بوش وفشل القمة الأمريكية الأوروبية
8 جمادى الثانية 1427

في العشرين من شهر يونيو الماضي، حطت الطائرة الرئاسية الأمريكية في العاصمة النمساوية فيينا حاملة الرئيس جورج ووكر بوش الذي قدم إلى هذا البلد في سبيل حضور أشغال القمة الأوروبية-الأمريكية التي جرت العادة على عقدها سنويا ثم كان يتعين على ذات الرئيس بعد محادثات مقتضبة مع نظرائه الأوروبيين، أن يطير باتجاه العاصمة الهنغارية -المجرية- بودابست لأجل مشاركة الهنغاريين هناك مراسيم الاحتفال بالذكرى الأربعين للانتفاضة الشعبية ضد الحكم الشيوعي. هذه الزيارة البوشية الأخيرة هي في الواقع، الأولى من سلسلة زيارات سوف يقوم بها الرئيس الأمريكي خلال الأسابيع القادمة حيث أنه سوف يعود إلى ذات القارة خلال الشهر القادم لأجل مقابلة المستشارة الألمانية آنغيلا ميركل قبل أن يتوجه بعدها إلى روسيا للقاء (الرئيس الروسي) بوتين ثم التوجه بعد ذلك شمالاًَ إلى مدينة سانت بترسبورغ في سبيل حضور أشغال قمة الثمانية في الفترة بين 15 و 17 من شهر يوليو. <BR>بداية، يمكننا أن نلحظ هنا و بشكل واضح جدا أن تحركات الرئيس بوش، على طول الكوكب و عرضه، باتت تتطلب توفير إجراءات أمنية استثنائية لا شك في أنها صارت تجلب الكثير من الإزعاج و بالتالي فإن ما وقع في فيينا مؤخرا لا يعد استثناء حيث تطلبت الإجراءات الأمنية هناك تحرك ما لا يقل عن 60 سيارة رافقت سيارة الليموزين المدرعة التي استقلها بوش و وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس و هي السيارة التي استجلبت خصيصا من الولايات المتحدة على متن طائرة عسكرية لتنقل هذا الأخير من المطار إلى الفندق الدولي على طول الطريق التي تعين غلقها في وجه حركة المرور الاعتيادية و هذا التنقل تطلب أيضا مشادات كلامية عنيفة بين أفراد الحماية الرئاسية الخاصة و بين نظرائهم من الأجهزة الأمنية النمساوية حيث اشترط الأولون أن يبادر أولئك إلى معاينة كل المنازل المحاذية لخط سير الموكب البوشي.<BR>لقد تطلب الأمر أن يرافق هذا الرئيس، أفراد كثيرون من الحماية الخاصة الأمريكية إلى جانب عدد مهم من رجال القوة النمساوية الخاصة "كوبرا" مثلما أن التقارير الصحفية تحدثت على أن الأمر استلزم تفرغ ما لا يقل عن 500 رجل من الاستخبارات الأمريكية تحرك بعضهم مع الرئيس بينما كان آخرون من بينهم قد تمركزوا في أماكن متفرقة في العاصمة فيينا قبل ذلك بأسابيع عديدة إلى جانب 3000 فرد من الشرطة المحلية تركز جهدهم حول تأمين إقامة بوشية لن تطول لأكثر من 20 ساعة ثم إن إجراءات السلامة تطلبت أن يتم حضر المجال الجوي للعاصمة برمتها على الطائرات الخاصة بدء من صبيحة الثلاثاء 20/6 إلى غاية مساء الخميس 22 من ذات الشهر.<BR>أما القمة التي استلزمت إجراءات عقدها كل هذا فلقد جرت في القصر الإمبراطوري هناك وسط فيينا و بعد أن تم إغلاق كافة الطرق المؤدية إليه و نحو 300 محل تجاري من مطابخ و مرافق سياحية من غير أن ننسى الإشارة أن تلك الجولة الخاطفة التي أرادت "السيدة الأولى" لورا بوش القيام بها في وسط المدينة، تطلبت تغطية أمنية خاصة و عددا غير معلوم من القناصة الذين جرى توزيعهم في نقاط "إستراتيجية". في المجموع، فإن مجيء الرئيس بوش لوحده، تكلف مبلغ مليون يورو من أموال دافعي الضرائب النمساويين.