سودانيون في "إسرائيل" .. خرق الأمن القومي العربي مستمر!
18 رجب 1428

لماذا يذهبون لـ"إسرائيل" لا مصر ؟ لماذا تشجعهم "إسرائيل" بتسهيل مرورهم عبر الخط الحدودي ؟ ما هو المغزى من التوقيت والحفاوة الإعلامية ببضع مئات من السودانيين من الجنوب ودارفور اخترقوا الحدود المصرية وهربوا صوب فلسطين المحتلة؟ لماذا لم تمنعهم قوات الاحتلال الصهيوني على الحدود وهي التي تشكو مصر دوما بمزاعم أنها لا تحكم السيطرة على الحدود ؟ ولماذا مرة أخري يفتحون أذرعهم لهؤلاء اللاجئين السودانيين ويرفضون دخول اللاجئين الفلسطينيين أصحاب الأرض ، ثم يصورون هروبهم من السودان على أنه نتيجة صراع بين العرب البيض والسود الأفارقة ليشوهوا صورة السودان ؟ . <BR>الأمر الذي لا جدال فيه أن تشجيع الدولة الصهيونية لهجرة قرابة 3000 سوداني إلى "إسرائيل" – حسبما قدرهم وزير الداخلية السوداني الزبير بشير طه – وتسرب هؤلاء المهاجرين من مصر ، التي كانت تمثل جنة السودانيين ، إلي الدولة الصهيونية هو بمثابة خرق آخر خطير للأمن القومي العربي ، ليس فقط لأن أراضي العرب باتت طاردة لبعض بني جلدتهم فيلجؤون منها لدولة العدو الصهيوني التي شارك السودانيون في حربها أبان الحروب العربية السابقة ، وإنما لأن أطرافا دولية ستستخدم هذه الورقة ضد العرب .<BR>حتى فترة ما قبل التسعينات من القرن الماضي ، كان السودانيون يشدون الرحال إلي مصر في العلاج والزواج والتجارة والتعليم ، ولم تكن جامعة مصرية تخلو منهم حتى أصبح كل سوداني يحفظ مصر في قلبه ، بيد أن الحال انقلب منذ التسعينات ولا يزال يتدهور تارة بسبب الخلافات التي نشأت بين حكومة ثورة الإنقاذ بزعامة البشير ، وحكومة مصر عقب اتهام السودان بالوقوف وراء محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس مبارك في إثيوبيا عام 1995 ، وتارة بسبب إلغاء مصر التعليم المجاني للسودانيين في مصر وفرض رسوم باهظة ، بجانب التضييق الأمني ما أبعد السودانيين عن مصر تدريجيا .<BR>ومع الوقت أصبح الجيل الجديد من السودانيين لا يعرف مصر تقريبا لأنه لم يدرس بها أو يزورها ، صحيح أن الوضع تحسن الآن نسبيا ، ولكن لا تزال هناك قيود على حركة أبناء البلدين لبعضهما البعض ، ولهذا لا نستغرب ألا تكون مصر هي وجهة هؤلاء الـ 3000 سوداني الذين نزحوا للدولة العبرية ، وأن تتحول (مصر) لمجرد محطة ترانزيت لهم ينتقلون منها لـ"إسرائيل".! .<BR>وما يزيد الأمر التباسا أن السودانيين الذين لجؤوا لـ"إسرائيل" 40% منهم لاجئون من جنوب البلاد، و35% من دارفور و25% من منطقة جبال النوبة ، وهم سودانيون معارضون يشكون من التهميش في بلادهم ، وفي الدول العربية التي يلجؤون إليها ، وبالمقابل تلعب منظمات الإغاثة التبشيرية الغربية دورا خبيثا في تنفير هؤلاء اللاجئين من بلادهم وإقناعهم بالسفر لـ"إسرائيل" ! <BR><font color="#ff0000">الصيد في الماء العكر</font><BR>ويبدو أن "الإسرائيليين" – يساندهم الغرب – يهدفون بهذه العملية للصيد في الماء العربي العكر ، ويسعون للاستفادة من أزمات السودان الداخلية في تعميق الهوة بين أبناء السودان وتأجيج الفكرة التي تلعب عليها منظمات الإغاثة الأوروبية التبشيرية ذات الخلفية الاستخبارية المتعلقة بتصوير ما يجري في السودان على أنه صراع بين الجنس العربي في الشمال والأفارقة في الجنوب والغرب والشرق ، رغم أنهم كلهم تقريبا مسلمون ، ولكن الهدف هو تفتيت السودان وتوجيه ضربة قاصمة للأمن القومي العربي .