تفجيرات سيناء : أسلوب التفجير يؤكد الطابع المحلي لا الخارجي
28 ربيع الأول 1427

في أعقاب تفجيري جنوب سيناء الأولين (طابا 2004 ثم شرم 2005) ، ظهر فريقان من الخبراء الأمنيين والسياسيين أحدهما يرجح أن يكون المتهم بالتفجيرات هي جهات داخلية من تنظيمات جهادية تتبنى العنف أو معتنقين لفكر القاعدة الجهادي الذي بدأ يركز هجماته على الأجانب ، والثاني يرجح أن تكون هناك أيدٍ خارجية خفية تحرك هذه الأحداث وأن غرضها هو الإيحاء بأن الأمن في مصر عموما وسيناء خصوصا ضعيف ، وإضعاف النظام تمهيداً لرفض شروط وإملاءات خارجية.<BR>وعندما وقع تفجير دهب الأخير ، وما تلاه من عمليات تفجير ذاتي (انتحارية) ضد قوات الشرطة المصرية والقوات الدولية في شمال سيناء قرب رفح , زاد الجدال بين النظريتين السابقتين حده ، وبدأ كل طرف في طرح الأدلة التي تعزز رؤيته، خصوصاً أن تضارباً آخر حدث في التصريحات الرسمية حول كيفية تنفيذ العملية بواسطة التفجير عن بعد أم عبر مهاجمين فجروا أنفسهم ، وحول الجهة المنفذة هل هي تنظيم القاعدة أم منتمين للفكر الجهادي من بدو سيناء أم "إسرائيل" ؟!<BR>فرغم تأكيد مصادر أمنية أن التفجيرات تمت بواسطة الريموت كنترول بالتفجير عن بعد ، عادت مصادر أمنية أخرى لتؤكد أن الدلائل تشير إلى أن ثلاثة أشخاص فجروا أنفسهم وراء التفجيرات في دهب ، وأن التفجيرات تتشابه مع تفجيرات شرم الشيخ وطابا التي استخدم فيها أيضا مهاجمون فجروا أنفسهم بجوار الريموت كنترول، وأنه تم العثور بالفعل على أشلائهم ورأسين منفصلين ما يؤكد فرضية أن عمليات تفجير ذاتية وراء هذا الحادث ، وساهم في ترجيح فكرة (الانتحاريين) قيام شخصين آخرين في اليوم الثاني لتفجيرات دهب (الأربعاء 26 أبريل 2006) بتفجيرين آخرين في شمال سيناء أحدهما قرب مطار تستخدمه قوة المراقبة المتعددة الجنسيات استهدف عربات القوات الدولية ، وآخر ضد عربة شرطة مصرية ، بيد أنه لم يقع ضحايا .<BR><font color="#ff0000">تنظيم جهادي سيناوي جديد</font><BR>ولأن تحديد كيفية التفجير تفيد أيضا في تحديد الفاعل ضمنا والجهة المنفذة ، فقد ظهر جدال مشابه بين خبراء الأمن والسياسيين والمحللين المصريين حول صاحب المصلحة والمستفيد الذي يقف وراء هذا الحادث الثالث من نوعه في سيناء في ثلاثة مناسبات (أعياد) قومية مصرية .<BR>حيث رجح فريق مسؤولية شباب من بدو سيناء يعتنقون الفكر الجهادي عموماً دون أن يكون لهم صلة بتنظيم الجهاد الذي انتهي ويقبع غالبية أفرداه في السجون المصرية حالياً، وأنهم ذات المجموعة التي نفذت التفجيرات السابقة في طابا وشرم الشيخ ، وقالوا: إن العمليات وفكر هؤلاء الشباب بدأ ضد السياحة الإسرائيلية في طابا ، بيد أن العنف الأمني ضد أسر البدو واعتقال نساء وفتيات من قرى البدويين وتعذيبهم وإهانتهم للتوصل للجناة ، أدى لتحول هؤلاء البدو لاستهداف السياحة والسياح الأجانب ككل كنوع من الثأر من أجهزة الدولة المصرية .<BR>ويؤكد أصحاب هذا التوجه أن تأكيد فرضية قيام (انتحاريين) بالعملية يؤكد أن القائمين عليها هم من بدو سيناء من بقايا التنظيم الذي قام بعمليات طابا وشرم الشيخ ؛ لأن طبيعة (الانتحاري) هي اليأس والانتقام ، أو اعتناق الفكر الجهادي وثقافة الاستشهاد ، أما لو ثبت أنها تمت بالريموت كنترول، فربما يرجح الحديث عن أدوار خارجية أجنبية .<BR>ويقول خبراء سياسيون مصريون: إن مسألة اتهام جهات خارجية بالتنفيذ يتعارض مع حقيقة ما يجري وأنه ما هو إلا هروب من مواجهة حقيقة وجود تيار جهادي جديد في سيناء بدأ في الظهور، وإن كان هذا لا يمنع من الحديث عن أطراف خارجية تستفيد من حالة الفوضى والعنف هذه أو تحريض قوي محلية .