتش من كل الأعمار، من تركيا ومن دول مختلفة . وكان من بين المتحدثين نجله باكر علي عزت بيجوفيتش، ومستشاره السابق دامير ياركوفيتش ومدير الأرشيف الفيدرالي علي زبيليا، والكاتب والشاعر المعروف جمال الدين لاتيتش، وعثمان تاليتش وآخرون . وقد تم استعراض عدد من المواقف والأفكار التي ثرى به علي عزت بيجوفيتش الساحتين الثقافية والسياسية ونقده للشيوعية والليبرلية " لأنها تنظر إلى الإنسان نظرة أحادية الجانب فتصطدم بأعمق ما في طبيعته ". ويتحدث علي عزت عما تحدث عنه سيد قطب في أفراح الروح ومعالم في الطريق وسعيد حوى في كتبه " جند الله ثقافة وأخلاقا " ولكن بطريقته الخاصة " يتطلعون دائماً إلى شيء جديد.. قليلاً ما يتحدثون عن الخبز ولكن يتحدثون كثيراً عن الحرية.. يتحدثون عن السلام قليلاً وعن الشخصية الإنسانيّة كثيراً. إنهم لا يقبلون فكرة أن الملك يمنحهم مرتباتهم وإنما على العكس يعتقدون إنهم هم الذين يطعمون الملك.. هؤلاء هم "الخارجون".. لا يحبون السلطة ولا تحبهم السلطة.. في الأديان يُوقّر الأمعات الأشخاص.. والسلطات.. والأوثان.. أما عشّاق الحرية فإنهم لا يمجدون إلا الله " . <BR><font color="#0000FF">أبو الاستقلال: </font><BR> ويعود لعلي عزت الفضل في إعادة البوسنة والهرسك دولة مستقلة مرة أخرى بعد قرون من الخضوع للهمينة الأجنبية، والإلحاق بهذا الطرف الإقليمي أو الدولي أو ذاك . وينظر الكثير من المفكرين و السياسيين لعلي عزت بيجوفيتش بأنه مفكر إنساني، يدعو للحرية والعدالة والمساواة، ويرفض الاستئصال والتحيز والتعصب. وقال الرئيس البوسني السابق سليمان تيهيتش " كما كنا و إلى الآن، يجب أن نبقى أوفياء و موحدين، وبهذا فقط نحفظ العهد، ونعبر عن احترامنا للرئيس الراحل علي عزت بيجوفيتش، ولجميع شهدائنا ومقاتلينا البواسل " وتابع " على هذا الطريق يجب أن تظل البوسنة الموحدة " . وكان علي عزت رحمه الله قد انتقل إلى الدار الآخرة في 19 أكتوبر 2003 و تم دفنه في 22 من نفس الشهر بمقبرة الشهداء كواتشي في سراييفو . وحضرت جنازته الألوف من أبناء شعبه، وعشرات البعثات الدولية من مختلف أنحاء العالم. وأعرب تيهيتش عن أسفه لعدم إطلاق اسم علي عزت على مطار سراييفو، بسبب رفض المبعوث الدولي السابق بادي آشداون لذلك بحجج واهية . وقال: إن " علي عزت كان رئيسا منتخبا لكل البوسنة والهرسك، ومعترفا به من كافة دول العالم، ولم يكن طائفيا كما كان الآخرون، بل كان يناضل ضد الفاشية ". وأضاف " نحن ليس لنا وطن آخر غير البوسنة، و من أجلها سنقاتل دائما " .وقال رئيس العلماء في البوسنة الدكتور مصطفى تسيريتش " الإنسان بين الذكرى والنسيان، فهو يرغب في تذكر الأمور الجميلة والطيبة، ويحاول نسيان الأشياء السيئة، وفيما بين الناس يتذكر الإنسان الرجال الطيبين، ويحاول نسيان السيئيين منهم، وهذه من الأمور التي جبلنا الله عليها " وتابع " يجب علينا أن ندرك ما الذي يمكننا نسيانه، وما الذي يجب علينا تذكره باستمرار؛ لأن الأمة التي لا تحتفظ بذاكرتها ليست أمة حرة " .<BR>وأضاف " علي عزت بيجوفيتش كان رجلا عظيما، سنذكره باستمرار، ليس من أجله بل من أجلنا نحن، من أجل ماضينا ومستقبلنا، من أجل حقوقنا وحريتنا، من أجل ديننا ووطننا " وواصل " حقنا في تذكر علي عزت هو حقنا في الحرية ...