ما بين قانا وقانا.. عشرية الاستباحة
6 رجب 1427

عشر سنين كأن التاريخ توقف فيها؛ فلم تفارق المأساة حياتنا, ولم تتغير ردات أفعالنا حيالها؛ فالشجب هو الشجب والإدانة هي الإدانة. <BR>وتبدو "إسرائيل" مولعة بنكء الجراح، وضغط الثآليل؛ فغزو لبنان يتجدد كل دورة زمنية, وتوغل في غزة، وتدمير البلدة القديمة بنابلس، وهدم مخيم جنين فوق رؤوس المقاومين، كلما اشتاقت "إسرائيل" للدماء, ولكم تشتاق وتعطش لها.. واليوم تعيد مجزرة قانا إنتاج نفسها، فقط أسماء الضحايا والجناة قد تغيرت, لكنها تقريباً ذات الملامح للأطفال الشهداء بوجوههم البريئة وأجسادهم الغضة الممددة بين الركام، وعين الوجهين الكالحين لجزاري قانا شيمون بيريز وإيهود أولمرت، وشماتة مادلين أولبرايت وكونداليزا رايس، والواقع الدولي هو ذاته لم يتغير إلا طفيفاً للأسوأ، فلئن كان أمين عام الأمم المتحدة السابق بطرس غالي قد دفع منصبه ـ برغم تماهيه الدائم مع السياسة الأمريكية في كل محفل وتواطئه في المسألة العراقية مع مخططات الغزاة ـ ثمناً لتقريره الصادر عنه للتحقيق حول المجزرة الأولى, والتي زارها الأمين العام الحالي كوفي عنان كمحقق مرسل من قبل بطرس غالي بعد المجزرة الأولى؛ فإن كوفي عنان ليس في وارد دفع أي ثمن للتنديد بالجريمة النكراء وإدانة "إسرائيل" لاسيما والاتهامات التي تحتفظ بها الولايات المتحدة لابنه المتورط ـ بحسبها ـ في صفقة النفط مقابل الغذاء كفيلة بأن تمنعه من الكلام الخارج عن سياق التنديد النمطي السائد، وهو الذي قبل اعتذار "إسرائيل" عن قصف مقر لقوات حفظ السلام بجنوب لبنان برغم تلقي "إسرائيل" 10 اتصالات من المقر ذاته ترجوها إيقاف القصف.<BR>قانا وقانا, وفي كل شاهد على عشق "إسرائيل" والولايات المتحدة لدماء الأطفال, لا ترويهما إلا دم برئ, ففي 18 إبريل 1996 كان للموت موعد مع الأطفال أن يلاقوه في مقر القوات الفيديجية العاملة التي ضمت قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان، حيث كان 500 يحتمون من خبط "إسرائيل" العشواء, ظناً أن المقر مانعهم بما له من حصانة دولية، وبلغ عدد قتلى مجزرة قانا 106، وهناك 18 جثة لم يتم التعرف إلـى أسـمائهم، وعدد مماثل من الجرحى، وهو رقم يكاد يمثل ضعف ما سقط من الضحايا صباح أمس (57 من القتلى بينهم 37 من الأطفال).<BR>أمر آخر تتطابق فيه المأساتان، وهو أن كليهما قد تذرع العدو الصهيوني بأنه قد حذر السكان من مغبة البقاء في أماكنهم آمراً إياهم بالرحيل، وكأن التحذير يكفي لأن يرى العدو بطائرات الاستطلاع (التي ترشد المدفعية لأماكن القصف) وغيرها من أجهزة الرصد أعداداً من الأطفال فيخالهم صواريخ وقذائف!! وكأن تحميل "حزب الله" المسؤولية عن طريق الادعاء بتواجد مقاتليه أو ذخائره وأسلحته وسط المدنيين مبرأً للكيان الدموي عن قتل الرضع والأطفال والنساء. <BR>ولعة "إسرائيل" على الدوام بقتل الأطفال وفي خضم عطشها المزمن لدمائهم لا تبدي أي تفسير مقبول لجرائمها تلك، أهي تريد أن تمارس نوعاً من أنواع سياسة الأرض المحروقة لكي تجبر المقاتلين على التراجع لضمان سلامة السكان لاسيما مناصريهم في الجنوب؟ قد يكون لكن الأهم أن المجزرة استدعت المزيد من الغضب ضد "إسرائيل" وضد منظمة الأمم المتحدة في لبنان حيث انفجرت مظاهرات الغضب في لبنان وتسببت سياسة المنظمة برعونتها في حرق العلم الأممي ربما في حادثة لم تكرر إلا نادراً، فيما الموقف الأمريكي كان مشاركاً إلى حد ملموس جداً، إذ سبق العدوان بساعات جلسة تنسيقية بين واشنطن وتل أبيب أثناء زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس للكيان الصهيوني. <BR>وبعد أقل من يوم واحد من المجزرة قررت "إسرائيل" بالقبول بوقف مؤقت بيومين لإطلاق النار ريثما تتحرك المنظمات الإنسانية والإغاثية لإيصال المساعدات والدواء لأهل الجنوب.<BR>الدول العربية كعادتها نددت بالمجزرة إضافة للجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، غير أن الجميع كان أقل لهجة في خطابه المندد بالمجزرة. <BR>فقانا من بعد قانا إذن لم تختلف كثيراُ، ولا حتى في الظرف الإقليمي إلا فيما يعتبر من جانب الكيان الصهيوني محاولة لحرف الأنظار عن اهتزاز أداء جيش العدوان في مارون الراس وبنت جبيل حيث تحدثت المعلومات عن مقتل الكثيرين من لواء الغولاني (قوات النخبة في جيش العدوان)، وبالتالي عمد الكيان الصهيوني إلى إلحاق هزيمة شعبية بـ"حزب الله" بعد أن عجزت في حسم المعركة لحد الآن لصالحها. <BR>قانا الثانية هي أكبر دليل على ذلة العرب وخنوعهم حتى بعد أن اعترفوا صراحة بأن "عملية السلام" قد ماتت، لأن هذا الاعتراف بحد ذاته لن يعيد بسمات الأطفال من جديد أو يعيد لقانا بهجة لهوهم في طرقاتها.. <BR><br>