استراتيجية بوش ضد الإرهاب..حمق أم حنكة؟
3 رجب 1428

من يستمع لأهداف إستراتجية بوش المعلنة ضد الإرهاب المتمثلة بنشر الحرية والديمقراطية وحماية العالم الحر من قوى التعصب والظلام ويقارنها بما ينبثق عن هذه الإستراتجية في أي مكان تتدخل فيه الإدارة الأمريكية أو يتنامي فيها نفوذها من نتائج معكوسة يقع في تساؤل وحيرة حول ما يشاع عن وجود الكثير من مراكز البحوث التي تستعين بها الإدارة الأمريكية في صنع استراتجياتها وتطبيق سياساتها في التعامل مع العالم.<BR> قراءة سريعة في سياسة الإدارة الأمريكية في الأيام القليلة الماضية ومقارنتها بأهداف بوش توقع المرء في تساؤل كبير مفاده هل حقيقة أن الأهداف التي يروج لها بوش بشكل دائم هي حقيقة ما يريد تحقيقه وهذا تساؤل مشروع، أم أن الخلل في توصيات مراكز البحوث التي تستعين بها الإدارة الأمريكية وهذا غير محتمل<BR>فالإعلان عن تعيين رئيس للقاعدة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) بالتزامن مع حديث للبيت الأبيض عن توسع وتمدد نشاط القاعدة في شمال أفريقيا بشكل كبير يلقي بظلال كثيفة حول أهداف هذه القاعدة العسكرية.<BR>ثم مباركة وزير الخارجية الأمريكية "رايس" للمجزرة التي ارتكبها الرئيس الباكستاني بحق طلاب وأساتذة المسجد الأحمر، والذي بلغ عددهم كما أوردت بعض التقديرات قرابة الألف فرد والتي ظهرت على أثرها السيارات والأجساد المفخخة في كل مكان من باكستان ولم تكتف الإدارة الأمريكية بتجاهل ما حدث بل أبدت تأييدها للرئيس برويز مشرف لتصب الزيت على النار ولتزكي النار المشتعلة بين الإسلاميين ومشرف مقدمة ذريعة جديدة لهم في اتهام مشرف بالعمالة للأمريكيين.<BR>أو قبلها مباركة الولايات المتحدة الأمريكية لقرارات الرئيس الفلسطيني محمود عباس الانتقامية من حركة المقاومة الإسلامية حماس وتحريضه عليها بل وحثه على استئصالها في الوقت الذي يؤكد جميع المراقبين من سياسيين وعسكريين أن لا حل للأزمة الفلسطينية المفتعلة إلا بالحوار من جديد بين فتح وحماس حتى أن الوزير الإسرائيلي ليبرمان المعروف بحقده على الفلسطينيين والعرب عموما شكك في نجاح الرهان على عباس في القضاء على حماس الأمر الذي يعني أن الهدف ليست تقوية شرعية عباس بل ضرب الفلسطينيين بعضهم ببعض واستنزافهم طويلا لإجهاض المقاومة بعد تشويهها مع إبقاء النار في الداخل الفلسطيني مشتعلة<BR>وقبل هذا وذاك السخاء غير البريء على الحكومة اللبنانية بإمدادها بالسلاح مع بداية أزمة نهر البارد والإيحاء أمام الرأي العام أن القضية تهمها أكثر من أي دولة أخرى لدرجة حاولت فيها تشجيع المعارضة وان بشكل غير مباشر على الإيغال في اتهام حكومة السنيورة بأنها أداة أمريكية لتصب الزيت على النار ولتزيد الشرخ أكثر فأكثر داخل لبنان ، وجميعنا يتذكر كيف أن الولايات المتحدة أعطت إسرائيل فرصة ووقت أطول لإكمال مهمتها في تدمير لبنان شعباً ومؤسسات خلال عدون تموز وكيف شكلت لها الغطاء لترمي مئات الآلاف من القنابل العنقودية في جنوب لبنان في محاولة مكشوفة لهجير سكانه وجعله منطقة معزولة.<BR>نتساءل مع كل هذه الجردة لماذا تفتعل الولايات المتحدة الفتن بين حماس وفتح في فلسطين ولماذا تحرض بارويز مشرف على قتل شعبه ولماذا بدأت تتنكر للأجهزة الأمنية العراقية وتتهمها بالطائفية والميلشياوية وهي التي بنتها ورعتها بعد أن حلت الجيش العراقي بقرار بريمر المغرور ؟ لماذا السخاء اليوم على الجيش اللبناني وهي التي بخلت عليه في الدفاع عن أرضه خلال حرب تموز؟<BR> لماذا يصر بوش على الاستمرار بسياسته تلك في مكافحة الإرهاب وقد اعترف أعضاء كثر من حزبه الجمهوري بل بعض أركان إدارته الحربية بفشل هذه السياسية التي شجعت الإرهاب وفرخت قواعد بدل قاعدة وخلقت مناطق غير مستقرة بدل منطقة واحدة كالعراق ؟؟ <BR>أسئلة كثيرة لم نجد لها جواباً منطقياً يبرر سياسة بوش الحالية ، بل ما نستطيع أن نفهمه وبشكل منطقي أن كل ما يقوم به بوش يصب في مصلحة زعزة العالم ونشر الرعب وتفريغ الحركات المتطرفة وليس العكس! فهل هذا مراد بوش على الرغم مما يعلنه خلاف ذلك ؟ والى أي مدى هو منطقي هذا التفسير؟