تضامن الحكومات العربية مع فلسطين.. سقوط بالتقادم!!
12 رجب 1427

تبدو الحكومات العربية كمن خطط لإسقاط المعادلة الفلسطينية من حساباتها بالتدريج.. تنتهي يوماً إلى درجة (الصفر) لتصبح أخبار وأحداث فلسطين كمن يتابع سقوط ضحايا خلال انفجار منجم في الصين، أو حصار أمريكي على كوريا الشمالية، أو اغتيال أحد قادة التاميل في سيريلانكا.<BR><BR>الجميع شاهد ويشاهد.. والأحداث تسجل وإن همّشها البعض؛ مهما أحاطت بهم الحاشية، لتصبح المواقف والقرارات واقعة تذكرها كتب التاريخ، وتقرأها أمة قادمة، قد تلعن أختها التي سبقتها، أو تلعن نفسها.. ربما كما يفعل الكثيرون منا اليوم.<BR><BR><font color="#0000FF"> والتاريخ الذي لا يزال حاضراً بين يدينا.. يسجّل: </font><BR>- في عام 1947م وبعد قرار تقسيم فلسطين المحتلة إلى دولتين (فلسطينية وإسرائيلية) إثر خروج بريطانيا، وعندما كادت النوايا اليهودية تتحول إلى حقيقية بإعلان دولة لهم على ثرى فلسطين، ثارت ثائرة العرب، وتم تشكيل جيش إنقاذ عربي بقيادة فوزي القاوقجي، بقرار من جامعة الدول العربية، مؤلف من ثلاثة آلاف جندي عربي (بينهم 500 فلسطيني) و10 آلاف بندقية حربية، ومبلغ مليون جنيه استرليني وضعت في تصرّف اللجنة العسكرية العربية. إلا أن العرب خسروا المعركة بسبب (خيانات بعض الحكام).. وهنا لا بد من تسجيل تساؤل: لماذا كان التخصيص فقط لـ 3 آلاف جندي عربي، في وقت كان فيه قوام الجيش اليهودي 62 ألف مسلّح؟!.. ولو فتحت القيادات العربية وقتها الباب أمام العرب والمسلمين، فكم كان سيكون تعداد الجيش العربي وعدّته وأمواله؟!<BR>- في عام 1948م. دخل مصطلح (النكبة) التاريخ الفلسطيني، بعد خسارة الجيوش العربية، وتوقيع القادة العرب الهدنة الثانية (بعد الأولى التي جمّعت فيها القوات اليهودية قوتها واستعانت بأسلحة أمريكية وبريطانية) ليسطر التاريخ حقبة من الغضب العربي العارم، الذي تحوّل إلى سحابة سوداء، ظللت سماء الدول العربية، وبعض قياداتها!<BR>- كانت هذه المرة الأولى والأخيرة التي تقاتل فيها الدول العربية من أجل فلسطين.. شهد بعدها تاريخ المنطقة تحوّلاً في شكل الصراع العربي الإسرائيلي، وأسقطت المعادلة العسكرية الفلسطينية من حسابات القادة العرب.. لذلك، فقد شهدت الأعوام التالية (1956، 1967، 1973، 1982) حروباً عربية إسرائيلية، كان الهدف منها تحقيق انتصار محلي، حيث قاتلت مصر من أجل الدفاع عن أراضيها ومصالحها (1965- 1967) ومن أجل استعادة سيناء (1973)، وقالت سوريا من أجل الدفاع عن أراضها (1967) واستعادة الجولان والقنيطرة (1973) وقاتلت الأردن دفاعاً عن أراضيها وما دخل تحت مسؤوليتها من الأراضي الفلسطينية (1967)، كما قاتلت لبنان دفاعاً عن أراضيها (1982). <BR>- بعد فترة ركود، عزز الكيان الصهيوني من قوته خلالها، شهدت المنطقة تحوّلاً جديداً في غير صالح الفلسطينيين، حيث أبرمت مصر معاهدة مع تل أبيب عرفت باسم (اتفاقية كامب ديفيد) أقصت آمال الشعب المصري في الصراع ضد الإسرائيليين ،أو مساندة الفلسطينيين عسكرياً.