لان علي عزت بيجوفيتش رحمه كان أكثر من رئيس للبوسنة والهرسك، لقد كان رمزا لتصحيح مسارنا، ولبقائنا، ولذلك هو في الذاكرة دائما " . وقد توافدت أعداد غفيرة من الجماهير لزيارة مقبرة الشهداء حيث يرقد جثمان علي عزت بيجوفيتش، والدعاء له ولهم، وتلاوة الفاتحة على قبره، وعيونهم تذرف دمعا على " رجل دخل التاريخ من أبوابه الواسعة، وتربع على عرش القلوب بين الشرق الغرب " . وقال البعض أنهم يأتون كل يوم لتلاوة الفاتحة على قبر علي عزت " من الجميل أن يرقد جثمان علي عزت، بين مقاتليه، الذين فدوا بأرواحهم البوسنة، وثقافة البوسنة، والتعدد العرقي والديني في البوسنة " . <BR><font color="#0000FF">محطات في حياة علي عزت : </font> ولد سنة 1925 بمسقط رأسه بوسانسكي تشاماتس بشمال البوسنة، حيث تلقى تعليمه لابتدائي هناك ثم نتقل مع أسرته إلى سراييفو، حيث أكمل تعليمه الثانوي، ثم التحق بكلية القانون في "جامعة سراييفو" . وكان قد أسس مع آخرين جمعية الشبان المسلمون وعمره 16 سنة . وفي أبريل 1941م دخل النازيون إلى سراييفو وسلموا إدارتها للستاش الكروات المتحالفون معهم والذين بسطوا نفوذهم حتى على المشيخة الإسلامية فيها . <BR>كانت اتجاهات جماعة الشبان المسلمين ولا تزال جماعة إسلامية تؤمن بأن الإسلام دين ودولة وكان كتاب البيان الإسلامي لعلي عزت رحمه الله واضحا في هذا الخصوص . كما أن المقالات الصادرة عن الجماعة تؤكد ذلك ومنها مقال نشر سنة 1942م يشير أن الإسلام ليس ديناً فقط وإنما هو نظام حياة يتضمن شؤونا اجتماعية وأموراً تتعلق ببناء الدولة وسياستها.. وقد نشر هذا المقال في مجلة " جمعية العلماء " التي كانت تحمل عنوان " الهداية " ولم يشأ صاحب المقال أن يذكر اسمه وإنما اكتفى بتوقيع، طالب طب من الشبان المسلمين، عدم فيم بعد . وفي سنة 1949 م تعرض علي عزت وعدد كبير من إخوانه للاعتقال حتى أفرج عنه سنة 1954م وكان عمره في ذلك الوقت 29 سنة.<BR>عمل علي عزت بعد خروجه من السجن محامياً متخصصاً في القانون التجاري لدى إحدى الشركات. وفي غضون ذلك نشأت بينه وبين " حسين دوزو "علاقة حميمة وكان «حسين دوزو» قد تخرج من جامعة الأزهر وعينته الحكومة اليوغسلافية رئيساً " لجمعية العلماء " وكان حريصاً من جانبه على أن يقيم حواراً بين العلماء وبين المثقفين المسلمين. وقد أتيح لعلي عزت من خلال هذه العلاقة أن ينشر مقالاته في مجلة الجمعية المسماة " " تقويم " على مدى عقد السبعينات فتناول في مقالاته موضوعات في الثقافة والأخلاق مستخدماً اسماً مستعاراً مكوناً من ثلاث حروف " ل. س. ب " وهي الحروف الأولى من أسماء أبنائه " ليلى وصابينا وباكر" . وكان لهذا الانفتاح على جمعية العلماء أهمية كبرى فقد استطاع علي عزت إيصال فكره لخمسين ألف مسلم من قراء المجلة.<BR>وفي سنة 1981م قام ابنه "باكر" وهو مهندس كبير حاليا ونائبا لرئيس الحزب الذي أسسه والده " حزب لعمل الديمقراطي " بجمع سلسلة من مقالات أبيه في كتيب وضع له عنواناً هو " البيان الإسلامي ". وقد أثار هذا الكتاب ضجة إعلامية كبيرة في يوغسلافيا آنذاك، واستغل استغلالاً ظالماً ضد مؤلفه، وقد كان ولا يزال أداة اتخذها الصرب والكروات لتحريض الغرب على المسلمين وحزب العمل في البوسنة وعلى الرئيس الراحل رحمه الله.