"إسرائيل" تحتل إفريقيا مخابراتيا !
17 محرم 1427

" "شيمون بيريز" أو رجل المهمات الصعبة كما يصفه "الإسرائيليون"، ربما لأنه الوحيد القادر على إظهار الاعتدال في سياسته في الوقت نفسه الذي يخنق ضحيته بلا رحمة، فهو لا يحتاج إلى مسدس ليقتل ضحاياه، بل إلى قفاز حريري يضغط به على أنفاس منافسيه حتى الموت.. الذين تحدثوا عن "شيمون بيريز" سقطوا في الفخ.. فخ ذلك الخطاب السياسي المعتدل في ظاهره والمتطرف جدا في باطنه، فقد قال الجنرال السابق "ايهوذ باراك" أن أكثر الراديكاليين الذين مروا على السياسية "الإسرائيلية" يعدون " أرحم قلبا" من "شيمون بيريز" الـــذي ـ في السبعينات ـ وعبر برنامج تلفزيوني أجرته معه قناة RTL الألمانية ارتكب لأول مرة خطأ التوتر أمام سؤال حول تورط "بيريز" في عملية اغتيال "أبو جهاد" وفي تلك الحصة التي شاهدها يومها مليون ألماني، اعترف "شيمون بيريز" أنه يكن الضغينة للعرب، وأن نهاية الحرب في منطقة الشرق الأوسط مربوطة بإلغاء دور العرب في العالم وإجبارهم إلى العودة إلى خيمتهم وإبلهم!! تلك الجملة التي كشفت الورقة الساقطة من شجرة الإرهاب الصهيوني الذي اعتقد العالم أن ثمة "ثمار" يمكن الوثوق في سلامها..!!<BR><BR>شيمون بيريز الرأس المدبرة "الإسرائيلية" الأكثر رغبة في تطوير القدرات العلمية والتكنولوجية لمواجهة ما يسميهم "بأعداء الخارج" وهي نفس الجملة التي كانت تستعملها رئيسة الوزراء "الإسرائيلية" السابقة "جولدامائير" لتبرير ديمومة الضغينة التي تزرعها في الكتب المدرسية ضد العرب، وضد كل المناضلين المتهمين مسبقا بمعاداة السامية..<BR>كان "بيريز" تلميذا مخلصا لـ "جولدامائير" لهذا فهو لم يعجب فقط بسياستها الراديكالية في التعامل مع المنطقة، بل أعجب بفكرتها التي طرحتها لتطوير الدولة الصهيونية علميا، وبالتالي صنع من "إسرائيل" دولة لا يمكن قهرها بسهولة، لهذا كانت توجهات "بيريز" منذ الخمسينات إلى الرغبة في إقامة أول مصنع نووي في المنطقة، فقد كان "شيمون بيريز" أب المشروع النووي "الإسرائيلي"، وكان يعد "مصنع ديمونة" بمثابة طفله المدلل.. نجاح الفكرة النووية جعلت "بيريز" يتوجه إلى هيئة أركان الجيش كي يقترح مشروعا ثوريا لا يختلف عن صناعة القنبلة النووية، إنه التطوير المهني في صناعة رجال مخابرات يستطيعون حماية "إسرائيل"، ليس في الداخل بل في الخارج..<BR><BR>كانت المدرسة التقنية التي تأسست بشكل رسمي في بداية السبعينات عبارة عن هيئة بعينها تكوّن ضباط متخصصون في علم المخابرات.. كانت فكرته الكبيرة هي صناعة رجال قادرين على فبركة وتغير مسار دول كثيرة من العالم، وعبرهم يمكن تأسيس ما يعرف باليد العاملة القومية، التي تعني ببساطة رجال يعلنون وفاءهم إلى "إسرائيل" بموجب مقابل مالي أو لأنهم ببساطة يهود ومتطرفون..