مشعل في تركيا ضيف غير رسمي!
20 محرم 1427

الأكثر ارتباكاً في الجولة السياسية التي يقوم بها حالياً وفد حركة حماس برئاسة خالد مشعل بين دول العالم،كانت زيارة تركيا.نبأ الزيارة لم يذع منذ البداية، وحينما أذيع قيل إن الزيارة كانت من الأصل زيارة سرية ثم تحولت إلى علنية دون تقديم تبريرات لكيفية تحول الزيارة من سرية إلى علنية أو تحديدٍ وإعلانٍ لمن هو الذي كشف سرها وحولها إلى علنية،كما لم يشر أحد إلى سبب كونها من الأصل كانت سرية بما أثار تقولات حول قيام تركيا بلعب دور "سرى" بين حماس و"إسرائيل" أفشله أحد الأطراف أو رفضه أحد الأطراف فلم تعد هناك حاجة للسرية.وعند إذاعة النبأ قيل في البداية أن مشعل سيلتقي (رئيس الوزراء) رجب طيب إردوجان على اعتبار أن الزيارة رسمية وان من الطبيعي أن يلتقي مشعل اكبر مسئول تنفيذي في تركيا،ثم من بعد قيل أن الزيارة الرسمية تحولت إلى زيارة غير رسمية وان مشعل لم يلتق رئيس الوزراء ولا أي مسؤول بصفة رسمية، وإنما هو التقى نائب عبد الله جول (وزير الخارجية) كنائب لرجب طيب إردوجان في حزب العدالة والتنمية بصفته الحزبية،ومرة أخرى لم توضح السلطات التركية سبب تحويل الزيارة من رسمية إلى غير رسمية ثم لماذا حتى وفى إطار إنها زيارة حزبية أو غير رسمية لم يلتق خالد مشعل بصفته رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس، برجب طيب إردوجان(رئيس حزب العدالة والتنمية) بصفته الحزبية.<BR>كانت الزيارة إذن مرتبكة على صعيد الجانب التركي ويحوطها غموض كثيف بشكل عام، بما طرح تقولات حول ضغوط أمريكية وأوروبية و"إسرائيلية" مورست على إردوجان دفعته إلى عدم لقاء الوفد والى تغيير الصفة الرسمية لمن استقبله إلى صفة حزبية والى حدوث كل هذا الارتباك الذي يزيد من إشكالياته وتساؤلاته أن حزب العدالة والتنمية كان من المفترض بحكم ما يقدم نفسه به،أن يكون هو الأكثر ترحيباً بخالد مشعل وبفوز حركة حماس من دول أخرى كثيرة. <BR><font color="#FF0000">من تركيا إلى موسكو </font><BR>تغيير صفة الزيارة ليس أمراً بسيطاً كما هو أمر مؤثر على جهود حماس في اللحظة الدقيقة الراهنة.الزيارة حسب وصف مشعل كانت إيجابية كما أن القادة الأتراك قدموا نصائح مفيدة إلى قادة حماس،غير أن مخاطر عدم استقبال إردوجان لمشعل وكذا الإعلان عن صفة حزبية لخالد مشعل ومضيفه عبد الله جول لا صفة رسمية، أمر لاشك يعكس تردد تركيا في الاعتراف بحماس كقيادة تنفيذية في موقعها في هرم السلطة التنفيذية،كما لاشك انه يمثل انتقاصا من أهداف الصفة التي يسعى مشعل ووفد حماس لاكتسابها من خلال الزيارة –والزيارات المتعددة-حيث مشعل ووفد حماس لم يسع إلى تركيا لسماع النصائح من القادة الأتراك بالدرجة الأولى ولكن لنيل اعترافهم بحماس كقيادة جديدة للشعب الفلسطيني في مواجهة الحملة الصهيونية والأمريكية والأوروبية المتصاعدة -في عدائها وعدوانيتها-لمنع الاعتراف الدولي بنتائج الانتخابات الفلسطينية وبحركة حماس وحصارها وإفشال مشروعها في قيادة الشعب الفلسطيني.<BR>كما أن خطورة هذا التصرف التركي تأتى من أنه يسبق الزيارة التي سيقوم بها خالد مشعل إلى موسكو وهى حتى الآن تجرى له بصفة رسمية،إذ لاشك أن القادة الروس كانوا يودون أن تكون زيارة مشعل إلى تركيا هي زيارة رسمية لتقوية موقفهم في مواجهة الضغوط والتصريحات الغربية التي تقاطرت منذ إعلان روسيا عن دعوة واستقبال قادة حماس بصفة رسمية لثنيها عن هذا الاستقبال والاعتراف، ولعل ذلك كان الدافع لمشعل ووفد حماس إلى التوجه إلى طهران بعد تركيا لتقليل النتائج السلبية لزيارة تركيا،ولتقديم دعم لموسكو في موقفها من حماس.<BR>على كل تبدو حجة الكاتب العربي ضعيفة حتى الآن في نقده للتصرف التركي مع قادة حركة حماس،إذ سيرد الأتراك أنه كان بإمكان بعض الدول العربية أن تقوى من موقف تركيا ومن موقف خالد مشعل على صعيد الصفة التمثيلية الرسمية إذا ما بادرت بدعوته إلى أراضيها "بصفة رسمية" واستقبال قادتها قبل زيارة تركيا،حتى لو اقتصر الأمر على مجرد الاستقبال الرسمي لتأكيد الاعتراف بالصفة التمثيلية دون مد يد العون السياسي والاقتصادي. سيقولون لنا لم تطلبون منا ما لا تفعلون أنتم؟