<BR>أما المظاهرات التي خرجت ضد مجيء هذا الأخير فلقد انطلقت قبل وصوله حيث بادرت مجموعة من هؤلاء إلى الصعود فوق إحدى البنايات في وسط المدينة و قامت بتعليق لافتة كبيرة كتب عليها "عد إلى بيتك يا بوش&#8252;" و هو الشعار الذي علقه متظاهرون آخرون بالقرب من كاتدرائية سانت ستيفان في قلب العاصمة. بعد ذلك و في الساعات الأخيرة من يوم الأربعاء، تجمع ما لا يقل عن 10 آلاف متظاهر كان أغلبهم من الشباب الذين خرجوا في مسيرة منددة بمجيء الرئيس الأمريكي إلا أن أفراد الشرطة النمساوية لم يمكنوا هؤلاء من بلوغ مقر إقامة الوفد الأمريكي و جرى تغيير الخط الذي رسم لسير مظاهرتهم ليكون بعيدا عن القصر الإمبراطوري و نستطيع هنا أن نلحظ أن عملية تحويل قلب مدينة فيينا إلى حصن شديد التأمين ما كانت لتقع لو لا أن أمر تأمين سلامة الدبلوماسي الأكثر إثارة للحنق عبر العالم، تطلب ذلك ثم إن جريدة الفاينانشل تايمز البريطانية مثلا، نشرت قبل أيام قليلة من وصول بوش إلى هناك، استطلاعا للرأي أثبت أن ما لا يقل عن 36 بالمئة من الأوروبيين يعتبرون السياسة الخارجية للولايات المتحدة أكبر تهديد للسلم و الأمن الدوليين و تأتي بعد ذلك إيران بفارق شاسع بين النسبتين. <BR>هذا عن واقع العلاقة بين ضفتي الأطلسي أما محصلة أشغال القمة فلقد أظهرت تلك المداولات القصيرة التي جرت خلالها أنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق بين الجانبين حول أي من المشكلات العاجلة فضلا عن معضلات مفاوضات التجارة العالمية أو الهجرة أو مشكلات النقد و لا حتى تلك المتعلقة بالبيئة و ما إلى ذلك من ميادين يعتبرها السياسيون ثانوية بالنظر إلى تلك التي تتعلق بترسيم مناطق النفوذ و التأثير في الشرق الأوسط خصوصا و في باقي أنحاء المعمورة كدول الكتلة الشرقية سابقا.<BR>يمكننا أيضا أن نلحظ أن المؤتمرات الصحفية التي عقدت لم تتعرض إلى قضية الحرب على العراق على الرغم من التحفظات "الرسمية" للأوروبيين في هذا الشأن و الشكوك التي ما فتئ قادة القارة العجوز يثيرونها بشأن الفوضى المستشرية في هذا البلد و بوادر الحرب الأهلية الملوحة بنذر الكارثة فضلا عن تطور مواقف بعض من تلك الدول التي سميت إعلاميا "التحالف" كإيطاليا و اليابان اللتين قررتا سحب قواتهما من هناك بأسرع وقت ممكن على عكس الجانب الأمريكي الذي ما زال يصر على أن المهمة ما تزال منقوصة و يظهر جليا أن الرئيس بوش لم يحضر إلى هناك إلا بقصد الضغط على الأوروبيين بضرورة التعجيل بتأمين المساعدات الاقتصادية التي تتطلبها عملية "تحرير العراق" علاوة عن ضرورة تشديد هؤلاء لضغوطهم على الإيرانيين فيما يتعلق بأزمة الملف النووي و تعنت طهران في المحادثات التي تمت بخصوصه حتى الساعة مثلما هو معروف. <BR>قضية حقوق الإنسان و التجاوزات الأمريكية الكثيرة في هذا الإطار و التي ظلت محل نقاشات أوروبية محتدمة خلال الشهور الأخيرة و التي كان الكل يتوقع