<BR>وقد أجريت محاكمة صورية لعلي عزت وصحبه سنة 1983م، وسمح لأصدقاء المتهمين وأسرهم بحضور الجلسة الأولى فقد ثم استكملت المحاكمة بعد ذلك في جلسات سرية سريعة. ويذكر شهود الجلسة الأولى أن علي عزت قام للدفاع عن نفسه فلم ينكر إنّه مؤلف الكتاب وإنّه مسؤول عن محتوياته. وكانت حجته أن كتاباته كانت موجهة إلى المسلمين بصفة عامة وإنّه من شأن المسلمين في البلاد التي يشكلون فيها الأغلبية العظمى من السكان أن يختاروا ـ إذا شاءوا ـ نظاماً إسلاميا للحكم ولا يصح عندئذ أن تتدخل الدول الغربية ضد هذه الرغبة.<BR>ولم تلتفت المحكمة لدفاع علي عزت فأصدرت حكمها عليه مع زملائه بالسجن لمدة 14 سنة.<BR>في تلك الأثناء ذاعت شهرة علي عزت في أنحاء يوغسلافيا وأصبح حديث الناس. وهكذا ادخل علي عزت السجن للمرة الثانية بتهمة باطلة، وكأن الأقدار كانت تصنعه بطريقة خاصة وتهيئه لدور صعب ينتظره في المستقبل القريب . <BR>وخلال وجود علي عزت بالسجن بدأ الزلزال يجتاح العالم الشيوعي في أوربا الشرقية وتحققت نبوءته بانهيار النظم الاشتراكية. وبرزت على أنقاض هذه النظم نزعات قومية وعرقية كانت مكبوتة في يوغسلافيا، أخذت تعمل على تفكيك الوحدة الهشة التي صنعها تيتو وحافظ عليها مدة حياته بقوة الحديد والنار . <BR>ولم تمض 10 سنوات على وفاة تيتو حتى سمح بتشكيل الأحزاب في يوغسلافيا، فظهرت أحزاب قومية في صربيا وكروتيا وسلوفينيا ومقدونيا ولم يتأخر المسلمون البوشنق فشكلوا سنة 1990 م حزب العمل الديمقراطي برئاسة علي عزوت رحمه الله الذي هزم الحزب الشيوعي في نوفمبر من العام نفسه وأصبح رئيسا للبوسنة . <BR><font color="#0000FF">الحرب في يوغسلافيا السابقة : </font><BR> الحقيقة هي أن التصدع الأول في الدولة اليوغسلافية ظهر بوضوح سنة 1989 م في ذكرى مرورو 600 عام على انكسار الصرب أمام العثمانيين في كوسوفا عندما تحدث ميلوسيفيتش بلغة شيفونية ضد الألبان في كوسوفا وأنهى الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به الإقليم فخشيت بقية الجمهوريات من مصادرة حكمها الذاتي وأعلنت التمرد بعد ذلك . كما كان لظهور رؤساء جمهوريات مثل "سلوبودان ميلوسوفيتش " في صربيا وفرانيو تودجمان " في كروتيا وهما من أصحاب النزعات الفاشية العرقية من الأسباب الأساسية التي أدت إلى الانهيار السريع في يوغسلافيا، فانشقت سلوفينيا ثم كرواتيا وأعلنا استقلالهما معاً في يوم 25 يونيو سنة 1991. وفي صباح 26 يونيو هاجمت القوات الصربية كرواتيا، وكان بإمكانها سحق كرواتيا بآلتها العسكرية الرهيبة التي انفردت بها ميراثاً من الدولة اليوغسلافية السابقة، ولكنها اضطرت لإيقاف العمليات العسكرية عندما أدركت وتأكدت أن الدول الأوربية وبالأخص ألمانيا سوف تتدخل بالقوة العسكرية للدفاع عن كرواتيا . <BR>كانت القيادة البوسنية تشعر بالقلق إزاء الصراع الذي اندلع بين صربيا وكرواتيا أن يؤثر على التركيبة العرقية المتداخلة من المسلمين والصرب والكروات في أنحاء البوسنة والهرسك، ومن ثم تنجرف إلى حرب أهلية كتلك الحروب السابقة التي خرج منها المسلمون بأكبر نصيب من الويلات والمآسي. ولذلك كان على القيادة البوسنوية أن تحدد موقفها بعد انفصال سلوفينيا وكرواتيا وتفجر الصراع العسكري في المنطقة .