هل تتنازل واشنطن عن حق المسلمين مقابل تنازل موسكو عن اعتراضها علي الدرع الصاروخي ؟!
1 رجب 1428

يبدو أن مسلمي إقليم كوسوفا (15% من مساحة صربيا) الذين تعرضوا لمجازر وقمع شديد من قبل الصرب في دولة صربيا ، قد يكونون ضحايا الأعيب السياسية القذرة بين روسيا والغرب خصوصا واشنطن ، ليتم التضحية بقرار استقلالهم الذي أكدت الأمم المتحدة ضرورته بهدف ترضيه روسيا الأرثوذوكسية ، مقابل أن تقدم موسكو تنازلات لأمريكا فيما يخص قضية الدرع الصاروخي !.<BR>فوضع إقليم كوسوفا هو النسبة للسياسيين في كل من بلجراد (عاصمة صربيا) وبريشتينا (عاصمة كوسوفا) يمثل مسألة "حياة أو موت" ، ولكنه على طاولة لعبة البوكر الدبلوماسية العالمية – كما يقول "بوريس بابيتش" مراسل وكالة الأنباء الفرنسية في بلجراد – "ليس سوى رقاقة صغيرة في اللعبة على وشك التنازل عنها" !. <BR>وربما لهذا ظهر في لقاء الرئيسين بوش وبوتين مؤخرا لمناقشة قضية الدرع الصاروخي الخلافية ما يمكن تسميته (تحفظ) في التصريحات بشأن خيارات الدرع الصاروخية ، وبالمقابل لوحظ نوع من التسخين فيما يخص ملف كوسوفا ، حيث طرف يطالب باستقلال الإقليم وأخر يرفض ويتوعد ، أما المعني من وراء هذه التصريحات الساخنة فربما يظهر في قول دبلوماسي أميركي في بلجراد أن : "كوسوفو هي أقل القضايا الخلافية أهمية في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا وهذا ما يفسر حمية الجانبين في اللعب لأنه لا يوجد بالفعل ما يخسرانه" !؟. <BR>فقبل انعقاد القمة الروسية الأميركية في ولاية مين بالولايات المتحدة ، حرص كل رئيس علي إعطاء الطرف المؤيد له (الصرب أو أهالي كوسوفا) تطمينات مختلفة ، ووعودا متضاربة ، فخلال جولة محدودة في منطقة البلقان تعهد بوش في ألبانيا بأن الاستقلال "قادم لا محالة في نهاية الأمر لكوسوفا" ، حيث تسعي واشنطن والغرب عموما لاستقلال كوسوفا كي يمكن سحب قواتها من هناك العاملة ضمن فرق الحماية التابعة للأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي والتي تكلف الغرب مليارات الدولارات منذ عام 1999 .<BR>وبالمقابل حرص الرئيس بوتين في قمة الطاقة لدول البلقان التي عقدت في زغرب في 24 يونيو علي تأكيد رفض روسيا لاستقلال كوسوفا واستبعاد منح الاستقلال للإقليم الذي اعترفت به الأمم المتحدة . <BR><font color="#0000FF">فيتو روسي علي دولة إسلامية</font><BR>والملفت هنا أن روسيا تضع فيتو علي استقلال هذا الإقليم (كوسوفا) عن صربيا وتتمسك ببقاءه داخل صربيا بكل الطرق وتضع فيتو علي أي قرار دولي يسهل استقلال الإقليم بعدما أيدت الأمم المتحدة هذا الاستقلال ، دون أن يكون لها مصالح مباشرة سوي التضامن المسيحي الأرثوذوكسي الروسي مع الأرثوزوكس .<BR>وقد سعت الدول الغربية وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لطرح قرار بديل في الأمم المتحدة لقرار استقلال كوسوفا الذي ترفضه روسيا يقترح وجود فسحة من الوقت مدتها 120 يوما بالنسبة للصرب وألبان كوسوفا للتفاوض قبل أن يتم تطبيق خطة اهيتساري مبعوث الأمم المتحدة آليا لفصل الإقليم ، إلا أن روسيا رفضت هذه الخطة أيضا بهدف أن يبقي الوضع علي ما هو عليه ويظل الألبان المسلمين خاضعين للصرب !. <BR>وبعد أن كان الجميع يتوقع اعتراف الولايات المتحدة من جانب واحد باستقلال كوسوفا للضغط علي الصرب جاءت مشكلة الدرع الصاروخي في شرق أوروبا والخلاف مع روسيا ، لتعطل هذه الخطوة ، بل وتهدد برفع واشنطن يدها عن مشكلة كوسوفا كعربون محبة وصداقة لروسيا كي يسهل الاتفاق علي حل لمشكلة الدرع الصاروخي . <BR>فواشنطن دعت صراحة سكان كوسوفو ذوي الأغلبية المسلمة إلي إعلان استقلالهم من جانب واحد دون انتظار مجلس الأمن‏,‏ وقالت إنها ستكون أول المعترفين بهم‏,‏ وقال زلماي خليل زاده السفير الأمريكي لدي الأمم المتحدة أن الاستقلال أمر محتوم‏,‏ وان أغلبية أعضاء مجلس الأمن تؤيد خطة الأمم المتحدة لاستقلال الإقليم ووضعه تحت المراقبة الدولية‏,‏ وان هناك ما يكفي من أصوات لتمرير القرار ، ومع هذا لم يمرر القرار واعترضت عليه روسيا ‏.