لغز اختفاء الجنرال الإيراني في قلب إسطنبول
13 ربيع الأول 1428

مسألة اختفاء الجنرال الإيراني علي رضا عسكري (63 عاما) والتي أشعلت نار الحرب الاستخباراتية في قلب اسطنبول تذكرنا نوعا ما بالعمليات التجسيسة الساخنة التي كانت تحصل أيام الحرب الباردة. <BR>فهذا الرجل الذي عمل لثماني سنوات وحتى عام 2005 كنائب لوزير الدفاع والذي كان من أقوى الجنرالات في الحرس الثوري الإيراني اختفى من اسطنبول في وضح النهار.. والآن؛ فإن تركيا وإيران يحاولان معرفة مصير عسكري الذي دخل آمنا إلى تركيا في السابع من فبراير واختفى فيها فجأة بدون أن يترك خلفه أي أثر ما عدا علامات استفهام وأسئلة محيرة عما إذا كانت المخابرات الأمريكية أو "الإسرائيلية" هي التي اختطفته أم أنه هو الذي اختار الاختفاء بمحض إرادته؟<BR>إيران تدعي بأن المخابرات الأمريكية هي التي اختطفت عسكري وتدعم ادعاءها نظرا لقيمته المعلوماتية المهمة لجهازي المخابرات الأمريكية و"الإسرائيلية" كونه كان ممثلا للحرس الثوري في لبنان ومنسقا بين "حزب الله" والحرس في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات وكان يساعد "حزب الله" في حربه "لإسرائيل" ولديه إلماما واسعا بمستوى تسليح حزب الله اللبناني والتعاون الإيراني مع الداخل الفلسطيني وكذلك التعاون العسكري السوري-الإيراني إضافة إلى نشاطات الحرس الثوري في العراق وعلاقاته مع الأحزاب والقوى العراقية. <BR>وذكرت صحيفة "حرييت" التركية في تقرير لم تفصح عن مصدره أنه ضالع في برنامج إيران النووي لهذا السبب، فإن إيران أرسلت وفدا استخباراتيا مهما إلى تركيا الشهر الماضي من أجل تسريع عملية البحث عن هذا الجنرال الذي يتمتع بمكانة عالية في صفوف حرس الثورة ويعد كنزا معلوماتيا بالنسبة للمخابرات الأمريكية "الإسرائيلية" بل ومن الممكن أن يكون المفتاح لفهم الكثير من الأمور المتعلقة بالدور الإيراني في العراق بالإضافة إلى الحصول على معلومات استخبارية بشأن برنامج إيران النووي والتكنولوجيا الموجودة بحوزة إيران والموعد المتوقع لتطوير أسلحة نووية. <BR>كل هذه الأسباب تقض مضجع إيران بل وتخيفها خشية من أن يكون علي رضا عسكري الأداة والوسيلة للكشف عن خططها الداخلية وفي المنطقة عموما والعراق ولبنان خصوصا وبالتالي تفقد أوراقا مهمة كانت ترفعها في وجه الولايات المتحدة و"إسرائيل" لهذا هي تطلب من تركيا أن تفعل أي شيء للوصول إليه وسط الادعاءات التي نشرتها صحيفة "يدعوت أحرونوت" من أن عسكري اختطف على يد "الموساد" و"السي أي إيه" بعد وصوله إلى اسطنبول بساعات قادما من سوريا في مهمة سرية وبأنه يخضع للتحقيق حاليا في قاعدة أمريكية بألمانيا. <BR>تركيا من جهتها تحاول حل لغز اختفاء عسكري لكنها في نفس الوقت منزعجة جدا من عملية اختطاف مسئول مهم وكبير مثل عسكري من أرضها فمثل هذه العملية ستشوه سمعتها وتظهر علنا مدى الضعف الذي ينخر في بنيتها الاستخباراتية العاجزة عن متابعة الأمور الداخلية فكيف بها بالخارجية!!..