حجاب "خير النساء" يدخل قصر الرئاسة التركي رغم أنف الجيش!
8 شعبان 1428

لم يبق سوى أقل من شهر ويدخل عبد الله جول (وزير الخارجية التركي) قصر شنقايا الرئاسي في تركيا كأول رئيس غير علماني وذي ميول إسلامية ، ومعه زوجته "خير النساء" بحجابها كأول محجبة تدخل قصر الرئاسة رغما عن أنف القادة العسكريين والعلمانيين بعدما سعوا لتعطيل هذا الأمر وأجبروا حزب العدالة على اللجوء لانتخابات مبكرة فاز فيها بالأجولبية مرة أخرى .<BR>فقد أصبح دخول "جول" وزوجته المحجبة (التي كلفت مصمم أزياء بتصميم حجاب يرضي العلمانيين!) لقصر الرئاسة ، مسألة وقت لا أكثر لأن حزب العدالة والتنمية يسيطر على 341 من جملة مقاعد البرلمان البالغة 550 مقعدا، وهو التي منحت لجول أصواتها في الاستفتاء الأول الذي لم ينجح في نقله إلى سدة الرئاسة لكنها رشحته للفوز في المرحلة الثالثة التي لا تشترط حصوله على أصوات ثلثي المقاعد وإنما فقط نصفها وهو ما ينتظر أن يتحقق في المرحلة الثالثة، فيما يستحوذ حزب الحركة القومية الذي وافق على حضور جلسة البرلمان للتصويت على اختيار جول على 70 مقعداً وهو ما يعني أن حضور الحزبين فقط خلال جلسة التصويت الأولى يؤمن أكثر من نسبة الثلثين (وهي 367 مقعدا) اللازمة لانعقاد الجلسة واختيار الرئيس من الجولة الأولي، وهو ما لم يحدث كما تقدم حيث لم يصوت الحزب لمصلحة جول.<BR>أما معارضة الجيش لجول أو لزوجته المحجبة واحتمالات أن يقاطع قادة الجيش جول كرئيس جديد للبلاد فأمر غير وارد، وجول نفسه قال ردا على سؤال عما إذا كان قادة الجيش سيضعون مسافة بينهم وبينه إذا ما انتخب لأنه سيصبح في هذه الحالة القائد الأعلى للقوات المسلحة بالقول : "هذا غير وارد على الإطلاق، لقد عملت مع الجيش بشكل وثيق من خلال عملي كوزير".<BR>وتثير مسألة دخول "خير النساء" لقصر الرئاسة الكثير من الجدال.. صحيح أنها ليست هي زوجة أكبر مسئول تركي ترتدي الحجاب ، لأن زوجة رئيس الوزراء أيضا ترتديه ، كما أن زوجات 235 نائبا (من 550) في البرلمان الجديد المنتخب في 22 يوليو 2007 هن من المحجبات استنادا إلى إحصاء أجرته صحيفة "حرييت" ، ولكن دخولها هي قصر الرئاسة له مذاق خاص.<BR> ففي عام 1998 رفعت "خير النساء" ـ هذا اسمها ـ زوجة "عبد الله جول" دعوى قضائية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد الحكومة التركية، مع أخريات، لرفض الحكومة دخول المحجبات للجامعة، وبالتالي رفض التحاقها في كلية الآداب بجامعة أنقرة لأنها محجبة، والآن بعدما أصبح زوجها قاب قوسين أو أدنى من تولي رئاسة الجمهورية التركية ستدخل "خير النساء" ليس فقط الجامعة بالحجاب، ولكن قصر الرئاسة! .<BR>وقد أصرت زوجة جول على رفع القضية مرة أخري أمام المحكمة رغم أنها أصبحت حينئذ ـ عام 2002 ـ زوجة لرئيس الوزراء "جول"، وقبل أن يتولى أردوغان رئاسة الوزارة خلفا لجول، والتي تشكو فيها حكومة تركيا لرفضها الموافقة على التحاقها في كلية الآداب بجامعة أنقرة لأنها محجبة، وذلك بالرغم من الامتيازات والإمكانيات المخصصة لها بوصفها زوجة لرئيس الوزراء!!