احذروا .. "حمير" الكونجرس ليسوا أفضل للعرب من"الأفيال" ؟!
21 شوال 1427

بانتهاء أهم وأغلى انتخابات في العالم هي انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي ( تكلفت 2.6 مليار دولار) ، بسحق الحزب الديمقراطي ( رمزه الحمار) للحزب الجمهوري (رمزه الفيل) ، في انتخابات مجلس النواب وحكام الولايات وتقدمه في مجلس الشيوخ ، يكون الناخب الأمريكي قد صوت بالفشل على سياسات الرئيس الأمريكي بوش الداخلية والخارجية معا ما يعتبر تصويت مبكر لصالح انتخاب رئيس ديمقراطي أيضا في انتخابات عام 2008 .<BR>وبانتهاء هذه الانتخابات الصاخبة التي شهدت منافسات حادة بين نواب كبار ، يمكن القول أن الأمريكان صوتوا ضد سياسات بوش والجمهوريين فيما يخص أربع ملفات رئيسية هي : "العراق" و"الإرهاب" و"أخلاق الحكومة" و"الاقتصاد" ، ما يعني توقع "تغيير ما" – بسبب انقسام الإدارة (الجمهورية) والكونجرس (الديمقراطي) - في بعض هذه الملفات خصوصا الملف الاقتصادي، حيث يعد ملفي العراق والإرهاب شائكين ، ولا توجد خلافات كبيرة بين الحزبين بشأن محاربة التهديدات الخارجية للولايات المتحدة .<BR>فقد حصل الديمقراطيون على 232 مقعدا بمجلس النواب من أصل 435 ، وذلك بزيادة 30 مقعدا عما كانوا يحتلونه في السابق ( 202) ، مقابل 203 حاليا للجمهوريين الذين فقدوا 26 مقعدا من 229 مقعدا كانوا يشغلونها قبل الانتخابات بمجلس النواب ، كما فازوا بمناصب 28 من حكام الولايات التي جرت فيها انتخابات ليحتلون بذلك غالبية مقاعد الحكام للمرة الأولى منذ 12 عاما، ومع فوزهم، فاز أيضا لهم أول نائب مسلم في الكونجرس هو كيث أليسون ما يعد انتصارا هاما لمسلمي أمريكا الذين عانوا منذ عام 2001 من الحصار نتيجة اتهامات عديدة بالتطرف والإرهاب . <BR>ومع أن توقعات المراقبين الأمريكان تقلل من أهمية فوز الديمقراطيين في القيام بتغيير حقيقي في السياسية الخارجية أو الداخلية الأمريكية ، خصوصا أن فوزهم لا يعود لتقدمهم ببرامج سياسية مهمة وإنما لرغبة الناخبين في عقاب إدارة بوش والجمهوريين على أكاذيبهم السياسية وتراجعهم عن وعودهم الاجتماعية ، يمكن القول أن فوز الديمقراطيين أيضا لن يكون أفضل كثيرا للعرب وللقضايا العربية بسبب التوقعات بألا تتغير سياستهم عن غيرهم تجاه العرب وإسرائيل ، بدليل فوز صقور كبار من الحزب الديمقراطي من أنصار تل أبيب وأبرزهم الصقر اليهودي المخضرم جوزيف ليبرمان أحد أنصار غزو العراق.<BR><font color="#0000FF">وبشكل عام يمكن الحديث عن عدة نتائج ودلالات هامة لهذه الانتخابات على النحو التالي : </font><BR><BR><font color="#ff0000">دلالات فوز الديمقراطيين </font><BR>1- تعد بمثابة تصويت بالفشل على سياسات الرئيس بوش والجناح اليميني المحافظ المتطرف ، ورد على أكاذيب إدارة بوش المتكررة بشأن حرب العراق ، كما أنها تمهد أيضا لتغيير في مؤسسة الرئاسة في انتخابات 2008 لصالح الديمقراطيين .<BR>2- تعبر عن حجم الانزعاج الكبير للشعب الأمريكي من نتائج غزو العراق الكارثية على الولايات المتحدة داخليا وزيادة كراهية العالم الخارجي للعنجهية الأمريكية ما أنعكس على أعمال عنف ضد أمريكا والأمريكيين في الداخل والخارج . <BR>3- أن الرئيس بوش سوف يلاقي صعوبة كبيرة في تنفيذ سياساته في العامين المتبقيين له في الحكم بسبب سيطرة الديمقراطيين على لجان الكونجرس التي تتحكم في القوانين وتوزيع الأموال اللازمة لتسيير السياسات .