الولايات المتحدة بعد خمس سنوات من "مكافحة الإرهاب"
22 رمضان 1427

لم يعصف حدث بالمجتمع الأمريكي – وربما بالعالم - مثلما عصفت به تفجيرات 11 سبتمبر وسيظل هذا التاريخ (11 سبتمبر) محفورا في الذاكرة الجماعية للأجيال الأمريكية طيلة هذا القرن وسيظل هذا التاريخ نقطة التحول الكبير في تاريخ الولايات المتحدة ونمط حياة شعبها و نظامه الفكري وأولويات سياستها الداخلية والخارجية فأمريكا قبل 11 سبتمبر ليست هي بالقطع أمريكا بعده ويمكن القول بيقين أنه لأول مرة منذ الحروب الأهلية يأتي حدث تتغير فيه أجندة المجتمع والدولة من قمة السلطة إلى أسفل المجتمع فيكون: <BR>- الإرهاب هو العدو الأول والهاجس الدائم <BR>- تعدل القوانين لمصلحة الأمن على حساب الحريات <BR>- تسيطر المخابرات على المجتمع الأمريكي وتجمع بيديها سلطة تقدير المواقف واتخاذ القرارات وتنفيذها <BR>- تحول الرأي العام عن متابعة اهتماماته العادية إلى متابعة الأحداث والأوضاع الخارجية التي أصبحت جزءا من حياته وتؤثر عليه بعدما كان المواطن الأمريكي العادي لا يلقى بالا إلا لما يدور خارج محيط اهتماماته الذاتية <BR>- التحول اليومي للمجتمع الأمريكي فأصبح مسكونا بهاجس لم يكن يعره من قبل ويعيش حالة استنفار دائم لم يعتد عليها <BR>- تبدد وهم الأمن المطلق <BR><font color="#0000FF"> 1 ـ أبعاد عسكرة المجتمع الأمريكي</font><BR>رغم كثرة تداعيات الأحداث و تداخلها إلا أن أهم التداعيات على الإطلاق هو عسكرة المجتمع الأمريكي، يكتب باتريك سيل (الكاتب البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط) تحت عنوان "انتصار الجواسيس": من أهم النتائج المترتبة على الهجوم الإرهابي على واشنطن ونيويورك في " سبتمبر " زوال الحدود الفاصلة بين المخابرات ومؤسسات الدفاع عن القانون في الداخل، لقد تم التداخل بين الاثنين واندماجهما في المعركة ضد الإرهاب، لكن هذا الدمج يتطلب تجاوز التنافس بين مختلف وكالات وأجهزة المخابرات التي طالما كان يعامل بعضها البعض كمنافس أو كعدو".<BR><font color="#0000FF">2 ـ التحولات على صعيد الداخل الأمريكي</font><BR>- لقد كانت الولايات المتحدة تقدم لدارسي العلوم السياسية كحالة نموذجية على الدولة القوية والمجتمع القوي وكان دائما ما يداخلني شك في تلك المقولة فدولة لا تاريخ لها ولا ذاكرة جماعية، لا يمكن أن تكون "مجتمعا ونظاما" بكل هذه القوة التي تلقى في روعنا وما إن نزلت النازلة حتى كشفت عن عمق هشاشة الدولة ونظامها الاجتماعي والسياسي بل والدفاعي<BR>- وكانت الولايات المتحدة تقدم لدارسي العلوم السياسية كمجتمع مهاجرين نجحت بوتقة الصهرMelting pot القوية في دمج مختلف عناصرها وما إن نزلت النازلة حتى كشفت عن عمق التفرد و الارتداد إلى الانتماءات الأولية - ثقافة وإثنية ولغة- التي حكمت سلوك هؤلاء المهاجرين، ولقد طرحت الاعتداءات المتوالية على العرب و المسلمين في الولايات المتحدة و المناخ النفسي والعملي الذي أحاط بالجاليات العربية والمسلمة في أمريكا في هذه الآونة التساؤل حول حقيقة مقولة التعددية الثقافية التي ترفعها الحكومات الغربية والأمريكية، وحول حقيقة اندماج هذه الجماعات في مجتمعاتهم الجديدة وحول ثقلهم نسبي في التأثير على الرأي العام والسياسة