لماذا يحرص الأمريكيون على لقاء القادة قبل القمم العربية ؟!
6 ربيع الأول 1428

<font color="#ff0000">هدف ما قبل القمة العربية : "تمييع" المبادرة العربية للسلام</font><BR><BR>لماذا يحرص الأمريكيون علي لقاء القادة قبل القمم العربية ؟ ولماذا كلما اقتربت قمة عربية يزور البلدان العربية الرئيسة الكبرى مسئول أمريكي أو أكثر كما تفعل (وزيرة الخارجية الأمريكية) رايس هذه المرة وهي تزور مصر و"إسرائيل" والضفة الغربية والأردن وتلتقي في أسوان جنوب مصر بوزراء خارجية ما يسمى "الرباعية" العربية والتي تضم كلا من مصر والأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة ، وبالرئيس حسني مبارك ؟ .<BR>ولماذا يصر الأمريكيون في كل مرة علي أن هدفهم ليس التأثير في قرارات القمم العربية أو يسخرون من تأثيرها ، ثم يتكشف في الغرف المغلقة أنهم يطالبون بتعديل مبادرة السلام العربية بحيث تتوافق مع الرغبات الصهيونية وتنطلق عملية سلام يعترف فيها كل العرب بلا استثناء – عبر قرار للجامعة – بالدولة الصهيونية !.<BR>ليست مصادفة أبدا أن تعقد رايس لقاءات مع قادة مخابرات عدة دول عربية ويدور الحديث أساسا حول "تليين" موقف حركة المقاومة الإسلامية حماس ، ثم تعود للقاء وزراء خارجية أربع دول عربية مؤثرة ، وفي الوقت نفسه تصدر تصريحات أمريكية وإسرائيلية تروج لتعديل المبادرة العربية للسلام التي أطلقتها السعودية منذ قمة بيروت 2002 والتي ربطت التطبيع بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 .<BR><font color="#ff0000">التعديل .. طلب أمريكي قديم</font><BR>فتارة يعلن "الإسرائيليون" أنهم يتوقعون من القادة العرب تخفيف بعض بنود المبادرة العربية للسلام ، وتارة أخري تصدر تصريحات من الطرف الأمريكي تحث العرب علي تخفيف شروط السلام الشامل مع تل أبيب ، وفي كل مرة تبدو المطالب الصهيونية غامضة ما بين المطالبة بالتخلي عن فقرة عودة اللاجئين في المبادرة ، والمطالبة باستبدال أراض فلسطينية محتلة عام 1948 بأرض محتلة عام 1967 .<BR>وكانت وسائل إعلام إسرائيلية نقلت مؤخرا عن مصادر سياسية إسرائيلية أن إسرائيل تتوقع أن توافق الدول العربية على صيغة معدلة لمبادرة السلام في القمة المرتقبة في الرياض في نهاية الشهر الحالي، وأضافت المصادر ذاتها أنها "تدرك وجود نية (لدى العرب) لتطوير المبادرة لعرض اقتراحات أفضل".<BR>وبحسب تلك المصادر فإن "إسرائيل" تريد أساسًا "تليين" البند المتعلق باللاجئين في المبادرة؛ حيث إن النص الحالي يطالب بتطبيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأماكن التي هجروا منها في داخل البلاد ، وهو ما قالت بوضوح لاحقا وزيرة الخارجية "الإسرائيلية" تسيبي ليفني التي قالت: إنها تعارض بند اللاجئين الذي أدخل على المبادرة السعودية في قمة بيروت !.<BR>وترجع فكرة تعديل المبادرة العربية للسلام إلي الولايات المتحدة الأمريكية التي طالبت قبل قمة الجزائر 2005 الدول العربية بالتركيز علي التطبيع مباشرة والحوار مع تل أبيب ، وتجاهلت تماما المبادرة وأعلنت أنها "تؤيد الاتصالات والحوار وتطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والدول العربية " ،ونقلت واشنطن هذه الأفكار للعديد من الدول العربية .