غرب إفريقيا .. إذا اختلف اللصان الفرنسي والأمريكي ظهر النفط المسروق !
25 صفر 1428

بينما العالم مشغول بعشرات القضايا الساخنة والملتهبة ، تجري على قدم وساق وفي أجواء من السرية حرب من نوع آخر بين النفوذ الأنجلوسكسوني ( الأمريكي) والفرانكوفوني (فرنسا) على مناطق نفوذ "قديمة جديدة" في غرب أفريقيا تحديدا .. لماذا ؟ .. الإجابة باختصار هي النفط أولا ومحاربة انتشار الإسلام ثانيا!.<BR>فيما يتعلق بالموارد الطبيعية الموجودة هناك – خصوصا في غينيا وليبيريا ونيجيريا- تؤكد التوقعات الرسمية الأمريكية أن تستمد الولايات المتحدة حوالي 20% من احتياجاتها النفطية من أفريقيا خلال العقد المقبل، ستوفر دول غرب أفريقيا 15% منها ، ويتوقع مجلس المعلومات القومي الأمريكي أن ترتفع هذه النسبة إلى 25 % بحلول عام 2015م .<BR>بل أن الإحصاءات الصادرة من الإدارة الأمريكية لشؤون النفط والطاقة تؤكد عمل كافة الترتيبات لرفع نسبة الاستيراد الأمريكي من النفط الأفريقي إلى 50 % من مجموع النفط المستورد بحلول العام 2015 ! .<BR>ولكن العلاقة بين النفوذين الأمريكي والفرنسي هنا تأخذ طابع التنافس على الكعكة النفطية الأفريقية التي تتميز بنقائها النسبي كخام ورخص سعرها ، فضلا عن سهولة السيطرة على دولها ، وهذا غير الطمع المشترك بين المتنافسين حول الثروة الطبيعة الهائلة الموجودة هناك خاصة الألماس، والذهب، والنحاس، فضلاً عن المواد المعدنية التي تُستخدم في الصناعات الثقيلة والنووية كالكوبالت واليورانيوم.<BR>وفيما يتعلق بمحاربة الإسلام – يسمونه "الإرهاب" – يأخذ التدخل الأمريكي والفرنسي هناك طابع التكامل ، خصوصا في المناطق التي تعتبر مناطق تماس أو خط أخضر في غرب القارة الأفريقية ما بين الإسلام العربي الأفريقي في السودان (دارفور) ووسط وجنوب القارة شبه المسيحي التنصيري حيث مراكز التنصير الغربية تتركز في كينيا وتنزانيا وتشاد .<BR>بعبارة أخرى يسعى الأمريكيون هنا لتحجيم دور الإسلام ومنع انتشاره من دارفور إلى الوسط والجنوب عبر مخططات لتفتيت السودان ومنع نشوء دولة إسلامية سودانية موحدة كبرى قادرة على التأثير في المحيط الأفريقي المجاور ونشر الإسلام لباقي ربوع القارة ، ويعاونهم الفرنسيون الذين يستعمرون العديد من دول الغرب الأفريقي ولهم قوات ثابتة هناك خصوصا في تشاد .<BR><font color="#ff0000"> تنافس شرس</font><BR>ومع أن هناك توافق بين الطرفين على محاربة الإسلام عبر التدخل في هذه المنطقة خصوصا في الدول الإسلامية كنيجيريا والسودان ، فالسمة الغالبة التي ظهرت مؤخرا كانت الصراع .. فبعد 9 أيام تقريبا من وإعلان وزير الدفاع الأميركي "روبرت جيتس" قرار استحداث قيادة عسكرية إقليمية خاصة بأفريقيا 6 فبراير 2007 ، بادرت فرنسا يوم 15 فبراير للرد بالقمة الفرنسية- الأفريقية رقم 24 التي عُقدت في مدينة "كان" واستهدفت تنشيط المشروع القديم الذي أعدته وزارة الخارجية الفرنسية عام 1997م، وعُرِف باسم "مشروع أفريقيا" الخاص بربط هذه الدول بروابط عسكرية واقتصادية وثقافية أوثق مع فرنسا ، وهي القمة التي باتت تنضم لها قرابة 42 دولة أفريقية بدلا من 7 في بداية ظهورها .