<BR>- بعد فترة طويلة من المصالح المشتركة والمتبادلة، والهدوء غير المعلن بين الطرفين، وقّعت الأردن مع تل أبيب اتفاقية (وادي عربة) عام 1993، لتنهي بذلك أي شكل من أشكال الصراع بين الطرفين.. وقد أثبتت الأردن قبل ذلك وبعده، تقديم مصالح قيادتها بشكل لافت على حساب المصالح الفلسطينية المحلية، ما أقصى الطرف الأردني عن أي شكل من أشكال الدعم العسكري للفلسطينيين، باستثناء الدعم المالي والفني والاستشاري المقدّم للطرف الفلسطيني السلمي (بعيداً تماماً عن المقاومة المسلّحة التي باتت تعتبر أردنياً شكلاً من أشكال الإرهاب!!!).<BR>- قاطعت سوريا ولبنان أي اتفاقات مع الإسرائيليين، وفشلت محاولات توقيع معاهدات مع تل أبيب على غرار المعاهدات العربية الأخرى، ففشلت لقاءات مدريد وما تبعها من جهود أمريكية للقاءات (الشرع- باراك).. ولقد شهد الصراع العسكري على الجانب السوري واللبناني شكلاً فريداً هذه المرة، إذ أقصت الحكومات نفسها عن المشهد العسكري، وبات الدعم مقدماً لميليشيات شعبية، بهدف تحاشي الضغط الدولي على تلك الحكومات العربية، وبقاء المقاومة المسلحة بيد ميليشيات يتم تسليحها سراً (كما في حالة حزب الله اللبناني).<BR>- يقف الفلسطينيون بعد ذلك وحيدين تماماً في مواجهة اليهود الذين زاد عددهم، وقويت شوكتهم. دون أي دور مأمول للحكومات العربية في تقديم مساعدة عسكرية صريحة لهم.. ما حدا بالفلسطينيين إلى إطلاق الانتفاضة الأولى عام 1987، واستمرت حتى عام 1993. سقط خلالها مئات الشهداء وآلاف الجرحى. ساهمت الدول العربية هذه المرة (إعلامياً!) في مساندة الفلسطينيين، وقدّمت معونات مالية إلى منظمة التحرير الفلسطينية بعد أن اعترفت بدولة للكيان الصهيوني على أرض فلسطين. وكانت قبل ذلك ملاحقة (إسرائيلياً وعربياً) حيث طردت قيادتها من أراض عربية على الدوام!!<BR>- بعد فشل المحاولات السلمية (!) لحل القضية الفلسطينية الإسرائيلية، وتنازل منظمة التحرير الفلسطينية عن حقوق الفلسطينيين بلا مقابل، انطلقت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000م، إثر دخول آرييل شارون الحرم القدسي الشريف.. وخلال هذه الانتفاضة، عززت المقاومة الفلسطينية من قوتها وأسلحتها، بعد تأكيد خروج جميع الدول العربية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. على سبيل المثال هنا.. يرصد تقرير لموقع قناة (الجزيرة) على الإنترنت؛ أشكال الدعم العربي للانتفاضة الفلسطينية، قائلاً: " جاءت رد فعل الدول العربية على انفجار انتفاضة الأقصى والتوحش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين مزيجا من الخوف والقلق والتردد والتجاهل، حيث تبنت في القمة العربية الطارئة (القاهرة 21-22/10/2000) دعم الانتفاضة وحددت لذلك مبلغ مليار دولار، ولكنها لم تف بوعودها ولم ترسل إلا مبالغ زهيدة وعادت في القمة الدورية الأولى (عمان 27-28/3/2001) فتراجعت خطوة إلى الوراء بسحب عبارة "دعم الانتفاضة" واستبدال "مساعدة الانتفاضة" بها لإسقاط الطابع السياسي للدعم واستبدال المساعدة وطابعها الإنساني بها". واكتفت دول عربية (كمصر) آنذاك، باستدعاء سفيرها في تل أبيب، مع الإبقاء على البعثة الدبلوماسية والمحافظة على تطبيع العلاقات الدبلوماسية!