أمطار الصيف" لن تبعث "الوهم" الأمني الصهيوني!
2 جمادى الثانية 1427

كأننا نشاهد فيلماً سينمائياً واقعياً على الهواء مباشرة عبر الفضائيات، أو كأننا نشاهد إحدى مباريات كأس العالم ونهلل لها!<BR>الدبابات والطائرات الصهيونية تتقدم. تحاصر غزة.. تزحف داخل المدينة.. تقصف وتدمر كل شيء من البر والجو.. مصادر مياه ومحطات كهربائية وجسور ومراكز شرطة ومباني حكومية وسيارات مدنية، ولا أحد يتحرك إلا لتحريك مؤشر القنوات التلفزيونية لمشاهدة أكثر واقعية وشاملة من عدة محطات مختلفة وزاويا رؤية أفضل للقصف والاقتحام!.<BR>الحجة المعلنة هي تخليص جندي صهيوني "برئ" من قبضة المقاومة الشريرة التي اختطفته وهو يتنزه على مشارف غزة بدباباته ويلهو بها مطلقا القذائف على أطفال فلسطين(!)، والتي لم تتورع (المقاومة) عن المطالبة بمطالب تعجيزية هي إطلاق سراح عشرات الأطفال والنساء الفلسطينيات المعتقلات في السجون الصهيونية من بين 1700 اعتقلوا فقط هذا العام!<BR>أما السبب الرئيسي الذي أعد له الصهاينة العدة من قبل حتى عملية "الوهم المتبدد" التي قامت بها المقاومة وقتلت خلالها جنديين وجرحت 4 وأسرت سابعا، فهو هدم حكومة حماس وتمهيد الطريق لحكومة بديلة من غير حماس لتقبل بما هو معروض من خطط صهيونية للانسحاب من أجزاء في الضفة وغزة وقيام دويلة فلسطينية هزيلة في هذه المناطق.<BR>الحكومات العربية - قبل الأجنبية- تتوسط وتسارع بإرسال كبار رجالها للضغط على المقاومة لإطلاق سراح الجندي "الإسرائيلي" الأسير, وتهدد المقاومة وكل الشعب الفلسطيني بالويل والثبور الذي سوف تصبه عليهم قوات جيش "الدفاع" الصهيوني ما لم يستسلموا ويرضخوا للمطالب الصهيونية.<BR>الكل يعلم أن الدبابات والمصفحات الصهيونية لم تأت لغزة من أجل النزهة ولكن من أجل هدم المنازل على رؤوس أصحابها وتوسيع المنطقة الأمنية بهدف منع إطلاق صواريخ المقاومة باتجاه المدن الصهيونية بعدما طالت مناطق هامة بما فيها منزل وزير "الدفاع" وحولت حياة سكانها إلى جحيم.. والكل يعلم أن (الأمن) هو الهدف الصهيوني الأول، وبسببه تم الانسحاب من مستوطنات غزة وينوون الانسحاب من بعض مستوطنات الضفة، وأن عملية "الوهم المتبدد" بددت بالفعل هذا الأمن بعدما خرج المجاهدون لجنود الاحتلال، الذين يسيطرون على البر والجو، من تحت الأرض وكبدوهم خسائر مهمة وأهانوا الجيش الصهيوني.<BR>لهذا رفض المقاومون إطلاق سراح الجندي لأن الحملة العسكرية الصهيونية "أمطار الصيف" لن تتوقف، بل وسيخسرون بذلك ورقة ضغط كبيرة في أيديهم، والأهم أنهم لن يخسروا شيئاً، بل على العكس سيستمرون في تهديد الأمن الصهيوني، وعلى العكس ربما يكشف الاجتياح الجديد الواقع المر الذي يحيا فيه الشعب الفلسطيني من حصار اقتصادي ومالي ومعنوي ومجازر شبه يوميه داخل سجن غزة الكبير الذي تحول أيضا بعد قطع الكهرباء والماء إلى فرن ساخن كبير في حرارة جو الصيف!<BR>فأمام الصهاينة: إما احتلال القطاع، وبالتالي تحمل مسئولية إطعام وإعالة الفلسطينيين هناك بعدما عجزت حكومتهم عن ذلك بفعل الحصار الغربي الصهيوني على رواتبهم ومنتجاتهم، وإما التخريب والقتل ثم العودة إلى المربع الأول لتعاود المقاومة قصفهم بصورة أكبر وتنقل عملياتها إلى قلب تل أبيب والمدن الصهيونية وتستمر الدائرة المفرغة التي تهدد في نهاية الأمر نظرية الأمن الصهيونية.<BR>المشهد التلفزيوني يظهر أن القوات الصهيونية تملك تفوقا عسكريا هائلا على الأرض، من دبابات متقدمة ومصفحات وطائرات استطلاع ومروحيات غير جيش من الجواسيس، ولكنه يظهر أيضا أن العدوان الصهيوني لم ينتج عنه - في كل مرة حدث فيها - سوي مزيد من التصعيد من جانب المقاومة، وتنوع وتطوير وسائل المقاومة وإلحاق خسائر مادية ضخمة ومعنوية أضخم بالدولة الصهيونية.