الحركة الإسلامية تشارك في انتخابات "إسرائيل"!
29 صفر 1427

مع الظهور القوي للتيارات الإسلامية في ثمانينات القرن الماضي بعد فشل التيارات اليسارية والقومية والناصرية في توفير حلول لمشاكل الجماهير العربية ، ظهر في الأرضي الفلسطينية المحتلة سواء كانت الأرض المحتلة عام 1948 (ما يسمي إسرائيل) أو أرض 1967 قوي وحركات إسلامية عديدة ينتمي أغلبها لتيار جماعة الإخوان المسلمين .<BR>وإذا كانت حركات إسلامية مثل حماس والجهاد في غزة والضفة الغربية ، قد حظيت بالتغطية الإعلامية الجيدة خصوصا لدورها في مواجهة الاحتلال الصهيوني ، فلم تحظ (الحركة الإسلامية) في فلسطين 48 بذات القدر بسبب القمع الصهيوني – رغم أن أبناءها يحملون الجنسية "الإسرائيلية" بحكم الاحتلال – وبسبب حساسية موقفها وصعوبة محاربتها لهذا الكيان الغاصب خاصة بعدما ضحت السلطة الفلسطينية بهم في اتفاقات أوسلو وأصبح التفاوض يتم علي أرض وحدود 67 فقط .<BR>ورغم النشاط الكبير الذي قامت به هذه (الحركة الإسلامية) كحزب "إسرائيلي" معترف به فيما يتعلق بالحفاظ علي هوية فلسطينيو 48 العربية والإسلامية عبر مشاريع اجتماعية وثقافية مختلفة ، فلم يبدأ انتشار هذه الحركة الفعلي إعلاميا سوي منذ عام 1984 عندما قررت المشاركة في انتخابات المجالس المحلية العربية التي كان يسيطر عليها أحزاب عربية علمانية ويسارية وأعضاء عرب ينتمون لأحزاب العمل والليكود وغيرها .<BR>ولثقة الناخبين العرب في نزاهة ومصداقية هذه الحركة الإسلامية التي دشنها رهط من كبار الشيوخ الذين تربوا علي تعاليم جماعة الإخوان المسلمين ، ولكنهم سعوا للتوفيق بين هذا وبين وضعهم تحت الاحتلال الذي قد يعرضهم للقتل والسجن أو الطرد لو هاجموا الاحتلال ، ومنهم الشيخ نمر درويش ، فقد فازت الحركة الإسلامية في أول انتخابات محلية شاركت فيها برئاسة مجلس محلي مدينة "كفر برا"، وحصلت على تمثيل في عضوية مجلس كفر قاسم والطيبة .<BR>وفي الانتخابات المحلية التالية عام 1989 ضاعفت الحركة الإسلامية فوزها ، وفازت برئاسة 5 سلطات محلية في كل من أم الفحم وكفر قاسم وجلجولية وراهط وكفر برا، وحصلت على عضوية بعض المجالس البلدية في الناصرة وكفر كنا والفريدس والطيبة والطيرة وقلنسوة ، حتى سيطرت علي العديد من البلديات أبرزها أم الفحم وكفر قاسم .<BR>ووسط هذا النجاح الكاسح للحركة الإسلامية والشعور بالعجز عن القيام ببعض المسئوليات الأكبر التي تخص كافة فلسطينيي 48 أو من يطلق عليهم إعلاميا أسم (عرب إسرائيل) والذين يشكلون حاليا قرابة 20 % من سكان الدولة الصهيونية ، بدأ قادة في الحركة يفكرون في المشاركة في انتخابات الكنيست "الإسرائيلي" بهدف السعي من خلاله لخدمة السكان العرب والحفاظ علي هويتهم بصورة أشمال وأعمق بدلا من الخدمات المحلية البسيطة خصوصا أن الحكومة الصهيونية بدأت تقلص المعونات المالية للبلديات العربية وتفرق بينها وبين البلديات "الإسرائيلية" في المزايا .<BR>وفي الوقت الذي بدأت فيه الآراء الفقهية تتولي حول إمكانية دخول الكنيست وهل هو حلال أم حرام وهل يساهم في "إضفاء الشرعية على دولة إسرائيل " أم أنه مجرد وسيلة الهوية وجواز السفر "الإسرائيلي" وشعار الدولة الصهيونية وعملتها ، بدأ يحدث نوع من الانقسام والشقاق الفقهي بين قادة الحركة الإسلامية حول المشاركة في هذه الانتخابات .