الأمريكية نحو اتجاهات جديدة أكثر تضامنا مع قضايا الأوطان المسلمة العربية منها وغير العربية. <BR>- وكانت الولايات المتحدة تقدم لدارسي العلوم السياسية على أنها النموذج الحي لدولة الفصل بين السلطات وتمايزها واحترام كل منها للأخرى والدفاع الشرس الذي تبديه كل منها دفاعا عن اختصاصاتها إذا جارت عليها سلطة أخرى، فما إن نزلت النازلة حتى وجدنا كل السلطات تركز في أيدي مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية ونمط تفكيرهما وتوارت كل مؤسسات الدولة الأخرى<BR>- وكانت الولايات المتحدة تقدم لدارسي العلوم السياسية كنموذج حي للدولة المدنية التي يحكمها نظام قانوني معلن، لا يتعدى العسكريون فيه دورهم دفاعا عن التراب الوطني أي داخل نطاق المسائل الفنية في إدارة الحروب وتحقيق النصر الحاسم والسريع فيها، لا في صنع السياسات وتقريرها، فما إن نزلت النازلة حتى وجدنا الساحة يصول فيها العسكريون ويجولون، وأضحت مقاليد إدارة الأمور وصنع السياسات وتقرير الاختيارات بيد وزارة الدفاع وأجهزة المخابرات وتضخمت وكالات التجسس وصارت الولايات المتحدة أشبه ما تكون بدول العالم الثالث، التي توصف دائما بأنها دول شمولية استبدادية<BR>- وكانت الولايات المتحدة تقدم لدارسي العلوم السياسية كنموذج حي لدولة القانون وسيادته أو كما كان يقول إبراهام لنكولن: "لا أحد فوق القانون ولا أحد تحت القانون" أي أن الكل أمام القانون سواء لا فرق بين غني وفقير أو بين أسود و أبيض (متجاوزين عن عمق تجذر العنصرية في الطبقات الدفينة "وأحيانا كثيرة غير دفينة " للوعي الجمعي للعقل الأمريكي) فما إن نزلت النازلة حتى وجدنا دولة القانون تشرع في سن قانون: "التعبئة ضد الإرهاب" بعد قانون " الأدلة السرية " أي اتهام الناس بتهم لا يعلنون أدلتها فلا يعرف المحامون التهم التي يتهم بها موكلوهم ، فكيف يدافعون عنهم إذن . <BR>- وكانت الولايات المتحدة تقدم لدارسي العلوم السياسية على أنها النموذج الحي لدولة حرية الإعلام وتجرده ونزاهته فما إن نزلت النازلة حتى وجدنا يلعب الإعلام فيها أسوأ أدوار تزييف الوعي وتضليل الجماهير ويكون دور التضليل Disinformation أقرب منه للإعلام Information فما إن نزلت النازلة حتى قامت أجهزة الإعلام الأمريكية والغربية بخلط الأوراق وتعميم الاتهامات وتوجيه المشاعر إلى عامة العرب والمسلمين مما نتج عنه قيام موجة شعبية عارمة من العداء في أمريكا وأوربا ضد مواطني هذه الدول من ذوي الأصول العربية والإسلامية وعملت آلة الإعلام الجبارة على إحياء منظومة العداء لكل ما هو عربي مسلم فيما أصبح يعرف بظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب <BR>- وكانت الولايات المتحدة تقدم لنا نحن دارسي العلوم السياسية كدولة نموذج حي لعدم تدخل الدولة في النظام الإعلامي وحق المواطن في المعرفة كحق من أم حقوقه السياسية فما إن زلت النازلة حتى وجدنا الدولة تستخدم قانونا لم يستخدم من قبل يسمى<font color="#ff0000">" التحكم عن طريق التعتيم "</font> وتشتري حقوق ما تنتجه الأقمار الصناعية من صور لأفغانستان وتنص في عقد الشراء أن من حقها ألا تعرض تلك الصور على المشاهدين ويضيع حق المواطن في المعرفة <BR><font color="#0000FF"> 3 ـ التأثير على الحقوق المدنية