<BR><font color="#ff0000">زوجة قائد الجيش.. محجبة؟!</font><BR><BR>وأكثر ما يثيره وصول زوجة محجبة لقصر الرئاسة التركي لأول مرة منذ هدم الخلافة الإسلامية العثمانية، هو أن رئيس الجمهورية في العرف السياسي التركي هو قائد الجيش، ولأن الجيش يرفض بقوة السماح بالحجاب، كما أن الرئيس الحالي "نجدت سيزر" الذي انتهت فترة ولايته في 12 مايو الماضي رفض دعوة زوجات قادة حزب العدالة المحجبات لقصر الرئاسة، كما أن زوجات ضباط الجيش ليسوا محجبات، فسوف يكون تحجب زوجة جول هنا ضربة للتقاليد العلمانية التركية من جهة، وغزوا إسلاميا للقصر الرئاسي يغضب العلمانيين بشدة.<BR>فالسيدة "خير النساء" زوجة جول شأنها في ذلك شأن زوجة رئيس الوزراء "أمينة إردوغان" تضع الحجاب الذي يثير استياء العلمانيين، وسبق منعها من دخول قصر الرئاسة في الحفلات الرسمية كزوجة لمسؤول، أما وقد أصبحت زوجة رئيس الجمهورية نفسه فقد أصبح السؤال بين العلمانيين الأتراك هو: كيف يمكن لرجل تضع زوجته الحجاب أن يصل إلى أعلى منصب في دولة علمانية؟ <BR>بل إن وصولها لأعلى منصب يفتح باباً للتساؤل مرة أخرى: هل يسعى حزب العدالة والحكومة للاستقواء بهذا الموقف الجديد في تخفيف حدة القوانين التركية التي تمنع المرأة من دخول الجامعات بالحجاب؟ خصوصا أن "إردوغان" يبدي منذ وصول حزبه إلى السلطة عام 2002 رغبته في تليين القانون المتعلق بالحجاب لكن بدون أن يتمكن من ذلك بسبب معارضة المؤسسة العلمانية وبينها الجيش، التي ترى في الحجاب رمزاً واضحاً على تدخل الدين في السياسة، كما أن تمرير مثل هذه القوانين بات سهلا في ظل وجود رئيس وزراء ورئيس دولة من حزب ذي توجه إسلامي!<BR>ومع أن مؤرخين يرون أن "خير النساء" لن تكون هي أول سيدة تضع الحجاب في القصر الرئاسي، باعتبار أن "لطيفة اوساكي" زوجة مصطفى كمال أتاتورك كانت تغطي شعرها في البداية عند تأسيس الجمهورية في العام 1923 لكنها خلعت الحجاب مع بدء الإصلاحات العلمانية، فلا شك أن حجاب خير النساء يختلف عن تغطية شعر زوجة أتاتورك، وسيكون له مغزى سياسي كبير على الحياة السياسية التركية مستقبلا.<BR><font color="#ff0000">هل يصمت الجيش؟</font><BR><BR>واللافت هنا أن اختيار حزب العدالة لـ "جول" – للمرة الثانية- جاء بمثابة "ضربة معلم"، إذ أن معارضي ترشيح اردوجان ركزوا أيضا على "الرموز الإسلامية"، وهو هنا الحجاب، وأعلنوا أنهم يرفضون أن تحصل "أمينة" زوجة أردوغان، التي ترتدي الحجاب الذي يعتبره معظم العلمانيين رمزا لتدخل الدين في السياسة، على لقب السيدة الأولى في تركيا .<BR>ولكنهم نسوا أن خليفته في المنصب جول زوجته أيضا محجبة، وزوجات غالبية قادة الحزب، ومن ثم فسيكون من الصعب معارضة كل مرشحي الحزب لمنصب الرئيس خصوصا أنه الحزب الذي يحظى بأغلبية مقاعد البرلمان، و"جول" سيصبح بالفعل هو الرئيس الحادي عشر لأن حزب العدالة يحظى بأغلبية مقاعد البرلمان الذي سيختار الرئيس.