أمريكا ومصر.. نغلق النافذة أم نفتحها؟!
22 محرم 1427

يتندر المصريون كثيراً بعبارة مسرحية شهيرة تلخص مشهداً يتناول الروتين الحكومي ومعاناة مواطن مصري مع تضارب تصريحات المسؤولين المختلفة بعدما قام بفتح نافذة (شباك) جديد في منزله، بعضهم يرفض هذا الوضع ويطالبه بغلق (الشباك)، والآخرون يؤيدون فتح (الشباك)، لينتهي المشهد بالمواطن وهو يهيم على وجهه في الطرقات ويقول عبارته: "دلوني.. افتح الشباك أم أغلق الشباك"!!.<BR>ويبدو أن النفاق الديمقراطي الأمريكي الذي يتمثل في خطة الرئيس الأمريكي بوش الداعية لنشر الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي بحجة أن هذا يقلل "الإرهاب"، ورفض هذه الإدارة الأمريكية القبول بنتائج هذه الديمقراطية التي يطالبون بها لو جاءت بقوي إسلامية على غير هواهم، أصبح أمراً محيراً للمواطن العربي ربما سيدفعه مستقبلا للصراخ بدوره: "يا أمريكان هل تريدون أن نفتح نافذة الديمقراطية أم نغلقها "!؟. <BR>أحدث حلقات هذا النفاق الديمقراطي كان الاعتراض الأمريكي على تأجيل الحكومة المصرية موعد انتخابات المحليات المقرر أن تنتهي مدتها في إبريل 2006 مدة عامين كاملين فتح النافذة، رغم أنهم طالبوا للتو بغلق هذه النافذة في فلسطين عندما قرروا معاقبة الشعب الفلسطيني على اختيار حركة حماس الإسلامية وتأديبه بقطع المعونات والمساعدات عنه!<BR>والأغرب أنه في الوقت الذي صمت فيه الأمريكان عن ممارسات قمعية في العديد من الحكومات العربية بعدما وجدوا أن الخيار الديمقراطي سيأتي لهم بالبعبع الإسلامي، عادوا مرة أخري لسياسة فتح وغلق النافذة على التوالي، مرة بنقد الحكومة المصرية لتأجيل انتخابات المحلية، ومرة بالتغاضي والتراجع الفعلي عن خطة "دمقرطة العرب" من خلال مد جسور التواصل مع الأنظمة واستمرار المساعدات لها، وسط زيارات لعسكريين أمريكيين كبار لدول عربية للتنسيق بشأن "مخاطر البرنامج النووي الإيراني"!.<BR>فبعد صمت طويل منذ فوز جماعة الإخوان المسلمين بـ 88 مقعد في انتخابات البرلمان المصري وظهور بوادر عقاب لمصر على تراجعها عن ما يسمي "العملية الديمقراطية " وإلغاء مسؤولين كبار زياراتهم لمصر، عادت مؤشرات الود وصفاء العلاقات بين القاهرة وواشنطن في صورة سلسلة من الزيارات المتتالية لمصر على النحو التالي: ديك تشيني نائب الرئيس، ثم مدير المخابرات الأمريكية، ثم ستيفن راديمكر مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون التسلح والحد من الانتشار والأمن الدولي، وأخيراً (وزيرة الخارجية) كوندوليسا رايس التي قيل أنها ترفض بقوه زيارة مصر كنوع من إبداء الغضب على التراجع المصري عن الديمقراطية وسجن القطب المعارض الليبرالي أيمن نور.<BR><font color="#0000ff">مصالحهم الخارجية أهم! </font><BR>والحقيقة التي لا تقبل الجدال هي أن مصالح واشنطن والغرب هي الأهم والأولي وتقدم على ما سواها، وأن غلق الشباك في وجه النظام المصري وإظهار الغضب عليه، ثم إعادة فتح النافذة لم يكن سوى نوع من المساومة لتحقيق المصالح الأمريكية الإقليمية، وأشبه بلعبة الثلاث ورقات التي يجيدها النصابون، بحيث يرفعون في وجه الضحية ورقة كي يلهونه فيها، ويخفون الورقة الرابحة التي تحفظ مصالحهم.