إيران وشيعة العراق ... أحلام وأوهام
19 رمضان 1428

يتركز تواجد الشيعة الإثني عشرية بنسبة كبيرة في إيران والعراق وأذربيجان والبحرين، و بنسبة مهمة في كل من الكويت ولبنان وفي مسقط و الباطنية في سلطنة عمان، وبعض دول الخليج العربي و باكستان وأفغانستان والهند وفي دول آسيا الوسطى.<BR><BR>ويوجد الشيعة الإسماعيلية بالهند وبعض المناطق بنسب قليلة جداً، أما الشيعة الزيدية فيتركز تواجدهم في اليمن.<BR><BR>ويعتمد الشيعة في عقيدتهم على أن النبي محمدا _صلى الله عليه وسلم_ قد نص في حياته حسب ما يفهمونه من الأحاديث المتواترة والموثقة في حديث الغدير على أن الإمام والخليفة من بعده هو علي بن أبي طالب: فقد قال عليه وعلى آله الصلاة والسلام: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) واعتبروا هذا التعيين نصا وتبليغا من الرسول عليه الصلاة والسلام على خلافة الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه على جميع المسلمين بعد الرسول مباشرة. ويأخذ الشيعة بالمذهب الفقهي الجعفري الذي ينسب للإمام جعفر الصادق ؛ ونحن لسن بصدد التعريف بالمذهب الجعفري أو ما يسمى الشيعة ، بل المتعارف عليه عند المذهب الجعفري إنهم لديهم شخصيات معينة تسمى المراجع يتم تقليدهم أي إتباعهم في ما يقولون ، ومنهم آية الله الخميني والسيستاني ومحسن الحكيم والخوئي وغيرهم ، وبعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ، اعتبر الكثير من الشيعة إن هذه الثورة ستكون الدولة الشيعية الجامعة لكل الشيعة أينما كانوا من ناحية المرجعية والطموح المذهبي .<BR>والعراق من الدول المجاورة لإيران والذي فيه نسبة تكاد تبلغ الثلث من سكان العراق من المذهب الجعفري أو ما يسمى الشيعة ، وهناك العديد من العوائل العراقية تم تهجيرها في زمن الحكومة السابقة لإيران على إنهم من أتباع الجنسية الإيرانية ، ناهيك عن إن ما يسمى المعارضة العراقية قد وجدت من إيران ملاذاً لتحقيق أهدافها ضد النظام السابق، واليوم هذه المعارضة وصلت إلى الحكومات المتعاقبة على العراق منذ الاحتلال 2003 إلى اليوم ، وان أغلبية هذه العوائل الإيرانية المهجرة قد عادت إلى العراق مجدداً .<BR>هذه الأسباب وغيرها جعلت إيران تطمع بشكل أو بآخر بالعراق، وتظن أن العراق أصبح جزءاً لا يتجزء منها ،وهذا ما دفع حسين شريعتمداري (رئيس تحرير صحيفة «كيهان» الإيرانية ومستشار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي) في مقابلة أجرتها معه وكالة الأنباء الفرنسية الأسبوع الماضي إلى القول: «إن تقييمنا هو إن الولايات المتحدة لن تهاجم إيران. ليس بسبب الرئيس الأميركي جورج بوش بل لأنه ما زال هناك في الولايات المتحدة بعض العقلاء الذين سيمنعون بوش من الإقدام على ذلك». وتابع «إننا نسيطر كليا على الوضع في الشرق الأوسط وفي العراق>>.<BR>نعم قال: " إننا نسيطر كليا على الوضع في الشرق الأوسط وفي العراق" وقبل أن نتعرف على الأسباب التي قادت شريعتمداري إلى مثل هذا التصريح الخطير بخصوص العراق علينا أن نعرف مكانة هذا الرجل ومنصبه لأنها سوف تجعلنا نعرف انه يمثل من في هذه التصريحات .<BR>وشريعتمداري هو مستشار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي الحسيني الخامنئي (1939- ) وهو قائد الثورة الإسلامية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأحد المرجعيات الدينية الشيعية في إيران و لدى الشيعة في العالم الإسلامي على العموم . علي الخامنئي تولى العديد من المناصب المهمة منذ عام 1979 منها منصب نائب وزير الدفاع سنة (1979م)، ثم عين بعد ذلك مسئولاً عن قوات حرس الثورة الإسلامية، وبعدها اختير ممثلا لمدينة طهران في مجلس الشورى الإسلامي (1979م)؛ ثم أصبح في عام 1981م ثالث رئيس للجمهورية الإسلامية في إيران. <BR>وبرحيل آية الله الخميني في 3 حزيران (1989م) ، وضرورة اختيار قائد للثورة الإسلامية ،عقد مجلس خبراء القيادة جلسة طارئة لانتخاب قائداً للثورة ، ولم تمض عشرون ساعة على الجلسة حتى تمت مبايعة آية الله الخامنئي قائداً للثورة الإسلامية بأكثرية الآراء.