النزاع التشادي السوداني، لعبة أمريكية فرنسية "إسرائيلية" مكشوفة!
19 ربيع الأول 1427

الطلاق السياسي الذي وقع بين السودان و تشاد في الآونة الأخيرة، لم يكن في النهاية مستغربا و لا مفاجئا، ليس لأن له ما يبرره كما قالت الصحف الفرنسية الصادرة اليوم صباحا، بل لأن ثمة ذلك الصراع الكبير و عميقة جرّتها الكرة الثلجية التي ظلت تنحدر من قمم التشنجات القبلية الإفريقية التي فتحت الباب واسعا أمام كل أنواع الانقسامات، التي خلفتها سياسة الاحتلال و الاستيطان الغربي. فرنسا التي تعد تشاد مستوطنتها الـ"عزيزة" ما زالت تتعامل مع النزاعات العرقية الدفينة باستهتار غير مبرر، كما قال المحلل الفرنسي "رولان ميسون" الذي عبر عن استيائه من التناقضات الفرنسية في التعاطي مع الأحداث الأخيرة في تشاد، و هو التناقض الذي يعيد الصورة نفسها إلى الواجهة بان الأيادي التي تعبث بمستقبل إفريقيا ليست بريئة و أن الذين تأخذهم العزة بالإثم ليسوا متعاطفين مع القضايا الإفريقية بقدر ما يريدون تسويق "دمقرطة" المحور السياسي الذي حكت عنه الواشنطن بوست في افتتاحيتها بتاريخ 1 فبراير من هذه السنة حين تكلمت عن الدور الفرنسي البارز في تحديث النزاعات الطائفية، لأجل إعادة هيكلة المنطقة وفق الرؤية الفرانكفونية، والحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان اليوم أن النظرة الفرنسية اليوم لم تعد بعيدة عن النظرة البريطانية ولا الأمريكية فيما يخص مشروع إفريقيا الجديد و الذي على أساسه صارت الشخصيات الغربية تتوافد على الدول المغاربية و على الدول الإفريقية لأجل البحث عن إمكانية التنسيق الأمني و العسكري لأجل "محاربة الإرهاب" !<BR><font color="#0000FF">لعبة ثلاثية الزوايا ! </font><BR>حين استولى الرئيس التشادي على السلطة في أواخر عام 1990، لم يكن الأمر بعيدا عن الممارسات الفرنسية التي كانت أول من بارك "ديمقراطية التغيير" بحيث أن المخابرات الفرنسية نفسها ساندت الجيش التشادي للإطاحة بالرئيس الأسبق الذي كان مزعجا للفرنسيين بعد جملة من التصريحات التي كان ينتقد فيها علانية السياسة الفرنسية الخاضعة لمنطق التناقض و الكيل بمكيالين حد الخيانة ، و هو الشيء الذي لم يعجب الفرنسيين أبداً بالخصوص وأن الإعلام الأمريكي وقتها كان يمارس لعبة مزدوجة لإيهام الفرنسيين أن الرئيس التشادي الأسبق يغازل واشنطن، و هو الغزل الذي كان حقيقياً في الواقع، إذ إن أكثر من مبعوث أمريكي وصل إلى العاصمة التشادية في الثلاثة أشهر قبل الانقلاب، في زيارات أثارت حفيظة الفرنسيين و أحسستهم بالخوف من "استيلاء" الأمريكيين على تشاد النفطية !! الانقلاب كان بدعم مباشر من المخابرات الفرنسية التي ساندت الجيش لوجستيكيا و إعلامياً، حتى حين وقع الانقلاب لم تنتقد فرنسا الطريقة التي تغير بها الحكم بل و اعتبرته "شأناً داخلياً"!! و المدهش أن انفجار الخلافات بهذا الشكل القوي بين تشاد والسودان جاء في وقت يستعد فيه الرئيس " إدريس ديبي" لحملة انتخابية جديدة يريد أن يعدل من خلالها القانون لأجل أن يكون مرشحا وحيدا وغير قابل للخسارة ومدى الحياة، وهو الذي تعده المعارضة التشادية منافياً تماماً لأبجديات التداول السياسي.. فثمة "قوى" خارجية، أي فرنسا من جهة ومن جهة أخرى أمريكا التي لا يهمها "إدريس ديبي" بقدر ما يهمها أن تخضعه الآن بالذات لسياسة الأمر الواقع وعلى أساسه عليه أن يخضع للمتغيرات الإستراتيجية التي صنعتها أمريكا في العالم، أي القوة الأحادية، القبول التعاون و التنسيق لأجل محاصرة السودان سياسيا و لأجل زيادة من درجة العنف في منقطة دارفور ليكون بعدها الحق الشرعي للتدخل الأجنبي و المطالبة بتدخل أممي يكون بإشراف أمريكا و ليس الأمم المتحدة. أمريكا التي أضاعت قبل سنوات فرصة "الاستيلاء" على