لهذه الأسباب لن يكتسح الإسلاميون انتخابات المغرب!
24 شعبان 1428

في مارس 2006 توقع استطلاع للرأي أجراه المعهد الجمهوري الأمريكي حصول حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية المغربية المقررة يوم 7 سبتمبر الجاري 2007 على 47 % متقدما على حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال الأساسيين في الائتلاف الحكومي الحالي ، ومنذ ذلك الحين والمؤشرات تؤكد تقدم هذا الحزب الإسلامي الذي يوصف بـ (المعتدل) بالفعل وحصوله علي المركز الأول وتشكيل الحكومة .<BR>وزاد هذه التوقعات سخونة فوز حزب العدالة والتنمية التركي بأغلبية المقاعد في البرلمان التركي مرتين متتاليتين وتشكيله حكومة منفردة ، ما اعتبر استمرارا لموجة صعود أسهم الإسلاميين عموما في المنطقة العربية والإسلامية كما حدث في فلسطين ومصر والعراق ودول خليجية ، خصوصاً أن التجربة المغربية نادرة في سماحها بأحزاب إسلامية الجذور تعترف بدورها بدور "أمير المؤمنين" أو الملك المغربي .<BR>ولأن التجربة المغربية تختلف بداية عن التجربة التركية نتيجة عدم سماح نظام الانتخابات هناك بفوز أي حزب بنسبة تزيد عن 50% من المقاعد ، ومن ثم صعوبة انفراد الإسلاميين بالحكم ، كما أن هناك وضع مختلف للملك الذي يحكم كأمير للمؤمنين لا يتخطاه أحد أو يخالفه ، والأهم أهمية المغرب نفسه في الخريطة الإستراتيجية الأمريكية والغربية بما لا يسمح بصعود حزب إسلامي يعارض المصالح الأمريكية للخطر ، فمن الطبيعي أن نتوقع تجربة انتخابية فريدة من نوعها خصوصا في ظل تصاعد التفجيرات في المغرب العربي كله وتزايد نشاط القاعدة . <BR>وربما لهذا استبعد (الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي) سعد الدين العثماني اكتساح حزبه للانتخابات التشريعية المقررة الأسبوع المقبل بسبب "اعتماد نظام الانتخاب باللائحة والتعددية الحزبية في المغرب"، وقلل من مخاوف المتابعين للشأن السياسي المغربي من "اكتساح الإسلاميين" للساحة السياسية المغربية على غرار تجارب مماثلة عاشتها دول عربية وإسلامية في الجزائر ومصر وفلسطين .<BR>وأضاف العثماني "نمط الاقتراع باللائحة يخلق توازنا ثم أن التعددية الحزبية في المغرب لا تسمح أن يحقق حزب أكثر من 50 في المئة" ، وهو ما يعني أن هذا الاستطلاع (الأمريكي) ليس إلا تضخيما للأمور وربما تخويف أمريكي مبكر وتحريض علي الحزب الإسلامي بما يمنع صعود أسهمه أصلا وتكرار مأزق الغرب والأنظمة العربية الناتج عن صعود الإسلاميين في الدول العربية والإسلامية . <BR>ويشكل حزب العدالة والتنمية ثالث قوة سياسية في البرلمان المغربي المكون من 325 عضوا بعد حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال المهيمنين على الائتلاف الحكومي بعد أن حقق فوزا مهما في الانتخابات التشريعية في 2002 ، حيث فاز بـ 42 مقعدا عام 2002 ويتوقع الخبراء أن تزيد في الانتخابات الحالية 2007 إلى 63 مقعداً (حوالي 20% من المقاعد) ، فيما حصد حزب الاتحاد الاشتراكي 50 مقعداً في انتخابات 2002، مقابل 48 لصالح حزب الاستقلال، و55 مقعداً لاتحاد الحركات الشعبية مجتمعا ، و41 لصالح التجمع الوطني للأحرار .