<BR>بعبارة أخري كان الضغط الأمريكي المتستر على مصر تحت عباءة البكاء على الديمقراطية، يستهدف في حقيقة الأمر الحصول على تنازلات مصرية إقليمية في فلسطين والعراق وقضية السلاح النووي الإيراني، خاصة أن مصر عضو في مجلس وكالة الطاقة الذرية ولها صوت هام، وكانت زيارة تشيني نائب الرئيس الأمريكي تنصب على هذه الملفات الإقليمية وأخطرها السعي لتوفير غطاء عربي لانسحاب أمريكي تدريجي أو هروب بمعني أصح من العراق.<BR>أيضا كانت زيارة باقي المسئولين العسكريين الأمريكيين عنوانها الضمني هو الضغط على مصر وحشد الجهد العربي لمعادة البرنامج النووي الإيراني وتضييق الخناق على إيران وبالتالي التمهيد لموقف دولي وعربي معادي ورافض للبرنامج الإيراني ما قد يسهل توجيه ضربه عسكرية له مستقبلاً.<BR>وكمثال على السعي لتحقيق هذا الهدف، قال السفير الأمريكي عقب استقبال وزير الخارجية المصري لمساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون التسلح والحد من الانتشار والأمن الدولي ستيفن راديمكر، أن هدف جولة "راديمكر" هو الاستماع إلى وجهات نظر دول المنطقة إزاء قضية منع الانتشار النووي، خاصة في ضوء مخاطر ما وصفه بـ "الانتهاكات الإيرانية" لمعاهدة منع الانتشار النووي، وكذلك عرض "بعض المعلومات" على حكومات دول المنطقة في هذا الشأن، وتبادل الأفكار والمعلومات في محاولة للوصول لتوافق دولي شامل يتعلق بالملف النووي الإيراني!؟<BR>هي بالتالي خطة محكمة ضمن سياسة النفاق الديمقراطي الأمريكية، تتلخص في الضغط على الحكومات العربية بدعاوى تحقيق إصلاحات داخلية في حين أنها تستهدف الابتزاز واستغلال هذه الضغوط في إجبار الحكومات على تنفيذ سياسيات إقليمية تلبي رغبات أمريكية في المنطقة!<BR><font color="#0000ff">مأزق المحليات </font><BR> ويعد مأزق انتخابات المحليات المصرية التي أجلتها الحكومة المصرية، أحد الصور الجلية لهذا النفاق الأمريكي الديمقراطي خصوصا إذا علمنا أن الضغط الأمريكي على مصر بدعوى تراجعها عن الديمقراطية عقب تأجيل هذه الانتخابات تزامن مع زيارات كبار المسؤولين الأمريكيين لبحث قضايا إقليمية مع مصر مثل العراق والبرنامج النووي الإيراني وفوز حماس في انتخابات فلسطين.<BR>فقد عبرت الولايات المتحدة عن استيائها من قرار (الرئيس المصري) حسني مبارك إرجاء الانتخابات المحلية المصرية سنتين، موضحة أن "الحكومات ملزمة تفسير تحركاتها إمام شعوبها"، وقال (المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية) شون ماكورماك: "انه موقف مبدئي بالنسبة لنا ونحن لا نؤيد تأجيل انتخابات".<BR>وقال في لهجة تعبر عن التدخل الفاضح في الشؤون المصرية: "أنها قضية سنناقشها مع الحكومة المصرية"، معبراً عن اعتقاده بـ"أننا سنفعل ذلك في مناقشات هنا وعلى الأرجح في القاهرة أيضاً"، ملمحاً بذلك إلى مشاورات على مستوى السفراء وعلى مستوى المسؤولين الأمريكان الذين زاروا مصر.