تشاد نفطياً وسياسياً تعرف اليوم أن الأجواء الدولية تغيرت، وأن إفريقيا نفسها تغيرت، و أن فرنسا العجوز التي ظلت تعد العديد من المناطق "مستوطناتها الخاصة" يجب أن تنظر إلى الواقع الحقيقي و الذي على أساسه صارت اليوم أيد أخرى تمارس نفس اللعب بالنار و نفس الشد، إنها الأيدي "الإسرائيلية".. <BR><font color="#0000FF">النفط والحضور الاستراتيجي: </font><BR>لعل الغريب في كل التفاصيل التي تتجاذبها القارة الإفريقية ضمن نزاعاتها الكثيرة هو أن "إسرائيل" نفسها هي التي كشفت أول مرة عبر جريدة معاريف العبرية في فبراير من عام 2001 عن التنسيق "الإسرائيلي" مع عدد من الدول الإفريقية الراغبة في "إقامة" علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني.. لم تكن قضية يهود إثيوبيا في النهاية سوى الشجرة التي غطت الغابة منذ سنوات طويلة، لأن الفلاشا (أي يهود إثيوبيا) لم يكونوا أبداً طلباً حقيقياً من مطالب الدولة الصهيونية، بدليل أن أعداد المهاجرين منهم إلى "إسرائيل" في نهاية سنة2001 قوبلوا بحالة من الازدراء العنصري الكبير، مما جعل السفاح "شامير" يتكلم وقتها عن "تهجير" الرقيق، و هي العبارة العنصرية التي لم يتوقف أحد أمامها، باعتبار أن الفلاشا أنفسهم كانوا مجرد "ممثل" ثانوي في سيرك يهودي طويل النسق.. ثم كان الدور الموريتاني الذي كشف عن مراحل التنسيق الذي قام بها (الرئيس المخلوع) معاوية ولد الطايع مع عدد من الشخصيات اليهودية في العاصمة الفرنسية ، بحيث أن الـ"وساطة" الفرنسية لم تكن مجرد صدفة بل كانت عملية أرادت من خلالها " الإدارة الفرنسية" إرضاء الطرف اليهودي قدر الإمكان، بالخصوص بعد أن توسعت دائرة " الاحتجاجات" اليهودية داخل العاصمة الفرنسية في بداية سنة2002 ضد ما يسمونه بمعاداة السامية، و هي التهمة التي لأجل نفيها سعت فرنسا إلى عمل أي شيء لـ"إسرائيل"، بما في ذلك فتح البوابة الإفريقية (الفرانكفونية) للكيان الصهيوني عبر غض النظر من جهة و من خلال وساطة مع عدد من الشخصيات الإفريقية، سواء تلك التي كانت في الحكم أو المعارضة التي تسعى إلى الحكم و ترى فيها القوى الغربية و "إسرائيل" دافعا جيدا لمسيرة" التنسيق" مع الكيان الصهيوني الذي رغب منذ نهاية الثمانينات في إقامة "قاعدته" الخاصة في القارة الإفريقية، في دول تطل استراتيجيا على الشمال و على الجنوب على حد سواء.. بتاريخ 04 مارس من عام2002، صرح الرئيس الموريتاني المخلوع للصحفيين أن موريتانيا "لن تقبل بأن يكون لإسرائيل مكان على أراضيها"، و كان التصريح بعد مظاهرات شعبية رافضة لأي أنواع من التطبيع مع الكيان الإسرائيلي بعد أن نشرت العديد من صحف المعارضة تفاصيل خطة موريتانية "إسرائيلية" (تحت سقف فرنسي) لإقامة قاعدة "سلمية"! في موريتانيا، و هو الأمر الذي كان مرفوضا من قبل العديد من الدول المجاورة، و الحال أن مسارعة الرئيس الموريتاني المخلوع إلى التكذيب جعل الأنظمة الأخرى تطمئن، و لكن الذين كانوا يعرفون بأغوار السياسة أدركوا أن الرصاصة التي لا تصيب "تدوش" و أن مجرد التكذيب من قبل الرئيس الموريتاني وقتها يعني أن "إسرائيل" فعلا "تفاوض" على التواجد في المناطق الصحراوية الموريتانية، ليس هذا فقط، بل و تسعى إلى التواجد في تشاد عبر مخطط "تجاري" و استثماري واسع النطاق، ناهيك على أن الأطماع الأمريكية نفسها تمهد الطريق لمثل هذا التعاون؛ لأجل نهب النفط التشادي الذي يحمل لتشاد ما يعادل 150 مليون يورو في السنة.. أمريكا التي تبدو مقتنعة تماماً أن الأراضي التشادية غنية بالنفط ، أعلنت عبر مركز الدراسات الإستراتيجية التابع لمدينة هودسون بتاريخ 2004 أن منطقة دارفور غنية بالنفط أيضا و أن مجرد أن يكون ثمة نفط في منطقة كتلك المنطقة يبرر المقاصد الأمريكية لأجل الحصول على ذلك النفط، عبر إثارة جملة من النزاعات، و عبر إجبار الأطراف كلها على الخضوع للتدخل الأجنبي المتمثل في التنظيمات غير الحكومية التي تعمل أساسا لصالح الإدارة الأمريكية، أي بالتعاون المباشر مع مكتب التحقيقات الفدرالية و مكتب الاستعلامات المركزية، و هذا يعني أنهما أيضا يعملان حصرياً ضمن نفس السقف "الإسرائيلي" عبر جهاز الموساد الذي ذكر عبر موقعه عبر الإنترنت في أكثر من مرة أن التعاون "الإسرائيلي" الأمريكي في مجال الاستعلامات يعيش ذروة نجاحاته و تألقه!