<BR> كان رأي القيادة البوسنية المنتخبة أن البوسنة لا يمكنها البقاء في الاتحاد اليوغسلافي بدون بقاء بقية الجمهوريات سواء ضمن اتحاد فيدرالي أو اتحاد دول مستقلة، أما إذ استقلت كرواتيا وسلوفينيا ومقدونيا فإنها ستعلن بدورها الاستقلال . لكن الدول الاوروبية ولاسيما فرنسا اشترطت تنظيم استفتاء شعبي على الاستقلال وهو ما جرى في 29 فبراير وحتى 1 مارس 1992 م وصوّت الشعب البوسني على الاستقلال بأكثرية 63،4 في المائة. وكانت صيغة الاستفتاء "هل تؤيد قيام دولة مستقلة وذات سيادة في البوسنة، يتمتع فيها بالمساواة كافة مواطني وطوائف البوسنة والهرسك، المسلمين والصرب والكروات، وكل من يعيش فيها " وفي أعقب ذلك النجاح أعلن الرئيس علي عزت بيغوفيتش رحمه الله استقلال البوسنة في 4 مارس 1992 م . لكن الاتحاد الأوروبي لم يعترف باستقلال لبوسنة مباشرة وماطل في ذلك وأعلن تأجيل الاعتراف، مما شجع الصرب على اعتماد خيار القوة لثني الأغلبية عن قرارها، وفي 6 أبريل 1992 م بدأ العدوان الصربي، مخلفا وراءه آلاف القتلى والجرحى وآلاف المباني المهدمة والجسور المحطمة وطال ذلك في المقام الأول المساجد، وأسفرت حصيلة العدوان على 200 ألف قتيل وهدم م يزيد عن 1400 مسجد وتحطيم 90 في المائة من البنية التحتية، كما تم أثناء العدوان الهمجي اغتصب 30 ألف امرأة والزج بكثير من 600 ألف في المعتقلات الجماعية، قضى لكثير منهم نحبه داخلها تحت التعذيب , عبر الإعدامات الممنهجة . وخلال 4 سنوات لم يعمل الغرب على وقف العدوان كشرط للمفاوضات بل كانت المفاوضات التي كن يرعاها تجري بشكل متوازٍ مع حرب الإبادة لدفع المسلمين للاستسلام والقبول بالأمر الواقع، وهنا تجسدت عبقرية علي عزت بيجوفيتش، إذ أن الموت الشريف، أفضل من حياة الخزي والعار . قالها مدوية بعد أن رفض الغرب السماح للمسلمين بشراء الأسلحة وفرض حظرا ظالما على الطرفين، بيد، الصرب لديهم ما يكفي من الأسلحة وزيادة فمصانع الأسلحة في بنيالوك وبلغراد تمدهم بما يحتاجونه بينما لم يتسن للمسلمين سوى صناعة بعض القذائف بما لدى بعضهم من خبرة تقنية كانت تحتاج للمواد الأولية و وبعض الآلات في وقت منعت فيه الأمم المتحدة الورق عن البوسنة ! <BR>كان علي عزت يردد على الغرب، حقيقة ليس لدينا القوة الكافية على المعتدين، وكما أن أعداءنا ليس لهم القوة الكفية لابادتنا عن بكرة أبينا . <BR>وفي نهاية 1995 م وبعد نكبة سريبرينتسا مباشرة والتي أبيد فيه أكثر من 10 آلاف مسلم، بدأ المسلمون يستعيدون زمام المبادرة ويحررون مساحات شاسعة في وسط وشمال غرب البوسنة حتى وصلوا إلى مشارف بنيالوكا، عندها وعندها فقط تدخل الغرب لوقف الحرب، وألزم المسلمين بوقف زحفهم تجاه بنيالوكا واعترف السفير الأميركي في سراييفو مؤخرا بذلك في معرض منّه على الصرب " نحن الذين أوقفنا المسلمين عن تحرير بنيلوكا "وكان حلف شمل الأطلسي وواشنطن قد هددت الجيش البوسني بالقصف إن لم يوقف زحفه ولم يكن علي عزت وهو في دايتون ليعلم بتطورات الموقف العسكري فوقع الاتفاقية في 21 نوفمبر 1995م، فقد حال الأمريكان بينه وبين الاستماع للأخبار أو الاتصال بقادة جيشه الذين كانوا ينتظرون تأخير التوقيع ليومين فقط تكون فيها بنيالوكا محررة وعندها تتغير المواقف وشكل اتفاقية السلام .