<BR> <BR><font color="#FF0000">إفريقيا الهدف الاستراتيجي: </font><BR>لقد كانت القارة الإفريقية منذ السبعينات قارة إستراتيجية لـ"إسرائيل"، فإفريقيا عاشت سنوات طويلة من النضال المستمر لأجل التحرر، سواء في الشمال أو الجنوب، ولهذا فإن الدول التي مارست تاريخا نضاليا حقيقيا تعي جيدا قيمة النضال لأجل التحرر، وهو الشيء الذي حدث فعلا في دول كثيرة وبالخصوص في دول إفريقيا السوداء..<BR><BR>كان النضال الكبير الذي خاضه الزنوج ضد الأبارتايد يعني أن دولة مثل ناميبيا لا يمكنها أن تمشي بعد استقلالها ضد التيار، ولهذا فكل دولة قومية تدعم ديمومة نضالها التاريخي، تعتبر عدو لـ"إسرائيل"، على اعتبار أن "إسرائيل" دولة قمع واضطهاد، وأنها صنعت طوال السنوات العشرين الماضية سياسة الأبارتايد في الشرق الأوسط، عبر كل الممارسات التعسفية التي كانت تسعى جليا وبشكل عملي إلى التمييز العنصري بين الدول، لأجل صياغة الطموح اليهودي الأكبر في السيطرة..<BR><BR>بيد أن فكرة الدخول إلى إفريقيا لم يكن ليتم بسهولة على اعتبار الصراع الدائر رحاه في منطقة الشرق الأوسط، ولاعتبارات سياسية كثيرة، أهمها أن الأنظمة الإفريقية وعت من البداية بالدور الذي لعبته "إسرائيل" لدعم سياسة التمييز العنصري في القارة، بالخصوص بعد التورط الفاضح لأحد مسؤولي السفارة "الإسرائيلية" في جنوب إفريقيا مع أحزاب عنصرية كانت "إسرائيل" تدعهم مالياً ولوجستيكيا ومعلوماتيا..<BR><BR>ولعل قضية القس الإفريقي الجنوبي " موريس موباكو" الذي اغتالته جماعة " سيادة البيض" في جنوب إفريقيا، فجرت تلك القناعة المعادية لـ"إسرائيل" على اعتبار أن التحقيقات التي قام بها مناضلو " الحزب الوطني الإفريقي الحر" أكدت أن " ماكسيم هاتي " الرجل المهم في السفارة "الإسرائيلية" تورط وبشكل شخصي في اغتيال القس " موباكو".. تلك هي العقبة الكبيرة التي كانت تواجهها "إسرائيل"، والتي كانت بمثابة الباب الموصد في وجه أي محاولة للتسلل إلى منطقة كان الأفارقة يناضلون فيها لأجل حريتهم وكرامتهم وحياتهم.. <BR><BR><font color="#FF0000">مخابرات الحرب والترويع: </font><BR>حادثة غريبة تبدو بسيطة من أول وهلة ولكنها حركت الكثير من الخيوط.. وجعلت الأسئلة تستيقظ.. فقد عثر على رجل أعمال صومالي مقتولا في شقته الواقعة في ضواحي مقديشو الصومالية..كانت الضحية اسما مهما من الأسماء التجارية الصومالية، فقد ترشح " إدريس بوما" للحصول على حقيبة وزارية قبل أن يقرر في النهاية الابتعاد عن الأضواء السياسية للانغماس في عالمه التجاري الذي لم يكن يعرف منه الصوماليون سوى شركيتين استثماريتين كانتا تشكلان الواجهة الأهم في الاقتصاد الصومالي من ناحية الاستثمار، بحيث أن إحدى الشركتين استطاعت التعاقد مع شركة تركية التي فتحت مكتبا لها في نفس العاصمة..