‏<BR>واستند الموقف الأمريكي إلي أن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة مارك اهتيساري ‏(‏ وهو أحد رؤساء فنلنده السابقين‏)‏ علي قناعة تامة بأن استقلال كوسوفو‏(‏ وإن كان استقلالا ظاهريا‏ لأن كوسوفو ستظل تحت وصاية دولية‏ من الاتحاد الأوروبي أو قوات حلف الناتو‏),‏ هو الحل الوحيد للأزمة وانه هو الذي سيضمن إنهاء التوتر في منطقة البلقان بأسرها‏,‏ واعتبر مارتي أهتيساري عودة الحكم الصربي لكوسوفو بمثابة الضربة القاضية لجهود الأمم المتحدة الرامية إلي إيجاد صيغة عادلة ومشرفة للجانبين‏ .<BR>من جانبها استبقت صربيا تطور الأحداث داخل مجلس الأمن وقام برلمانها بالتصديق علي دستور جديد يعتبر كوسوفو جزءا لا يتجزأ من صربيا‏,‏ ويمنع استقلالها وتعهدت بعدم قبول أي قرار من الأمم المتحدة يتيح الاستقلال لكوسوفا .<BR><font color="#0000FF">مستقبل غامض</font><BR>والوضع الأن يتلخص في أن روسيا رفضت النسخة المعدلة لقرار مجلس الأمن الدولي، بشأن استقلال إقليم "كوسوفو" عن صربيا، التي تقضي بتأجيل الاستقلال الذي سيتم تحت الإشراف الدولي لفترة محددة، هي 120 يوما من تبني القرار، ما لم يتخذ مجلس الأمن قرارا مغايرا، بعد إجراء تقييم جديد للوضع ، واعتبر السفير الروسي في مجلس الأمن "فيتالي تشوركين" النسخة الجديدة للقرار غير مقبولة لكونها "لا توفر حوافز كافية لكلا الطرفين لإجراء مفاوضات جدية"، كما وصفها بأنها تحد من مسؤولية مجلس الأمن؛ "لأنها تتخذ قراراً في الوقت الحاضر حول أمر سيتم البت فيه بعد أربعة أشهر" !.<BR>ومعني هذا أن روسيا أجهضت خطة استقلال الإقليم المسلم ، في الوقت الذي فتر فيه الحماس الأمريكي والغرب لاستقلال الأقليم ليظل المسلمين الذين ذاقوا ويلات المجازر الطائفية علي يد الصرب تحت رحمة صربيا .<BR>ويركز الصرب في رفضهم لخطة الأمم المتحدة علي مزاعم أن كوسوفا بها أهم الأديرة المسيحية وتراثهم التاريخي ، ومع أن خطة مبعوث الأمم المتحدة وعدت بالتغلب علي هذا بتحديد 40 منطقة وموقعا من كوسوفا ستعطي الحكم الذاتي (!) لمجرد أن بها أديرة مسيحية ، فهم يرفضون بإصرار هذه الخطة .<BR>ويبدو أن تعلق الأمر بمسلمين – وفي أوروبا- يسهل علي الطرفين الروسي والأمريكي عقد صفقة تحظر في نهاية الأمر ظهور هذه الدويلة الإسلامية في البلقان قرب روسيا الأرثوزوكسية ، تماما مثلما حدث مع البوسنة التي حولوها إلي كيان مشترك بين الصرب والكروات والبوسنة وذات حكم طائفي ثلاثي علماني رغم أن غالبية السكان مسلمون (90%) ، ولهذا بدأت المحاولات الصربية – مدعومة بالكنائس الارثوزوكسية في روسيا وباقي دول أوروبا الشرقية لإجهاض خطة الأمم المتحدة وإثارة العراقيل في وجهها .<BR>ومع أن هذا الاعتراف الأممي الدولي بضرورة أن يكون هناك نوع من الاستقلال الذاتي لإقليم كوسوفا المسلم تأخر كثيرا لأكثر من 8 سنوات ، منذ انتهاء حرب الإبادة الصربية ضد مسلمي كوسوفا بعدما اجبر حلف شمال الأطلسي القوات الصربية على الانسحاب منه عام 1999 ، خصوصا أن المفاوضات الجارية منذ ذاك الحين بين الطرفين لم تفض إلى أي اتفاق ، فهناك من يستكثر علي مسلمي الإقليم الاستقلال .<BR>والأكثر غرابة أن التحركات الغربية تأخذ في اعتبارها التحذيرات الصربية والمسيحية الشرقية عموما بشأن تكرر نفس النغمة الخبيثة التي قيلت عن البوسنة ، من أن كوسوفا قد تتحول لمرتع للمتطرفين لو استقلت ، وربما تنظيم القاعدة لاحقا بهدف تخويف الأوروبيين من السماح بأي مبادرات انفصالية قد تؤدي لاستقلال الإقليم لاحقا ، وربما تساعد حملة الإرهاب الفكري هذه - في ظل غيبة أي دور إسلامي مساند – في تراجع الأوروبيين ، خصوصا أن خطة المبعوث الاممي تفادت – وهو أمر غريب - الإشارة إلى أية رموز لاستقلال الإقليم عن صربيا رغم أنها وضعت لبنة هذا الاستقلال . <BR>وربما يزيد المخاوف الأوروبية والصربية أن الزعيم الكوسوفي الأكثر اعتدالا من وجهة نظرهم ( روجوفا) قد توفي العام الماضي ، وأصبحت هناك مخاوف من سيطرة عناصر إسلامية من قادة جيش التحرير الكوسوفي السابق علي الإقليم.<BR>فهل يتم التضحية بمسلمي كوسوفا ودولتهم علي مذبح المصالح الأمريكية الروسية ، والمخاوف الوهمية من نشوء دولة إسلامية متطرفة في أوروبا ؟!<BR><br>