إذ لم يعد يخفى على أحد كيف أن المخابرات الأمريكية والإسرائيلية تسرح وتمرح في تركيا بحرية ومدى تأثيرها في الداخل وكيف أنها ’تحمل طائراتها بالمطلوبين دون رقيب أو حسيب وتأخذهم إلى المكان الذي تريده دون علم السلطات التركية بل وأكثر من ذلك ما نشرته الصحف التركية في أوقات سابقة من أن المخابرات الأمريكية تدخل بكل حرية إلى السجون التركية وتحقق مع الأشخاص المطلوبين مثل حصل مع المعتقل السوري لؤي سقا في سجن "كاندرا" باسطنبول وغيره عدا عن الادعاءات بأنه يوجد أساسا في تركيا مراكز سرية للمخابرات الأمريكية يتم فيه استجواب المطلوبين. بل وعندما ننظر كيف تم نقل الأسرى المختطفين في أفغانستان إلى قاعدة "إنجرليك" بجنوب تركيا ومن ثم إلى معتقل "جوانتامو" نفهم بشكل أفضل كيف أن هذه المخابرات تنشط وتعمل بحرية فوق الأراضي التركية لهذا يعتقد بأن عمليه تهريبه عبر قاعدة أمريكية من تركيا لن يكون صعبا ولا يستدعي علم السلطات التركية بالضرورة.<BR>ما يثير الانتباه هو التوقيت المهم لهذا الاختفاء بينما وصل فيه مؤشر التوتر بين أمريكا وإيران إلى أعلى مستوياته ووسط الصراع الأمريكي الإيراني المحتدم داخل العراق وعمليات الاعتقال الواسعة التي تشنها القوات الأمريكية ضد إيرانيين في العراق وفي الوقت الذي تحسنت فيه العلاقات بين تركيا وإيران خصوصا في مجال مكافحة الانفصاليين الأكراد بل والأهم من ذلك جاءت في الوقت الذي كثفت فيه الولايات المتحدة و"إسرائيل" من تهديداتها بضرب المنشآت النووية الإيرانية. <BR>وبينما وقعت تركيا وإيران في هم وغم البحث عن الجنرال الإيراني المفقود فإنه لم تصل لحد الآن أي معلومات مفيدة من الأوساط الأمريكية حول هذا الموضوع طبعا ومعها المخابرات "الإسرائيلية" المتمرسة في مثل عمليات الخطف هذه لكن في كل الأحوال فإن حادث اختفاء علي رضا عسكري يقف وراءه مشتبهان هما أمريكا و"إسرائيل" نظرا لصراعهما المستمر مع إيران.. ولكن ماذا عن دور تركيا في هذا الموضوع؟. <BR>المخابرات التركية كانت دوما تعمل على قدم وساق مع المخابرات الأمريكية و"الإسرائيلية" والتحرك بينهم يتم غالبا بشكل مشترك في العمليات الإقليمية لكن نفس تركيا تحاول أن تقف على الحياد في الصراع الأمريكي "الإسرائيلي" مع إيران بمعنى أنها أعلنت مرارا وتكرارا بأنها ترفض أي تدخل عسكري أمريكي ضد إيران لهذا فإن احتمال تورطها في هذه المسألة يبقى ضعيفا خصوصا أنها ستؤثر سلبا على علاقاتها المتحسنة مع إيران والتي أصبحت مؤخرا بشكل أو بأخر شريكا مهما في مكافحة إرهاب الانفصاليين الأكراد. <BR>هذه المسألة المرشحة لتكون من بين سلسلة قصص التجسس الخطيرة كونها يمكن أن تقلب الموازين في المنطقة ضد إيران تشير بأصابعها إلى العراق.. فعسكري كان يشغل مناصب على جبهات القتال إبان الحرب مع العراق وكان مسؤولا أيضا عن فعاليات استخباراتية في العراق ضد التواجد العسكري الأمريكي كما أنه كان قائد الفصائل الإيرانية في العراق وهناك ادعاءات بأنه رد الضربة لأمريكا عندما فرغ الرصاص على أجساد جنودها انتقاما لقيامها بأسر ثمانية دبلوماسيين إيرانيين في العراق.. عسكري دخل مطار اسطنبول قادما من