<BR>وعندما ظهرت دلالات علي أن دول عربية مثل الأردن والمغرب وتونس ربما تؤيد هذه الأفكار الأمريكية في قمة الجزائر ، خرج الخلاف العربي بين المؤيدين والرافضين للعلن ، رغم أن الاقتراح الأردني ربما استهدف – كما تقول مصادر دبلوماسية عربية - استكمال خطوات التطبيع التي بدأت في أعقاب قمة شرم الشيخ فبراير 2005 حول التفاهمات "الإسرائيلية" الفلسطينية، وإضفاء مشروعية عربية عليها .<BR>وقد فوجئ المؤيدون للتعديل في قمة الجزائر – وهو ما تكرر في قمة الخرطوم 2006 - بمعارضة عنيفة قادها أمين عام الجامعة العربية (ومعه سوريا والسودان) الذي قال بوضوح إنه "لا سلام بدون ثمن "، وإنه "لا سبب للتعجل في إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل"، ما دعا وزير الخارجية الإسرائيلي - شالوم حينئذ - للهجوم عليه؛ بدعوى أن- موسى- "أفسد توجه دول عربية للتطبيع الكامل مع تل أبيب " !.<BR>وقد نجحت الاتصالات التي أجرتها عدة دول عربية كبري في الحفاظ على المبادرة العربية للسلام كما هي دون تعديل للمرة الثانية في قمة الخرطوم الأخيرة - رغم بعض المشادات الجانبية بين الدول الرافضة للتطبيع بلا ثمن وتلك المؤيدة - وأقر وزراء الخارجية العرب المبادرة بدون تعديل ، ليوقع عليها القادة العرب عليها كما هي .<BR><font color="#ff0000">تمييع المبادرة .. هو الجديد؟</font><BR>والملفت أنه بعدما أنهى مجلس وزراء الخارجية العرب أعماله في 4 مارس الجاري برفض إدخال أي تعديل على بنود المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل، بدأت أصوات "إسرائيلية" وأمريكية تعلن ترحيبها مرة أخري بالمبادرة العربية كأساس مقبول للسلام وتطالب العرب بإعادة طرحها في قمة الرياض المقبلة لتكون "أساس للمناقشة" !؟.<BR>وفي أعقاب قول الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى: "إن المبادرة العربية تعبر عن إجماع عربي، ولا سبيل إلى إعادة النظر في مضمونها أو صياغتها، خاصة أننا فهمنا أن المطلوب من فكرة التعديل هو إلغاء الإشارة إلى الانسحاب إلى حدود الرابع من يونيو 1967 وإلغاء البند الخاص باللاجئين"، مؤكدا أن تعديل المبادرة "خطأ إستراتيجي قاتل" ، فوجئنا برئيس الوزراء الصهيوني يرحب المبادرة العربية "كأساس" للحوار ، وتصفها رايس بأنها "قاعدة للنقاش" !<BR>ويبدو أن الهدف الأمريكي الإسرائيلي هو السعي لتمييع المبادرة العربية بحيث تصير إلى نقاش مشترك ينتهي بالتنازل عن بعض بنودها ، وأن هدف إدارة (الرئيس الأميركي) جورج بوش العاجل هو البحث عن إنجاز سياسي أخير قبيل مغادرة الرئيس بوش لمقعده في البيت الأبيض مع انتهاء مدة رئاسته الثانية، خصوصا بعد التعثر الكبير للمشروع الأميركي في العراق، والمشاكل الكبيرة مع إيران على خلفية برنامجها النووي .<BR>بعبارة أخري يرى مسؤولو الخارجية الأمريكية أن تحريك عملية السلام بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" ربما يكون هو المجال الذي ترى الإدارة الأميركية أنه يشكل فرصة لتحقيق إنجاز ما به يسجل في تاريخ بوش في ظل حالة الهجوم علي فشل حروبه الخارجية .<BR>فالأمريكيون يعولون علي دول عربية مثل الأردن والمغرب لتعديل في بنود المبادرة العربية بحيث يتم الالتفاف حول نص الانسحاب من كل الأراضي المحتلة عام 1967 ، وإسقاط بند عودة اللاجئين مقابل تعويضات دولية هي في علم الغيب .