مقاربة لاستراتيجية "مواجهة" فكرية مع الغرب
3 شعبان 1428

تفضي كثير من المحاولات الإسلامية الرانية إلى إيجاد استراتيجية موحدة للتعامل مع الغرب، إلى إخفاقات أو انسدادات تحول والوصول إلى نهاية المشوار في التعاطي مع مفردات التغريب، إذ لربما كان الأقدمون أوفر حظاً في معالجة مساعي منطقة أوروبا وما أفرزته في قرونها الأخيرة من دولة عظمى هزت أركان العالم في جنباته الاقتصادية والسياسية والعسكرية والقيمية، فحيث يكون التأثير عسكرياً بالأساس، وتتخلف الجوانب الأخرى من الصراع، أو العدوان ـ للدقة اللفظية والحقيقة الواقعية ـ؛ تصبح المكافحة أيسر.. بيد أننا في هذا العصر نعاين تأثيرات أكثر جرأة في الاختراق من الصعيد الحربي على قوته التدميرية المتنامية، تتجسد في الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية، وتلك الأخيرة لها مفردات عديدة، تعبر عنها ولا تختزلها، لعل من أبرزها الجانب الفكري التغريبي الصاعد. <BR>ثَم، مطلوب تفكير مكافئ في مناهضة الاستغراب الفكري يتماهى مع قدرة "الآخر" على تبديل آلياته وتطوير أدواته الفكرية، وهذا التفكير يعوز قدراً أعلى من الترتيب والتحضير من أجل تهيئة المناخ لإيجاد إستراتيجية ناجعة في المواجهة أو المجادلة الفكرية مع الغرب. <BR>من أجل ذلك، أقيمت في أحد فنادق القاهرة في الرابع عشر من أغسطس الحالي ورشة عمل برعاية المركز العربي للدراسات الإنسانية وتهدف للتخطيط لإستراتيجية لمواجهة الغرب فكرياً، عبر برنامج مقترح شارك في صياغة بعض توصياته نخبة من المفكرين والإعلاميين الإسلاميين، بغرض تحويل جملة الأفكار المقترحة إلى إستراتيجية متكاملة للمواجهة مع الغرب. <BR>في الجملة، سعى المشاركون في الورشة إلى أن يحددوا مفهوماً محدداً عن "الذات" أو "نحن" التي توجه الإستراتيجية لفائدتهم، وبطبيعة الحال فقد تنوعت الآراء حول هذا المفهوم، لكن لافتات إجمالية قد تم إقرارها مبدئياً من المساهمين في ورشة العمل أمكن لها أن تعبر حدود الاختلاف إلى تدوين ما من شأنه أن يمثل نقاط التقاء وأسس يمكن البناء عليها مستقبلاً من دون أن تدعي احتكار الصواب أو تبالغ في افتراض واقعية التطبيق واحتمالات تنفيذه، وقد اختزلت جملة من الأفكار الكثيرة في نقاط صاغها نائب رئيس المركز د.باسم خفاجي فيما يلي: <BR>1- <font color="#0000FF">مفهوم القيادة وبناء دعم مؤسسات الأمة القيادية. </font><BR>وقد أفرزت السجالات النقاشية جملة من المقترحات لمشروعات تتكامل لتبني هذا الركن من الاستراتيجية المأمولة، هي: <BR>• إعداد قاعدة بيانات للمؤسسات القيادية. <BR>• لجنة لتنسيق مشروع المواجهة.<BR>• مؤسسة لتطوير المهارات القيادية للدعاة والمفكرين.<BR>• بناء شبكات من المؤسسات القيادية. <BR>• إنشاء موقع الكتروني يتبنى مقالات تحشد في مجال مواجهة الغرب فكرياً.<BR><BR>على أن مصطلح "القيادية" لم يحظ بإجماع حول صياغة تعريف محدد له، ومن الطبيعي أن تعوزه دراسة علمية لتحريره مبنى ومعنى. <BR>2- <font color="#0000FF">صياغة المنظومة الفكرية. </font><BR> وقد ثار النقاش فيها حول مضمون المنظومة ومعايير بنائها، والمشروعات التي طرحت في تلك الإستراتيجية هي: <BR>• إيجاد معرفية منهجية متكاملة لمشروع المواجهة. <BR>• إنشاء مؤسسة للتأصيل الإسلامي للعلوم الإنسانية وتحفظ البعض حوله مأخوذ إلى جدلية قديمة لم تحسم حول موضوع أسلمة المعرفة و التأصيل الإسلامي للعلوم الغربية.<BR>• تنفيذ الموسوعة المعرفية لاجتهادات العلاقة مع الغرب<BR>• إنشاء مؤسسة لتفعيل التواصل مع قادة الغرب ( قاد الفكر والرأي) <BR>• تكوين حلقات نقاشية لتحاور العرب مع بعضهم. <BR>3- <font color="#0000FF">تحصين الأمة فكرياً وحماية هويتها: </font><BR>.. والمشروعات التي اقترحت هي:<BR>• دورات تدريبية للتأكيد على مكامن القوة في الأمة.