<BR>والغريب أن ما يجري للسودان هو نفس ما جري للعراق من تفتيت وضرب لقوة حربية عسكرية عربية كانت تمثل رقما في معادلة الصراع العربي الصهيوني لصالح الجانب العربي ، والآن حولها الأمريكان والصهاينة لعبء على الأمن القومي العربي ومصدر لأزمات طائفية وعرقية لباقي البلدان العربية المجاورة !<BR>وربما لهذا اتهم وزير الداخلية السوداني الحكومة "الإسرائيلية" بتسويق مشكلة اللاجئين السودانيين إعلامياً بغرض مزيد من الإساءة إلى سمعة السودان ، وقال إنه متأكد من أن "إسرائيل" تشجع هذه الظاهرة لخلق ميلودراما، وكشف عن أن هناك شركات تعمل في تجارة الأشخاص ضالعة في صناعة الحروب تجبر قطاعات واسعة من السكان على الهجرة من بلادهم ليكونوا فريسة رخيصة لمن يستثمرها .<BR>فمع أن الدولة الصهيونية تقوم بترحيل أي متسلل عبر الحدود مع مصر للقاهرة مرة أخرى ، فقد أعلن ايهود اولمرت أن "إسرائيل" ستستوعب اللاجئين السودانيين الذين لا يستطيعون العودة إلى وطنهم، خصوصاً لاجئي دارفور لأنه "وفقا لتعريف الأمم المتحدة ، فإن ما يجري في دارفور هو إبادة جماعية ، وعلينا مساعدة اللاجئين" حسبما قال !<BR>وواضح أن الهدف الصهيوني يسعى للعب بهذه الورقة ضد السودان لعدة أهداف ، أحدها هو الضغط على السودان كحكومة بهدف التطبيع، خصوصا أن مسؤولين سودانيين سبق أن أكدوا أنه تردهم إشارات عبرية بالتطبيع مقابل أن تلعب تل أبيب دورا في تخفيف الضغط عليهم .<BR>أما الهدف الصهيوني الثاني فهو اللعب بهذه الورقة لإظهار نفسها بمظهر إنساني والتغطية على جرائمها ضد الفلسطينيين بالإيحاء للعالم أنها تدين عمليات الاضطهاد المزعومة في دارفور، وعمليات الإبادة .<BR> والهدف الثالث أخطر ويصب في خانة الأهداف الاستخبارية الصهيوني التي تسعي للتلاعب بشفرة النسيج الاثني المتين في دارفور والسودان وأفريقيا عموما لنشر التفتت والانقسام بما يسمح لها بالتوغل هناك ، وسبق للأمم المتحدة وعبر تقرير سري ، جري نشره في العام المضي 2006 أن أشارت إلى وجود أصابع إسرائيلية في تأجيج النزاعات الأهلية في إفريقيا بمد الأطراف المتنازعة – وهو أمر محظور دولياً – بالأسلحة المختلفة، وإيقاد الفتن وتعميق التناقضات في المجتمع الواحد، حتى تقع مواجهات دامية تعكر صفو الأمن والاستقرار . <BR>وهناك هدف أخر هو السعي لتصوير الأوضاع في دارفور بأنها حملة إبادة جماعية وتطهير عرقي، كي تعيد للأذهان مأساة الشعب اليهودي المزعومة وما يعرف بالهولوكوست لتقول للعالم أن المسلمين يمارسون ذات ما مورس معهم كيهود على بعضهم البعض ، وهذه الهدف هو ما حرك الكونجرس الأمريكي والأوروبيين بشكل أكبر تحت ذريعة ما يسمى الإبادة الجماعية .<BR>إن ما يجري للسودان حاليا هو نفس ما جري للعراق ، وبينما انفرط عقد العراق وأصبح لجوء العراقيين – وفق تصنيفهم العرقي – للدول المختلفة يرتبط بالدين أو العرق ، يجري على نفس الطريق القذر تشجيع اللاجئين السودانيين على الهجرة إلي "إسرائيل" ومنها أحيانا لبعض الدول الأوروبية لتعضيد فكرة الإبادة الجماعية والتمهيد بالتالي لتدخل دولي عسري غربي هناك يؤدي لعرقنة السودان .<BR>والحل بسيط ولا يحتاج سوي لفتح الأبواب العربية أمام هؤلاء اللاجئين أو أي لاجئين عرب وإلغاء الحدود المصطنعة ووقف التأشيرات بين الدول العربية ، والأهم استيعاب هؤلاء الغاضبين أو المحتجين بدلاً من أن يقعوا فريسة في أيدي الصهاينة أو الغرب .<BR><br>