<BR>أيضا قال مسؤول أميركي رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأميركية لوكالات الأنباء "إذا زرنا مصر في المستقبل سنتحدث في هذا الأمر مع مبارك"، وهو ما يعني مزيداً من الضغط خاصة بعد تأجيل واشنطن توقيع معاهدة التجارة الحرة مع مصر، وإعلان المندوب الأميركي للتجارة روب بورتمن إن الولايات المتحدة تأمل في حصول تقدم في مجال الإصلاحات السياسية لمتابعة المفاوضات مع مصر حول اتفاق للتبادل الحر.<BR>ومع أن قرار تأجيل المحليات مقصود منه بوضوح الإخوان المسلمون والمخاوف من صعودهم في هذه المحليات، والأهم عدم إعطاء الجماعة فرصة الفوز في 14 من هذه المحليات هي النسبة المطلوبة للحصول على توقيعات من أعضائها ضمن النصاب الذي حددته المادة 76 لحصول المرشح المستقل على توقيعات نواب المجالس المحلية والتشريعية، فقد جري إظهار الأمر على الجانب المصري على أنه تأجيل بغرض إكمال تعديل وتطوير قانون المحليات.<BR>بل واعترف الدكتور أسامة الغزالي حرب (عضو الحزب الوطني والمحلل السياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية)، بأن القرار يستهدف بالدرجة الأولى جماعة الإخوان، مضيفاً " بالتأكيد القرار بسبب الإخوان المسلمين.. لقد أثبتت الانتخابات البرلمانية الأخيرة أن الحزب الوطني الديمقراطي أضعف كثيرا مما تنبأ به أي شخص.. جميع الأحزاب الأخرى مصابة بالإحباط.. البديل الوحيد القادر على ملأ الفراغ وتحدي الحزب الوطني هو جماعة الإخوان ".<BR>ولهذا اعتبر قادة الإخوان – كما قال د. محمد حبيب (نائب المرشد العام للجماعة)- قرار التأجيل، "خطوة نحو تكريس توريث منصب الرئيس ومحاولة من الحزب الحاكم لمواصلة احتكار الترشح لرئاسة الدولة ".<BR>كما انتقدوا – كما قال الدكتور عصام العريان (القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين)- التدخل الأمريكي في التعليق على تأجيل المحليات واعتبروه "نفاقاً"؛ لأن الأمريكيين لم يقبلوا نتيجةَ الانتخابات الفلسطينية ويتفقون الآن على عقدِ لقاءاتٍ مع الصهاينة لإفشالِ حركة "حماس" في المدة القادمة!<BR>كما اعتبر العريان قرارَ تأجيل إجراء الانتخابات المحلية المصرية لمدة عامين بدلاً من إبريل القادم "مكافأة للفساد المنتشر في الإدارات المحلية حالياً "، ومخالفاً للدستور، الذي ينص على إجراء الانتخابات في موعدٍ معين يجب احترامه دون المساس به لتحقيق مصالح جماعة سياسية معنية، وهي الحزب الوطني الديمقراطي. مشيراً إلى أن هناك دعاوى مرفوعة بعدم دستورية القانون الخاص بالتأجيل.<BR><font color="#0000ff">تراجع.. يتراجع..!! </font><BR>وما يفضح هذا النفاق الأمريكي أكثر أنهم في الوقت الذي ينتقدون فيه عدم التزام مصر بوعود الإصلاح، يناقشون مسألة التراجع عن دمقرطة العرب وإلغاء أو تجميد خطة بوش.<BR>حيث كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في 13 فبراير الجاري 2006 عن أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش تعيد النظر حالياً في خططها المعلنة لنشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط بعد الفوز الساحق لحركة حماس الإسلامية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة.<BR>وأوضحت - في تقرير لها - أن "المحافظين الجدد المقربين من الرئيس الأمريكي بدؤوا يراجعون خططهم لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط بعد الفوز الساحق لحركة حماس في الانتخابات الفلسطينية" و"أنه منذ ظهور نتائج تلك الانتخابات فإن "فيضا من التقارير والدراسات ينهال على إدارة بوش ينصحها بالتروي والإبطاء في مسألة نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط".<BR>كما صدرت توصيات عديدة من المراكز البحثية والفكرية المحافظة والداعمة للإدارة الجمهورية في البيت الأبيض تدعوها إلى "عدم الضغط على الأنظمة (العربية)، والتوقف عن المضي قدما في اتجاه فرض نموذج نشر الديمقراطية في شرق أوربا على دول المنطقة الإسلامية"!.<BR>ورأت "فايننشال تايمز" أن المكاسب الانتخابية التي جناها "الإسلاميون" ـوفقاً للصحيفة ـ عام 2005 في إيران (فوز التيار المحافظ في انتخابات الرئاسة)، وفي مصر (فوز جماعة الإخوان المسلمين بخمس مقاعد البرلمان لأول مرة) وأخيرا في فلسطين، بدأت "تهز إيمان المسؤولين الأمريكيين بفرض الديمقراطية في شرق أوربا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي على دول منطقة الشرق الأوسط، وباتت قناعتهم بتكرار هذا النموذج الأوربي بين دول المنطقة ضعيفة" بعد أن كانوا يرون أن نشر الديمقراطية وسيلة ناجعة لمكافحة "الإرهاب" القادم من تلك المنطقة.<BR>ودللت "فايننشال تايمز" على أن الإدارة الأمريكية بالفعل بدأت تصغي إلى التوصيات الرامية إلى عدم التعجل في فرض الديمقراطية، بقولها: إنه "رغم الانتقادات التي وجهتها الإدارة إلى النظام المصري بسبب خروقاته في إدارة الانتخابات التشريعية الأخيرة، فإن الموازنة الأمريكية لعام 2007م يتوقع أن تشهد زيادة في حجم المعونات العسكرية التي تمنحها واشنطن للقاهرة باعتبارها "حليفا مهما في الحرب على الإرهاب".<BR>وعرضت الصحيفة للنصائح والنداءات التي تدعو بوش إلى عدم التسرع والضغط من أجل فرض الديمقراطية على الشرق الأوسط، ومنها ما قاله أريل كوهين الباحث في "مؤسسة هيريتج" -مركز الدراسات المحافظ الداعم للسياسة الخارجية لبوش-: إن "الدرس المستفاد من فوز حماس هو أن عملية نشر الديمقراطية يجب أن يتم إبطاؤها وإضفاء صبغة واقعية عليها، إضافة إلى وجوب اعتبار الدمقرطة عملية طويلة المدى"، معتبرا الانتخابات ليست هدفا في حد ذاتها.<BR>ورأى كوهين – يهودي- في ورقة بحثية عن الشرعية التي اكتسبتها حماس بفوزها في الانتخابات، أنه يجب أن يتم النظر إليها كـ"حادث كارثي يوجب إعادة تقويم السياسة (الأمريكية المتبعة) في الشرق الأوسط".<BR>وقد لاحظ "نيكولاس جفوسديف"، رئيس التحرير التنفيذي لدورية "ناشيونال إنترست" الأمريكية التي تروج لإتباع سياسة خارجية "واقعية"، وجود حالة من (الفتور) يبديه المسؤولون الأمريكان حاليا إزاء الضغط والمطالبة بدمقرطة الشرق الأوسط حيث اختفت – كما يقول - تقريبا تصريحات مسؤولي الإدارة الأمريكية الداعية إلى ذلك بعد أن كانت ملء السمع والبصر خلال العام الماضي!.<BR>وبعد.. يبقي السؤال هل تغلق واشنطن نافذة الديمقراطية أم تفتحها؟ وهل دعواتها لفتح النافذة خالصة لـ"وجه الديمقراطية" أم أنها نفاق وابتزاز يستهدف دولا عربية وإسلامية بعينها للحصول منها على تنازلات – بديلة – إقليمية!!<BR> <BR><br>