<BR>4- أن حملة الانتعاش والنشاط التي قام بها مسلمو وعرب أمريكا في هذه الانتخابات (بعد مدة انكماش وعزوف عن المشاركة السياسية نتيجة السياسات الدينية المتشددة لإدارة بوش المحافظة )، قد نجحت ، بدليل فوز أول أمريكي مسلم في انتخابات الكونجرس هو كيث اليسون بمقعد ولاية منيسوتا ليصبح أول نائب مسلم يدخل الكونغرس ، وبدليل رضوخ المرشح الجمهوري لرئاسة ولاية فلوريدا "تشارلي كريست" لمطالب المنظمات الإسلامية الأمريكية بطرد أثنين من قادة حملته الانتخابية بسبب تصريحاتهم المسيئة للمسلمين ، وهما : ماري آن هوجان- مسئولة بتحالف نسائية ضمن التحالف المساند لحملة ترشيح كريست – التي وصفت الإسلام بأنه "دين كاره ومخيف" ، وقالت أن "الهدف المعلن لعقيدة المسلمين هو قتلنا نحن "الكفار" ! ، إضافة إلي قس أفريقي أمريكي أدلى بتصريحات مسيئة للإسلام وعارض تأسيس مسجد في مدينة يغلب على سكانها الأفارقة الأمريكيين بجنوب ولاية فلوريدا .<BR>5- أسفرت الانتخابات عن نتائج هامة أبرزها خسارة نواب جمهوريين من دعاة غزو العراق ، وآخرين متشددين دينيا من أنصار فكرة "الحرب الصليبية" ، أبرزهم "ريك سانتورم" الذي كان أول من استخدم مصطلح "الإسلاميين الفاشيين" من المسئولين الأمريكيين ،والذي يعد أحد نجوم الجماعات الإنجيلية الأمريكية المتطرفة .<BR><font color="#ff0000">النتائج المترتبة على الفوز </font><BR>1- فوز الحزب الديمقراطي بأغلبية المقاعد في الكونجرس معناه انتقال رئاسة كل اللجان إلى الأعضاء الديمقراطيين ، وإذا علمنا أن نفوذ الكونجرس الفعلي يظهر داخل هذه اللجان- سواء فيما يتعلق بكتابة التشريعات أو بعملية التصديق على المعاهدات أو الموافقة على تعيين المرشحين للمناصب الفيدرالية المختلفة – سوف ندرك أن هذا سيؤثر على سياسة إدارة بوش التي تتلقي مفاتيح المشاريع والقرارات من لجان الكونجرس ، ومن ثم تغيير أولويات أجندة السياسة الأمريكية وتمرير مشروعات الديمقراطيين ، وتأجيل مشروعات إدارة بوش الجمهورية ، ما يعني قصقصة أجنحة بوش لحين انتهاء فترة رئاسته بعد عامين .<BR>2- هناك توقعات بأن يستغل الرئيس بوش هذه النتائج في تبرير تعجيل الانسحاب التدريجي من العراق ، بمعني أن فوز الديمقراطيين المعارضين لحزب العراق قد يسمح بحفظ ماء وجه إدارة بوش فيما يخص الانسحاب من العراق بإظهاره كأنه نتيجة ضغوط الكونجرس الجديد ذي الأغلبية الديمقراطية .<BR>3- هناك توقعات متزايدة بألا يحدث تغيير يذكر في السياسة الخارجية الأمريكية فيما يخص الشرق الأوسط والانحياز لإسرائيل ، ليس فقط لأن يهود أمريكا صوتوا أيضا – مع العرب – لصالح الديمقراطيين ، ولكن لأن هناك تيارا جديدا داخل الحزب الديمقراطي نما في الآونة الأخيرة يسمون "الديمقراطيون الجدد" – على غرار "المحافظون (الجمهوريون) الجدد " ، يتبنى نفس الأطروحات فيما يخص أمن إسرائيل ، ومحاربة الإرهاب ، والحفاظ على هيبة أمريكا العسكرية.