الدور الإقليمي".. كلمة السر لزيارة "لاريجاني" للقاهرة !؟
23 جمادى الأول 1427

عندما قال الدكتور/ اسفندريارمشاني (نائب الرئيس الإيراني): "إن إيران لا تحاول انتزاع اعتراف بدورها الإقليمي؛ لأن هذا الدور موجود وقائم، ولولا إيران لكان البرنامج الأمريكي للمنطقة قد تحقق"، كان هذا التصريح يسبق ويمهد لزيارة على لاريجاني أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني للقاهرة وعواصم عربية أخرى،وينقل رسالة ذات مغزى للأطراف العربية وعلى رأسها مصر صاحبة الدور الإقليمي الأكبر في المنطقة تاريخيا، ورسالة أخرى للغرب!.<BR>فالزيارة التي قام بها لاريجاني والتي التقي فيها – غير المعتاد – بالرئيس مبارك ووزير الخارجية ومدير المخابرات وأمين عام الجامعة العربية، والتي تحدث فيها ثلاثة مرات للصحفيين مركزا – ضمنا - على الدور الإقليمي والحيوي لإيران بالمنطقة، وأهمية توحد المواقف العربية والإيرانية باعتبار أن الهدف مشترك وهو الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، لم تستهدف فقط طلب النصيحة في مشكلة الملف النووي الإيراني كما حاولت صحف مصرية رسمية تبسيط الزيارة.<BR>ولكن الهدف الأكبر للزيارة – بعيداً عن العلاقات الدبلوماسية المعلقة وفي ظل الصمت الرسمي المصري وعدم الجهر الإيراني بدوافع الزيارة الحقيقية – يمكن أن يفهم من خلال قراءة تفاصيل الزيارة والتطورات العديدة التي تشهدها المنطقة، وعلى رأسها المساعي الغربية لخطب ود الإيرانيين بمقترحات لحل الأزمة النووية تارة، والتفاوض حول الوضع في العراق،الذي باتت طهران تمسك بمفاتيحه، تارة أخرى، فضلاً عن تنامي الدور الإيراني عسكرياً وسياسياً مقارنة بتراجع الدور الإقليمي المصري.<BR>صحيح أن الإيرانيين – كما يؤكد السفير علي الحفني (مساعد وزير الخارجية للشؤون الآسيوية) – حرصوا على زيارة مصر بسبب الموقف المصري المساند ضمنا لحق الدول الأعضاء في اتفاقية حظر الانتشار النووي في أن تمارس نشاطات اتفاقية حظر الانتشار النووي المتعلقة بالاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية،ولأن مصر عضو في مجلس المحافظين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أنها صاحبة مبادرة جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.<BR>ولكن الصحيح أيضا – وهو ما سعي لاريجاني لتأكيده في مؤتمراته الصحفية بالقاهرة – هو السعي لتأكيد ندية طهران للغرب، ووجود حوار بين طهران والغرب، ربما يكون أحد أهدافه هو التوصل لصفقة أو تسوية مرضية خصوصا في ظل تفوق أدوات الضغط الإيرانية (العراق وتهديد الخليج بغلق طرق تسيير البترول وتخصيب اليورانيوم)، ومن ثم إجبار الغرب على القبول والاعتراف بدور إقليمي إيراني في المنطقة العربية (علي حساب الدور المصري أو بالتنسيق معه) مقابل سقف محدد (مراقب) لتخصيب اليورانيوم الإيراني!!<BR>فالإيرانيون باتوا – على عكس مصر – يملكون أوراقا حقيقية للعب والضغط في الشرق الأوسط على أمريكا والغرب، وهم يدركون أيضا أن هناك أزمة علاقات مصرية أمريكية وصلت لحد مهاجمة أعضاء الكونجرس لمصر بشدة في جلسات تخصيص المعونة الأخيرة لمصر التي فازت فيها مصر بأعجوبة بفارق 28 صوت فقط، وأن القاهرة باتت تدرك أن حاجة واشنطن لدورها الإقليمي - المفترض أنه مناهض للدور الإيراني – أصبح أكبر من حجم المعونة التي تهددها بها إدارة بوش كل مرة، وبالتالي تبرز أهمية الحاجة لتنسيق الدورين بما يحقق مصالح البلدين قبل مصالح واشنطن!<BR>بعبارة أخرى: إذا كان الإيرانيون يسعون للاستفادة من فكرة وجود دور استراتيجي لهم في المنطقة يقايضون به الغرب على مصالحهم، وأدركت مصر أن الهدف الأمريكي من سلسلة الضغوط عليها – بما فيها الضغط لتحقيق الديمقراطية – هدفه في نهاية الأمر تحقيق مصالح إقليمية أمريكية عبر بوابة الضغوط الداخلية، فلماذا لا يتحالف أو ينسق الطرفين المصري والأمريكي مصالحهما معا في المنطقة التي يتواجدان بها بدلا من التنافس والصراع لصالح طرف خارجي!؟.. هذه هي على ما يبدو وجهة النظر الإيرانية.