<BR>- بعد خروج الحكومات العربية من معادلة الصراع العربي الإسرائيلية _إن صحّت تسميتها الآن بذلك_ حاولت الشعوب العربية دعم المقاومة الفلسطينية، عبر تشكيل لجان دعم الانتفاضة، ولجنا مقاطعة المنتجات الإسرائيلية والأمريكية، ولجان مقاطعة التطبيع، نجحت بالخروج _بشكل مؤقت_ بانتصارات اقتصادية، ما لبثت أن تراجعت مع إصرار الشركات الأمريكية واليهودية، وإغراق السوق العربية بالمنتجات والإعلانات، والصبر إلى حين انتهاء طفرة التعاطف مع الفلسطينيين.<BR>- خلال الأعوام السابقة الأخيرة، والتي شهدت فيها فلسطين أحداثاً مصيرية على الصعيد الشعبي والرسمي (عناقيد الغضب الإجرامية، عمليات الاغتيال التي استهدفت قادة المقاومة وعلى رأسها الشيخ أحمد ياسين، فك الارتباط في قطاع غزة، الجدار العازل، مفاوضات الحل النهائي، الانتخابات التشريعية وفوز حماس، المجازر الجماعية المتكررة) برعت قيادات الدول العربية في سباقات إعلامية لإعلان الاستنكار والشجب والتنديد، بالجرائم الإسرائيلية، في ذات الوقت الذي كانت بعض الدول العربية تشهد فتوحات من نوع آخر في تل أبيب، تمثّل بإقامة علاقات دبلوماسية معها!!<BR>- وقفت القيادات العربية بعد موجات الاستنكار والشجب، موقف "المتفرّج".. محرجة أحياناً لإعلانات إعلامية على ذات طريقة "نستنكر" ، داعية "المجتمع الدولي!" لإنقاذ الفلسطينيين، ذلك المجتمع الذي أقرّ منذ 59 عاماً قرار تقسيم فلسطين، وإقامة وطن يهودي على أرض فلسطينية!<BR>- منذ نحو أسبوعين، يشهد قطاع غزة عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق، بسبب أسر جندي إسرائيلي واحد، في وقت يرزح فيه آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، استشهد في هذه العملية نحو 50 شهيداً، وجرح المئات، ودمّرت بنية تحتية واسعة، وتم اعتقال حكومة شرعية وأعضاء برلمان عربي كامل الأهلية، وجوّع شعب، وحوصر مالياً واقتصادياً وصحيّاً وغذائياً.. فيما يشهد التاريخ قيام قادة عرب بالدعوة إلى "إنقاذ!!" الجندي الإسرائيلي الأسير، والمطالبة بإطلاق سراحه، وعدم قتله، والابتعاد عن "العنف" فقط.<BR><BR><font color="#0000FF"> الغد المرتقب تسطره حقائق موجودة على أرض الواقع: </font><BR>- أمن الحدود الأردني يقتل ويعتقل فلسطينيين حاولوا العبور إلى فلسطين للدفاع عن أرضهم المسلوبة.<BR>- الأمن المصري يمنع وصول الأسلحة إلى الفلسطينيين عبر الحدود المصرية الفلسطينية.<BR>- السلطة الفلسطينية تموّل إسرائيلياً، بدعم عسكري ومالي، من أجل مواجهة المقاومة الفلسطينية المسلحة. ومقتل وإصابة العشرات خلال مواجهات بين قوات السلطة المدعومة إسرائيلياً، وقوات حكومية وشعبية أنتجتها المقاومة المسلحة الرافضة للاعتراف بالإسرائيليين.<BR><BR><font color="#ff0000"> هل بقي ما يسمى "تضامن" حكومي عربي مع الفلسطينيين بعد الآن؟!</font><BR><br>