مستقبل الصراع الأمريكي - الإيراني على السلاح النووي
17 ربيع الأول 1427

الملف النووي الإيراني أحد ثلاث ملفات تضغط بها الولايات المتحدة على إيران ( الملفان الآخران هما ملف أفغانستان وملف العراق)، وإذا كانت إيران قد سلمت في الملفين السابقين لتصادف اتفاق المصالح الإيرانية إستراتيجية مع الأهداف الأمريكية فإن إيران لا زالت تساوم في الملف النووي <BR>وإذا كانت الولايات المتحدة قد وضعت إيران ضمن ما أسمته "محور الشر" فإن العراق أحد أضلاع مثلث هذا المحور قد سقط ، ويبقى الضلعين الآخرين كوريا وإيران ، وطبيعي أن تختلف السياسة الأمريكية مع كل ضلع عن الآخر <BR>لقد استصحبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر معها أحداثاً دولية مهدت لاستفراد الولايات المتحدة بالعالم وفرض نفسها كقوة عظمى وحيدة في العالم، وتوج جورج بوش الرئيس الأمريكي ذلك الاستفراد في الخطاب الذي ألقاه مؤخرا بمناسبة خطاب "حال الاتحاد" والذي وسم فيه إيران بأنها من دول بما اسماه «محور الشر» وأضاف أن هذه الدول وحلفاءها «الإرهابيين» تشكل تهديدا للسلام في العالم، وتعهد العمل ضدها لحرمانها من امتلاك المواد والتقنيات والخبرات لصنع الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية وتوفيرها للمنظمات «الإرهابية» وأطلق تحذيره الذي قال فيه: على كل الدول أن تعرف أن أمريكا ستفعل كل ما يلزم لضمان أمنها، ولن تنتظر اقتراب الخطر، ممهدا بذلك لما أصبح يعرف دوليا بالحرب الاستباقية، أو الوقائية، وهو المفهوم الذي يعني توجيه ضربات عسكرية استباقية لمكامن الخطر ووأدها قبل أن تتفجر، وهو المفهوم الذي تمت على أساسه حرب العراق واحتلالها <BR>وفيما يخص الحالة الإيرانية نجد أن حدة الصراع تصاعدت بين الولايات المتحدة وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني على الساحة الدولية وان كان يخفي وراءه قضايا أخرى عالقة تمثل حقيقة الصراع بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، وذلك منذ أن ضمت الإدارة الأمريكية إيران إلى محور الشر، لذلك يأتي البرنامج النووي الإيراني في مقدمة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية. <BR>ورغم أن الملف النووي الإيراني ظل يحظى باهتمام أجهزة الاستخبارات العالمية والإقليمية خاصة في تلك المنطقة الملتهبة والمفتوحة على مجموعة من الصراعات بمختلف أنواعها، ولقد أبرزت معطيات الشهور الماضية القضية إلى السطح، وخاصة بعد تداعيات الوضع في العراق ، وإصرار الولايات المتحدة على التدخل في أي منطقة في العالم سواء لمكافحة «الإرهاب» أو أي قضية أخرى. <BR><BR><font color="#0000FF"> لمحة تاريخية عن البرنامج النووي الإيراني </font><BR>وعودة لتاريخ السلاح النووي الإيراني نجد الولايات المتحدة أول من تقدم لمساعدة إيران لدخول نادي الدول النووية، وذلك عندما اشترى الشاه رضا بهلوي أول مفاعل نووي أمريكي لمركز أمير باد للأبحاث النووية وواصل خططه وأعلن عن تأسيس الهيئة الإيرانية للطاقة الذرية العام 1974 ودخل في مفاوضات لشراء المزيد من المفاعلات النووية ووقع اتفاقية مع أمريكا لتزويد بلاده بالوقود النووي العام 1974 أيضا. <BR>وبهذا يكون للولايات المتحدة دور بارز في دخول إيران في المجال النووي، ولكنها الآن تقف ضدها في محاولة لاستغلال الموقف للوصول إلى غاياتها وتنفيذ مخططاتها في المنطقة. <BR>ومنذ أن أعلن الرئيس جورج بوش بكل دقة أن الولايات المتحدة «لن