<BR><BR>كانت الشركة التركية لا تعدو كونها شركة استثمارية أرادت أن تصنع من شعار " العمل واجب" فرصة لها لأجل استقطاب اليد العاملة الصومالية التي تعاني من الكساد ومن البطالة.. لهذا فقد اعتبرت الحكومة الصومالية شركة كهذه بمثابة النافذة التي بموجبها يمكن تشجيع شركات أخرى يمكنها تنفيذ مشاريعها على الأرض الصومالية الهشة لاعتبارات سياسية أكبرها الحرب الأهلية التي تنهش البلاد في الجنوب.. لكن حادثة الاغتيال تلك عرت جدارية ربما حاولت جهات كثيرة تغطيتها بالمشاريع الوهمية وبالمؤسسات التي كانت تؤدي الدورين.. فقط لأن الضحية الصومالية لم يكن رجلا عاديا، بل كان مرشحا لأداء دور سياسي كبير في البلاد، وبالتالي موته مقتولا بدا كافيا للعديد من الأسئلة التي سارعت فرنسا إلى طرحها لإحراج أطراف كثيرة تورطت في عملية الاغتيال وأهمها الشركة التركية نفسها التي فجأة كشفت جريدة " لوفيجارو" الفرنسية بتاريخ يونيو عام 1996 حقيقة شركتين تركيتين تعملان لصالح مكاتب الاستخبارات "الإسرائيلية"..<BR><BR>كان اسم الشركة الأولى هو نفسه تلك التي دخلت إلى الصومال حاملة شعار الاستثمار والرفاهية.. كانت تلك المرة الأولى التي يكشف فيها النقاب بشكل شبه صريح عن ذلك التواطؤ الحاصل بين مكاتب تجارية والكيان "الإسرائيلي"، فقد تورطت قبل سنتين تقريبا شركة يونانية فتحت مكتبها التجاري في العاصمة الكينية لتتضح علاقتها المباشرة بضابط المخابرات "الإسرائيلية" " دافيد توماس" الذي كان اسما من أسماء الموساد "الإسرائيلي" في القارة السمراء.. كانت تلك الشركة عبارة عن واجهة تجارية لمؤسسة أخرى كانت تنتقي معلوماتها الدقيقة من العديد من العواصم الإفريقية وبالتالي تنتقي الكثير من الأسماء التي تسعى "إسرائيل" للقضاء عليها، كما حدث مع رجل الأعمال الصومالي الذي كان متهما من قبل "إسرائيل" "بالتعاطف الزائد" مع القضايا العادلة وأهمها القضية الفلسطينية، بحيث كان محيطه من صحافيين وأدباء متكون من النشطاء في قضايا التحرير، وهي النقطة التي جعلت رجل الأعمال الصومالي يتعرض للتصفية الجسدية على اعتبار نشاطه التجاري في بعض العواصم التجارية منها لندن وباريس..<BR><BR>لعل الواقعة التي اعتبرت سابقة خطيرة في نهاية التسعينات كانت تفجير مقر الصليب الأحمر في العاصمة الأوغندية التي عاشت مسرحا سياسيا خطيرا في الثمانينات تمثل في ما اعترف عليه داخل أوغندا بالمحاولة الاستئصالية التي خاضتها بعض الجماعات المسلحة الأوغندية للمطالبة بالانقسام.. لكن في نهاية التسعينات وبالضبط في عام 1998، انفجرت سيارة ملغمة بالقرب من المقر العام للصليب الأحمر الأوغندي الذي كان على الرغم من كل شيء ينشط سياسيا أيضا بدعم لوجستيكي من هيئات كثيرة كانت تحاول تسويق الحرب وفق قناعات سياسية أخرى، لهذا تم الحديث عن ذلك التفجير على أساس مساومة من نوع آخر، اتهمت فيها جهات نضالية في النهاية، كالحزب القومي الأوغندي الحر الذي ظل يرفض التعامل مع "إسرائيل" معتبراً إياها مجرمة حرب..