أمريكا: عين على النظام الجزائري.. وأخرى على المسلحين!
15 ربيع الثاني 1428

لا شك أنها حالة من الخوف العميق تعيشه الجزائر في ظل الحملة الانتخابية التي انطلقت رسميا لانتقاء ممثلين للمجلس الشعبي الوطني (البرلمان)، فبعد التفجيرات الأخيرة التي وقعت فتح مجال الاعتقالات واسعا في ظل أخبار كشفت عنها الصحف المحلية الجزائرية عن مخططات مماثلة لتفجيرات ضد مراكز أمنية ومؤسساتية حساسة في قلب العاصمة الجزائرية، و إن كان الحديث الجاهز في تبني ما يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي هو الذي تهرع إليه جل الصحف الجزائرية و الدولية عادة، و إن كان ثمة ناطقا "وهميا" من ذلك التنظيم يبادر بنفسه إلى الاتصال بقنوات عربية لتبني العملية (و هي سابقة حقيقية في الجزائر) إلا أن الغريب في الأمر أغلبية من الجزائريين يبدون غير قادرين على تصديق الحكاية الرسمية للتفجيرات الأخيرة، بالخصوص بعد أن كشفت الصحف في اليوم الثاني منها عن "المعلومات الخطيرة" التي كانت بحوزة السفارة الأمريكية فيما يخص تفجيرات العاصمة، و الأدهى أن السفارة أخبرت السلطات الجزائرية عن "معلومات" بتوقع عملات انتحارية أخرى ستستهدف مبنى التلفزيون الرسمي الجزائري و البريد المركزي في قلب العاصمة.. و إن "احتجت" الجزائر رسميا لدى السفير الأميركي "لإخفائه" مثل هذه المعلومات الخطيرة، إلا أن السؤال الرهيب ظل هو نفسه: كيف استطاعت سفارة متواجدة في دولة من معرفة تحركات المسلحين، و الأماكن التي يمكنهم استهدافها في الوقت الذي تجهل فيه الدولة نفسها تلك التفاصيل! لا بد من القول أنها كانت صفعة كبيرة على خد السلطة الجزائرية!<BR><font color="#0000FF">ماذا تريد أمريكا من الجزائريين؟</font><BR>التبريرات التي قدمتها أمريكا (كسفارة) إلى الجزائريين لم تكن مقنعة بالنسبة لأغلب البسطاء من الشعب الذين يدركون حجم اللعبة الكبيرة التي تحاك هنا و هناك على حساب أمنهم و سلامتهم وسلامة أطفالهم، فالكل يريد الحصول على أكبر عدد من المواقع لصالحه، و من المزايا التي تدخل في إطار المصالح الجديدة، أو الدفاع عن المصالح القديمة، بمن في ذلك فرنسا التي "تعترف" يوما بعد يوم أنها "بسياسيتها العنترية" على وشك خسارة موقعها الاستراتيجي في بلاد المغرب العربي، على الأقل سياسيا، بعد أن بدا على شراك في العامين الماضيين الكثير من التعب و الأخطاء التي توحي أنه ما يزال يحلم بالإمبراطورية النابليونية التي تكسرت في الحقيقة في البلاد العربية نفسها، و في المشرق العربي بالخصوص.. مع ذلك.. كان واضحا أن التواجد الأمريكي في دولة مثل الجزائر لن يكون زيارة سياحية ( في ظل الصراع الفرنسي الأمريكي الشرس على المنطقة)، و أن الدبلوماسيات الأمريكية التي توافدت على الجزائر لم تكن لتلتقط الصور تضعها في ألبوم "المحبة"! (دون أن ننسى أن السفيرة الأمريكية السابقة في الجزائر كانت من أصل يهودي وأنها قامت بدور كبير في تحرير الدبلوماسية الأمريكية من "المحاضرات" السياسية المباشرة، بحيث أنها كانت "تركز" على الجوانب الأخرى منها الجانب التنموي و التربوي