<BR>وقد اضطر الحزب الإسلامي إلى تقليص نسبة مشاركته في الانتخابات البلدية التي جرت في سبتمبر 2003 إلى 50 في المئة معللا ذلك بالحفاظ على المصلحة العامة للبلاد في ظل التخوف العالمي من الإسلاميين .<BR><font color="#ff0000"> لسنا إسلاميين ؟! </font> <BR>والأكثر غرابة أن الحملة لا تزال مستمرة لتخويف الشارع المغربي والسلطة من صعود الإسلاميين رغم أن النظام الانتخابي كما قلنا يمنع سيطرتهم علي الحكومة وحدهم ، ما دعا أمين عام الحزب – العثماني- لإطلاق عشرات التصريحات المهدئة مثل القول : "نحن نعتمد على المرجعية الإسلامية لكن لدينا في المغرب أمير المؤمنين وهو ضمانة وبالتالي ليس هناك أي تخوف" .<BR>ويزيد الحملة علي الحزب شدة أن بعض المناوئين للحزب يعتبرونه قريبا من فكر جماعة الإخوان المسلمين - بعكس جماعة وحزب الشيخ ياسين الأكثر تشددا مع السلطة والذي يقاطع الانتخابات – خصوصا في ظل تركيز الحزب علي فكرة المرجعية الإسلامية وفكرة المواطنة اللذان هما من مبادئ مشروع حزب إخوان مصر المعلنة . <BR>بل إن من يزور المقر العام لحزب العدالة والتنمية يلاحظ خلوه من أي إشارة أو علامة دينية، حيث يُكتفى بوجود شعار للحزب والعلم الوطني وخريطة للمغرب .<BR>كذلك يقول العثماني : "أنا لا أفضل استخدام مصطلح "إسلاميين".. نحن نستند أكثر إلى المرجعية الإسلامية، مثل المسيحيين الديمقراطيين، فنحن أصحاب فكر تحرري، ولكن ما نرغب في تحقيقه هو تطويق هذه السوق الحرة، فمشكلتنا الأساسية تتمثل في أن الانفتاح الاقتصادي يحتاج إلى إصلاح إداري وقضائي ونظام تعليم جيد، ومن ثم فنحن نحتاج إلى بنية تحتية وإلى أشخاص مؤهلين إذا أردنا جذب السياحة المربحة، وحتى الآن لم يتمكن المغرب من تحقيق كل ذلك".<BR>أيضا شدد العثماني – في جملة الحوارات الساخنة التي أجرها لتهدئة الهجمة ضد الحزب – على القول : "إن حزب (العدالة والتنمية) ليس حزبًا دينيًّا أو حزبًا مبنيًّا على أساس ديني، بل هو حزب سياسي وطني مؤسَّس على أساس المواطنة والانتماء الوطني، يفتح أبوابَه لكل مواطن مغربي يؤمن بمشروعه المجتمعي في إطار القانون الجاري به العمل، ويعمل بآليات وأدوات العمل السياسي، لكنه يعتز بكونه ينطلق في برامجه من المرجعية الإسلامية التي هي مرجعية المجتمع والدولة، وبالتالي فإن حزب (العدالة والتنمية) ليس حزبًا دينيًّا بالمعنى الذي يجعل منه تكتلاً بشريًّا أساسه الدين، وإنما أساسه المواطنة .