التعاون المغربي الأمريكي: نفوذ متصاعد.. و"فقهاء أمريكيين"
5 ربيع الثاني 1428

عاش المغرب خلال الأيام القليلة الماضية على إيقاع الحديث عن اختراق أمريكي لأحد أكبر المؤسسات الدينية التي تعنى بتخريج العلماء، ويتعلق الأمر بدار الحديث الحسنية. الأخبار تحدثت عن وجود أمريكي يسمى " كامبيس " أوكلت له مهمة مراجعة مناهج التعليم بالمؤسسة باتجاه إدخال دروس في مقارنة الأديان باللغة الإنجليزية ، وهو المعطى الذي لم تنفه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، غير أنها قلصت من أهميته بحجة أن الأمريكي من ديانة إسلامية استقدم في إطار مهام تتعلق بـ" بناء قاعدة معطيات لإنشاء مكتبة متخصصة باللغات الأجنبية بدار الحديث، وإعطاء درس اختياري حول مداخل فكرية في الدراسات الإسلامية لطلبة السنة الثانية بعد الإجازة بدار الحديث باللغة الإنجليزية وتخصيص ساعات في مكتبه لتوجيه الطلاب". إنه غيض من فيض يعلق عليه الأستاذ مصطفى الخلفي الباحث في شؤون أمريكا والعالم العربي بالقول: إن مشكلة دار الحديث الحسنية أكبر من وجود أمريكي، إنها مسار لتغيير المقررات الدراسية بشكل يؤدي إلى تخريج أطر قادرة على الانخراط في مبادرة حوار الأديان، بما يعني ذلك مراجعة جوهرية لوظيفة دار الحديث الحسنية التي تتركز بالأساس في تخريج علماء يضطلعون بأدوار ترتبط بالعناية بالحديث الشريف والنهوض به. ويقول في تصريح لـ موقع المسلم: إذا كان الجزم حول استهداف أمريكي مباشر للمؤسة أمرا صعب المنال في الوقت الراهن ، فإن الأخطر من ذلك كله هو الاتجاه نحو التغيير الجذري لوظيفة الدار بما قد يوصف بنوع من الانقلاب. الأستاذ بلابل التليدي الباحث في الفكر الإسلامي أكد من جانبه أن دار الحديث ينبغي أن تظل دارا لتخريج العلماء المتبحرين في علوم الشريعة، الذين يمتلكون من القدرات التواصلية والمعرفية ما يجعلهم قادرين على جعل الإسلام بقيمه وأحكامه ومقاصده في قلب العصر وفي مواجهة كل المعضلات التي يطرحها عصر العولمة ، مضيفا في حديث لـ "موقع المسلم": لا يجادل أحد في أن إصلاح دار الحديث الحسنية يتطلب إدخال اللغات والرفع من القدرات التواصلية لطلبة دار الحديث الحسنية، لكن، لا يمكن بحال الانطلاق فورا إلى تدريس مداخل لدراسة الدين اليهودي والمسيحي باللغة الإنجليزية والفرنسية، وإن الإصلاح ينبغي أن يكون شأنا داخليا، كما ينبغي أن توفر له الظروف المناسبة كي يمر بشكل طبيعي. ليخلص الباحث نفسه إلى أن استقدام أمريكي ،لا يخدم دار الحديث الحسنية خاصة في هذه المرحلة التي يتم فيها الإعداد النهائي لبرامج التكوين ومناهجه. و يزداد الخوف- يؤكد الأستاذ محمد بولوز أحد القيادات الإسلامية- عندما يدخل الأجنبي والغريب على الخط، بشكل سافر وواضح جلي، بعد أن ظل ولزمن طويل يكتفي بالعمل في الكواليس، وإعطاء الإشارات وإطلاق التلميحات. فما هي خلفيات التوسع الأمريكي بالمغرب وما ذا عن أهم المجالات التعاون/ النفوذ <BR><BR><font color="#0000FF">1- التقاطب الفرنسي الأمريكي</font><BR><BR>إبان الحرب الباردة اختارت الولايات المتحدة الأمريكية أن تحتل موقع المراقب لتحولات المشهد السياسي بمنطقة المغرب العربي، ومن ثم المغرب، في ظل وجود نظامين سياسيين مواليين للمعسكر الاشتراكي في كل من الجزائر وليبيا، وما يعنيه ذلك من احتمال تهديد مصالح المعسكر الغربي هناك، وكذا تركز النفوذ الفرنسي بالمنطقة، على خلفية العلاقة البنيوية التي تربطها بهذه الدول نتيجة حالة الاستعمار.