أنها سوف تأخذ حيزا مهما من جدول أعمال القمة إلا أن ما جرى يقول عكس هذا إذ أنه لم يتم التطرق إليها إلا على سبيل الإشارة في الوثيقة الختامية و في بعض التصريحات التي تلت أشغال المؤتمرين حتى و إن لاحظنا أن القادة الأوروبيين حاولوا الظهور بمظهر الجانب المتوحد في مواجهة الطرف الأمريكي، ففي مداخلاتهم الابتدائية خلال تلك الندوة الصحفية التي عقدت يوم الأربعاء الأخير، شدد كل من المستشار النمساوي فولفغانغ شوسل الذي يرأس المجلس الأوروبي في دورته الحالية إلى جانب (رئيس المفوضية) خوسيه مانويل باروزو، على طرح تلك النقاط التي حظيت بإجماع الطرفين فالأول تحدث عن دعم الأوروبيين للعقوبات التي يلوح بها الطرف الأمريكي ضد الإيرانيين و أما الثاني فلقد تحدث عن "الوفاق الطيب" بين الحلفاء الأطلسيين قبل أن يواصل هذا الأخير مداخلته بسرد عدد من النقاط التي قال أنه قد تم الاتفاق بشأنها من غير أن يلحظ أن كلها تتعلق بمفاهيم ثانوية لا تتعدى بعض الإشارات المتعلقة بقضايا الطاقة و القرصنة التجارية في مجال التكنولوجيات خاصة، و هي التي قال بشأنها أن القادة المجتمعين قد أجمعوا على ضرورة "التصدي" لها بشكل حازم.<BR>مما يلفت الانتباه أيضا و إن كان المستشار شوسل هو من تكفل بأمر إعلانه، قول هذا الأخير أن الحديث عن معتقل جوانتانامو لم يتم التطرق إليه إلا بعد أن تولى أمر ذلك الرئيس بوش نفسه حيث أعرب عن "أمله" في أن يتم إغلاقه لولا أن المشكلة، على حسب بوش دائما، تتعلق بالدول "الأخرى" التي ما زالت لا تبدي استعدادا لأجل استقبال أولئك السجناء تحت شروط و معايير تفرضها الولايات المتحدة و الأهم من هذا أن القادة الأوروبيين، في مجملهم، تفهموا مخاوف الرئيس بوش و "ارتاحوا" لتعاليقه في هذا الشأن.<BR>أما الرئيس بوش الذي كان حاضرا في هذا المؤتمر الصحفي فلقد حاول أن يعطي الانطباع بأن الأوروبيين يوافقونه على كل ما يفكر فيه أو على الأقل، بخصوص تلك النقاط المهمة من دون أن ينتبه إلى أن هذا أمر غير صحيح و الكل يعلم أن الرئيس لم ينجح في تحقيق مثل هذا الانسجام الذي يتحدث عنه حتى داخل الولايات المتحدة نفسها ففي سؤال طرحه مراسل صحيفة الفاينانشل تايمز حول نتائج الاستطلاع الذي تحدثنا عنه آنفاً لم يجد الرئيس بوش كلاما ليرد على ذلك غير قوله: "نحن ندافع عن أنفسنا و موقف هؤلاء غير مبرر" ثم قفز مباشرة إلى السؤال التالي.<BR>بعد ذلك تحدث صحفي نمساوي و طالب من القادة الأوروبيين و ضيفهم إن كان في مقدورهم أن يقدموا ضمانات بأن عمليات اختطاف الأشخاص التي تقوم بها السي آي إي لن تتكرر على الأقل بمباركة و علم من قبل الحكومات الأوروبية قبل أن يواصل ذات الصحفي كلامه مشيرا إلى أن استطلاعا آخر للرأي أجري في النمسا، يثبت أن المواطنين هناك لا يستريحون للسياسة الأمريكية الحالية، و هذه هي حالة رجل الشارع في أوروبا عموما، و لقد جاءت النتائج، على حسب الصحفي، لتظهر أن 14 بالمئة من النمساويين فقط يدعمون الأمريكيين في حين أن 64 بالمئة منهم يعتقدون أن الولايات المتحدة تقوم بدور استفزازي خطير عبر العالم قبل أن يختتم مداخلته بإشارته إلى أن البريطانيين لا يختلفون عن هذا كثيرا على الرغم من أنه يفترض أنهم يعشون في الدولة الأكثر تحالفا مع الأمريكان ثم ختم بسؤال مختصر و مباشر: "سيدي الرئيس: أين فشلتم تحديدا؟".