<BR>وترسخ هذا الانقسام حينما قام الشيخ عبد الله نمر درويش بخوض انتخابات الكنيست الرابعة عشرة 1996 ، في حين رفض قادة الحركة في مدينة أم الفحم وأبرزهم رائد صلاح وكمال الخطيب ، ومنذ ذلك الحين يشارك في انتخابات الكنيست ما يسمي الجناح الجنوبي بزعامة الشيخ نمر درويش ( تولي رئاسته خلفا لدرويش الشيخ إبراهيم صرصور )، وظل الجناح الشمالي رافضا للمشاركة حتى الآن .<BR>حيث قررت الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م (الجناح الشمالي) في مدينة أم الفحم برئاسة الشيخ رائد صلاح مقاطعة انتخابات (الكنيست) السادسة عشرة في تاريخ الكيان الصهيوني في 28 يناير2003م، وقال الناطق باسم الحركة الشيخ هاشم عبد الرحمن: إن القرار اتخذ بعد أن اقتنعت الحركة بأن (الكنيست) ليست هي السبيل الذي يصل من خلاله العرب في الأراضي المحتلة عام 1948م إلى حقوقهم، كما أنها ليست السبيل الذي يقود الشعب الفلسطيني إلى الحصول على حقوقه. <BR>الجديد في قرار الحركة الإسلامية الشمالية، هو دعوته الجمهور إلى مقاطعة الانتخابات، بعد أن كانت تكتفي فيما مضى بالمقاطعة، دون توجيه مثل هذه الدعوة للجماهير العربية ، ما أدي لانشقاق أوسع للحركة إلى جناحين، أحدهما يؤيد المشاركة، بحجة أنها وسيلة لتحصيل الحقوق الفلسطينية، وقاد هذا الجناح، الذي ضعف بصورة كبيرة، الشيخ عبد الله نمر درويش ثم إبراهيم صرصور . فيما كان الجناح الآخر والأكبر بقيادة الشيخ رائد صلاح يعارض بصورة مطلقة المشاركة في انتخابات (الكنيست)، واستقطب هذا الجناح غالبية كوادر الحركة .<BR>وبلغ الأمر حد حصول قائمة الحركة الإسلامية الجنوبية (القائمة العربية الموحدة) علي 200 صوت فقط من أصوات إسلاميي مدينة أم الفحم بسبب قرار المقاطعة من الجناح الشمالي للتصويت وللانتخابات ، وهي – للغرابة ذات الأصوات التي حصل علي مثلها حزب ميريتس "الإسرائيلي" في مدينة أم الفحم !!.<BR>والجديد في انتخابات الكنيست القادمة يوم 28 مارس 2006 للكنيست رقم 17 أن الحركة الإسلامية الجنوبية قررت المشاركة للمرة الثالثة علي التوالي رغم أن قائمتها لا تحصل سوي علي مقعدين في الكنيست كما حدث في انتخابات 2003 ، في حين استمر موقف الجناح الشمالي رافضا ، بيد أن الضربات التي وجهت للجناح الشمالي من قبل قوات الاحتلال وتلفيق قضايا لهم وسجنهم قرابة العام أدت لنوع من التعاطف والتلاحم بيم الشقين الإسلاميين في الشمال والجنوب وتقارب أعتبره البعض مفيد للحركة في انتخابات الكنيست .<BR>ولهذا يتوقع - رغم قول الشيح رائد صلاح أن المشاركة في انتخابات الكنيست ثبت أنها لا تفيد في حل مشاكل فلسطينيو 48 – أن يحدث نوع من التصويت الكبير هذه المرة للحركة الإسلامية – الجناح الجنوبي – وإعطائها فرصة لإثبات قدراتها علي انتزاع عدة مقاعد تفيد في تشكيل تكتل عربي في الكنيست يحفظ مصالح العرب الذين أصبحت الدولة الصهيونية تنظر لهم علي أنهم خطر وتسعي لتهجيرهم تدريجيا . <BR>إذن سبق ذلك خطط "إسرائيلية" لإلغاء وجود الحركة الإسلامية، أغلقوا بموجبها جمعية الإغاثة الإسلامية، ثم جمعية الإغاثة الإنسانية، ثم جمعية رعاية السجين واليتيم، ثم قاموا بإغلاق صحيفة (صوت الحق والحرية) المعبرة عنهم لأكثر من مرة، وتم تلفيق عدة قضايا لزعماء الحركة ومنع بعض قيادات الحركة الإسلامية من إلقاء محاضرات في المدارس الثانوية والجامعات ، وسجن أعضائها وتلفيق قضايا لهم .<BR>ويبدو أن استمرار نشاط الحركة الإسلامية بشقيها الشمالي والجنوبي وتنوعه واستفادتها من الضربات الأمنية التي وجهت لها في اشتداد عودها والقيام بأنشطة هامة في الحفاظ علي هوية فلسطينيو 48 وحماية وتجديد المقدسات خصوصا المسجد الأقصى والمصلي المرواني والتصدي لمحاولات "أسرلة" الأسر العربية ،بل وسعي أحد أجنحتها لتشكيل تكتل قوي في الكنيست يؤثر علي التشريعات ، تثير غضب السلطة الإسرائيلية التي ترفع شعار "إسرائيل لليهود فقط" .