<BR>أما الغريب والعجيب في هذه الزيارة التي التقي فيها لاريجاني - ومن قبله (وزير الخارجية) منوشهر متقي – مع كبار المسؤولين المصريين، فهو أن هذه اللقاءات والترتيبات والمشاورات تتم في الوقت الذي لا تزال فيه علاقات البلدين معلقة وقاصرة على مكتب للبعثة الدبلوماسية ولم ترتق بعد لعلاقات دبلوماسية كاملة؟!<BR>ولهذا تتوقع المصادر السياسية والدبلوماسية في القاهرة أن تنتقل علاقات البلدين قريبا إلي مرحلة أخرى أكثر تقدما بتبادل للسفراء ورفع مستوي العلاقات إلي مستوي السفارة ولكنها تربط هذا بتوصل طهران لاتفاق مع الغرب ومنظمة الطاقة الدولية بشأن تخصيب اليورانيوم، رغم أن أوساطا أخرى تري أن طبيعة العلاقات المصرية الأمريكية وتشدد الرئيس الإيراني نجاد ربما تؤخر هذا وتبقي العلاقات حسنة ولكن بدون انتقالها إلي المستوي الدبلوماسي الطبيعي. <BR>ويبدو أن التحفظ المصري والعربي على أي دور إقليمي لإيران يرجع إلي المخاوف العربية القديمة بشأن سياسة التوسع الإيرانية والتدخل في شئون الدول العربية خصوصا الخليج، خصوصاً أن إيران لا تزال تحتل جزر الإمارات الثلاث،كما أن هناك مخاوف من استغلال انتعاش الأقلية الشيعية في دول الخليج عقب احتلال العراق في تهديد دول الخليج بفكرة الهلال الشيعي، ولهذا يركز المسئولون المصريون على مطالبة طهران بمواقف تطمئن بها دول الجوار العربي.<BR><font color="#ff0000"> هل يتم تطبيع العلاقات؟</font><BR>ويتوقع مراقبون مصريون أن تتحسن العلاقات المصرية الإيرانية بعد هذه اللقاءات المتعددة في المستقبل القريب على الرغم من سيطرة التيار المحافظ على المناصب الكبرى وأجهزة الدولة كالرئاسة والبرلمان، مشيرين إلى بوادر تحسن أكبر من جانب الإيرانيين بالمقارنة بمصر، خصوصا مع قيام وفد سياحي مصري بزيارة إيران وأنباء عن تنشيط السياحة الدينية بين البلدين. <BR>إلا أن مراقبين أخرى يتوقعون استمرار حالة الجمود الحالية في العلاقات وبقاءها على ما هي عليه بسبب التأثير الضار الذي أحدثته قضية الجاسوس المصري التي أعلنتها مصر أواخر العام الماضي 2004، والذي أشارت مصادر سياسية مصرية إلى أن التيار المحافظ المتشدد الرافض لتحسين العلاقات مع مصر ربما يقف وراءها بعدما زاد التقارب بين (الرئيس السابق) خاتمي والقاهرة، كما يؤكدون أن التصعيد الأمريكي ضد إيران بسبب البرنامج النووي الإيراني ربما يزيد الضغوط على أي دولة عربية تسعي لتحسين العلاقات مع إيران.<BR>والملفت هنا أن د. محمد السعيد عبد المؤمن (أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس) يؤكد أن (الرئيس الإيراني الجديد) احمدي نجاد من أكثر القادة الإيرانيين حباً لمصر، وأنه هو الذي أزال اللافتة الضخمة التي وضعها متشددون لخالد الإسلامبولي – قاتل الرئيس السادات - على أحد الشوارع الكبرى عندما كان عمدة لمدينة طهران، والتي اعتبرتها القاهرة أحد عوائق تطبيع العلاقات مع طهران.<BR>حتى إن "عبد المؤمن" نقل– في مقال سابق كتبه بصحيفة "الجمهورية" المصرية – عن الرئيس الإيراني الحالي نجاد - قبل أن يتولى الرئاسة - قوله: "لقد كانت احدي اللحظات السعيدة في عملي عندما قمت بإزالة لافتة على أحد الشوارع كتب عليها اسم خالد الإسلامبولي ووضعت مكانها لافتة تحمل اسم الانتفاضة.. كلنا يقدر مصر ومطالب الشعب المصري ونسعى للتقارب معه، بل لعلنا لا نجد لأنفسنا قيمة دون وجودنا في وسط العالم الإسلامي ووسطه العرب، وعلي رأسهم مصر التي تجمعنا بها مصاهرات دينية وثقافية واجتماعية وعرقية ".<BR>كما نقل عبد المؤمن على لسان "نجاد" قوله أنه يرغب في "أن تتاح لي الفرصة لزيارة مصر وزيارة مقام الحسين والأزهر"، وأن "مقام الحسين في مصر يشد الإيرانيون إليه الرحال تتمة للحج والعمرة والزيارة".<BR>إلا أن أوساطا سياسية مصرية أخرى ترجح استمرار العلاقات بدون تطبيع خصوصا في ظل الموقف الإيراني المتشدد دوليا وقضية النووي والضغوط الغربية التي يصعب على دولة مثل مصر أن تعارض فيها الحصار الغربي على إيران.<BR><BR><br>