<BR>4- يري فريق من الأكاديميين أن فوز الديمقراطيين ربما يتبعها فترة كمون وانعزال أو تقوقع داخلية نسبية ، وتوقف عن التدخلات الخارجية العنيفة ، ويبررون هذا بأن الولايات المتحدة شهدت منذ نشأتها ما يسميه علماء السياسة الأمريكان "نظرية البندول" التي تتلخص في اتجاه السياسة الأمريكية في عهود إداراتها المختلفة ووفقا للأحداث العالمية نحو مزيد من التدخل في شئون العالم يعقبها فترات أخرى انعزالية تنكفي فيها واشنطن على ذاتها داخليا وتهتم فقط بالشئون الداخلية على حساب الخارجية . وتتراوح هذه الفترات فترة أو فترتين رئاسيتين سرعان ما تتغير مع الرئيس الجديد وفق نظرية البندول، وغالبا ما يعقب كل مدة تدخلية نشطة في شؤون العالم فترة انعزالية على غرار ما حدث عقب الحرب العالمية الثانية . وأنه بعد حالات التدخل الصارخة الفاشلة في ظل إدارة ، ربما تشهد أمريكا فترة عزوف عن هذه التدخلات الخارجية لأسباب داخلية (إصلاحات مالية) وخارجية تتعلق بالسعي لتحسين صورة أمريكا الخارجية . <BR><font color="#ff0000">"الديمقراطيون الجدد" على خطي "المحافظين" ! </font><BR>رغم أن العالم العربي - شعبيا ورسميا – ربما يكون أكثر ميلا لفوز الديمقراطيين تعليق الآمال على "الديمقراطيين" نكاية في الجمهوريين وإداراتهم التي أظهرت تحيزا غير منطقي للسياسة الصهيونية على حساب المصالح العربية والقضية الفلسطينية ، يري محللون عرب وأمريكان أن النتائج لن تغير كثيرا في السياسية الخارجية الأمريكية ، وأن الديمقراطيين لن يكونوا أفضل للعرب من الجمهوريين في الكونجرس .<BR>ويعزز هذا المحلل الأمريكي "ديفيد بروكس" - في مقال له في جريدة النيويورك تايمز – بقوله أن "الديمقراطيين المعتدلين" حققوا أفضل النتائج ، بعكس "الديمقراطيين المتشددين" الذين فازوا بأصوات أقل ، وهو ما يعني إن النتائج لا تمثل تيارا أيدلوجيا كاسحا في أمريكا وإنما هو مجرد استفتاء على "مدى كفاءة إدارة الرئيس بوش" ، ما يعني عدم توقع تراجع كبير في السياسة الأمريكية سواء في فلسطين أو العراق . <BR>ولتوضيح هذا نشير إلي أن هناك تيار متشدد أيضا يتبنى المصالح الإسرائيلية ويعادي العرب والمسلمين داخل الحزب الديمقراطي ويطلق عليهم يمكن أن نسميهم "الديمقراطيون الجدد" على غرار صقور "المحافظين الجدد" في الحزب الجمهوري ، وهذا التيار ظهر بوضوح منذ 11 سبتمبر ، وله نفس أفكار تيار المحافظين الجدد داخل الحزب الجمهوري، بل وله صلة بصقور الحزب الجمهوري وينتهج نفس سياساته فيما يخص العداء للعرب والمسلمين والانحياز لتل أبيب .<BR>وهذا التيار المحافظ داخل الحزب الديمقراطي يؤيد دعما قويا لإسرائيل ويتبنى فكرة العمل على حمايتها كحليف باعتبارها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ويدعون لحماية الدور القيادي للولايات المتحدة، ويدعون لحماية الأرصدة الأمريكية ومحاربة الإرهاب .<BR>وهؤلاء يرفعون شعارات مشابهة لصقور الجمهوريين على صعيد السياسة الخارجية ومنها: تقوية المؤسسة العسكرية الأمريكية عبر العالم وإبقاؤها مؤسسة عابرة للقارات، وتصعيد الحرب ضد الإرهاب، ونشر ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان ولكن الاختلاف بينهم وبين الجمهوريين يتمثل في دعوتهم للتشاور مع الحلفاء والتنسيق مع الأمم المتحدة .<BR>ولهذا لا يتوقع أن تحدث اختلافات كبيرة في السياسة الخارجية الأمريكية خصوصا تجاه المنطقة العربية ، لأن هذه الاختلافات بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول الشرق الأوسط وإسرائيل غير موجودة أصلا ،كما أن الديمقراطيين حانقين منذ ولاية الرئيس كلينتون على الشعب الفلسطيني لرفضه خطة كلينتون للتسوية الشاملة في كامب ديفيد ، كما أن المتشددون منهم أصبحوا هم من يقود الحزب الآن !.