تتساهل» مع قيام إيران باقتناء السلاح النووي في خطابه حول حال الاتحاد عام 2002 كان الإعلان بمثابة التحذير الأخطر والأكثر تحديدا الذي تتلقاه طهران، ثم اتهمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية السلطات الإيرانية علنا بإخفاء جزء من البرنامج النووي الإيراني، كما انضمت دول الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة في مطالبة إيران بالموافقة الفورية ومن دون شروط على ملحق معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والتي تتيح عمليات تفتيش مفاجئة. <BR>ومن أجل تقدير القدرات النووية لإيران علينا الانطلاق من الأوضاع التي نحن فيها، ففي عهد الشاه قررت إيران إطلاق برنامج أبحاث يؤدي إلى إنتاج سلاح نووي، وكانت إيران خلال المرحلة الأخيرة الأكثر قساوة من مراحل الحرب الباردة، بمثابة الشريك للولايات المتحدة عند الحدود الجنوبية للاتحاد السوفييتي، فلا غرابة أن السلطات الأمريكية لم تكن تعارض هذا البرنامج، بل ساعدت في إطلاقه... انتهى البرنامج مع الثورة الإيرانية، ثم أعيد النظر في هذا الخيار عام 1982 عندما تعرضت إيران للهجوم العراقي وهي تعاني من الحصار في الوقت الذي كان خصمها يحصل على الأسلحة، لكن إحياء البرنامج النووي كان ينبع من تحليل استراتيجي واسع النطاق، حيث كانت إيران في مواجهة أسلحة نووية موجودة أو قيد الإعداد لدى جميع جيرانها، الاتحاد السوفييتي وباكستان، إضافة للعراق وإسرائيل، فاعتبر القادة الإيرانيون انه من المستحيل عليهم أن يبقوا مكتوفي الأيدي. <BR>مهما يكن من أمر فإن الرئيس خاتمي والتيار الإصلاحي عمدوا فور وصولهم إلى السلطة عام 1997 وتحت تأثير الحصار النفطي الذي فرضته الولايات المتحدة ولم تخرقه سوى شركة توتال الفرنسية، إلى تعديل مجمل البرامج النووية لأسباب اقتصادية، إذ لم تتمكن إيران من تخطي إنتاج الأربعة ملايين برميل في اليوم إلا بعد عشر سنين. <BR>ولابد أن المسئولين في طهران اعتقدوا بإمكان تزويد إيران بالأسلحة النووية، بالرغم من أنهم يؤكدون أنهم لم يبنوا بعد هذه الأسلحة، وترتكز الاتهامات الأمريكية في هذا الخصوص على مجموعة واسعة من المعلومات والفرضيات التي جمعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها الصادر في السادس من شهر يونيو 2003، بالرغم من أن الوكالة ومع انتقادها السلطات الإيرانية لأنها تسترت على جزء من نشاطها، لم تشأ الإعلان تحت ضغوط أمريكية أن إيران خرقت معاهدة عدم الانتشار النووي، لكن تفاصيل إضافية من مصادر متعددة تؤكد توجه إيران نحو وضع برنامج لإنتاج الأسلحة النووية للاستخدام العسكري .<BR> لكن ماذا يعني على صعيد العلاقات الدولية بروز القوة النووية العسكرية الإيرانية، إن إيران ليست محاطة فقط بالدول النووية، بل إن المسئولين في طهران يعتبرون أن احتلال العراق يهدف إلى تطويق إيران من الولايات المتحدة التي تملك اليوم تجهيزات عسكرية في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق في آسيا الوسطى وفي أفغانستان والخليج والعراق والقوقاز، ويسترجع هؤلاء تجربة الحرب العراقية الإيرانية التي استخدم فيها الجيش العراقي أسلحة كيماوية لإرغام القيادة الإيرانية على اللجوء لأعداد كبيرة من جنود المشاة من أجل المقاومة أو لإطلاق هجمات مضادة عالية التكلفة على صعيد الخسائر البشرية، ومازالت الذكرى ماثلة بقوة في أذهان هؤلاء المسئولين الذين يحاولون بأي ثمن تفادي تكرار مماثل، ذلك أن خطر النزاع