سوريا وقبلها من العراق. وطبقا للمعلومات التي نشرتها الصحف التركية فإن أشخاص أجانب لا يحملون الجنسية التركية قاموا بحجز غرفة لعسكري في فندق "جيلان أنتركونينينتال" لمدة ثلاثة أيام لكن الجنرال الإيراني لم يصل هذا الفندق وتم العثور على حقيبته في فندق رخيص. وكشفت صحيفة "مللييت" أن كاميرات المراقبة في فندق "جيلان أنتركونينينتال" كانت معطلة حيث أثبتت التحقيقات التي أجريت على نظام المراقبة بالفندق أنه كان معطلا منذ مدة لهذا السبب لم يتم التمكن من التسجيل لكن مصدر أمني في إيران قال بأن قوات خاصة عمدت إلى تعطيل أجهزة المراقبة في الفندق ودهمت الغرفة التي ينزل فيها وقادته إلى مكان مجهول.<BR>حسنا، والأسئلة التي تطرح نفسها حاليا هي لماذا لم يسافر عسكري من العراق فورا إلى إيران واختار تركيا؟ وهل أنه اختطف فقط لنشاطاته في العراق؟ وأليست المعلومات الثمينة التي يحملها عن "حزب الله" والملف النووي الإيراني لوحدها كفيلة بأن تجعله هدفا ملحا مطلوبا لأمريكا و"إسرائيل".. وهل أنه لعب دورا في نقل قطع بعض الصواريخ إلى إيران عبر تركيا وأخيرا هل له أي صلة بالقطع الكهربائية التي تستخدم في صنع صواريخ "TOW" وتم تهريبها من تركيا إلى إيران؟؟... أم تراه لم يختطف وإنما فضل التعاون والاختفاء بمحض إرادته ولهذا السبب هو دخل تركيا عبر سوريا بدلا من إيران ومن دون إبلاغ السلطات المحلية أو اصطحاب مرافقين له خصوصا بعدما نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسئول أمريكي لم تذكر اسمه قوله بأن عسكري تعاون بملء إرادته مع الغرب لكنه لم يذكر الجهة الاستخباراتية الغربية التي تعاون معها أو المكان الذي يمكن أن يكون فيه لكنه قال بأن كل المعلومات الموجودة بحوزة عسكري تصل إلى المخابرات الأمريكية.أما صحيفة "ذا جارديان" الإنكليزية فنقلت عن الخبير "الإسرائيلي" في الشئون الإيرانية ميناشي أمير قوله بأن عائلة علي رضا عسكري غادرت إيران قبل اختفاءه مشيرا إلى أن عسكري طلب اللجوء إلى دولة غربية لكن إيران ترفض هذه الحقيقة وتصر على ادعاءات اختطافه. يأتي هذا في الوقت الذي أشار فيه رئيس الموساد السابق والعضو الحالي في الكنيست "الإسرائيلي" داني ياتوم إلى أن عسكري هرب إلى الولايات المتحدة وقال بأن العملية تم لها التخطيط بكل دقة مهارة وأضاف :"أنا منذ البداية كنت أعتقد بأن العملية هي هرب وليس اختطاف تم التخطيط لها مسبقا، سيما أن عائلته غادرت إيران قبل اختفائه لكي يضمن عدم تعرضه لضغوط من بلاده" مشيرا إلى أن المعلومات التي سيقدمها العسكري قد تلقي الضوء على الكثير من المراحل السوداء في تاريخ الشرق الأوسط. <BR>يبقى القول أنه بينما تسعى أجهزة الأمن والمخابرات التركية حاليا لاستجلاء بعض الأمور الغامضة وفي مقدمتها طبيعة مهمة عسكري وسبب دخوله إلى تركيا، فإن القلق الأكبر بالنسبة لها هو أن ينوبها جانب من الصراع الدائر بين أمريكا –"إسرائيل" مع إيران لتصبح مركزا للحرب الاستخباراتية المتداخلة مع الملف النووي الإيراني والمصالح الأمريكية "الإسرائيلية" في المنطقة.<BR><br>