<BR>ومن المهام الأساسية التي يقوم بها قائد الثورة والمزايا التي يتمتع بها ؛قائد الثورة الإسلامية له العديد من المزايا ، حيث يكون قائد الثورة الإسلامية ( أو "الولي الفقيه" رأس هرم النظام السياسي للدولة الإيرانية؛ و"قيادة الثورة" هي الجهة التي تحدد السياسات العامة للبلاد وأيضاً تشرف على سير السلطات الثلاثة في البلاد، إلا أن مجلس الشورى الإيراني هو الجهة المخولة دستورياً لسن القوانين والتشريعات، وتعد رئاسة الجمهورية الجهة المنفذة لتلك القوانين.<BR>لاشك إن إيران تعتقد إن شيعة العراق سيدورن في فلكها، وذلك للعديد من الأسباب منها :<BR>1- الاتحاد المذهبي بين الجانبين .<BR>2- وقوف إيران إلى جانب ما يسمى بالمعارضة العراقية خلال فترة حكم نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، ودعمها لجميع القوى المعادية لذلك النظام .<BR>3- الدعوة الإيرانية لتصدير المذهب الشيعي إلى عموم العالم وبالذات إلى منطقة الخليج العربي ، مما يجعل أتباعها يشعرون بشيء من الانتصار الطائفي المذهبي .<BR>4- قيام حكومة عراقية ذات أغلبية برلمانية ولائها واضح للجمهورية الإسلامية .<BR>5- وجود العوائل الإيرانية الشيعية المتنفذة في العراق بسبب الإمكانيات المادية الكبيرة لهذه العوائل .<BR><BR>ومهما تكن الأسباب فان واقع الحال في العراق لا يمكن أن يكون كما تتصوره إيران وذلك للأسباب الآتية :<BR><BR>1- عداء العراقيين لإيران بسبب قتل إيران لآلاف الشيعة العراقيين خلال الحرب العراقية الإيرانية بغض النظر عن أسباب ودوافع تلك الحرب .<BR>2- هناك نسبة كبيرة من الوطنيين من شيعة العراق على قناعة تامة بان المخطط الإيراني هو مخطط طائفي لا يمت بصلة للواقع العراقي وبالنتيجة فانه لا يعود بالفائدة على العراقيين .<BR>3- حالة الكره من العراقيين وحقدهم على ما يسمى المعارضة العراقية التي كانت في إيران سواء من قوات بدر أم جيش المهدي المعروف بولائه لإيران ، حيث كان سبباً لقتل المئات من العراقيين ثم رميهم بالطرقات من غير مبرر قانوني ولا شرعي .<BR>4- العديد من الأطراف العراقية تتهم للمخابرات الإيرانية بالوقوف وراء تفجيرات وقعت في العراق كانت الغاية منها إشغال أمريكا في العراق والمماطلة بالضربة المحتملة ضدها .<BR>ويمكن القول إن إيران لا يمكنها أن تنجح في العراق لان المشروع الإيراني سوف يعارض من قبل شيعة العراق من أبناء قبائل الجنوب العراقي الرافضة للاحتلال الأمريكية والتي تقف بوضوح ضد التدخل الإيراني في الجنوب العراقي ، وبالتالي فان على إيران أن لا تتوهم إن العراق سيكون ضمن سيطرتها لان نسبة الشيعة في العراق لا تتعدى ال33% حسب الإحصائيات الحكومية الرسمية قبل الاحتلال ، وان لا تتوهم بالنسب التي أعلنت بعد الاحتلال لأنها قبل غيرها تعرف كذب هذه الأرقام ، ثم إن الأطراف الشيعية الحكومية العراقية اليوم في موقف صعب حيث تشير التوقعات إلى انتهاء حكومة المالكي بل إن العديد من القوى السياسية تقول نحن لم ولن نعمل على إسقاط المالكي لان حكومته هشة ويمكن الضغط عليها بسهولة ؛ وكذلك فان القوى الشيعية فيما بينها الكثير من الانقسامات فهناك حزب الدعوة التابع للجعفري رئيس الوزراء العراقي الأسبق وحزب الدعوة التابع للسيد المالكي ، وكذلك التمرد الواضح على قيادة جيش المهدي والانقسامات المتكررة في هذا التيار والانسحابات الأخيرة لحزب الفضيلة وغيره كل هذه المؤشرات تجعلنا نميل إلى عدم إمكانية إيران السيطرة على الواقع والشارع العراقي .<BR>وعليه فإن على إيران ألا تتوهم في حساباتها ، وأن تعرف أن العراق ليس جزءاً منها بحال من الأحوال وأن شيعة العراق من العرب الأصليين سيقفون بوجه المخطط الإيراني التوسعي ، ولا يرضى أي احد سواء من شيعة العراق أو من غيرهم أن يكون العراق ساحة لتصفية الحسابات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.<BR><br>