المسلح لم يزل بعد فاحتلال العراق والأزمات التي يمكن أن تنتج عنه قد تؤثر مباشرة على إيران، هذا إضافة إلى اقتناع طهران بأن إسرائيل لن تتردد أبدا في حال سمحت لها الظروف بالإقدام على تدمير المنشآت النووية الإيرانية كما أقدمت حكومة مناحيم بيجين على تدمير المفاعل النووي العراقي عام 1981. <BR>وتتضارب وجهات النظر حول إمكانية امتلاك إيران للأسلحة النووية، فبالرغم من الادعاءات الإسرائيلية بإمكانية حدوث هذا في عام 2007 إلا أن بعض المصادر تقول أن إيران قد تتمكن من امتلاك هذه الأسلحة بأسرع مما يتوقع<BR>وفي ضوء هذا التضارب قد يكون من الصعب إن لم يكن من المستحيل تحديد تاريخ دقيق لامتلاك طهران للأسلحة النووية، وحتى لو أثمرت المساعدات الفنية الروسية، فان المراقبين بمن فيهم كبار الخبراء من الولايات المتحدة يقفون عاجزين أمام فك أسرار البرنامج النووي الإيراني بالرغم من التصريحات التي كان قد أدلى بها محمد البرادعي حول انتهاك إيران لمعاهدة الحد من الأسلحة النووية . <BR>وبرغم ذلك لا زالت أصداء الحملة الأمريكية على إيران تتواصل وهي تحمل بين ثناياها أزمة طاحنة بين الجانبين، ولكن تلك الأزمة التي تخفي وراءها تاريخا ساخنا بين الطرفين بدأ مع بداية الثورة الخمينية واحتجاز الرهائن الأمريكيين وما أعقب ذلك من تجاذب بين الدولتين تمثل في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، مثل الموقف الإيراني من الصراع العربي الإسرائيلي ورفضها لمفاوضات السلام، والعامل الأيديولوجي الثوري الإيراني ونظرة إيران لواشنطن على أنها قوة الاستكبار، إضافة إلى ما يشاع عن دعم طهران للمنظمات الفلسطينية مثل حماس، والجهاد وحزب الله في لبنان، وادعاء واشنطن بإخفاء طهران عناصر من تنظيم القاعدة والرغبة الأمريكية في السيطرة على مقدرات المنطقة، بما فيها النفط الإيراني سوف لن تسدل فصولها إلا بتوصل الطرفين لحل ما، خاصة بعد تهديد إيران في الفترة القريبة الماضية باستخدام سلاح النفط إذا ما تم تضيق الخنق عليها أكثر من المحتمل <BR>إلا أن بعض الباحثين يروا أنه لا توجد وسيلة لحسم هذا الجدال بصورة نهائية، إذ أن إيران كدولة محورية في هذا الإقليم الملتهب تمتلك من الإمكانيات ما يجعلها قادرة على التحول للقوة الإقليمية الأولى في المنطقة وقادرة على فرض أجندتها على طاولة المفاوضات <BR>ولاستباق هذا التحول صرح رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي مؤخرا أن إيران تشكل تهديدا مباشرا لإسرائيل من خلال سعيها للحصول على الأسلحة النووية، كما أكد قائد القوات الإسرائيلية أن هناك تحركا دبلوماسيا دوليا للتعامل مع هذا التهديد، فإذا نجح كان أمرا جيدا، وإذا فشل فان "إسرائيل" ستضطر إلى اللجوء لخيارات أخرى، وهذه الخيارات لا تعدو أن تكون ضرب المفاعلات النووية الإيرانية <BR>ورغم ما تبديه أمريكا وإسرائيل من العمل على تغير النظام الإيراني إلا أنه بحكم العقيدة البرجماتية التي تحكم عمل النظام تبدي أمريكا بعض المرونة فيما يخص التعامل مع إيران <BR>وما بين العصا والجزرة تسير العلاقات الأمريكية الإيرانية في خط متعرج يصعب التنبؤ بمساراته، ذلك أن إحجام قبضة الولايات المتحدة على إيران ينهي تأثير الثورة الإيرانية في المنطقة ويحكم السياج الأمني الأمريكي عليها ليقف على حدود روسيا والصين، وإحكام القبضة على النفط الإيراني مما يؤدي إلى التحكم في منظمة أوبك والطاقة وبالتالي مستقبل الصناعة في العالم<BR><BR><br>