من يفوز ومن يخسر في لبنان
22 رجب 1427

بانتهاء المواجهات العسكرية الأكبر في تاريخ لبنان والكيان الصهيوني منذ حرب 1973 ، بدأت تظهر مع انقشاع غبار الحرب نتائج عسكرية وأخرى سياسية هامة سوف يكون لها مستقبلا تأثيرات عدة على مستقبل الدولة اللبنانية وتوازنات القوى الداخلية ووضع "حزب الله" ، وأخرى على "إسرائيل" واستراتيجية القوة المسلحة الغاشمة في مواجهة خصومها ، فضلا عن النتائج الأكبر علي مستقبل المنطقة وفكرة الشرق الأوسط الجديد الذي من الواضح أن المقاومات الثلاث للمشروع الأمريكي على اختلاف المنطلقات، في العراق ولبنان وفلسطين ستلعب الدور الأكبر في تحديد هويته في الأعوام المقبلة.<BR>وإذا كانت أولى التحديات سوف تظهر في تطبيق قرار مجلس الأمن نفسه رقم 1701 المتعلق بوقف الأعمال الحربية ، وهل سيتم تطبيقه بما يحفظ لـ"حزب الله" نصره العسكري ، أم يجهض هذا الانتصار ، وبما يحقق للطرف "الإسرائيلي" حفظ ماء الوجه ويعوضه ضمنا (سياسيا) عن خسائره العسكرية ، فمن الواضح أن وضع الحرب أوزارها سوف يتبعه حالة حراك سياسي وجدال حاد في الداخل "الإسرائيلي" واللبناني علي السواء .<BR><font color="#0000FF">صحيح أن "حزب الله"</font> حقق انتصارات عسكرية – بمعايير قوته المتواضعة أمام الآلة العسكرية الصهيونية المدججة – ولكنه سيكون مواجها في المستقبل القريب بالعديد من القيود والتساؤلات التي هدف القرار 1701 ضمنا لإثارتها علي الساحة اللبنانية عندما أسند مهمة حماية الحدود للجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة ، ونزع سلاح "حزب الله" ضمنا من هذه المنطقة ، وأعاد التساؤل اللبناني عن وضع "حزب الله" وهل هو جيش منفصل أم حزب سياسي يدين بالولاء للدولة .<BR><font color="#0000FF">وصحيح أيضا أن الكيان الصهيوني</font> حقق خسارة عسكرية لم يتوقعها أحد ، لا تتمثل فقط في مقتل قرابة 150 "إسرائيلياً" وتدمير عشرات الدبابات والمنشات والزوارق الحربية والطائرات ، ولكن في انهيار نظرية الأمن الصهيونية نفسها بعدما أصبح كل الداخل بما فيه العاصمة مهدد بالصواريخ ، ومهدد أكثر بالجيوش الجديدة غير النظامية التي أصبحت هي الحل العربي السحري بسبب صعوبة محاربة الجيوش النظامية في ظل اختلال موازين القوى واختلاف المصالح ، ولكن الصحيح أيضا أن الخسائر "الإسرائيلية" سوف تمتد آثارها للعصف بكل القيادة السياسية والعسكرية "الإسرائيلية" .<BR>فالحديث لن يقتصر علي زلزال عسكري يهز جنرالات الكيان الصهيوني بعدما ثبت إخفاقه في الحرب ضد بضعة آلاف من جنود "حزب الله" المدربين جيداً علي القتال ويهدم فكرة "القوة المفرطة" لقمع الأعداء، ولكنه سوف يمتد إلي زلزال سياسي داخل "إسرائيل" يطيح ليس فقط برئيس الوزراء أولمرت وحكومته ، بل وقد يطال حزبه الجديد (كاديما) ذاته بعدما فشل في اختبار الأمن للصهاينة.<BR><font color="#ff0000">مستقبل الأمن الصهيوني</font><BR>الأمر المرجح أن تكون له أولوية "إسرائيلية" في التناول والبحث بانزعاج شديد ، سيكون هو إعادة صياغة نظرية الأمن الصهيونية بعدما نجحت صواريخ "حزب الله" - وبصورة ما صواريخ حماس والجهاد – في اختراق ثوب هذا الأمن من العمق ، ما سيعيد التساؤل حول جدوى خطط حزبي كاديما والعمل للانسحاب من مستوطنات في الضفة الغربية مثلا والانكماش والتقوقع الداخلي ، وكذلك التساؤل حول جدوي القوة المسلحة في فرض السلام .<BR>وستكون هناك بالتالي حاجة للتحرك علي مستويين : (الأول) سلمي للبحث عن تسويات شبه دائمة مع سوريا وفلسطين ولبنان تنهي النزاعات أو تنزع فتيلها ، و(الثاني) عسكري بالسعي لحرمان قوي المقاومة في فلسطين ولبنان وغيرها من الحصول على إمدادات عسكرية حديثة – خصوصا الصواريخ – سواء بمزيد من التصفية والقمع ،أو بتشديد الحصار وضرب الدول الممولة وتحديدا إيران وسوريا خصوصا أن تجربة "المقاومة" في جنوب لبنان ربما تغري سوريا لتنفيذها في الجولان المحتل بعدما أصبحت مدعومة بوضوح من طهران وقوتها الصاروخية الأبعد مدي !. <BR><font color="#ff0000">معضلة القرار 1701</font><BR> أيضا ستكون المشكلة الأكبر فيما يخص القرار 1701 هي في إشكاليات وصعوبات تنفيذ القرار ليس فقط علي المستوي القريب فيما يتعلق ببقاء الأعمال العسكرية "الإسرائيلية" "الدفاعية " دون "الحربية" وصعوبة التفريق بينهما ، ومن ثم احتمالات رد "حزب الله" ، ولكن أيضا على المستوى البعيد فيما يتعلق ببند "اتفاقية الطائف" والقرار 1559 المتعلق بحل الميليشيات العسكرية ، وهي بنود وضعت لمصيدة لـ"حزب الله" في القرار و"فخ" ينفجر في وجوه القوي اللبنانية المختلفة التي يسعى جزء كبير منها لنزع فتيل قوة "حزب الله" العسكرية.