<BR>بل إن العنف الصهيوني يكاد يحرق أوراق القوى الفلسطينية الداعية للتهدئة ويضعف هيبة الرئاسة الفلسطينية في مقابل تصاعد دور المقاومة، فالرئيس عباس أصبح محبوسا في غزة كما حدث مع الرئيس عرفات في غزة مرة والضفة مرة، وأركان حكمه الذين اتهمتهم حماس بالمشاركة في مؤامرة لهدم حكم حماس، ليس أمامهم سوى الصمت.<BR>ولا شك أن اشتراك حماس في العمل العسكري وإنهاء الهدنة من شأنه أن ينهي عاجلا أم أجلا ثنائية الجمع بين (المقاومة) و(السلطة) لأن السلطة عمليا مفقودة، وقد تطالها قوي العدوان باستهداف وزراء حماس في عمليات اغتيال متوقعة، كما أن من شأنه أن يعيد الوضع برمته إلى ما قبل اتفاقات أوسلو حيث تم احتلال الضفة بالكامل وهدم هياكل السلطة، والأمر يجري في غزة على نحو مشابه رغم أن معبر رفح (المغلق) يدار برعاية مصرية فلسطينية فقط وإشراف أوروبي, ومن الضروري أن يتم فتحه ولو بدون إشراف أوروبي لأن لا يعقل التحجج بحجة وجود اتفاقية للمعابر في حين يخرق الصهاينة باقي الاتفاقات ويجوعون الشعب الفلسطيني.<BR>الحصار والقصف والقتل والهدف فيما يسمي "أمطار الصيف" لن يمنع بالتالي "وهم" الأمن الصهيوني الذي هدمته المقاومة مرة أخرى في عملية "الوهم المتبدد".. والحصار لن يأتي سوى بنتائج عكسية، وبدلا من إسقاط حكومة حماس وتعزيز سلطة الرئيس عباس والجناح الذي يقدم أدني سقف للمطالب الفلسطينية، سوف يلتف الشعب الفلسطيني بصورة اكبر حول المقاومة وحماس وتخسر فتح وعباس ما تبقى لها من هيبة.<BR><font color="#ff0000">مقايضة الأسرى.. خط أحمر!</font> <BR>لقد نجح حزب الله في الإفراج عن 500 من المعتقلين اللبنانيين والعرب مقابل رفات جنود "إسرائيليين" قتلوا في لبنان قبل قليل من انتهاء محكوميتهم، والشيء نفسه فعلته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة في مطلع الثمانينات في إطار عملية "النورس" لتبادل الأسرى، وأكثر ما يقلق الصهاينة ويتحدثون عنه بصوت عال هو أن تلجأ المقاومة في الداخل لأسر جنود ومستوطنين لاستبدالهم بالأسرى في السجون الصهيونية ولهذا رفضوا تماما أي تفاوض حول الجندي المأسور، بل وقتلوا في عام سابق أحد جنودهم أسرته المقاومة في الضفة بالخطأ وهم يهاجمون مقر الآسرين ويقتلونهم.<BR>ولكن المشكلة مع ذلك أن الحكومات العربية والرئاسة الفلسطينية، بدلا من أن تتدخل لتعضيد موقف المقاومة - خصوصا أن المأسور هو جندي قتل أطفالاً على ظهر دباباته – وتساند فكرة تبادل الأسري، شرعت في مطالبة المقاومة بإطلاق سراح الجندي دون قيد أو شرط استجابة لضغوط غربية وأمريكية، في حين أنه لو طرحت الفكرة وضغطت لتنفيذها فسوف تكسر الخط الأحمر الصهيوني بشأن تبادل الأسرى وتعطي الفلسطينيين ورقة ضغط أخرى بجانب إطلاق الصواريخ والعمليات الاستشهادية! <BR>لقد وصف المحللون العسكريون الصهاينة في الصحف العبرية عملية "الوهم المتبدد " ونجاح المقاومين الفلسطينيين في مفاجأة العدو الصهيوني في المكان الذي يزعم أنه من أكثر المواقع العسكرية تحصناً (معبر كرم سالم) بأنه نجاح استخباري هام للمقاومة ينسف فكرة الأمن الصهيوني، حتى قال (المعلق الاستراتيجي "الإسرائيلي") الجنرال زئيف شيف، أن "مخططي العملية ومنفذيها أثبتوا أن لديهم قدرات كبيرة في جمع معلومات استخبارية فائقة الأهمية ساعدت في نجاح العملية بشكل تجاوز كل التوقعات".<BR>وأرجع الجنرال دان روتشيلد جرأة منفذي العملية إلى أن: "هذه الجرأة هي صفة طبيعية لأناس يتبنون عقيدة دينية إسلامية"، ولكنه قال: "المفاجئ بالنسبة لي هي قدرات التخطيط الفائقة التي ميزت الإعداد للعملية".