<BR> ففرية أن الغرب أوقف مذابح المسلمين في البوسنة لا أساس لها من الصحة، بل إن الغرب تدخل في الوقت المناسب لانقاذ الصرب من هزيمة محققة لو استمرت الحرب بضعة أيام أخرى، كما اعترف السفير الأميركي . فأين كان الغرب في سريبرينتسا وسراييفو و بريدور وفيشي غرد و بيهتش وموستار على مدة 4 سنوات ؟!!! <BR>وبعد توقيع اتفاقية دايتون قال علي عزت رحمه الله قولته المشهورة " انتهت حرب وبدأت حروب " وهو يعني ما يقول فالحرب السياسية والاقتصادية والمعرفية، بل لحرب بمفهومها الكلاسيكي لا تزال محتملة . وليسن سنة التداول على الحكم قدم استقالته في عز شعبيته ليترك لشعبه المجال في الاختيار . وقد خلفه في الرئاسة سليمان تيهيتش لمدة 4 سنوات ثم حارث سيلاجيتش الذي يقود سفينة البوسنة حاليا في بحر متلاطم . <BR><font color="#0000FF">من كتبه رحمه الله : </font><BR>* هروبي إلى الحرية. كتبه في السجن، عندما اعتقله الشيوعيون عام 1949 بسبب نشاطه السياسي، ولانتمائه إلى جمعية الشبان المسلمين، وحكموا عليه بالسجن مدة خمس سنوات.<BR>* عوائق النهضة الإسلامية.<BR>* الأقليات الإسلامية في الدول الشيوعية.<BR>** البيان الإسلامي. وهو مجموعة مقالات كان نشرها في مجلة (تقويم ) باسم مستعار. وهذه المجلة كانت تصدرها جمعية العلماء في البوسنة، وكان يقرؤها خمسون ألف مسلم، وقد جمعها ابنه الأستاذ بكر، وأصدرها في كتاب بعنوان (البيان الإسلامي) وهو شرح لأساسيات النظام الإسلامي، وقد أثار نشر هذا الكتاب ضجة كبيرة.<BR>** الإسلام بين الشرق والغرب. وهذا الكتاب الكبير هو أشبه بموسوعة علمية، هزّ به أركان العالم الغربي، فقد خاطب به قادة الفكر هناك، وكان فيه عالما وفيلسوفا وأديباً وفناناً مسلماً تمثّل كلّ ما أنجزته الحضارة الغربية، ثم ارتقى بتلك العلوم عندما ربطها بهدي السماء الذي جاء به الإسلام.<BR>ألا ما أصدق هذه الشهادة للمفكر الأوربي المحايد (وود وورث كارلسن) بهذا الكتاب ومؤلفه: " إن تحليله للأوضاع الإنسانية مذهل، وقدرته التحليلية الكاسحة تعطي شعوراً متعاظماً بجمال الإسلام وعالميته " .<BR><BR>الجوائز التي حصل عليها : الرئيس المفكر الداعية الراحل علي عزت رحمه لله ، فوق الجوائز، ولم يكن يتطلع إليها، ولا يسعى لنوالها، بل كانت هي التي تأتيه طوعاً، فقد عرفه البوسنيون، والعرب، والمسلمون، والمثقفون، والسياسيون من سائر الأجناس، وكان عارفو فضله ومقامه في ميادين السياسة، والفكر، والدعوة هم الذين يرشحونه، وهم الذين يمنحونه الجائزة تلو الجائزة، ومن هذه الجوائز:<BR>* جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1993م.<BR>* جائزة (مفكر العام) من مؤسسة علي وعثمان حافظ عام 1996 م .<BR>* جائزة مولانا جلال الدين الرومي الدولية لخدمة الإسلام في تركيا.<BR>* جائزة الدفاع عن الديموقراطية الدولية، من المركز الأمريكي للدفاع عن الديموقراطيات والحريات.<BR>* جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم (رمضان 1422هـ)، تقديراً لجهوده في خدمة الإسلام والمسلمين.<BR><BR><BR><br>