في الدستور الأميركي</font><BR> تضمن الدستور الأمريكي النص على عدد من الحقوق المدنية التي تكفل بحمايتها من أي استخدام سيء للسلطة التنفيذية أو القضائية. وبرزت هذه الحقوق المدنية فيما يعرف بالتعديلات Amendments وهي نصوص ألحقت بالدستور الأصلي، بناء على رأي السياسي والقانوني الأمريكي "جورج ميسون". <BR><font color="#ff0000">ومن أهم هذه الحقوق: </font><BR>ـ منع الكونجرس من سن أي قانون يحول دون حرية الدين، أو يقيد حرية الصحافة، أو يمنع الناس من التجمع والاعتراض على سياسات حكومتهم بشكل سلمي (التعديل الأول) <BR> ـ منع السلطة من "التفتيش أو الاحتجاز الذي لا مبرر له" لأي شخص، وإلزامها باحترام أمن الناس في أشخاصهم وبيوتهم ووثائقهم (التعديل الرابع). <BR> ـ منع السلطة القضائية من الترخيص في التفتيش أو الاعتقال إلا بناء على قضية واضحة، مدعومة بيمين أو بيِّنة، تصف بالتفصيل المكان المطلوب تفتيشه، والأشخاص والممتلكات المطلوب احتجازها (التعديل الرابع). <BR> ـ ضمان المحاكمة السريعة والعادلة لكل متهم، مع تفسير طبيعة وسبب التهمة الموجهة إليه، ومواجهته بالشهود ضده. وحقه في استدعاء شهود يشهدون لصالحه، ومحام يدافع عنه (التعديل السادس). <BR><BR><font color="#ff0000">وبعد الهجمات بثمانية أيام تقدم وزير العدل بمشروع قانون يسمى التعبئة ضد الإرهاب وهو قانون يخل بمعالم النظام القانون الأمريكي القائم على حقوق الأفراد وحرياتهم وهو قانون يعمل على: </font><BR> ـ تقنين التمييز العرقي والديني، من خلال قوانين تعطي سلطات الأمن صلاحيات التحكم في مصائر الناس (خاصة العرب والمسلمين) دون رقيب من السلطة القضائية، وتفتح الباب لذوي النزعات العنصرية بتطبيق القانون على طريقتهم الانتقائية الخاصة. <BR><font color="#0000FF"> 4- تأثيرات تفجيرات 11 سبتمبر علي مسلمي الولايات المتحدة</font><BR>ربما كان الوجود الإسلامي في ديار الغرب وخاصة في الولايات المتحدة الخاسر الأكبر من حوادث تفجيرات 11 سبتمبر، حيث تعرضت الجالية المسلمة للتهديدات علي عدة صعد:<BR><font color="#ff0000">أولها: زيادة الإجراءات القانونية التي تقيد عمل وحركات جمعيات ومؤسسات تلك الجالية </font><BR>حيث شكل الرأي العام الأمريكي الغاضب والراغب في الانتقام لضحاياه ولكرامته المجروحة أحد أهم قوى الضغط المؤثرة في صانع القرار الأمريكي في الفترة الأولى بعد الأحداث، وتنعكس ضغوطه على سلوكيات ليس فقط الحكومة الأمريكية وإنما على سلوكيات الكونجرس الأمريكي وربما الأجهزة التشريعية أيضا.<BR><font color="#ff0000">ثانيا التشويه التعميمي عبر تحريض الرأي العام الذي ربط الأحداث بـ: "الإرهاب الإسلامي"</font><BR>حيث اتسعت دائرة العنف الشعبي الموجه لمسلمي وعرب أمريكا انتقاما منهم بسبب الشكوك المثارة بشأن هوية مرتكبي الجرائم الإرهابية.<BR>وقد رصد مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) وهو أحد أكبر منظمات الحقوق المدنية المسلمة في أميركا أكثر من 400 حالة من حالات الاعتداء على المسلمين والعرب في أمريكا وقعت في الأسبوع التالي للتفجيرات، وهو ما يفوق تقريبا عدد حالات الاعتداء التي رصدها المجلس في العام الذي قبله بأكمله والتي بلغ عددها 366 حالة. <BR><BR><BR><br>