<BR>ولهذا يبدو أن ترجيح دور العامل الداخلي وأن التفجيرات وليدة أطراف مصرية بدوية داخلية من سيناء – وهو أمر رجح مسؤولون أمنيون – أصبح هو الخيار أو الاحتمال الأكبر الذي تنصب الجهود لكشف تفاصيله وأسباب وقوعه ، خصوصا أن التفجيرات التي وقعت ظهر فيها العنصر الانتحاري بشكل تصاعدي في طابا (انتحاري) واحد ثم شرم الشيخ أكثر من (انتحاري) ثم دهب وما بعدها خمسة (انتحاريين) .<BR>وقد ساعد على تحول هؤلاء الشبان للثأر والدخول في مواجهة مع قوات أمن ، قيام هذه الأخيرة بسلسلة اعتقالات ضخمة لأسر كاملة من العشائر والقبائل السيناوية التي تظاهرت عدة مرات للمطالبة بإطلاق سراح النساء المعتقلات بجانب الرجال ، ما أدى لصادمات وقتئذ مع قوات الأمن وصدور تقارير حقوقية عن عمليات تعذيب داخل السجون .<BR>فبداية هذه التنظيمات السيناوية كانت – مثل التنظيمات الجهادية السعودية – ضد العناصر الأجنبية ، سواء كانت الخبراء أو الجنود الأمريكان في السعودية أو السياح "الإسرائيليين" والأمريكان في حالة مصر ثم تحولت إلى الداخل نفسه وجهاز الأمن في أعقاب العنف الكبير الذي رصدته منظمات حقوقية ضد أهالي واسر المتهمين ، والذي انعكس على تحول هذا الصراع وانتقاله إلى أجهزة الأمن نفسها وكل السياحة والأجانب باعتبار أن تفجيرات المناطق السياحية أكثر انتشارا وتأثيرا إعلاميا وسياسيا واقتصاديا .<BR>أيضا رجح فرضية وجود تنظيم سيناوي جهادي وراء العمليات الأخيرة إعلان العثور على بطاقة شخصية في موقع التفجيرات‏,‏ تحمل اسم عيد عطا سليمان‏,‏ وهو من بدو شمال سيناء‏,‏ والعثور على رأسين منفصلين ‏,‏ وبعض الأجزاء الآدمية‏,‏ وكل أشلاء الجثث الثلاث‏ المرجح أنهم (الانتحاريين) الثلاثة ,‏ وبينها جزء من الوجه والرأس والأطراف‏,‏ انتشلتها قوات الإنقاذ من داخل مياه البحر الأحمر‏ ، وهي أجزاء وإصابات يعرف خبراء المتفجرات أنها لا تنتج سوي من عمليات (انتحارية) ومتفجرات تلف على أجساد (الانتحاريين) . <BR>ورجح هذه الفرضية عن مسئولية جهات داخلية من أهل سيناء ، اعترافات موثقة لدي الجهات القضائية أدلي بها المتهم يونس محمد عليان أبو جرير‏,‏ وهو المتهم الأول في أمر الإحالة التكميلي في تفجيرات طابا ونويبع‏ التي تنظرها المحاكم في مايو المقبل ,‏ بأن التنظيم كان يخطط لتفجير المنتجعات السياحية في نويبع‏,‏ ودهب‏,‏ وشرم الشيخ‏ ، فضلا عن أن العبوات التي استخدمت في التفجيرات تحوي مواد أولية من المتوافرة في منطقة سيناء‏,‏ وتشمل بودرة مفرقعة عبارة عن عجينة متصلة ببطارية‏,‏ وهي تعطي قوة الانفجارات‏,‏ وقد أحدثت دمارا في نحو ‏12‏ محلا تجاريا‏,‏ وبازارات‏,‏ ومطاعم‏,‏ ومقاه‏,‏ ارتفاع عدد القتلي والمصابين في مساحة قطرها نحو ستة أمتار لكل انفجار‏,‏ من تلك التي نفذت في مسافة طولها بين‏130‏ مترا و‏140‏ مترا‏<BR>ومعروف أن تفجيرات دهب تزامنت مع قرب مثول 17 متهماً في قضية تفجيرات طابا أمام المحاكمة في 27 مايو القادم، وضم 13 متهماً جديداً لملف القضية، مثلما وقعت تفجيرات شرم الشيخ قبل يوم واحد (26 يوليه 2005) من محاكمة الفريق الأول من متهمي تفجيرات طابا ، وكأن الهدف في الحالتين ، هو التأثير على المحاكمات أو الرد عليها وتوجيه رسالة تحد للنظام .<BR>وفي هذا يقول الدكتور كمال حبيب أحد القيادات التاريخية السابقة لتنظيم الجهاد أن "تنظيم الجهاد السيناوي السلفي" الذي يقف وراء التفجير الذي تعرضت له مدينة دهب مكون من بقايا المجموعة القديمة التي بدأت عملها في أكتوبر العام قبل الماضي عندما أقدمت على أول عمل تفجيري لها في طابا .