<BR>ولذلك ستتوجه رايس من القاهرة إلى القدس ورام الله ثم عمان لإجراء مباحثات مع العاهل الأردني الملك عبد الله قبل أن تعود إلى "إسرائيل" لمزيد من الاتصالات مع المسئولين "الإسرائيليين" والفلسطينيين ، وذلك قبل القمة العربية في الرياض التي ينتظر أن تعيد التأكيد علي المبادرة العربية للسلام التي تعرض على "إسرائيل" إقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية في مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي التي احتلت في حرب 1967.<BR>وهي - رايس – قد ألمحت بهذا للصحفيين حينما قالت : إنها "تأمل أن تجد الدول العربية سبيلا لتتابع بنشاط مبادرتهم للسلام التي أطلقوها عام 2002، معربة عن أملها في إقناع "الإسرائيليين" والفلسطينيين بالموافقة على بحث مجموعة مشتركة من القضايا" ، وقالت : "ستكون هذه الرحلة ناجحة بالنسبة لي إذا استطعت التأكد من أن لدينا الآن منهجا مشتركا للتحرك قدما إلى الأمام". وأعربت عن أملها في أن يوافق الجانبان على بحث قضايا -مبدئيا من خلال مسئولين أمريكيين يترددون بين الجانبين- مثل الأمن أو كيفية تحديد الأطر لدولة فلسطينية قادرة على الاستمرار .<BR>والأكثر غرابة أن رايس تدرك أن هذه هي ثالث جولة لها في المنطقة هذا العام ، ولم يحدث أي تقدم في الموقف الأمريكي أو الصهيوني ما يؤكد الشكوك حول التزام واشنطن فعليا بدفع عملية السلام بين "إسرائيل" والفلسطينيين أو العالم العربي على النطاق الأوسع ، ويكشف أن المخطط أمريكيا هو مجرد مسكنات بهدف توفير تحالف عربي في الشرق الأوسط مرتبط بالمصالح الإقليمية الأمريكية .<BR>فالهدف الأمريكي الاستراتيجي لا يزال إحياء مشروع الشرق الأوسط الأمريكي من خلال حشد ما أطلق عليه العام الماضي "تحالف البنّائين" بالمنطقة ضد "تحالف المدمرين"، حيث يستهدف هذا التحالف بشكل أساسي إنجاز تفاهم مع الدول العربية "المعتدلة" لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية تعترف بـ"إسرائيل"، وتستأنف مفاوضات التسوية معها .<BR>وقد تطورت هذه الرؤية الأمريكية للحديث عن "تحالف المعتدلين" العرب ، وظل الحديث يدور حول ضغوط علي حماس دون أي ضغوط علي الدولة المحتلة (إسرائيل) ، وكما استمرت سياسة حصار حكومة الوحدة الوطنية في وقت تطالب فيه واشنطن العرب بطرح مبادرات ورؤى عربية عملية لاستئناف المفاوضات لتحقيق التسوية النهائية‏ في إطار مبادرة السلام التي تبنتها قمة بيروت 2002 !؟.<BR>الهدف الأمريكي لا يزال بالتالي كما هو ويتلخص في التجاوب مع المطالب الرسمية العربية بشأن طرح ومناقشة فكرة المبادرة العربية وعدم رفضها تماما كما حدث في مرات سابقة ، ولكن الجديد هو أن هذا القبول بالمبادرة العربية ليس قبولا بكافة بنودها ولكنه قبول مشروط باعتبارها مجرد (أساس) أو (قاعدة) للبناء عليها ، ما يعني الحذف والتعديل فيها مستقبلا .<BR>ولأن الهدف الصهيوني هو التطبيع الكامل مع الدول العربية ، وهو تطبيع قائم بالفعل مع عدة دول عربية ، فمن شأن القبول "الإسرائيلي" المبدئي بالمبادرة العربية أن يعطي هؤلاء التطبيعيين العرب فرصة التطبيع بحرية ويعطي الصهاينة فرصة التغلغل في الأسواق العربية ، والأهم أنه يفتح الطريق أمام إعادة تعريف المبادرة العربية وفكها وتركيبها بما يتوافق مع المصالح الصهيونية.<BR><br>