<BR>والحالة هنا تشير لقلق فرنسي كبير من الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في أفريقيا ، بحيث تبدو الإستراتيجية الفرنسية في وضع دفاعي وهي تحاول الحفاظ على مواقع نفوذها إزاء الهجوم الأمريكي ، بل والصيني على إيجاد موضع قدم في هذه المناطق الأفريقية ، للحد الذي دفع الرئيس الفرنسي للهجوم – في تصريحات أخيرة - على من قال "إنهم يتطلعون إلى إعادة استنزاف موارد القارة ومواردها الأولية " .<BR>ومع أن المدخل الأمريكي لزيادة النفوذ في أفريقيا وغربها تحديدا يقوم على حجة محاربة الإرهاب ، كمدخل أمني ، فهو ينطوي فعليا على مداخل أخري إستراتيجية واقتصادية وسياسية هامة ، ويستهدف خلق وضع استراتيجي جديد عبر تشكيل قيادة عسكرية خاصة لأفريقيا ستكون هي رابع قيادة عسكرية أمريكية بجانب القيادات الإقليمية الثلاثة الأخرى : قيادة المنظمة الوسطى (الشرق الأوسط) وقيادة المحيط الهادي والقيادة الأوروبية .<BR>أما الهدف فهو بوضوح إقامة ثلاث قواعد عسكرية أميركية جديدة في أفريقيا (السنغال -أوغندا, ساوتومي وبرينسيب) , تضاف إلى قاعدة جيبوتي التي يوجد فيها نحو ألف وخمسمائة جندي منذ عام 2003 ، ليتم فيها تخزين العتاد العسكري والوقود بزعم مكافحة الإرهاب ومطاردة منظماته .<BR><font color="#ff0000">500 مليون دولار أمريكي</font><BR> ووفقا لهذا من المتوقع أن تنفق واشنطن 500 مليون دولار أمريكيا، في برنامج معلن لمناهضة "الإرهاب" وتأمين ما تطلق عليه الجبهة الأخيرة " لحربها الكوكبية على الإرهاب" ، وذلك ضمن مبادرة مواجهة الإرهاب عبر الصحراء التي بدأت فى يونيو الماضي وتستهدف تقديم الخبرات والمعدات والمساعدات العسكرية المتطورة لتسعة بلدان صحراوية بالغة الأتساع ومعظم أراضيها تبعد عن التواجد الحكومي، وتعد أرضا خصبة لقوي إسلامية مناوئة.<BR>حيث تمثل (مبادرة مواجهة الإرهاب عبر الصحراء) هذه تحديثا كبيرا لمبادرة (مناهضة الإرهاب عبر الساحل) ، التي خصص لها 7 مليون دولار، وبدأت عام 2002، والتي قال عنها مساعد وزير الدفاع للشئون الأفريقية أنها مجرد دق ناقوس خطر، إذا ما قورنت بالاحتياجات الأمنية الإقليمية.<BR>ويبدو أن الهدف الرئيس للحملة الأمريكية بالإضافة إلى مسألة الإرهاب ، والاستحواذ على النفط الأفريقي، هو زيادة الضغط على الدول المصدرة للنفط لزيادة إنتاجها لخفض الأسعار وإيجاد حالة من الانقسام بين الدول المنتجة .<BR>وأن الاهتمام الأمريكي بغرب إفريقيا والذي يعود لمطلع العام 2000 بتقديم مساعدات بقيمة 200 مليون دولار لمكافحة مرض الإيدز المستشري في بلدان القارة المختلفة ، يستهدف كذلك تنويع مصادر الطاقة الأمريكية ، وإيجاد أسواق جديدة للمنتجات الأمريكية، بجانب محاصرة النفوذ الأوروبي، فالنفط الأفريقي يشكل محور الخطة الأمريكية للسيطرة ومنافسة النفوذ السياسي والاقتصادي الأوروبي الذي ظل ينعم بهذه الثروات الأفريقية قرون طويلة من الاحتلال الاستعماري الأول .<BR>وما يزيد الأمر وضوحا هو تزايد الدراسات الأمريكية الرسمية حول مصادر الطاقة في أفريقيا ومنها تقرير صدر عن الكونجرس عن "خليج غينيا" وهو شريط ساحلي مليء بالنفط بين أنجولا ونيجيريا اعتبر هذه المنطقة "منطقة اهتمام حيوي" للولايات المتحدة بناء على المعلومات التي تفيد بغنى المنطقة الفعلي بالنفط، حيث أن إنتاج المنطقة النفطي يتعدى 5.4 مليون برميل يومياً وهي كمية تزيد على مجمل إنتاج فنزويلا وإيران والمكسيك !! .