المتعلق بالأسرة و الطفل و حتى الثقافي، بدليل أنها كانت من أكثر الشخصيات تواجدا في معارض الكتاب ، سواء المعرض الدولي أو المحلي في الجزائر ، بالإضافة إلى نشاطات أخرى منها الدعم المالي "التشجيعي" للعديد من "الجمعيات الثقافية" و الجمعيات النسائية أيضا، بحيث أن "التواجد" المكرر في المناسبات "الترفيهية" كان له أبعاد أخرى، خاصة أنها كانت تعتز بصداقاتها "الجميلة" التي تجمعها مع العديد من " محبي السلام" في الجزائر..! لم يكن ثمة تركيز على السياسة إلا فيما ندر، و مع ذلك... كانت السفارة التي تقع في المنطقة الراقية في العاصمة الجزائرية تبدو كبرج مراقبة لكل الأحداث، و على دراية حتى بتلك التي لم تقع بعد، بل و تعرف أيضا الأماكن التي سوف تقع فيها و الوقت أيضا و الطريقة والأخطر رقم السيارات.. و هي المعلومات التي جعلت رئيس الحكومة الجزائري يحتج بطريقة "عنيفة" لدى السفير الأمريكي الحالي، كما لو أنه يقول له " هذه خيانة" ! و لكن الخيانة لم تكن ضد المصالح الأمريكية الحالية في الجزائر، و لا حتى ضد السلطة التي تعرف كيف تجدد في دم المصالح نفسها، بل الخيانة كانت ضد الجزائريين البسطاء الذين يعرفون اليوم أكثر من أي وقت أن الجميع يستهدفهم و يطالب بحياتهم، حتى الأجانب المقيمين هنا!<BR><font color="#0000FF">المؤامرة التي تتجدد وفق المصلحة! </font><BR>نظرية المؤامرة التي يرفضها العديد من "محبي السلام الأمريكي" لا يمكنهم أن يقنعوا ثلاثين مليون جزائري كيف تقيم أمريكا الدنيا ولا تقعدها للدفاع عن الحيوانات في قانون "رسمي" صارت تتبنى نسخته الفرنسية "أم الكلام" بريجيت باردو" التي لا تفوت الفرصة لاتهام المسلمين بانتهاك حقوق الحيوانات (الكباش بالخصوص) في الأعياد.. كيف يمكن لهذه الأمريكا التي تحذر الفرنسيين اليوم من مخاطر " الاشتراكية الفاشلة" في شخص "سيغلين روايال"، لأجل تأييد وصول ساركوزي إلى الاليزيه، و هذا ليس مشكلة، كونه سيصل بلا شك في ضوء الدعم الخفي الذي يوليه له الإعلام الفرنسي المنافق، لكن النهاية التي تهمنا أن ساركوزي الذي وعد المهاجرين بهدية (مثالية) "وزارة للمهاجرين" سيكون في كامل قوته لتصفية المهاجرين أساسا، بحيث أنه سيسعى إلى طرد الذين " لا يملكون حق البقاء" حتى لو مر على بقائهم في فرنسا عشر سنوات أو أكثر، سيكون له أن يعيدهم إلى بلدانهم في باخرة واحدة، و لأن عدد المغاربة عموما في فرنسا يتجاوز9 ملايين، فستكون الكارثة بالنسبة لدولهم الأصلية التي ـ في ظل النظام الفاسد و التالف و المتسيب ـ ستكون غير قادرة على تحمل مسؤولية مليون مطرود على أقصى تقدير، و سيكون على الشعب أن يتضامنوا مع إخوانهم بأن يشدوا الحزام أكثر مما هو مشدود، لتمتلئ جيوب نفس النخب السياسية في السلطة و التي ستعرف الاستثمار في هؤلاء أيضا، بحيث إن قبولهم دونما تعليق سيكون وفق "كروت تحت الطاولة" قال عنها ساركوزي أنها سياسة الشطار، و أنه لا يعيب رجل يريد أن يبني دولة و يدفع المال لأجل بنائها..! تلك هي المؤامرة التي ستجعل الدول على المحك اقتصاديا و ثقافيا، بحيث أن الذين سيأتون من الخارج