جزاء سنمار لعرب البوسنة
21 شعبان 1428

نعم هم ليسوا ملائكة، وهم من بني آدم يخطئون ويصيبون، لكن كل منصف يشهد لهم بالنخوة.. يثمن لهم نجدتهم للمسلمين، هبتهم يدافعون عن أعراض المسلمات العفيفات التي انتهكت من قِبل البرابرة الصرب الذين عاثوا في ربوع البوسنة والهرسك فساداً أوائل تسعينات القرن الماضي. <BR>كان الناس يفرون وهم أصحاب البلاد الأصليون إلى خارج البلاد ـ وهم معذورون ـ من الولدان والنساء والشيوخ، وحتى من الرجال المستضعفين الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.. وكانوا هم يزحفون في عكس الاتجاه لملاقاة المجرمين من الصرب والكروات..<BR>في العام 1993م بدأ مسلمون من شتى أنحاء العالم ومعظمهم عرب يتقاطرون على ترافنيك، البلدة البوسنية الصغيرة التي نبتت منها المقاومة غير البوسنية، ومنها انطلقت السرايا بادئ الأمر لتحرر مناطق واسعة من أراضي البوسنة مثل جورني فاكوف ودوني فاكوف وبيهاتش وسانسكي موست وغيرها، وفي ثالث عام لنفرتهم أضحى مقاتلو صرب البوسنة الشرسون في وضع صعب عندما حاصر الآلاف من المسلمين المتطوعين القادمين من عشرات الدول التي لا يعرف الإسلام حدوداً تفصلهم عن المسلمين المستضعفين في هضبة البلقان الصامدة، مدينة بانيالوكا التي يتخذ الصرب منها معقلاً لهم.. <BR>عاصمة صرب البوسنة حوصرت من قبل المتطوعين في العام 1995 وارتأت بلجراد أن تهدد المسلمين مباشرة برد عنيف وقاس والتدخل بشكل مباشر في الحرب (كانت بلجراد متورطة بالفعل في دعم صرب البوسنة وكان جنرالات جمهورية الصرب يوجهون عصابات صرب البوسنة وميليشياتها التي شكلت فيما بعد جيشاً قوياً سرعان ما بدأ يتأثر سلباً بقوة المسلمين الصاعدة التي انطلقت من خلفية دينية بعد أن شرع المسلمون في تشكيل جيشهم المستقل). <BR>أثناء الحصار فاوض البوسنيون الصرب والكروات عبر وسطاء لم يكونوا محايدين بطبيعة الحال، وخضع المسلمون الذين كان يقودهم سياسياً المفكر المسلم علي عزت بيجوفيتش، والذي كان يرأس رئاسة جمهورية البوسنة بعد استقلالها عن يوجوسلافيا في العام 1991، وضغط الغرب بقوة، بزعامة الولايات المتحدة على المسلمين من أجل إنهاء الحرب والحصار بعدما بدأت الكفة تترجح لهم.. <BR>كانت الأوضاع الميدانية تجري لصالح المسلمين، لكن السياسة لم تكن تدور عجلتها صالحهم، فانتصاراتهم أزعجت الغرب ووحدت بين الفرقاء، الصرب والكروات، وأضحى على المسلمين أن يتعاملوا مع الواقع الجديد من خلال إيقاف الحرب، ووقع الجميع برعاية أمريكية اتفاقية دايتون التي كان من أهم بنودها ترحيل المقاتلين المتطوعين القادمين من أكثر من ستين دولة إسلامية وغير إسلامية والبالغ عددهم نحو خمسة آلاف مقاتل. <BR>المقاتلون هؤلاء خلافاً لدول أخرى، كانوا أكثر انسجاماً مع الحكومة الشرعية في البلاد والتي كان يرأسها الأزهري حارث سيلاجيتش والتي كانت تأتمر بدورها بإمرة الرئيس البوسني المناضل علي عزت بيجوفيتش، ولم تكن خارجة عنه، وكانوا أيضاً أكثر انسجاماً مع الشعب البوشناقي المسلم، وحدثت بين القادمين والسكان مصاهرات أسهمت في تقبل الشعب لوجودهم بعد وقف إطلاق النار، وحفظت الحكومة البوسنية للقادمين الجميل، فالتفت على الاتفاقية بمنح كثيرين منهم الجنسية البوسنية وذاب كثير منهم في النسيج الشعبي بعدما صارت لهم أسراً بوسنية، ما ظل مثيراً لحفيظة الغرب والصرب على حد سواء.