الشيء الذي شكل عائقا كبيرا أمام التحركات الأمريكية بها. لكن سرعان ما غيرت الولايات المتحدة الأمريكية من سياستها الخارجية اتجاه المنطقة مع مجيء الرئيس ريغن الذي أعطى أولوية قصوى لدعم الأنظمة الحليفة لتجنيبها الخطر السوفياتي، ومن ثم إقامة تحالفات إستراتيجية في هذا الاتجاه. وقد كان المغرب في مقدمة هذه الأنظمة الحليفة التي أسست مع أمريكا تقاربا جديدا تأثر نسبيا بعد توقيع المغرب لاتفاق للوحدة مع ليبيا. وبعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين احتدم التقاطب بين أمريكا وفرنسا خاصة في ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية، خلافا للمرحلة السابقة التي طغى عليها الجانب السياسي والأمني. وقد أشر على احتدام هذا التقاطب إحداث مجلس الاقتصاد القوي سنة 1995 والمجلس المغربي الأمريكي للتجارة والاستثمار سنة 1994، ثم مشروع " ايزنستاط" للشراكة الأمريكية المغاربية سنة 1998، في مقابل ذلك انطلاق مسلسل الشراكة المغربية الأوروبية ضمن ما يسمى بالشراكة الأورومتوسطية سنة 1996. <BR><BR><font color="#0000FF">2- السياسة قبل التجارة والجزائر قبل المغرب</font><BR><BR> التقاطب الأمريكي الفرنسي سيبلغ ذروته مع الإعلان عن بدأ المفاوضات المغربية الأمريكية بهدف إقامة منطقة للتبادل الحر بداية سنة2003 ، وهو الحدث الذي أثار حفيظة الفرنسيين، إذ عبر أحد المسؤولين عن تخوفاته الكبرى من هذه المسار بوصفه الاتفاق المغربي الأمريكي بغير " المنسجم"، مخيرا المغرب بين التعاون الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي أو الاندماج في منطقة التبادل الحر مع أمريكا. تخوفات الطرف الأوروبي نبعت ليس فقط من احتمال تهديد الاتفاق لمصالحه بالمغرب، بل وأيضا من احتمال أن يتحول المغرب إلى منطلق لإغراق الأسواق الأوروبية والإفريقية، وأرضية لمراقبة تحركات الخصم الفرنسي بالمنطقة.<BR> ويرى المحللون الاقتصاديون أن من الدوافع القوية التي جعلت المغرب يقبل بتوقيع اتفاق التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية برغم أن اقتصاد الأول لا يعادل سوى 0.6 بالمائة من اقتصاد الولايات هو المراهنة على كسب موقف إيجابي من ملف الصحراء، في وقت تراهن فيه أمريكا على أرضية المغرب لفتح منافذ جديدة لتصريف البضائع وجلب الحاجات من المواد الأولية بكل من إفريقيا وأوربا والشرق الأوسط باعتبارالموقع الاستراتيجي للمملكة المغربية. وبرغم توقيعها على اتفاقية التبادل الحر مع المغرب إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية ظلت مصالحها الاقتصادية مرتبطة بشكل قوي بالجزائر لأسباب عدة يذكرها الأستاذ مصطفى الخلفي بالقول: عندما ندرس المؤشرات الاقتصادية نجد أنها تؤشر على علاقات ضعيفة بين البلدين، إذ لا تتجاوز المبادلات الثنائية سقف المليار دولار، فيما تصل الاستثمارات الأمريكية في مجالات النفط بالجزائر إلى أكثر من 6 مليارات من الدولارات، ويعود ذلك لاعتبارات مرتبطة بالنفوذ الاقتصادي الفرنسي، ذلك أن ما يزيد عن ربع الاستثمارات الأجنبية بالمغرب هي استثمارات فرنسية، وأن فرنسا تعد الشريك التجاري الأول، فضلا عن حجم تحويلات العمال المغاربة المهاجرين بأوروبا تحديدا، واعتبارات متعلقة بالتحدي اللغوي حيث الانتشار المحدود للغة الانجليزية في مقابل التوغل الكبير للغة الفرنسية وهو ما يقف عائقا أمام تنمية فرص الاستثمار الأمريكي بالمغرب، واعتبارات تقوم على أن الإدارة الأمريكية معنية في الوقت الراهن بالعلاقات ذات البعد الاستراتيجي والأمني والعسكري أكثر من اهتمامها بالبعد الاقتصادي، برغم التوقيع على اتفاق التبادل الحر الذي ما يزال محدود الأثر" .