<BR>وحتى فوز أمريكي مسلم ودخوله الكونجرس لأول مرة لن يعني بالضرورة أن يتخذ اتخاذه مواقف مناصرة للقضايا الإسلامية والعربية ، لأن التجربة كشفت عن أن النواب ذوي الأصول الإفريقية ممن انتخبوا سابقا في الكونجرس لمجلس لم يظهروا ميلا للمواقف العربية وإنما أمليت عليهم مواقفهم حسابات داخلية أخرى وجماعات ضغط اقوي من الجاليتين العربية والإسلامية ، كما أن اللوبي اليميني المتطرف نجح في حشد الجالية السوداء في أمريكا ضد العرب ودولة السودان على خلفية قضية دارفور بترويج أكاذيب عن أن العرب يقتلون الأفارقة هناك !.<BR><font color="#ff0000">دور مسلمي وعرب أمريكا</font><BR>رغم أن عددهم يتراوح بين 6-10 مليون نسمة من تعداد الأمريكيين (حوالي 3% من السكان) ، وخاض انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي منهم نحو 37 مسلما فقط - من العرب وغير العرب – إضافة إلي 17 مسيحيا من العرب الأمريكيين ، فلم يفز منهم أحد في انتخابات الكونجرس باستثناء انتخابات العام الحالي التي فاز فيها أول أمريكي مسلم هو "كيت إليسون " الذي تخطى مراحل عديدة للنجاح ليصبح أول مسلم أمريكي يصل إلى الكونجرس .<BR> وإليسون أمريكي ، محام من أصل إفريقي يركز في برنامجه على برامج الضمان الاجتماعي والاقتصاد والبحث عن مصادر بديلة للنفط العربي ، ولهذا تحفظ على تأييده بعض العرب الأمريكان .<BR>ومع أن ترشيح هؤلاء المسلمين استهدف تحقيق نوع من الدعاية للمسلمين وإعادة تصحيح صورة مسلمي أمريكي عبر الدعاية الانتخابية ، ومن ثم استعادة دور مسلمي أمريكا السياسي بعد التراجع الذي حدث لهم في أعقب أحداث سبتمبر ، فلم يترجم هذا النشاط حتى الآن بصورة كبيرة باستثناء نجاحات قصيرة فيما يخص وقف تصريحات مسيئة للإسلام خلال الحملة الانتخابية ، وإنجاح مرشح أفريقي مسلم وسقوط 36 مسلم أخر في الانتخابات . <BR>ومع أن نسبة تصويت مسلمي أمريكا في الانتخابات ارتفعت عموما من 41% عام 2002 إلي إلى 84% عام 2004 من الناخبين المسلمين والعرب ، فهي لا تزال نسبة متدنية ، كما لا يزال الوزن السياسي للجالية المسلمة ضعيفا مقارنة بجاليات أخري ربما لاختلاف أجندة الأولويات لدى المسلمين العرب عن المسلمين الأفارقة عن الآسيويين وهكذا ، وهو ما يؤثر على التنسيق الجماعي بين كل إفراد الجالية وجمع التبرعات (الضئيلة) وغيرها .<BR>وأهمية مشاركة مسلمي وعرب أمريكا في انتخابات التجديد النصفي لا تقتصر فقط على الفوز ، ولكن أيضا السعي لتغيير السياسية الأمريكية المنحازة لإسرائيل المتوقع استمرارها نتيجة تصويت يهود أمريكا أيضا للحزب الديمقراطي ، وربما يبرر هذا حالة النشاط التي ظهرت لمسلمي وعرب أمريكا في هذه الانتخابات .<BR><BR>النتائج الفعلية لانتخابات الكونجرس تعتبر بالتالي صفعة على وجه الرئيس بوش وحزبه الجمهورية ، ربما يعرقل بصورة ما خطط بوش وسياساته الخارجية أو الداخلية نتيجة سيطرة الديمقراطيين على المخصصات المالية في الكونجرس ، وقدرتهم على معاكسة سياسات بوش ، بيد أن أثارها السلبية على العرب قد تكون أكثر من أثارها الإيجابية ، من زاوية أنها لن تغير في انحياز أمريكا تجاه إسرائيل والقضايا العربية . <BR><br>