<BR><font color="#FF0000">تركيا وحالتها الحائرة </font><BR>قصة زيارة خالد مشعل وما جرى فيها وبشأنها أعادت طرح حالة تركيا الحائرة بين الإسلام والعلمانية وبين الشرق والغرب وبين العرب وأوروبا وللأسف أيضا بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" من ناحية والعرب من ناحية أخرى.فالجغرافيا ليست وحدها هي ما يقسم تركيا بين قارتي آسيا وأوربا ولكن الفكر والسياسة أيضا،إذ تعيش تركيا تاريخيا ومنذ بدأت تجربة أتاتورك حالة في الاضطراب والحيرة.هي أصبحت دولة علمانية بينما شعبها مسلم تواق للإسلام قام بمحاولات و"مناورات" للتخلص من ارث أتاتورك منذ القرن الماضي وحتى الآن عبر محطات عديدة انتهت إلى تولى رجب طيب إردوجان رئاسة وزراء تركيا، وهى كانت ضمن حلف الأطلنطي خلال مرحلة قوة الشيوعية ورمزيتها الممثلة في الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، ولكنها واصلت علاقتها مع حلف الأطلنطي ودورها داخله بعد انهياره،بل وظلت قواعده على أرضها يخرج منها الطيران الأمريكي ويعود إليها بعد أن يدك العراق المسلم الشقيق لها.وهى في الوقت الذي كانت تتوجه نحو أمتها فيما بدا من تحركات وتصريحات لقادة أتراك كانت تعقد تحالفاً استراتيجياً مع الكيان الصهيوني.لكن يبدو أن التطور الأخير حين سمح لها أن تدخل بنصف قدم في بوابة الاتحاد والأوروبي،جعل السياسة التركية أشد اضطرابا ومفارقة إذ حدث ذلك ومن هم في السلطة يتحدثون عن "إسلاميتهم"؟<BR>وسط هذه الحيرة عاشت السياسة التركية تجاه القضية الفلسطينية بشكل خاص حالة اشد وطأة واضطرابا.ففي الوقت الذي عقدت تحالفا استراتيجيا مع "إسرائيل" من خلاله جرى تقييدها بأوضاع ومواقف كثيرة على صعيد موقفها من القضية الفلسطينية،فإن الحكم الحالي في تركيا كان يفترض منه حسب رأى البعض إن لم يتمكن من التخلص من سطوة الاتفاق الإستراتيجي مع الكيان الصهيوني،أن يفتش عن منافذ وفرص لاتخاذ بعض المواقف ولو حتى لتبييض وجهه أمام الشعب التركي الذي عبر مرارا وتكرارا عن دعمه وتأييده للقضية الفلسطينية.<BR>لقد كانت زيارة خالد مشعل لتركيا واستقباله رسميا،إحدى الفرص المهمة في هذا الاتجاه،لكن البادي أن القيادة التركية باتت عوامل جذبها للسياسة الأوروبية والأمريكية والصهيونية الأقوى والأشد تأثيرا عليها،كما يمكن القول أن التراجع عن استقبال مشعل بصفة رسمية وان كان الضاغط الظاهر بشأنه هو الطرف الأوروبي،بالنظر إلى ما صرح به خافير سولانا في وقت الزيارة من أن أوروبا لن تستقبل وفد حماس،وبحكم أن الاتحاد الأوروبي قد ادخل نصف قدم تركيا من باب الاتحاد الأوروبي ليجعل منها واقفة في مدخل باب الاتحاد الأوروبي تحت ضغط وتهديد مستمر،إلا أن الرؤية المتعمقة تكشف أن الموقفين الأمريكي والصهيوني كانا الأقوى تأثيرا على الموقف التركي بالنظر إلى سابق تأييد فرنسا-التي هي محور الاتحاد الأوروبي -بالخطوة الروسية باستقبال حماس بصفة رسمية.<BR><font color="#FF0000">الاستقلال وعدم الاستقلال </font><BR>لكن القضية الأعم والأشمل التي يطرحها الموقف التركي ومثله مواقف بعض الدول التي لم تتحرك لدعم فوز حماس ولو حتى من خلال مجرد استقبال قادتها بصفة رسمية،والتي يطرحها بالمقابل مواقف نقيضة لبلدان مثل كوبا وفنزويلا -التي أعلنت من فورها عن دعوتها لقادة حركة حماس -هي قضية مضمون الاستقلال في ظل الهيمنة الأمريكية والغربية والصهيونية على الوضع الدولي.<BR>فالاستقلال الذي عرفت الدول والشعوب معناه إلى حد ما خلال حقبة الستينات وقوامه علم وسلطة حكم محلية مشكلة من زعماء وقادة محليين -بدون وجود قوات احتلال -والذي اعتبر في أيامها قمة أماني الشعوب،بات في عالم اليوم حالة شكلية أو كاريكاتورية.الأمر لا يعود إلى الخوف من المصير العراقي والأفغاني فقط فتلك هي الحالة الأشد وضوحا والأقل إثارة للجدل،وإنما هو يعود إلى خلل في العلاقة بين الشعوب والحكام إذ لا يهتم بعض الحكام بمطالب وآراء ومصالح شعوبهم بقدر ما يهتموا بما يطلبه الأقوياء في الخارج،وكذا هو يأتي لان التداخل الاقتصادي أو دخول اقتصاديات الدول العربية ضمن دورة الهيمنة والتبعية الاقتصادية للغرب قد أربك قرارات الدول والحكومات إلى حد عدم القدرة على استخدام العلم والسيف والسجادة الحمراء أو رموز السيادة الأخرى في الاعتراف بقادة حماس كقادة معترف بهم رسمياً للشعب الفلسطيني الذي منحهم هذا الشرف.<BR>هكذا وصلت الأمور إلى هذا الحد؟<BR><BR><br>