<BR>هنا حاول الرئيس الأمريكي، الذي اعتاد حضور مثل هذه المواقف المحرجة، الانفلات من السؤال و تكلم كلاما عابرا من أهم ما ورد فيه أنه قال: "إننا و على خلاف عدد كبير من الدول الأخرى، ديمقراطية شفافة" ثم واصل على ما يبدو، شارحا وجهة نظره لمفهوم "الديمقراطية الشفافة" بأنها ذلك النظام الذي لا ينحني فيه القادة أمام الرأي العام المتذمر حيث قال: "أنا لا أحكم بناء على نتائج استطلاعات الرأي، ... إنني أتحرك وفقاً لقناعاتي فأنا رئيس الولايات المتحدة"&#8252;<BR>و بما أن المواجهة بين بوش و بين الصحفيين قد احتدمت بهذه الطريقة فإن مستشار النمسا، قرر التدخل و أسرع إلى إظهار كرم الضيافة التي يتميز بها شعبه فأعلن في نهاية المؤتمر أنه: "الاعتقاد أن الولايات المتحدة تمثل تهديدا هو اعتقاد مثير للضحك" و استشهد في سبيل تعزيز هذا الشعور لدى ناخبيه بالدور الذي بذلته أمريكا تجاه أوروبا خلال و بعد الحرب العالمية الثانية على الرغم من أنه لا مجال للمقارنة بين وضع العالم الحالي و وضعه وقتذاك.<BR>مهما يكن من أمر فإن واقع السياسة الخارجية للولايات المتحدة الحالي يظهر و بشكل جلي أن هذه المنظومة التي يقال أنها بنيت على أسس "أخلاقية" هي ببساطة شديدة، محل تفكك بيّن و لعل واقع التحالف الذي تقوده آلة الحرب "البنتاغون" في العراق، آخذ في التحلل فضلا عن المعطيات الجديدة التي باتت سيدة الموقف في أفغانستان و التي قوضت كل الأكاذيب التي سيقت منذ أكثر من أربع سنوات قبل اليوم.<BR>صحيح أن القمة الأورو- أمريكية أظهرت أن المواقف الأطلسية بخصوص الملف الإيراني تبدو منسجمة، إلا أنها و من ناحية أخرى أيضا أظهرت مدى فداحة الانشقاقات السحيقة بين الطرفين فالقادة الأوروبيون ما زالوا يبدون و بوضوح شديد، مخاوفهم من النزعة الانفرادية خصوصا تجاه الدول النفطية و حتى العلاقات المتوترة بين واشنطن و بكين فضلا على أنه يمكننا أن نلحظ فشل أمريكا في خروج المؤتمرين بموقف محدد من حكومة حماس في فلسطين بما أن واشنطن لم تستطع رغم تأكيدها على ضرورة عزل هذه الحكومة، أن تقدم خطة عمل واضحة تضمن مستقبل ما يسمى مسار السلام في الشرق الأوسط.<BR>هذا من الناحية السياسية، أما فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي فالقمة لم تؤد إلا إلى مزيد من التأزم عبر الأسواق المالية في أوروبا إذ أن هذه الأخيرة، تعرضت للهز خوفا من عدم الاستقرار النقدي و غالبية هذه الأسواق في القارة العجوز بما فيها سوق داكس الألماني، التي سجلت أرباحا طيلة الأشهر الأولى من العام الجاري، قبل أن تعرف موجة تراجع بعد إقدام المستثمرين على بيع أسهمهم إذ أن مالكي الأسهم و المضاربين على السواء، تحركوا خوفا من التأثر بالتضخم الذي باتت تسجله الاقتصاديات الأمريكية في مقابل ارتفاع حجم الديون هناك.