<BR><font color="#0000ff">الخلافة الإسلامية في "إسرائيل"!!</font><BR>والأكثر غرابة أن القوي الصهيونية بدأت تترصد للحركة الإسلامية وتتهمها بأنها تسعي لنشر الخلافة الإسلامية في "إسرائيل" ، حتى إن أربع كتل انتخابية "إسرائيلية" هي الليكود، وباروخ مارزل، والمفدال، وحركة الخط الصهيوني ، تقدمت بطلب إلي لجنة الانتخابات "الإسرائيلية" يوم 16 فبراير الماضي لمنع الشيخ إبراهيم صرصور والقائمة التي يترأسها من المشاركة في انتخابات الكنيست ، بحجة أنه دعا خلال مؤتمر صحافي في 14 فبراير إلي إقامة (خلافه إسلامية) في "إسرائيل" وبالتالي زوال "إسرائيل".<BR>وقد أشار الشيخ صرصور بالفعل في كلمته للخلافة الإسلامية ولكنه – حسبما أوضح في تصريحات صحفية – كان يشير الوحدة بين التيارات العربية المختلفة في "إسرائيل" بسبب تشرذم الصوت العربي ، فاستحضر في هذا السياق نموذج الوحدة العربية في البلاد العربية وازدهاره في ظل نظام الخلافة الإسلامية ، وصورت الصحف الصهيونية الأمر علي أنه بداية سيطرة حزب (الحركة الإسلامية) علي "إسرائيل" ونشر الخلافة .<BR>هناك آمال بالتالي من جانب أعضاء الحركة الإسلامية الذين باتوا يرأسون هذه المرة القائمة الموحدة العربية في الانتخابات تضم قوي عربية أخري أن يعززوا فرصتهم في الانتخابات التي يشارك فيها ثلاثة قوائم عربية أخري من بين 31 قائمة انتخابية "إسرائيلية" .<BR>ومع هذا يرى إسلاميو 48 الجناح الشمالي أنه لا توجد فرصة كبيرة للفوز لدي القائمة الموحدة سوي 2-3 مقاعد علي الأكثر ويقولون أنه حتى لو فازت الحركة بأكثر من هذت فلن يغير هذا من التفكير الصهيوني الاستراتيجي الساعي لتهجير العرب والقيام بممارسات عنصرية ضدهم وأخيرا السعي للبحث عن استبدالهم في أي تسوية مستقبلية بحيث يجري تصديرهم للدول الفلسطينية والسيطرة علي مدنهم المتبقية !!.<BR>لقد توقع الشيخ رائد صلاح– في حوار سابق معه- الأسوأ من الاعتقالات وتحدث عن خطوات أخري متوقعة لترحيل الصهاينة لعائلات عربية من فلسطينيي 48 بأكملها بصورة تدريجية بعدما بدءوا في سحب هوايات العشرات من الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية "الإسرائيلية" ، وتحدث عن الحملات الإعلامية "الإسرائيلية" لتشويه فلسطينيي 48 ووصمهم بالإرهاب!.<BR>وقال أن : "نزع الهوية بداية شرعنه للترحيل ، بمعنى أن نزع هوية بعض الأفراد بهدف ترحيلهم هو مقدمة لشرعنة نزع هوية العشرات والمئات ثم الآلاف بهدف ترحيلهم إذا ما توفر أي ظرف مناسب لمزاجية المؤسسة <BR>"الإسرائيلية" .. وما نسمعه اليوم هو تنامي أصوات مسئولين ومؤسسات "إسرائيلية" يدعون إلى ترحيلنا " . <BR>فهل تفوز الحركة الإسلامية بعدد أكبر من مقاعد الكنيست وتواجه هذه الخطط ؟ وهل يتغير التعامل الصهيوني مع الجناح الجنوبي المشارك في الكنيست بعكس الجناح الشمالي الذي وجهت له اتهامات عديدة كاذبة وتم الزج بأعضائه في السجون؟ وما هو تأثير هذا التصاعد الكبير في نشاط الحركة الإسلامية عموما داخل الدولة الصهيونية علي إمكانية تقويض أرجاء هذه الدولة مستقبلا بعدما أحاطها "الخطر" الإسلامي بعد فوز حماس ونمو المقاومة ، كما نما في داخلها إسلاميون يؤمنون بالخلافة الإسلامية واجتهدوا للمشاركة في انتخابات الكنيست للتغيير من الداخل؟<BR><br>