<BR> وبلغة الأرقام فإن حجم المبادلات بين البلدين لم تتجاوز مليار و39 مليون دولار سنة 2004، مقابل 853 مليون درهم سنة 2003، أما عدد الشركات الأمريكية بالمغرب فلم يتجاوز 200 شركة حسب سفير المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية السيد عزيز مكوار، الذي أكد في إحدى حواراته الصحفية أن هذه الاستثمارات ليس بالكبيرة، مشيرا في الآن نفسه إلى أنها تشمل قطاع الطاقة والكهرباء، كشركة CMS Energy، فضلا عن شركة "بوينغ" والشركات التقليدية مثل "بروكتر" و"غامبل" و"كولغيت"، وشركات تعمل في قطاعات النسيج والورق..<BR><BR><BR><font color="#0000FF">3- أحداث إرهابية لها ما بعدها</font><BR><BR> وشكلت أحداث 11 من شتنبر 2001 منعطفا بارزا في مسلسل العلاقات بين الدوليتن بالنظر إلى تأييد المغرب القوي لموقف الولايات المتحدة الأمريكية من حربها ضد الإرهاب. لقد كان المغرب من الدول الأوائل التي أعلنت إدانتها لأحداث ، واستعدادها اللا مشروط للانخراط في مسلسل مكافحة الإرهاب الدولي إلى الحد الذي وصف فيه المغرب من قبل الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بـ "الحليف الاستراتيجي" خارج حلف الناتو. هذا الموقف الداعم اعتبر كأحد الدواعي التي حملت الولايات المتحدة الأمريكية على إطلاق المفاوضات بشأان إقامة منطقة للتبادل الحر سنة ،2003 ليس بهدف خلق أسواق جديدة فحسب، بل لاعتقاد الولايات بأن المنطقة العربية تعد تربة خصبة لإنتاج شرائح واسعة من الغاضبين عليها والمستعدين بزعمها إلى تكرارا أحداث مماثلة، وأن التجارة الحرة تظل أحد الآليات المهمة لتكريس نوع من الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية الكفيلتين بتقليص أحزمة البؤس والفقر اللذين يعدان- برأي الولايات- السبب الرئيس في تخريج جيوش الانتحاريين والإرهابيين. <BR>بعد هذه الأحداث كثفت الولايات المتحدة الأمريكية من زياراتها واتصالاتها بالمسئولين المغاربة لنسج علاقات تعاون قوية بين الجانبين إن على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الأمني والعسكري. وقد برز التنسيق الأمني المغربي الأمريكي بعد تفجيرات الدار البيضاء 16 ماي 2003، وخاصة مع مكتب التحقيقات الفدرالي، الذي كان قد أعد تقريرا قبل ستة أيام من وقوع التفجيرات تحدث فيه عن ما يسمى بالجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة. وقد لعب الجنرال حميدو لعنيكري المدير العام للأمن الوطني سابقا دورا كبيرا في التنسيق مع هذا المكتب والمخابرات الأمريكية بشكل عام قبل أن يتم عزله من منصبه فيما بعد على خلفية اشتباه أعضاء من الأمن بالانتماء إلى خلايا إرهابية، ليدخل على خط العلاقات الأمنية مع الولايات مدير المديرية العامة للدراسات وحفظ المستندات السيد ياسين المنصوري. <BR><BR><font color="#0000FF">4- تنسيق أمني وعسكري </font><BR> في غضون ذلك انعقد بالمغرب منتدى المستقبل بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في شهر دجنبر 2004 لرسم معالم مشروع الشرق الأوسط الكبير كما يرغب فيه "العم سام" على قاعدة من" ليس معنا فهو ضدنا"، وهي المحطة التي شدد خلالها المغرب على ضرورة اعتماد مفهوم الأمن الشمولي الذي يأخذ في الاعتبار المتطلبات البشرية إلى جانب الهاجس الأمني. وشكلت زيارة رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي للمغرب مابين 12/13 فبراير 2006 ،التي التقى فيها مع العديد من المسئولين الأمنيين والعسكريين ، إحدى أبرز المحطات في تاريخ العلاقات المغربية الأمريكية خلال