<BR>وأن هذه المجموعات لها رؤية سلفية جهادية، ومعظمهم تلقوا أفكارهم عن طريق مؤلفات تنظيم الجهاد القديمة الموجودة على الإنترنت ، وأن هذا التنظيم بسيط ولا يمكن وصفه بأنه أصولي تقليدي، لأنه لم يتأثر بالجانب الأخلاقي التربوي لتنظيم الجهاد، وهم يميلون لاستخدام العنف في مواجهاتهم، والمرجح أنهم دخلوا حديثاً للتدين .<BR>وأشار – ومعه خبراء آخرون – إلى أن الظروف المحيطة بهؤلاء الشباب السيناوي جعلتهم ينضمون للواء القديم للتفريج عن الكبت الذي يعيشونه من الغضب والإحساس بالمظالم المتصلة بالتهميش والبطالة وغياب العدالة، ووجدوا الدين أرضية احتجاجية أقرب إلى نفوسهم، إضافة إلى طبيعة البدو النفسية التي تميل للعنف والتعامل مع الزملاء والأصدقاء والمعارف، ولديهم خبرات في التعامل مع البيئة المحلية، بحيث يستطيع توظيفها لصالح أهدافه .<BR>وهو نفس ما أكده ممدوح إسماعيل محامي جماعات الجهاد الذي يعتبر أن المواجهات الأمنية العنيفة التي تبنتها وزارة الداخلية في التعامل مع أهل سيناء، كانت سبباً في قلب مخطط التنظيم من استهداف"الإسرائيليين" والأماكن السياحية وضربها، إلى الإقدام على ضربات عنف انتقامية وثأرية، وذلك بسبب التجاوزات الأمنية ضد أهل سيناء .<BR><font color="#ff0000">الدور "الإسرائيلي" ؟!</font><BR>ومع أن قسم معتبر من الخبراء والمحللين استمر يرجح نظرية المؤامرة الخارجية وأن تل أبيب وأمريكا وراء هذه التفجيرات أو على الأقل تساندها وترحب بها سرا بغرض خلخلة أمن المنطقة وخلق نوع من عدم الاستقرار للنظام يسمح لهما بفرض شروط أو إملاءات أو تقديم مطالب تتضمن مصالح إقليمية خاصة لهم ، فقد ظل الحديث عن هذا الدور يتمحور حول "صاحب المصلحة" بأكثر من الحديث عن "الفاعل الحقيقي" .<BR>بل أن بعض المحللين تحدث عن سيناريو ثالث يشطح بالقول ويجمع ما بين الداخل والخارج ويتحدث عما يشبه تجنيد تل أبيب لعملاء في سيناء من بعض من لهم علاقات سابقة بالاحتلال من القبائل أثناء احتلال سيناء .<BR>وهناك فريق من الخبراء المصريين تحدث عن أن طبيعة التفجيرات تدل على أنها بفعل فاعل خارجي ، ملمحين لدور "إسرائيلي" اعتمادا على أن التفجيرات في سيناء تمت كلها بشكل احترافي بالغ ، في الجانب الجنوبي من شبه جزيرة سيناء (محافظة جنوب سيناء) على خليج العقبة بمحازاة الحدود مع الدولة الصهيونية (لم تقع عمليات هامة في شمال سيناء أو وسطها )، كما أنها تمت في ثلاثة مناسبات وطنية مصرية آخرها الاحتفال بتحرير سيناء بهدف إهانتها ، وبعث رسالة إلى المصريين بأنهم غير قادرين على حماية سيناء . <BR>كذلك طرحت تساؤلات وعلامات استفهام حول تزامن التحذيرات "الإسرائيلية" لرعاياها من عمليات إرهابية بسيناء قبل أيام من حدوث التفجيرات بالفعل‏,‏ وسر هذه الإنذارات "الإسرائيلية" المبكرة لرعاياها .<BR>ويضاف لهذا تصريحات السفير "الإسرائيلي" بالقاهرة شالوم كوهين بعد دقائق من وقوع الحادث للقناة العاشرة "الإسرائيلية" بأنه لا يوجد أي ضحايا "إسرائيليين" في الحادث ، ما دفع البعض لاعتبار كل هذه المؤشرات دليل على أن "إسرائيل" كانت تعلم مسبقا بوقوع هذه التفجيرات .<BR>فهل تصاعد الهجمات والتفجيرات (الانتحارية) خمسة أشخاص في سيناء هذه المرة في دهب يرجح أن الفاعل من الداخل وليس الخارج ، أم ستظل حالة الحصار والضغوط الخارجية ، والعداء الشعبي لـ"إسرائيل" – أمريكا لدي المصريين ترجع فرضية الدور الخارجي .<BR><br>