<BR>فقد وقعت بين يدي دراسة علمية عن واقع الاقتصاد الأمريكي وسبل نموه وما نقاط قوته وضعفه ، وجدت فيها جواباً كافياً ومنطقيا على الأقل في فهم سياسة بوش الموصوفة بالغباء عند الكثير من المحللين الذين يحملون ادعاءات بوش على ظاهرها من نشر للقيم والحرية والديمقراطية ومكافحة الإرهاب بل انك تجد سياسته على العكس من ذلك. فهي محنكة ودقيقة بل ومدروسة في تحقيق أهدافها بناء على تصور هذه الدراسة.<BR>عندما تعرف أن ثلث الاقتصاد الأمريكي- بحسب الدراسة المذكورة- هو اقتصاد حربي وانه لا زال يقتات على ضحايا آلته العسكرية التي تطحن العالم ، تفهم لم يريد يوش وإدارته زرع العالم خرابا ودمارا ودفع الدول والمنظمات المسلحة بالطلب المتنامي على السلاح .<BR>الدراسة التي أعدتها هيئة الأبحاث في الكونغرس تؤكد أن الولايات المتحدة أنفقت منذ بدء الهجمات على أفغانستان والعراق في 11 أيلول 2001 نحو 610 مليارات دولار على هذين النزاعين، وأشارت الدراسة إلى أن التكاليف الشهرية للحرب تصل حالياً إلى 12 مليار دولار منها عشرة مليارات للعراق وملياران لأفغانستان، وفي تقديراتها لنفقات الحرب في السنة المالية 2007، توقعت الدراسة أن يصل الإنفاق إلى 166 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة 40% بالمقارنة مع العام الماضي مما يجعل العام الحالي أكثر سنوات الحرب إنفاقاً حتى الآن، وفي حال استمرار الحرب على "الإرهاب" حتى 2017 فإن الولايات المتحدة ستتكلف ما بين 980 و1400 بليون دولار، وفي حال تمت تلبية جميع التكاليف الواجب دفعها فإن كلفة الحربين على العراق وأفغانستان ستصل في العام 2008 إلى 758 بليون دولار من بينها 567 بليون دولار للعراق.<BR>تأمل بسيط في هذه الأرقام يفيد أن الإقبال على السلاح في تزايد بصرف النظر عن نجاح قوى التحالف الدولي في قمع التمرد في العراق وأفغانستان وربما غدا في السودان أو غزة أو غيرها. وهكذا ينتعش ثلث الاقتصاد الأمريكي القائم على تصنيع السلاح وتصديره بل وسيزاد حجمه من حصة الاقتصاد الأمريكي لا سيما أن الإدارة الأمريكية تواجه تزايداً مطرداً في الإنفاق على الحرب بالعراق وأفغانستان في وقت يشهد فيه الاقتصاد الأميركي أبطأ نمو في أربع سنوات.<BR>ولعل تسارع الأحداث وتأزمها في الأيام الماضية من باكستان إلى السودان ثم الحديث المتزايد عن إمكانية فتح حرب واسعة على إيران وسوريا وحزب الله يمكن فهم دوافعه إذا علمنا أن الإدارة الأمريكية صرحت خلال الشهر الماضي أن ناتجها المحلي الإجمالي نما بمعدل 0.7% في الربع الأول من العام الحالي، وهو الأبطأ منذ أكثر من أربع سنوات بالمقارنة مع 2.5% بالربع الأخير من العام الماضي، وترافق ذلك مع عجز بالموازنة الاتحادية حتى نهاية أيار الجاري مقداره 148.5 مليار دولار، ويتوقع القسم الخاص بالميزانية في مجلس الشيوخ أن يصل العجز في الموازنة إلى 177 مليار دولار في نهاية العام المالي الحالي الذي ينتهي في 30 أيلول، الأمر الذي يجعل الاقتصاد الأمريكي في حرج كبير إن لم يعمل على الحد من هذا التباطؤ في النمو من خلال ترويج الطلب على السلاح بافتعال الأزمات والحديث عنها.<BR>ومثال واضح على ذلك انه وبالتزامن مع حديث عن فتح جبهة جديدة بين الجيش التركي الصديق للإدارة الأمريكية وبين حزب العمال الكردستاني المسلح من قبل "إسرائيل" والولايات المتحدة الأمريكية في شمال العراق فإن تركيا قد وقعت في اليومين الماضين عقداً أمريكياً لتحديث طائرات سلاحها الجوي حيث تعهدت شركة "لوكهيد" الأمريكية بتحديث وتطوير طائرات إف-16 التي يملكها سلاح الجو التركي وعددها حوالي 200 طائرة، مؤكدة أن الشركة قد سلمت أنقرة 4 طائرات إف-16 بعد أن قامت بسلسلة من التعديلات والتحديثات في أجهزتها الالكترونية ونظام الرادارات على أن يتم تجريب هذه الأنظمة في 10 طائرات أخرى خلال الـ 25 شهرا المقبلة كمرحلة أولى على أن تتوج المرحلة الثانية من العقد بتطوير باقي الطائرات التي يملكها سلاح الجو التركي حتى عام 2011 بتكلفة 635 مليون دولار.<BR><BR>وهكذا مليارات الدولارات تخصص للقتل والتدمير وسفك الدماء في العراق وأفغانستان حالياً وفي مناطق أخرى لاحقاً كي تبقى معدلات البطالة في أمريكا منخفضة، وكي يزيد النمو الاقتصادي، إنها المقايضة القذرة بين الدولار والدماء.<BR><br>