القرن الواحد والعشرين. وهي الزيارة التي حدد رمسفيلد أهدافها الأمنية والعسكرية من خلال إحدى تصريحاته الصحفية التي قال فيها: "إن القاعدة ومن يعمل في دائرتها ستعمل على محاولة التحكم في مناطق خارج دائرة القانون، رغبة منها في خلق قواعد جديدة للعمليات، وهذا ما وقع بالذات مع طالبات بأفغانستان"، وأضاف أن "الولايات المتحدة الأمريكية مع شركائها وحلفائها، ستعمل بكل عزم من أجل الحيلولة دون انتشار هذا النوع من المناطق المهددة للأمن"، معربا عن انشغاله بقدرة هذه الجماعات على التحرك في منطقة الصحراء. واعتبرت هذه الزيارة، من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، بمثابة ثمرة للنهوض بالتعاون الدولي في محاربة ما يسمى بالإرهاب الإرهاب القادم من منطقة الساحل.<BR><font color="#0000FF">5- حلم أمريكي متجدد</font><BR> وقد تزامن الحديث عن بروز تنظيم للقاعدة بمنطقة الساحل هذه مع رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في إقامة قواعد عسكرية بالمغرب العربي لتحقيق حلم الشرق الأوسط الكبير بطابع عسكري يمتد من المحيط إلى الخليج.وهو المسعى الذي تجدد الحديث عنه خلال الأسابيع القليلة الماضية عندما تسربت أخبار تفيد بأن الولايات المتحدة تخطو خطوات حثيثة لإقامة أول قاعدة عسكرية فعلية بالمنطقة رجحت المصادر أن تكون بالمغرب أو الجزائر قبل يجري استبعاد هذين الاحتمالين بعد تصريحات جزائية وأخرى مغربية بعدم الترحيب بالفكرة، ليضل الاحتمال الأقوى هو أحد بلدان الساحل ( السنغال ، مالي أاو النيجر). وكانت أخبار قد تحدث قبل زهاء سنتين( أبريل - ماي 2005)) عن عزم الولايات المتحدة الأمريكية إنشاء قاعدة عسكرية بمدينة طانطان سبقها نزول مكثف للجنود الأمريكيون بالمدينة في إطار مهمات قيل إنها إنسانية بالأساس، قبل أن يتم العدول عن ذلك إثر ردود الفعل القوية للهيئات المدنية والسياسية بالمغرب. <BR>زيارة رامسفليد سبقتها زيارة مماثلة أيام قبل ذلك( الأسبوع الأول من شهر فبراير 2005)، قام بها مدير مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي روبير مولير تناولت وضع الخطوط العريضة للتعاون بين الجانبين بغرض السيطرة على خلايا تنظيم القاعدة بمنطقة الساحل، وتعزيز التدخل السريع لحماية المصالح الخارجية للمغرب وحلفائه وتأهيل رجال الأمن المغاربة. ويعتبر الغرب دولة المغرب بوابة مهمة لحماية مصالحه باعتباره موقع الاستراتيجي، علاوة على خبرته في المجال التي تسهل عمل الأجهزة الأمنية للحد من الخطر القادم من دول الساحل. هكذا وفي ربيع 2006 جرت مناورات عسكرية مشتركة جديدة في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بمثابة تدريب على تعقب عناصر مرتبطة بتنظيم القاعدة تقول واشنطن إنها فرت إلى البلدان المتاخمة وتستعد لتنفيذ هجمات على دول المغرب العربي وأوروبا، على غرار مناورات مماثلة قادتها الولايات المتحدة قبل هذا الموعد بثمانية أشهر ( يونيو 2005) وطوال عشرة أيام مع قوات تسع دول أفريقية (تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا والنيجر ومالي والسنغال وتشاد ونيجؤيا) أشرف عليها الجنرال" هولي سيلكمان" قائد القوات الأمريكية في أوروبا في إطار مبادرة مكافحة ما يسمى بالإرهاب العابر للصحراء، والتي خصصت له واشنطن 100 مليون دولار. إلى ذلك كشفت وثيقة حديثة قدمتها الخارجية الأمريكية حول المساعدات الخارجية الممنوحة لعدد من الدول في العالم في إطار ما يسمى بالإرهاب، عن ارتفاع للدعم العسكري الأمريكي لفائدة المغرب برسم ميزانية 2007، بقيمة 17 مليون