<BR>واللافت أن العثماني لم ينكر وجود علاقة فكرية بين حزبه وجماعة الإخوان ، وقال: إن هناك مستويين لهذه العلاقة: المستوى الفكري والمستوى التنظيمي، ففيما يتعلق بالمستوى الفكري قال : "أننا نَهلنا من فكر الإخوان ونحن تلاميذ وطلبة من مدرسة الإخوان المسلمين وكتابات حسن البنا وسيد قطب ومحمد الغزالي ود. يوسف القرضاوي وغيرهم تأثرنا بهم، كما نهلنا أيضًا من مدارس متعددة ومتنوعة في العالم الإسلامي، إضافةً إلى مدارسنا الوطنية ، أما على المستوى التنظيمي فليس هناك أي علاقة بالإخوان المسلمين وبقيت حركتنا- سواءٌ حركة الإصلاح أو حزب (العدالة والتنمية)- مستقلةً عن أي هيئة خارجية حسبما قال. <BR><font color="#ff0000"> رئيس الوزراء المقبل إسلامي ؟ </font><BR>في ظل التوقعات بفوز العدالة المغربي بالمركز الأول سيكون من الطبيعي أن تطرح مسالة تشكيل حزب العدالة للوزارة المغربية المقبلة بعكس الحال حينما طلب منه المشاركة في حكومة عام 2002 وهو في المركز الثالث كشريك ثامن في الحكومة الائتلافية ، وهو ما اثأر التكهنات بقرب قدوم رئيس وزراء مغربي من حزب إسلامي لأول مرة بعد تداول الملكيين والاشتراكيين والليبراليين للوزارة علي مدار الأعوام الماضية .<BR>ولهذا أُطلق علي العثماني أو رئيس الحزب عبد الإله بنكيران لقب "رئيس وزراء المغرب القادم، خصوصا العثماني الذي ولد عام 1956م، من أصول أمازيغية بمدينة أنزكان في منطقة سوس بالمغرب، وبدأت علاقته بالحركة الإسلامية وهو لم يزل طالبًا في الثانوية باطلاعه على كتابات سيد قطب ورسائل حسن البنا، والذي ينظر له علي أنه صاحب مشروع انتقال الحركة الإسلامية إلى العمل الإسلامي والتحاقهم بحزب الحركة الشعبية الدستورية، الذي أسسه عبد الكريم الخطيب عام 1992م، بعدما رفضت السلطات تأسيسَ حزب الإصلاح والتجديد .<BR>والمشكلة أن رفض الإسلاميين المشاركة في الحكومة في السابق كان يعود لقناعة أن الحكومة ليس لها سلطة كبيرة مقارنة بسلطة الملك خصوصا أن من يشكلها غالبا عدة أحزاب مختلفة لا حزب واحد ويصعب عليها تنفيذ برنامج خاص بها ، وأن الأمر يحتاج إلي تغيير في النظام الانتخابي وتعديل في سلطات الملك .<BR>وسبق لحزب "العدالة والتنمية" إعلان تفضيله حدوث "تحول تدريجي لدور الملك" حتى لو كان هناك بعض المعوقات، وقد خاض حزب العدالة عدة نقاشات داخلية عام 2002 لمعرفة إذا كان عليه أن يشارك في الحكومة أم لا، ورأوا في هذه الفترة أنه من الأفضل أن يظلوا خارجها خصوصا أنهم جاءوا في المركز الثالث ، ولكن الآن لو فازوا بالمركز الأول فسوف يصعب عليه رفض تولي الوزارة والائتلاف مع غيرهم من الأحزاب.<BR>ومع ذلك فكل هذه تكهنات مبكرة بما سيجري ويبقي الحكم النهائي علي مستقبل الحزب الإسلامي في المغرب عندما تعلن النتائج النهائية ويتحدد من يشكل الحكومة المقبلة ، ولكن الحقيقة التي لا جدال فيها هي أنه لا اكتساح متوقع للحزب الإسلامي حتى ولو فاز بأغلب أصوات الناخبين لأن النظام الانتخابي لا يسمح له بغير 50% من الأصوات ، كما أنه حتى لو شكل حكومة فلن يكون وحده فيها ، ولن يقدر علي تنفيذ برنامجه وحده ، والأهم أن سلطات الملك ونفوذه ومكانته كأمير للمؤمنين سوف تقلص ليس فقط دور الإسلاميين تماما في الحكومة ، وإنما تقلص دور الحكومات ككل !<BR><br>