<BR>• دورات تدريبية للتأكيد على مهارات التعليم.<BR>• التأكيد على قدرات الأمة باستخدام وسائل إعلامية معاصرة. <BR>• إحياء فكرة الصالونات الثقافية.<BR><BR>وقد تضمنت الورشة 7 عناوين رئيسية كأركان لهذه الاستراتيجية غير أن جزءاً منها قد أرجئ إلى وقت لاحق. <BR>وقد تأسست التوصيات الصادرة عن الورشة على قاعدة تحمل الأمة لتنفيذ مثل هذه الاستراتيجية برغم الضعف الذي يعتري الأمة الإسلامية والذي حصره الحضور بـ"ضعف الوازع الديني – المشروع العلماني – الفساد – التخلف العلمي – الفقر في معم المناطق الإسلامية – الفردانية في السلوك الإسلامي – عدم حمل الهم – غياب الرأس- غياب الجهاد هشاشة الوضع الاستراتيجي – عدم توظيف السنن الربانية- التجزئة"، نظراً لما تتمتع به في المقابل من نقاط قوة يمكن الارتكان إليها، وقد رصدتها الورشة في كون هذه الأمة: " صامدة – صاحبة رسالة – رصيد قيمي – معية الله- الموارد الاقتصادية – عالمية الخطاب – تشريع متكامل – العنصر البشري- الاستعداد للتضحية – المقاومة الإسلامية- العاطفة للدين – الخبرة التاريخية".<BR><BR>وقد أقيمت الورشة بالترافق مع فعاليات <a href= http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_report_main.cfm?id=1109 target=_blank> للتعريف بالعدد الرابع من التقرير الاستراتيجي الصادر عن مجلة البيان السعودية (والذي قد تم نشر استعراض له بالموقع قبل أسابيع)</a>، وتقويمه، من خلال ورشة عمل للعمل على تطويره والإفادة من رؤى المساهمين في الورشة، وقد تعددت المقترحات الرامية إلى تطويره وتجنب أي سلبية قد تكون رافقته في السابق. <BR>وكذلك، تم التعريف بالتقرير وتوسيع النقاش حوله خلال مؤتمر صحفي أقيم في فندق بالعاصمة المصرية، احتشد فيه نحو مئة إعلامي ومهتم بالشأن العام من مختلف الأطياف والألوان السياسية استمعوا أثناءه إلى كلمة د.جعفر شيخ إدريس (رئيس الهيئة الاستشارية للتقرير)، والأستاذ أحمد الصويان (رئيس تحرير كل من التقرير الاستراتيجي ومجلة البيان).<BR>وقد أكد د.جعفر خلال كلمته على أهمية مثل هذه التقارير لاستشراف المستقبل، لافتاً إلى ضرورة عدم تحميلها أكثر من طاقتها ودورها بالأمل فيما ليس من شأنها أن تقوم بها، مستهجناً فكرة أن يحدث تقرير واحد نقلة هائلة في "خلق" وعي شامل للأمة الإسلامية، مذكراً بأن الحاجة تزداد تأكداً لصدور تقارير استراتيجية تفيد منها الأمة كلما اقتربت بنيات العالم واقتربت اتصالاته، منبهاً إلى أن الله سبحانه وتعالى أرسل رسولاً واحداً خاتماً، ولم يرسل رسلاً مختصين بالدول المختلفة كل على حدا.<BR>ومن جهته، شدد الأستاذ الصويان على أهمية صدور مثل هذه التقارير الاستشرافية للمستقبل استناداً إلى قوة الأمة ذاتها وكونها قد صارت رقماً لا يمكن تجاوزه أو القفز عليه. <BR>وقد أبدى الأستاذ الصويان انفتاحه على جميع الأفكار البناءة بما فيها تلك الناقدة ما دامت تصب في خانة الإصلاح، وتسعى للتسديد.<BR>في الجملة، بدا الاهتمام متنامياً بقضايا الاستراتيجية ودراساتها من خلال تلك الفعاليات التي استمرت على مدى يومين أثرت فيها مداخلات وكلمات وتعليقات المشاركين فيها من بعض قادة الرأي والإعلاميين بما يمكن البناء عليه سواء على صعيد تطوير الدراسات الاستراتيجية بوجه عام أو وضع استراتيجية محددة في التعامل مع الغرب. <BR>ويبقى أن هذه المقاربة المعرفية هي محض محاولة واجتهاد محدود له ما بعده، أو ينبغي له أن يكون له ما يترتب عليه، وحسبها أن تكون حجراً يلقى في ماء راكد ليشحذ همماً نحو التفكير الاستراتيجي القادر على تحليل الأزمات بدقة وتوجيه دفة العقل العربي النخبوي إلى منطقة الوعي، أو حسبها أن تكون لبنة في بناء فكري يعلي من قيمة التفكير ويسمح بمساحات واسعة من الاختلاف الصحي المفضي إلى تنوع الرؤى وتساندها.. يحترم الآخر من الأصدقاء قبل أن يحترم "الآخر" من الخصوم.<BR><br>