<BR>فالقرار الدولي لم يتطرق إلي مزارع شبعا المحتلة التي هي أساس تمسك "حزب الله" بسلاحه، ما يعني أنه ستكون هناك إشكالية في مطالبة الحزب بالانسحاب من الجنوب من جهة أو تسليم سلاحه للحكومة من جهة ثانية ، كما أن "حزب الله" ليس جيشا بالمعني الكلاسيكي المتعارف عليه وجنوده هم من أهل الجنوب الذين يذوبون بين سكانه ويستنفرون عند الطلب منهم في حالات الحروب والعمليات ، وبالتالي سيكون من الصعب الطلب منهم مغادرة الجنوب .<BR>أيضا ربط القرار الانسحاب "الإسرائيلي" من الجنوب بنشر القوات الدولية والجيش اللبناني الذي قد يستغرق أسبوعين أو أكثر ما يعني استمرار بقاء الاحتلال واستمرار تهجير الأسر اللبنانية ، وهما بندان يرفضهما "حزب الله" ، وربما يبادر بعمليات نوعية صغيرة ضد الاحتلال كما كان يحدث قبل انسحاب عام 2000 ، طالما أن هناك أرض محتلة .<BR>والأهم أن نص القرار علي "إقامة منطقة بين الخط الأزرق والليطاني خالية من أي مسلحين أو ممتلكات أو أسلحة غير تلك التي تنشرها في المنطقة الحكومة اللبنانية وقوة الطوارئ الدولية " ، ونصه علي "منع بيع أو تسليم أي أسلحة أو معدات بيع أو تسليم أي كيان أو فرد موجود في لبنان أسلحة ومعدات باستثناء تلك التي تسمح بها الحكومة اللبنانية " ، معناه تصفية قوة "حزب الله" العسكرية وطردها من 20كم في الجنوب ، ولكن هذا لن يمنع عمليا من أن توجد هذه القوة العسكرية لـ"حزب الله" في باقي مدن الجنوب وبيروت الجنوبية ، كما لن يمنع صواريخ "حزب الله" طويلة الأمد من تهديد الأمن "الإسرائيلي" في أي مواجهات مستقبلية.<BR> <BR>صمت المدافع وأزيز الطائرات وهطول الصواريخ علي الحدود بين لبنان وشمال فلسطين المحتلة 1948 ، سيكون أشبه بالتالي بانتهاء الموسيقي التي تسبق رفع الستار عن عرضي الموسم المرتقبين في "إسرائيل" ولبنان وتصفية الحسابات بين الشركاء والمتنافسين المختلفين ، ولن يكون نهاية للأزمة بقدر ما سيكون بداية للجانب السياسي الذي سيترتب على انتهاء الجانب العسكري .<BR>وإذا كانت معالم المسرحية "الإسرائيلية" التي ستبدأ في الداخل بعد انتهاء القتال بدت ظاهرة في صورة الخلافات الرهيبة بين القيادة السياسية والعسكرية ، والانقسام داخل مؤسسة الجيش والمخابرات الصهيونية ، فضلا عن توقعات إطاحتها بحكومة أولمرت ، فمعالم المسرحية علي الجانب اللبناني لا تزال مجهولة <BR>أما العرض الأكبر المنتظر أن يعقب جولة لبنان الحربية ، فربما يأتي من جانب القوي التي كانت تحرك عرائس الحرب من وراء الستار وهي الولايات المتحدة وإيران وسوريا ، والتي تلعب الدور الأبرز ضمن صراع الإرادات لتشكيل شرق أوسط موائم لمصالحها ، إذ قد تعمد واشنطن والغرب لتصعيد أكبر ضد إيران خصوصا مع اقتراب مهلة النووي الإيراني في مجلس الأمن ، كما قد تعمد لتصعيد أكبر ضد سوريا ربما يكون قد بدأ باستبعاد أي دور لها في تسوية مشكلة حرب الجنوب الأخيرة .<BR>فليس سرا أن أحد دوافع إنهاء أمريكا للحرب – بجانب صمود "حزب الله" – هو التخوف من أن تكبر الأزمة لدرجة تحميلها أخطار التحول إلى مواجهة إقليمية تشارك فيها سوريا وإيران ، مع احتمالية أكبر لاستدراج تدخل دولي على نطاق واسع ، بجانب التخوف من انهيار النظم العربية التي ساندت الخطط الأمريكية أو صمتت على مخطط الغزو وضرب "حزب الله" .<BR>ولكن هذه المواجهة الكبرى التي يصعب حسمها زمنيا بسهولة ، لن تمنع استمرار انتعاش مرحلة ما بعد لبنان - التي هي بالأساس انتعاش وتحول المقاومة لحل سحري لمواجهة قوي الاحتلال - لفترة من الوقت ، كما لن تمنع أيضا الزلزال الكبير في الكيان الصهيوني وإعادة بناء إستراتيجية عسكرية وسياسية جديدة بعد هزيمتها العسكرية الثقيلة في جنوب لبنان وفشلها في إخضاع ربح الحرب أو تحقيق أي هدف سياسي أو عسكري حيوي .<BR><br>