<BR>بل إن هذا التحرك الذكي لحزب العدالة يسعى للاستفادة كذلك من شروط انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي في لجم الجيش عن القيام بأي انقلاب مباشرة كما فعل عامي 1960 و1980، أو حتى يضغط على الحكومة لتقديم استقالتها كما حدث في 1971 و 1997 في الحالات التي استشعر فيها خطر تقويض مبادئ العلمانية التركية.<BR>إن ما يزيد قادة الجيش كمدا وغضبا أن قادة العدالة أكثر "ذكاء" من الإسلاميين السابقين مثل جماعة أربكان وغيره التي سبق أن دك الجيش التركي العلماني عظامها، فهم يظهرون الولاء للقيم العلمانية الأتاتوركية علنا، ولكنهم يسعون لتغليفها بقيم الحريات والعدالة والمساواة الغربية بما يسمح للقوي أو الأنشطة أو المظاهر الإسلامية أن تتحرر من قبضة التمييز العسكري ضدها.<BR>كما يتحركون بهدوء ويقدمون إنجازات اقتصادية للأتراك في بلد اشتهر بالفساد السياسي والاقتصادي، تثير إعجاب الشعب الذي أعطاهم في الانتخابات البلدية عام 2004 أصواتا أعلى من تلك التي جاؤوا بها للحكم في الانتخابات التشريعية 2002، ما فتح الطريق أمامهم للوصول لأعلى سلطة وهي الرئاسة!<BR>ولا يعني هذا أن قادة الجيش سوف يصمتون على هذا الأمر ، فهناك تكهنات لا تزال تسري تتخوف من قيام الجيش بانقلاب لمنع "جول" من دخول الرئاسة أو على الأقل اختلاق المشكلات له ولزوجته كي يتنحى ، خصوصا أنه قائد الجيش رسميا ، ومفترض أن يوقع مثلا على قرارات عزل ضباط كل تهمتهم أن زوجاتهم محجبات مثلا ، كما أنه جول سيكون مضطرا لقبول خطط لقادة الجيش تتعارض مع توجهات حزبه القديم العدالة ، والأهم أن هناك من يراهن على خلاف بين جول وإردوغان بحيث يتحولان لأعداء مستقبلا لصالح الجيش والعلمانيين!<BR>وبعيدا عن دخول جول قصر الرئاسة "شنقايا" وانتصار زوجته المحجبة خير النساء على كل محاولات العلمانيين منع الحجاب وحرمانها من دخول الجامعة بالحجاب ، تجدر الإشارة لمغزى هام من معركة الحجاب هذه يتلخص في أن العدالة نجح ضمنا في تطويع فكرة العلمانية – رغم التنازلات الضرورية- لصالح تنفيذ برنامجه ، والتركيز على الجانب الذي يروج له العلمانيين الخاص بأن العلمانية تعني التقدم والحرية والديمقراطية ، بحيث أصبحوا في مأزق يمكن أن يظهروا في صورة غير الديمقراطيين لو هم اعترضوا على تولي رئيس منتخب ديمقراطيا للحكم وعلي حجاب زوجته الذي هو أحد مظاهر الحريات الشخصية التي يدعون لها .<BR><BR><font color="#0000FF"> أما خلاصة تجربة "جول" وزوجته ومن قبله حزب العدالة مع العلمانيين وأنصار قمع خيارات الشعوب ، فهي تعتبر بالتالي درسا هاما لكل القوي الإسلامية بأن تصر على موقفها وتجتهد ولا تيأس ،وتصبر وتتمسك بالحق ، وتحارب أعداءها بنفس السلاح الذي يحاربونها به .. وسوف تنتصر في النهاية !.</font><BR><br>