<BR> حدة النزاعات في المنطقة قابلة للتوسع نحو دول أخرى مثل نيجريا الجارة التي "مازالت" تتعنت فيما يخص مسألة الموازنة النفطية داخل منظمة الأوبك، و هو الشيء الذي تعده الإدارة الأمريكية" خطأ" يمكن على أساسه معاقبة دول بعينها تماماً كما تفعل مع فنزويلا.. بيد أن النزاع التشادي يبدو للعديد من الملاحظين عبارة عن بؤر للتوتر تغذيها المشاحنات العائلية و القبلية للنظام القائم نفسه، باعتبار أن المعارضة نفسها تتكون من أبناء عمومة، يريدون السلطة، بنفس الإستراتيجية التي صنعها الرئيس الحالي أي الانقلاب الذي يعني التحكم في شعب يوجد أكثر من 60% منه تحت درجة الفقر الشديد، بالرغم من المداخيل النفطية التي تعتبر أقل من دول أخرى و لكنها قادرة على تغيير من مستوى التشاديين، لكن الشيء الأكيد أن المنظمات غير الحكومية المعنية بمراقبة الأوضاع الاجتماعية التشادية سكتت منذ فترة و بدأت تتكلم عن "ديمقراطية نظامية" ممكنة ، و الحال أن الوكالة الأمريكية للتنمية لأجل الديمقراطية(USAID) التي كشفت العديد من التقارير تعاملها المباشر و غير المشروط مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تحاول اليوم أن تقدم المساعدات العاجلة لتشاد.. قبل عامين اتهمت فنزويلا على لسان رئيسها الوكالة الأمريكية للتنمية لأجل الديمقراطية(USAID)و اعتبرتها جهازا قائما لأجل خلق النزاعات الداخلية بعد أن كشف الرئيس الفنزويلي يوم 18 مايو2003 عن تسلل ضباط من الاستخبارات الأمريكية إلى مناطق فنزولية تحت غطاء عمال ضمن الوكالة الأمريكية للتنمية لأجل الديمقراطية(USAID) و هو الذي كشفه الصحفي الفرنسي "تيري ميسان" رئيس موقع شبكة فولتير الفرنسي على شبكة الإنترنت في مقالة دقيقة كشف فيها عن الجرائم التي ارتكبتها المنظمات الأمريكية غير الحكومية في إثارة الحروب الأهلية و في الترويج للحرب لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بحيث أن العديد من موظفيها هم ضمن الاستخبارات أساساً. الغريب في الأمر أن الرئيس التشادي الذي يبدو أكثر "انفتاحا" على الغرب من أي وقت مضى يبدو هدفا لانتقادات كثيرة من قبل الفرنسيين لو رأوا أنه صار منحازا إلى الأمريكيين أكثر من اللازم، و يبدو منتقدا من قبل الأمريكيين لو عارض خطة التسرب الأمريكي إلى مناطق قريبة من دارفور و من نيجيريا أيضاً التي تعد خصماً مؤجلاً بالنسبة للأمريكيين و الفرنسيين ! بيد أن "إسرائيل" في كل هذا تسعى إلى إثارة العنف إلى أعلى درجاته لأجل هدفين، الأول إبعاد النظر على عمليات التسرب التي قامت بها من قبل و تسعى إلى القيام بها بدعم من بعض الأحزاب المعارضة التي أبدت استعاداها للتعامل مع الدولة الصهيونية بلا مركب نقص، و منها حركة التغيير التي تريد كسب التعاطف الغربي عبر محاولة تحالفها مع التنظيم الأكثر راديكالية في الجنوب أي الحركة التشادية للديمقراطية و العدالة التي اعترفت الوكالة الأمريكية للتنمية لأجل الديمقراطية(USAID) أنها مولتها في وقت سابق "إنسانيا" !!! و السبب الثاني أن الدولة الصهيونية "تشارك" الولايات الأمريكية في "مهمة مكافحة الإرهاب" في إفريقيا و هي المهمة التي تعني الدخول إلى إفريقيا سواء رغب الأفارقة أو لم يرغبوا !<BR><BR><BR><BR><br>