<BR>كذلك لا يمكن نسيان أن أنجولا تعد تاسع أكبر مصدر للنفط في العالم حيث يقل الإنتاج قليلاً عن مليون برميل يومياً، كما أن دارفور بها مخزون ضخم من معدن الكوبالت الذي يستخدم في صناعة الطائرات والمعدات العسكرية .<BR><font color="#ff0000"> صراع وتعاون</font><BR>وإذا كانت القمم الأفريقية – الفرنسية التي تعقد في باريس غالبا أو عواصم أفريقية أخري كانت تنشط بشكل كبير مع تصاعد التدخل الأمريكي في القارة الأفريقية والتنافس حول موارد القارة خصوصا البترول ، فقد فضحت القمم الخمسة الأخيرة منذ قمة فبراير 2002 اختلاف اللصين حول النفط المسروق !.<BR>فمنذ هذا العام بدأت واشنطن تعلن بوضوح عن نيتها توسيع نفوذها باتجاه القارة الأفريقية ، ومع كل عام كانت الخطط الأمريكية تتسع وتتطور بشكل أزعج الفرنسيون ، الذين بادروا بإستراتيجية هجومية ضد التدخلات الأمريكية وكذا البريطانية ، والسعي لفضحها بالحديث المتكرر عن استغلال البعض للمواد الأولية في أفريقيا دون النظر لتطوير هذه القارة أو انعكاس العولمة والتطور التكنولوجي عليها إيجابيا .<BR>ووصل الأمر في القمة الأخيرة في باريس هذا العام - ضمن باب التحديات- لإشارة الرئيس شيراك إلى تحديات القارة الأفريقية الحقيقية بصورة تتعارض مع الخطط الأمريكية هناك بهدف إظهار النوايا التوسعية الأمريكية ، ما زاد هوة الخلاف بين الطرفين .<BR>فشيراك تحدث هذه المرة عن أفريقيا التي تعاني أكثر من غيرها، وشدد على أهمية معالجة قضية تحدي النمو الديموجرافي والواقع التنموي المتردي ، وظهر بمظهر القلق على الحالة الأفريقية وهو يقول أن : "إفريقيا غنية والأفارقة فقراء" ، وأن "أفريقيا والعالم اليوم أمام مفترق طرق والسؤال الأساسي هو: ما هي مكانة أفريقيا في العولمة .. وإما أن نواجه تحدي التنمية، وبالتالي تحتل إفريقيا مكانتها الكاملة في العولمة، وتصبح قطبا للسلام وللرفاهية" !! .<BR>لقد كشف شيراك في خطبته الحماسية "المسروق" بين باريس وواشنطن ، وكشفت خطط القيادة الأفريقية العسكرية أيضا الأهداف الأمريكية ، وفضحت تقارير الإدارة والكونجرس عن الموارد النفطية في أفريقيا خصوصا غرب أفريقيا ، الصورة تماما ، وأن الغرض هو سرقة نفط أفريقيا ، والتصدي للصحوة الإسلامية في أفريقيا من جهة أخري .<BR>أما استهداف مناطق معينة بالتدخل مثل دارفور والسعي للتدخل فيستهدف أساسا محاولة حصار هذا الخرق الإسلامي في غرب أفريقيا باتجاه مناطق الوسط والجنوب التي يوجد بها مراكز السيطرة والنفوذ الغربية ومراكز التبشير ، وعصب المؤسسة الاستعمارية الأوروبية القديمة !.<BR>ويبقي السؤال : إذا كان صراع اللصان قد كشف النفط والموارد المعدنية المسروقة ، كما كشف أيضا خططتهما لمحاصرة النفوذ الإسلامي في القارة بحجة محاربة الإرهاب ، فما الذي ستفعله دول القارة الأفريقية خصوصا الدول الإسلامية لمواجهة هذه المخططات والمؤامرات التي تستهدف ثرواتها وعقيدتها ؟!<BR><br>