<BR>ولم يكن الصرب بأقسى ضغطاً على المتطوعين العرب وغير العرب من الأمريكيين الذين ألحوا على طردهم وتركهم يلقون مصير التشرد والملاحقة بتهم تتعلق بالإرهاب الذي صار الاتهام به مقصلة منصوبة وجاهزة لكل من انخرط في مقاومة احتلال في العالم الإسلامي..<BR>الضغوط ظلت تكبر ككرة ثلج متدحرجة على هضبة البلقان، واهتبل الغرب فرصة وفاة الرئيس البوسني المناضل بيجوفيتش وابتعاد سيلاجيتش عن مناطق النفوذ التزاماً بالاتفاقية التي تمنح الصرب والكروات حقوقاً تكاد تتساوى مع أصحاب الأكثرية القومية والدينية في البوسنة (المسلمين)، ليمارس مزيداً من الضغوط على المسلمين في البوسنة لطرد أولئك الذين كان لهم فضلاً بعد الله سبحانه في حقن دماء المسلمين والدفاع عن أرواحهم وأعراضهم وأرضهم وممتلكاتهم.. <BR>واليوم تأتي الأنباء تترا بقرارات سحب الجنسية من كثير من المتطوعين المسلمين؛ فقد أقدمت السلطات البوسنية الأسبوع الماضي على استصدار قرار ينزع الجنسية الممنوحة لكثير من غير البوسنيين الأصليين والبالغ عددهم لحد الآن نحو 450 مسلماً، تمهيداً لطردهم دونما اكتراث باستقرارهم في البوسنة وما يترتب على ذلك من ضياع نحو 1200 طفلاً هم أولاد هؤلاء العرب الذين تزوجوا من البوشناق، ويمارس حلف الأطلسي ضغوطاً شديدة على الحكومة البوسنية لبحث ملفات مئات المسلمين غير البوسنيين لاسيما العرب الذين أصبحوا ضيوفاً غير مرغوب في وجودهم لا في سهول البوسنة ولا هضابها برغم أنهم بخلاف غيرهم من المقاتلين العرب في البلدان الإسلامية أغمدوا أسلحتهم امتثالاً لرغبات الأكثرية المسلمة في البوسنة والهرسك. <BR>وبرغم انخراط المتطوعين في أنشطة سلمية سواء أكانت اقتصادية أم ثقافية أم خيرية إلا أنهم ظلوا هدفاً مطلوباً تصفية وجوده أو تفكيكه على أية حال.<BR>ليس هؤلاء موضع ترحيب في بلدانهم الأصلية في ظل انطباع خلفه عودة بعض من المقاتلين العرب من أفغانستان لممارسة أعمال عنف في بلدانهم، غير أن البوسنة والهرسك ليست كأفغانستان، والمقيمون فيها قد انخرطوا في أعمال مدنية فور وقف إطلاق النار، وفي غياب اتهامات مباشرة لهم بالإرهاب تصبح ملاحقتهم وطردهم من ثم مخالفاً لكل القوانين والأعراف الدولية وفقاً لمسؤولين مسلمين وقيادات دينية في البوسنة والهرسك أدلت بتصريحات لوسائل الإعلام في أعقاب صدور قرارات بطرد المئات من المتطوعين المسلمين في البوسنة والهرسك. <BR>المتطوعون لقوا جزاء سنمار على دفاعهم عن الأعراض والأرواح والأوطان، ويدفعون الآن ثمن نخوتهم تشريداً وملاحقة، ووقعوا في النهاية بين مطرقة الغرب وسندان بلدانهم التي ترغب في التخلي عنهم كـ"رعايا" غير مرعيين، أو تود لو تشارك الأطلسي الإمساك بسوط القهر. <BR><br>