<BR><BR>كانت محاولة توريط الحزب القومي الأوغندي هي التي ـ بشكل ما ـ كشفت بشكل قد يبدو صدفة خيطا غريبا اتضح فيما بعض أنه مهم. كاميرا جدارية قريبة من المبنى استطاعت أن تسجل التفجير وتسجل أيضا السيارة التي استطاعت الفرار قبل الانفجار بدقائق، وكانت جريدة "بون" الألمانية هي التي كشفت عن ذلك الفيلم وكشفت أن رقم السيارة الهاربة كان يمكن اعتباره عاديا أو صدفة لو لم يكن خاصا بمؤسسة يديرها الأمريكي (اليهودي الأصل) "مايكل جي" الذي بدوره لم يكن أكثر من ضابط مخابرات تابع للموساد، حسب نفس الجريدة الألمانية. وإن اجتمعت الأدلة في الموضوع إلا أن إدانة الحزب القومي الأوغندي الحر ظلت قائمة، وتمت تصفية العديد من شخصيات ذلك الحزب داخل فوضى الحرب الداخلية المدمرة. <BR><BR><font color="#FF0000">الموساد والحرب القذرة: </font><BR>للموساد طرقه القذرة في شن الحرب على الآخرين، له أيضا طريقته في التسلل إلى الدول التي يتهمها أنها تشكل جبهات مقامة ضد القتل "الإسرائيلي" في الأراضي المحتلة، وضد الامبريالية ككل. في إفريقيا ملايين الجياع والفقراء ومشاهد الموت والحرب الأهلية المفبركة من الخارج وكلها أشياء فتحت الباب للعديد من "الهيئات" الإنقاذية كي تدخل وتتحرك على أساس إنساني، ليكتشف الجميع أن الحرب موجودة حتى إن دخلت في زي المساعدات الإنسانية، وهو الأمر الذي ساعد على جعل المخابرات "الإسرائيلية" متواجدة، وأكثر من ذلك قابعة في شكل شركات وهمية المداخيل، ووهمية الإدارات، تعمل على إيهام الحكومات أنها جاءت إلى بلدان فقيرة لأجل الاستثمار في موارد لا يعرفها حتى أصحاب البلد.<BR><BR>فأن تنتشر عشرات الشركات التركية واليونانية والقبرصية في كينيا ليس صدفة، بالخصوص وكينيا تشكل اليوم موقعا استراتيجيا مهما في منظور معهد الدراسات الإستراتيجية الأمريكية والذي اعتبر القرن الإفريقي في غاية الأهمية أيضا بالنسبة لأمريكا وحليفتها "إسرائيل" للحضور فيه والتحرك من خلاله، وبالتالي مراقبة الهيئات الأخرى والأحزاب والشركات التي تتهمها إسرائيل "بالنضال" والتعاطف مع القضية الفلسطينية منذ السبعينات إلى يومنا..<BR><BR>مجلة لوماجازين ديسرائيل الصادرة في فرنسا كتبت في أبريل من السنة الماضية أن الحركية المخاباراتية "الإسرائيلية" بمعية وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية شكلتا تحالفا قويا في إفريقيا التي لم تعد قادرة على التحرك من دون رقابة هؤلاء، وهو الأمر الذي أعاد إلى الأذهان الإستراتيجية الاستخباراتية التي أقامتها "إسرائيل" في دول اغتصبت أراضيها عنوة باسم " الإسهام الاقتصادي" مثل موريتانيا التي تبدو مستعدة لإقامة قاعدة أمريكية للمراقبة الجوية، وهو الاسم نفسه الذي سعت "إسرائيل" إلى إقامته في موريتانيا تحديدا في عهد الرئيس المخلوع معاوية ولد الطايع، والحال أن تصريحات الانقلابين الجدد لم تكن معارضة للفكرة، باعتبار أن الحديث عن علاقات طبيعية مع "إسرائيل" شكل زبدة الكتابات الصحفية الجديدة داخل وخارج موريتانيا، ودول الجوار مثل مالي والنيجر أيضاً!<BR><br>