دولار، مقابل 16 مليون دولار سنة قبلها، مع توقعات بالزيادة في حجم هذه المساعدات برسم ميزانية 2008 إلى 29 مليون دولار. بينما تحدثت الوثيقة عن تراجع للمساعدات الأمريكية في المجالات التنموية التي لم تتجاوز 5.4 مليون دولار. وهو ما يبرز الدور الرئيس الذي بات يلعبه المغرب كحليف استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في التصدي لظاهرة الإرهاب باعتبار موقعه الجغرافي القريب من منطقة الساحل من جهة ، و تركيز الولايات المتحدة الأمريكية على ماهو عسكري على حساب ماهو تنموي من جهة ثانية. <BR>وتوزعت المساعدات الأمريكية برسم سنة 2007 إلى 120 مليون درهم لصيانة التجهيزات العسكرية الأمريكية و20 مليون درهم للتكوين والتدريب العسكريين ( تكوين 70 طالبا مغربيا كل سنة في المدارس العسكرية الأمريكية)، بالإضافة إلى 5 ملايين درهم في إطار برنامج مكافحة الإرهاب ومن ذلك التدريبات المتطورة وتقوية قدرات المغرب في مجال محاربة الإرهاب. وتعليقا على هذه الأرقام يقول الباحث مصطفى الخلفي: :الواقع أن كلا المساعدتين العسكرية والأمنية قد تراجعتا إلى مادون 30 مليون دولار فيما زاد هذه المساعدات عن 40 مليون دولار في الفترة السابقة، وساق في ضوء ذلك العديد من التفسيرات المتداولة كالمنحى الذي اتخذه الكونغريس الأمركي للتقليص من الغلاف الكلي للخارجية الأمريكية: وضرورة التوجه صوب بلدان أخرى بعد استفادة المغرب خلال السنوات السابقة، فضلا عن كون المغرب قد أدرج ضمن البلدان القلائل التي ستستفيد من مساعدات برنامج الألفية.<BR>و لم يكن التعاون الأمني والعسكري بين الجانبين وليد السنوات القليلة الماضية بل يعود إلى عقود خلت خاصة إبان الحرب العالمية الثانية، حيث شهدت مدينة الدار البيضاء إنزالا أمريكيا سنة 1942 في سياق ما سمي بعملية"الشعلة" التي غيرت من مسار هذه الحرب. <BR><BR><font color="#0000FF">6- صناعة الشباب المتأمرك</font><BR> و لئن كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد رامت من خلال ربط اقتصادها بدول منطقة شمال إفريقيا إلى ممارسة تأثير على القرار السياسي في اتجاه تغيير مناهج التربية والتعليم وبرامج الإعلام والاتصال وغيرها من الميادين الأخرى، فإن المغرب لم يشذ على هذه القاعدة، بل إن الإدارة الأمريكية تقدمه كنموذج يمكن تسويقه بالمنطقة - كما يقول الباحث مصطفى الخلفي- لمعطيات مرتبطة بالاستقرارالسياسي والتعاون الأمني والاستراتيجي، هذه الوضعية التي عليها المغرب جعلت الولايات المتحدة الأمريكية- يضيف مصطفى الخلفي- توسع من نشاطها به بشكل ملفت جدا، خاصة على المستوى السياسي بعدما بوأته مكانة الحليف الاستراتيجي خارج حلف الناتو، ومنحته في أعقاب ذلك ميزة الاستفادة من المساعدات المدرجة ضمن ما يسمى بصندوق الألفية. كل ذلك ينضاف – يشير الباحث مصطفى الخلفي– إلى النشاطات التي تقوم بها مراكز من قبيل المعهد الديمقراطي والمعهد الجمهوري والوكالة الأمريكية للتنمية الاجتماعية ضمن ما يسمى بالشراكة الأمريكية الشرق أوسطية. ويؤكد الباحث أن الولايات المتحدة الأمريكية اعتمدت مشروعا لـ "حرب الأفكار" ضمن ما يسمى بالدبلوماسية العامة"، بهدف تحسين صورتها بالعالم الإسلامي إثر مخلفات سياساتها بالعراق وفلسطين وغيرها، وقد اقترحت لذلك ميزانية متوقعة للفترة المقبلة في حدود 500مليون دولار.