<BR>ولهذا السبب الجوهري لن تفلح حملة "أمطار الصيف " في محو آثار إهانة عملية "الوهم المتبدد"، لأنه ليس لدى الفلسطينيين ما يخسرونه، ولأنه لن توقف المقاومة، ولكنها على العكس سوف تشعلها وتعيد الأحوال إلى نقطة الصفر ما بين شعب ومحتل، وهي معادلة خاسرة بالنسبة للطرف الصهيوني.<BR>بل إن مسارعة حماس للموافقة على بنود اتفاقية الأسري قبل عدوان غزة هو أمر كفيل بتوحيد فصائل المقاومة العسكرية، إنهاء فترة صراع بين حماس وقوى تابعة لأجهزة أمنية فلسطينية تستهدف إبعاد حماس عن السلطة.<BR>لقد اتهم محمد نزال (عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس") – خلال لقاء معه في القاهرة الأسبوع الماضي - ما يسمي "فرق الموت" التابعة لجهاز الأمن الوقائي الذي يديره عمليا محمد دحلان القيادي في حركة فتح، بنشر الفوضى الأمنية في المدن الفلسطينية والقيام باضطرابات واغتيالات بهدف إسقاط حكومة حماس ضمن مخطط محلي ودولي يهدف لإسقاط هذه الحكومة لضرب تجربة حكم الإسلاميين وتولي حكومة أخري تقبل بتقديم تنازلات ضخمة ترفضها حماس.<BR>وقال نزال أن فوز حماس في انتخابات التشريعي الفلسطيني جاء مفاجأة للأطراف الدولية والمحلية والإقليمية جعلتهم يندفعون في إتباع تكتيك غير الذي اتبعوه في فترة الانتخابات والتعامل بشكل مختلف مع مرحلة ما بعد فوز حماس بغرض أساسي هو عدم السماح باستمرار حكومة حماس والسعي لإسقاطها وإنهاء وجودها، ومن هنا جاءت الشروط التعجيزية التي تطالب حكومة حماس بالاعتراف بـ"إسرائيل" ووقف المقاومة، والضربات الصهيونية ليست لكي تتنازل حماس, ولكن لكي تغادر السلطة نهائياً.<BR>وأرجع نزال المساعي الدائرة بقوة لإجبار حماس على التنحي عن السلطة إلى أمرين أساسيين: (الأول) أن نجاح حماس يشكل خطورة على الأطراف التي تقول أن الإسلاميين لا يمكن أن ينجحوا في تجربة الحكم لأن رؤيتهم الإستراتيجية مرفوضة، و(الثاني) أن أي تنازلات تقدمها حماس لن تكون مقبولة لأنه مثلما رسا مزاد أوسلو على أقل طرف قدم أكثر تنازلات سياسية، فسوف يرسوا هذه المرة على أطراف أخري تقدم تنازلات أكبر من التي تقدمها حماس!<BR>وأشار نزال إلى أن هناك عدة عقبات قانونية اصطدمت بها مخططات السعي لتنحية حماس وإبعادها عن السلطة، لأنه حتى لو أقال الرئيس عباس حكومة هنية، فسوف تجد أي حكومة أخري صعوبة في موافقة المجلس التشريعي - الذي تسيطر على غالبيته حماس – عليها، كما أنه ليس هناك أي بند في الدستور الفلسطيني ينص على حل المجلس التشريعي لأن الدستور تم تصميمه بحيث يناسب حركة فتح ولم يتصوروا أن تأتي حكومة من غيرها!<BR>ولهذه الأسباب القانونية، لجأت الأطراف الدولية والمحلية والإقليمية لأساليب أخري لدفع حماس للتنحي عن السلطة، حيث لجأت أمريكا والغرب لاعتبار الحكومة إرهابية وبالتي فرضت عليها الحصار، وحظرت على بنوك العالم تحويل أي أموال للفلسطينيين، ووصل الأمر بالأوروبيين، بعد تمرير وزراء من حماس أموال عبر معبر رفح، للتهديد بالانسحاب من المعبر.<BR>وتزامن مع هذا خطة محلية لتفجير الاستقرار في الداخل أمنيا وسياسيا عبر سلسلة اغتيالات بهدف خلق حالة من عدم الاستقرار لحكومة حماس، واتهام حماس بالقيام بهذه الاغتيالات أو الاضطرابات رغم أنه لا يعقل أن تكون هناك حكومة تحكم وتسعي في الوقت نفسه لخلق أجواء من الاضطرابات لنفسها.<BR>أما الجانب الأخر الذي لم يذكره نزال لأنه أمر واقع، فهو اجتياح غزة وحصارها، بل وقتل واعتقال وزراءها، بهدف إنهاء حكومة حماس وحشرها في الزواية وهو الهدف الحقيقي لاجتياح غزة الذي وجد الصهاينة مبررا إعلاميا لتسويقه عبر قضية الجندي المأسور، ولكنهم مع ذلك لن يستطيعوا حماية الأمن الصهيوني المهدد دائما بالمقاومة التي تنتشر في أرجاء فلسطين كفجر ينبلج يزعج اللصوص ضياؤه. <BR><BR><br>