<BR>بالمختصر المفيد، لم يتمكن القادة المجتمعون في فيينا من التوصل إلى أدنى اتفاق يتيح لهم حل أي من هذه المشكلات و إذا ما لاحظنا أن القادة الأوروبيين قد أعربوا عن دعمهم للرئيس بوش فإن هذا لن يتجاوز مجرد "الأمنيات" بما أن هؤلاء أنفسهم يعيشون مشكلات مجتمعية تغنيهم عن الانشغال بمشكلات الآخرين و لعل من أوضح أمارات هذه الضغوط التي تعانيها النخب السياسية في أوروبا هو التدني الكبير في شعبية هؤلاء بطريقة تضاهي تلك التي آلت إليها مصداقية الرئيس بوش أمام الأمريكيين. من هؤلاء مثلا (رئيس الوزراء البريطاني) توني بلير الذي تقول آخر الاستطلاعات: إن مواطنيه باتوا يتمنون عدم رؤيته مجددا بعد نحو عام من الآن و أما (الرئيس الفرنسي) جاك شيراك فلقد تكالبت الفضائح من حوله و صار مهددا بتلطخ كل مسيرته السياسية بعد أن يغادر قصر الإليزيه في العام المقبل إذ أن فضيحة كليرستريم تتعلق به بشكل جدي و عموم الملاحظين يتوقعون أنها سوف تسجل مفاجآت جديدة مستقبلا بما أن وضع الرئيس يمنع في الوقت الحالي مضي الإجراءات القانونية حتى يتم الفراغ من انتخاب الرئيس القادم للجمهورية هناك. هذا و لسنا مضطرين إلى الإشارة هنا إلى واقع شعبية زعماء أوروبا الشرقية الذين لم يحقق أي منهم لناخبيه غير المزيد من تدني الأحوال المعيشية بشكل يكاد يكون شاملا.<BR>صحيح أن نقاط الخلاف بين عدوتي الأطلسي كثيرة جداً و لكنها من جانب آخر أيضا، قليلة حينما يتعلق الأمر فيما بات يعرف بالحرب على الإرهاب إذ أن البحث في هذا الجانب صار يثبت بطريقة لا غبار عليها أن الحكومات الأوروبية -لكي لا نخلط بينها و بين شعوبها- متورطة في معظم النشاطات غير المشروعة التي مارستها و تمارسها وكالة الاستخبارات المركزية هناك و التقرير الذي قدمه النائب السويسري ديك مارتي مؤخرا، يؤكد أن ما لا يقل عن 14 دولة أوروبية تكون قد شاركت و بشكل لا نقاش فيه، في عمليات نقل الأشخاص الذين تتهمهم الأجهزة الأمريكية بما تسميه "الإرهاب" و أن دولا أخرى كألمانيا مثلا، لم تبخل في أن تساهم بخدمات أجهزة الاستخبارات عندها من خلال تقديمها لمعلومات ساعدت الجيش الأمريكي في تنظيم غزوه للعراق بشكل كبير.<BR>إنه و على الرغم من أن العام 2003 الذي شهد بداية الحرب على العراق، كان قد عرف تدهورا كبيرا في مستوى العلاقة بين واشنطن و معظم الدول الأوروبية إلى أن درجة أن كلا من فرنسا و ألمانيا مثلا، كانتا تعلنان رفضهما الصريح لهذه الحرب إلا أن الواقع الحالي يوضح عكس هذا و بطريقة لن تحتمل أكثر من تفسير وحيد: لقد زالت تلك الجبهة المعارضة لواشنطن و لقد ذابت الخلافات بشكل تام و إذا كان اجتماع القادة الأوروبيين مع ضيفهم الكاوبوي في مدينة فيينا قد استكمل و بات يدخل في حكم "الماضي"، فإن ظروف انعقاد هذا اللقاء و كل تلك الإجراءات الأمنية غير الاعتيادية التي تطلبها، هي ذات أبعاد و دلالات رمزية شديدة الوضوح. لقد باتت الهوة بين الشارع الغربي و بين النخب السياسية المتحكمة فيه، سحيقة و أما العلاقات الدولية في مجملها فهي و باختصار، وسط ظروف عالمية شديدة الانحدار فماذا تحقق برأيكم من هذه الحرب "المقدسة" على الإرهاب يا أيها المتنورون المتأمركون؟<BR><br>