<BR>ولعبت السفارة الأمريكية في المغرب خاصة في عهد السفيرة السابقة مارغريت تتويلر ثم السفير الحالي دورا حاسما في العديد من الملفات ذات الصلة بالقضايا السياسية والحقوقية والتعليمية ، وتؤكد التقارير أن السفيرة لم تفتأ تمارس الضغوط تلوى الضغوط على الإدارة المغربية في ما يتعلق بتغيير مناهج التعليم باتجاه تقليص حصص التربية الإسلامية وكل ما يرتبط بقيم الممانعة لدى الشعب المغربي و تخصيص هوامش لتحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية، والمصادقة على قانون الإرهاب والحد من ردود فعل الشارع المغربي ضد الغطرسة الأمريكية في العراق وفلسطين، والتدخل لدى وزارة الاتصال لإطلاق قناة سوا، ومحاولة تقديم نجوم الشاشة الصغيرة وفن الراب باعتبارها نماذج ستسعى لاجتذاب الشاب باتجاه التطبيع مع الولايات المتحدة الأمريكية أو على الأقل عدم الوقوف ضد مشاريعها، والدفع باتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني، والتخفيف من حدة الخطاب على المنابر بالمساجد. <BR><BR><font color="#0000FF">7- .. وللوكالات الأمريكية نصيب</font><BR>ومولت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال إطلاقها لمبادرة الشراكة (الأميركية-) الشرق أوسطية التابعة لوزارة الخارجية في العام 2002 العديد من البرامج الاقتصادية في المغرب، وبينها المشاركة في أكاديمية تطبيق حقوق الملكية الفكرية في واشنطن؛ و تدريب على المقاضاة في القضايا المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية؛ وتطبيق نظام تعقب آلي يستخدمه المسؤولون عن الجمارك. والشراكة لتحقيق التفوق المالي وبرامج خاصة برجال الأعمال في إطار برنامج "ميت يو. إس"، وتمويل مبادرات منظمات مغربية غير حكومية، ومنظمات مجتمع مدني (منظمات أهلية)، أما الوكالة الأميركية للتنمية الدولية فقد قدمت في العام 2005 أكثر من 25 مليون دولار من المساعدات الخارجية للمغرب، خُصص 43 بالمائة منها لتعزيز القدرات التجارية لمساعدة المغرب في الاستفادة ًمن الفرص الناجمة عن المناخ التجاري الذي وفرته اتفاقية التجارة الحرة. كما مول المبلغ المتبقي برامج التربية والتعليم والديمقراطية وآليات الحكم للمساعدة في تعزيز الثروة البشرية والمؤسسات التي ستمكن المغرب من المحافظة على النمو الاقتصادي على المدى الطويل.. أما صندوق تيسير الأعمال التجارية والصناعية والاستثمار فقد قدم منحا للبعثات الأميركية الدبلوماسية في الخارج لتقوم بتعزيز الفرص التجارية والصناعية في دول كالمغرب، هذا وقد قدم الصندوق تمويلاً للسفارة الأميركية في المغرب كي تدعم وتروج لاتفاقية التجارة الحرة بين أوساط مؤسسات ورجال الأعمال الأميركيين والمغاربة. ولعل من أبرز ما يؤشر على النفوذ الأمريكي بالمغرب وجود مكتب دائم للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بالبرلمان المغربي قيل إنه يقوم بوظائف ترتبط بدعم أعماله وتطوير آليات اشتغاله، فما تظل وظيفته الأساسية حسب الكثير من المحللين تتبع العملية السياسية ومراقبة العمل التشريعي عن قرب ليتسنى للولايات المتحدة الأمريكية إعداد الخطط المناسبة والمشورات القمينة بالدفاع عن مصالحها.<BR>صحيح أن المغرب ظل يعبر عن مواقف حازمة تارة ومخالفة تارة أخرى للسياسة الأمريكية خاصة ما تعلق بملف الوحدة الترابية وقضية فلسطين والعراق، وصحيح أن مصالحه الاقتصادية ما تزال مرتبطة بشكل قوي بالاتحاد الأوروبي إلا أن السؤال العريض هو من يملك أن يوقف زحف الفرعونية الأمريكية التي أسس دولتها على قاعدة " من ليس معنا فهو ضدنا"، ذلك ما ستبشرنا به السنوات المقبلة..<BR> ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<BR>* صحافي وكاتب مغربي مهتم بالشؤون الاقتصادية<BR>مدير مكتب مجلة البيان السعودية بالمغرب <br>