سيأتون بفكر مختلف و بلغة مغايرة و بطريقة متباينة في القول و الفعل.. فقد نشرت مجلة باري ماتش قبل عام أن نسبة كبيرة من المغاربة لا يريدون العودة إلى بلدانهم لأن بلدانهم تفتقد للحرية الشخصية و لنهم تعودوا على ثقافة مختلفة و على مجتمع مختلف"، و الحال أن إعادتهم عنوة سيجعلهم يعيشون في كنف شعب أغلبه فقير و محافظ و لا يقبل "بالميوعة المستوردة" ، سيكون الأمر أشبه بقنبلة ديموغرافية يعي الغرب أنه سيستغلها في الوقت المناسب ضد الدول المارقة، و لأن الجزائر دولة "طائعة" بالمعنى العام على الأقل، فسيكون ثمة تنازلات يجب القيام بها لأجل تحقيق موازنة، فالذين تعودوا على النهب سيواصلون النهب، طالما رقبة الشعب بين سنديان السلطة و مطرقة الغرب الذي يعرف جيدا كيف و متى يهدد و ينفذ تهديده، بما في ذلك بالإرهاب المباشر، كما حدث في العراق (بتدخل أمريكي و تحالف أطلنطي، وصمت أوروبي).. بينما المؤامرة الثانية و التي تواطأ معها الأغلبية في الداخل و الخارج تكمن في قطع الطريق أمام الحركات الإسلامية والشخصيات الإسلامية فيما يخص الانتخابات، بحيث أن التفجيرات الأخيرة كانت مدروسة الأبعاد، و أعادت الرعب إلى قلوب الجزائريين، كأنه التحذير الذي يقول ببساطة " إن حدث الانحياز منكم نحو الإسلاميين كيفما كانت مسمياتهم أو ميولاتهم، سيكون الرد بهذا الشكل" و الحال أن الأحزاب الإسلامية نفسها جردت من قوتها أيضا و نتف ريشها و تحولت من أحزاب معارضة إلى تيار يقف في سياق السلطة، و هو ما أفقدها شعبيتها و ثقة الناس فيها، ليس لأنها تراجعت عن الواجب الإسلامي، بل لأنها تراجعت عن المصداقية التي كان يرى فيها المواطن البسيط دفاعا عن حقوقه الكثيرة أولها محاربة الفساد (لاحظ أن الأحزاب الإسلامية حظيت في انتخابات سنة 1997 على 106 من المقاعد البرلمانية التي فازت بها وقتها حركة مجتمع السلم (حمس) ثم تراجعت مقاعد الحركة عام 2002 إلى حوالي 82 مقعد). كما انه جاء في سبر للآراء قامت به صحيفة الخبر الجزائرية أن 44.2% من المصوتين يعتبرون مكافحة الفساد من "أولويات الأولويات"، بحيث أنهم لم يقولوا "تحسن الوضع الأمني أولا" باعتبار أن الجزائريين يربطون بين الفساد و الوضع الأمني مباشرة، فحين يتم مكافحة الفساد بكل ما تعنيه الكلمة من زندقة سيكون ثمة عودة آلية إلى الأمن و سيصبح الوضع أكثر سهولة في التعاطي معه، خاصة عندما نقول أن أغلبية الجزائريين يربطون الفساد "بالرشوة، و اللا عدالة، و الظلم، و النهب المستمر باسم "الصالح العام" والمحسوبية و هي كلها خيوط تجر نفسها اليوم في دولة تعيش في مفترق الطرق، بالخصوص و أنها صارت فعلا محطة إستراتيجية للمخططات الأمريكية التي تريد فرض سيطرتها الأمنية عليها، فأن يصرخ الجزائريون "أنقذونا من الإرهاب" يعني أن أمريكا ستبني قواعدها في كل مكان، ليكون الاحتلال "الديمقراطي" ليس في الجزائر فحسب، بل في كل دول المغرب العربي، و سيكون هنالك تنظيم القاعدة الأمريكية في بلاد المغرب الإمبريالي الذي سيجد أكثر من ناطق رسمي يتبنى مشروعه عبر المحطات التلفزيونية الدولية!! <BR><BR><BR><br>